إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



تابع الملحق الرقم (5)

ز. رسالة من الإمام سعود بن عبدالعزيز

إلى عامة المسلمين(*)

بسم الله الرحمن الرحيم

من سعود بن عبدالعزيز إلى من يصل إليه من المسلمين، سلمهم الله تعالى من الآفات واستعملنا وإياهم بالباقيات الصالحات، وجنبنا وإياهم فعل المحظورات، ووقانا وإياهم السيئات آمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد، موجب الخط النصيحة لكم والشفقة عليكم والعذر من الله، حيث استرعانا عليكم، أني أبذل لكم جهدي، في كل ما أقدر عليه، خفاء وبياناً، فيما يصلح به أمر دينكم ودنياكم، والله تعالى، وجل ذكره، وتقدس اسمه، وتعالى جده، ولا إله غيره، منَّ علينا وعليكم بالحنيفية، ملة إبراهيم، ودين محمد عليهما أفضل الصلاة والسلام، وأعطاكم به من جميع المنح الربانية، والنعم الإلهية، ما لم تظنوا، والله تبارك وتعالى قال ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ونعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله التامات، من غضبه وعذابه، وأليم عقابه، ونسأله أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهمسورة النساء، الآيتان: 69 ـ 70 مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا . وقد جاءكم نصائح كثيرة وأمر وإلزام، وأرى العمل قليلاً، والمصالح عائدة لكم في الدنيا والآخرة، والمضار عائدة لكم في الدنيا والآخرة.

وأعظم ما نوصيكم به ونرغبكم فيه، وصية الله في الأولين والآخرين، وهي معرفة هذه النعمة العظيمة، والمنحة الجسيمة، دين الإسلام الذي ليس لله دين سواه، ولا يقبل من أحد ديناً غيره، كما قال تعالى:سورة المائدة، الآية: 3 الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا . وقال تعالى:سورة آل عمران، الآية: 85 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ . وكما ذكر عن عمر ، حيث قال: إن للإسلام فرائض وشرائع وحدوداً، فمن استكملها، استكمل الإيمان. وقال تعالى:سورة البقرة، الآية: 208 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً . والدين عمل كما ذكرنا: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، ولا بد من العمل بالدين، والصبر على الأمر، والنهي، إلى الممات إن شاء الله.. ومواعظ القرآن كثيرة كافية.

ومن لا يتعظ بكلام الله لم يتعظ بغيره، ولكن أخوف ما أخاف علينا وعليكم، من عدم العمل بما نعلم، ومن قسوة القلوب، ومن طول الأمل، ومثل ما ذكر عمر: أنها تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، وكثرت عليكم المراسلات والأمر والإلزام، وأنا أخاف عليَّ وعليكم خوفاً شديداً من عدم العمل، ومن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك بعض الأمر، خوفاً من أمر يجب عليكم، فتقع به مضرة، وأنتم خابرون، أني ملزم الأمير يقوم على الناس في أمور دينهم، من حيث الجملة من تعلم وتعليم، ويقوم على الناس في قمع من جرى منه شيء يستوجب إن كان الأدب فيه حكم شرعي، أو حد، لزمه الإمضاء، وإن كان أدباً غير أدب يعهده على قدر ما يردع أرباب المعاصي، والقومة على الناس في تفريق الرديين (الرديئين) وفي جمع الذي يدعي الدين، والقومة على الناس في أنواع التهم، والقومة على أهل مواقف التهم، والقومة عليهم في بخس المكاييل والموازين ومن مداخلة الربا في البيوع، وبخس الزكاة، أو إعطائها من أرذل المال، وما جرى مجرى هذا، والقومة في الجهاد، من إتمام السلع والسلاح الطيب، والرجال الطيبين، والقومة على الخيل وتمام آلاتها.

وكذلك الجهاد الداخلي من رهن الزهبة، والبناء على البلدان وغير ذلك، وانتم خابرون أني ملزم كل من يخاف اللّه ويرجوه، القومة مع الأمير بهذا كله: فان تردى الأمير، فالذي له دين يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وينصح أميره بالقيام، فاذا ما قام الأمير، فيرفع لنا الخبر، وأنتم تفهمون أنه ما يجيء بني آدم نقص، ولا قحط، ولا تسلط عدو، ولا غير ذلك من أنواع العقوبات، والمصائب، الا بسبب أفعالهم، وعفو اللّه أكبر. وأنتم في شهر مبارك تقبل فيه التوبة، وتقال فيه العثرات، وتجاب فيه الدعوات، ومستقبله عند انقضائه إن شاء اللّه حج وجهاد في سبيل اللّه، فأنتم استعينوا باللّه على أنفسكم الظالمة لكم، وقلوبكم القاسية، فإن اللّه نعم المولى ونعم النصير، وأنا كنا لبئس العبيد، وتوبوا إلى اللّه جميعا أيها المؤمنين لعلكم تفلحون.   

وقوموا بما أوجب عليكم إيماناً واحتساباً، واحذروا مخالفته، فان مخالفته دمار الدين، ونزول دار البوار، أعاذنا اللّه وإياكم من ذلك، وهذه الأمور، اختبار من اللّه تبارك وتعالى، كما قال تعالى:سورة الأنبياء، الآية: 35 وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، ونسأله لنا ولكم الهداية، وبه التوفيق والحماية عما يغضبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.  وأنتم خابرون أني قد لزّمت على كل أمير ناحية، يخص على خمسة عشر، أو أكثر أو أقل، من أهل بلدانه، ويلزمهم طلب العلم، لأنه أمر ضروري، ومثل ما ذكر: أن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بموت العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس، رؤساء جهالأ فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلُوا وأضلُوا.

ولا أعذر كل أمير ناحية، إلا عنده ناس "مخصوصين"، يلزمهم طلب العلم، ويكتب لنا أسماءهم في ورقة، ونوصلهم لهم إن شاء الله ما يعاونهم على معيشتهم، ويحتسبون الثواب عند الله، كما ذكر لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النَّعَم، وأيضاً للمساكين في كل بلاد معزول لهم حقهم الذي فرض الله لهم، ربع الزكاة، وألزمنا نظراءهم يشرفون على ربع الزكاة في كل بلاد، ويفرق على الفقراء والمساكين، ويذكر لنا أن بعض النظراء يحط الربع، أو شيئاً منه وفاء، أو رفداً لأهل الأموال، وهذا أمر لا يحل، ولا نرضى به، ولا نأذن به، لا أحد يأخذ منه شيئاً، جديدة(*)  فيما دونها، ولا بد منه، يوحد للفقراء وللمساكين، ولا يعط منه إلا الأحوج ما يكون له، والسلام، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.


(*) الدرر السنية في الأجوبة النجدية، ج1 ص.

(*) جديدة، عملة نقدية.