إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود بمناسبة الذكرى التاسعة لجلوسه على العرش
(أم القرى العدد 1945 في 19 جمادى الثانية 1382 الموافق 16 نوفمبر سنة 1962)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
شعبي العزيز

          إن من دواعي سرورنا، بمناسبة انسلاخ السنة التاسعة على تولينا مقاليد مملكتنا، أن أتحدث إليكم رافعاً أكف الشكر لله تعالى على نعمه علينا، وعلى بلادنا؛ إذ وفقنا بإقامة شريعته، ورفع ألوية دينه، وللعمل على توفير الرخاء لبلادنا، باذلين الجهد لتحقيق أماني شعبنا، ورفع مستوى أمتنا الكريمة إلى المنزلة اللائقة بها. وإنكم لتشاهدون نشاط العمران والتقدم القائم في بلادنا، ونشر التعليم في جميع أنحائها، وإقامة الوسائل الصحية، وتيسير المصلحة لجميع أبناء الشعب، واستتباب الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، وربط أطرافها بوسائل المواصلات الصالحة.

مشاريع
          
ويسرني أن أخص بالذكر ما قمنا به لتوسعة وتعمير الحرمين، وتعبيد الطرق المؤدية إليهما، والإكثار من السبل الصالحة التي يسلكها حجيج بيت الله الحرام في عرفات ومنى؛ كي يتموا مناسكهم بيسر وراحة، كما إننا خطونا خطوات واسعة بالتعاون مع الشقيقتين الأردن وسوريا في إعادة بناء سكة حديد الحجاز، وقد توفَّقنا بعون الله إلى عقد اتفاقات شاملة مع الشقيقة الأردن في الشؤون العسكرية والاقتصادية والثقافية وغيرها.

إسرائيل
          ونحن نأمل وندعو غيرنا من البلاد العربية أن يشاركنا في هذه الخطوات؛ التي تعود علينا وعلى العرب جميعاً بالخير، فيجتمع شملهم، وتوحد صفوفهم لمواجهة الأخطار التي تجابه العروبة صفاً واحداً، لا سيما خطر إسرائيل، ولا ريب أنكم اطلعتم على بيان وزارتنا الرشيدة برئاسة أخينا الأمير فيصل الذي وضع بتوجيهاتنا وموافقتنا، وجاء شاملاً للإصلاحات الواسعة التي صممنا على إدخالها في جهاز الحكم ورفع مستوى أمتنا وسنعمل بحول الله وقوته على تنفيذ ما اشتمل عليه بكل ما نملك من جهد.

الفتنة الهوجاء
          
ويؤسفنا أن نشير إلى الفتنة الهوجاء، التي قامت في اليمن (وكانت الفتنة نائمة) فأوقعت تلك البلاد العزيزة في حرب أهلية طاحنة، حماها الله من شرورها. ففي الفترة القصيرة التي تقلد فيها جلالة الإمام محمد البدر مقاليد الملك معلنا عزمه على إدخال إصلاحات واسعة في اليمن، وبدأ فعلاً بإطلاق سراح المساجين السياسيين، ومنهم رؤوس الفتنة الذين قاموا بهذه الفتنة، وألغى النظم القديمة كنظام الرهائن إلى غير ذلك، مما يبشر بقيام عهد جديد  جزيل الخيرات في اليمن الشقيق، فاجأ جلالته جماعة من قواد الجيش الذين بايعوه على الطاعة والولاء، فاستولوا على الحكم، وأعلنوا قتل جلالته، وأعدموا جميع من طالته أيديهم من إخوانه، وأفراد أسرته، ووزرائه، وكبار موظفيه، وغيرهم من رجالات اليمن.

لم نسمح لأنفسنا بالتدخل
          
واتباعاً لسياستنا المعلنة، والتي نفذناها في جميع المواقف، من عدم التدخل في شؤون شقيقاتنا العربيات الداخلية، فقد أمسكنا عن القيام بأي عمل، ولكننا بقينا مُتَمسكين بالاعتراف بحكومة جلالة الإمام البدر الشرعية؛ التي ما زالت تعترف بها الأكثرية الساحقة من دول العالم، ورأينا من واجبنا لبلادنا أمام هذه الفتنة الحمراء القائمة بجوارنا أن نعزز حامياتنا بالقرب من حدودنا الجنوبية، فلم نسمح لأنفسنا بالتدخل في القتال القائم بين فئة الضباط المتمردين والقوى الوطنية التي انتظمت أكثرية الشعب اليمني الساحقة تحت ألوية الإمام الشرعي، الذي أنقذه الله من موت أرادوه له واستمروا بإعلانه.

          ولا نزال ندعو جميع الدول وخصوصاً العربية منها أن تكف عن المداخلة في اليمن، وأن تترك لشعبه الأصيل حقه في تصفية شؤونه الداخلية بنفسه؛ ليظهر إرادته وتصميمه في حكم بلاده.

تدخل حكام القاهرة في اليمن
          ويؤسفنا أن يقوم حكام القاهرة بالتدخل السافر في هذه الفتنة الداخلية بإرسال الجيوش المصرية إلى اليمن؛ لسحق شعبها، وفرض إرادتهم فيها مستعملين جميع وسائل الفتك والتنكيل، بواسطة طائراتهم؛ لهدم المدن والقرى، وقتل الأبرياء الآمنين. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى التعدي على حدودنا، وعلى رعايانا الآمنين مما اضطرنا إلى قطع العلاقات السياسية مع مصر. وتلقاء هذا العدوان المستهجن ليس لنا إلاَّ أن نسأل الله تعالى أن يلهم الشقيقة مصر العودة إلى محجة الصواب وأن يتركوا اليمن لأبنائها؛ كي يظهروا للعالم إرادتهم الواضحة، وأن يعين الشعب اليمني في نضاله لإظهار الحق، وإزهاق الباطل، وهو ولينا ونعم النصير.