إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



خطاب الرئيس جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

تحفظ واحد على هذا الموقف القاطع الذي لا حياد فيه هو أن السلام الذي نريده هو السلام القائم على العدل دون تفرقة ودون تمييز. بهذا الإيمان في أعماق ضمائرنا وبهذا الهدف أمام عيوننا، جئنا إلى هذه الدورة مؤمنين أنه في مجالها، في مجال الأمم المتحدة، يكون العمل الفعال من أجل السلام. ومع أننا نؤمن بكل جهد يبذل من أجل السلام مهما كان مجاله، فأننا نؤمن في نفس الوقت أن احتمالات النجاح أقوى في نطاق الأمم المتحدة منها في أي مجال آخر خارجها.

          من هذا كان تأييدنا لمؤتمر القمة الذي كان مقرراً عقده في باريس في 18 مايو الماضي. ومن هنا كانت أمانينا الصادقة لأن يحقق ما كان مرجوا له، أو بعضه على الأقل.

          ومع أننا نؤمن بأنه قد مضى ذلك العهد الذي كانت الدول الكبرى فيه تملك وحدها تشكيل صورة المستقبل إلا أن ذلك لم يقلل من اهتمامنا بمؤتمر باريس أو يضعف من تقديرنا للآمال المعلقة عليه.

          ليس أنه في مشكلة السلام يصبح كل جهد مهما كان مصدره ومهما كان شكله بابا من أبواب الرجاء.

          ولما انتهى مؤتمر باريس إلى النهاية المؤسفة التي سار إليها بحكم ما سبقه وما أحاط به من ظروف، كان رأينا أنه لا ينبغي لنا بحال من الأحوال أن نترك هذه الصدمة تقتل الأمل في السلام وأنما وجدنا في هذه الصدمة حافزاً جديدا لشحن العزائم نحو جهود أكبر وأوسع مدى. ولم نجد أمام العالم خياراً يعوضه عن ذلك إلا أن تترك البشرية نفسها للشكوك والمخاوف وللتحفز والتربص والتجسس الأمر الذي يدفع عالمنا إلى ظلام دامس لا يري فيه مواضع قدميه.

          ولقد كان ترحيبنا فائقاً بأن تكون الأمم المتحدة هي ميدان هذه الجهود وأُفقها الواسع إيماناً بأن وحدة المصير العالمي إذا ما وقعت الحرب تفرض مشاركة واسعة تحمل المسؤولية لصيانة السلام.

          وليس هناك من تنظيم يمكن أن يجمع هذه المشاركة الواسعة في تحمل مسؤولية السلام خيرا من هذه المنظمة التي هي في حقيقتها تجسيد عملي لرغبة الشعوب في هذا السلام، كما أنها الإطار الذي ارتضته الشعوب الحرة كلها تنظيما لهذه الرغبة. على أن ضرورة مواجهتنا للموقف في أمانة تحتم علينا أن نحدد بوضوح أن نصيب كل منا في تحمل المسؤولية إنما يرتبط بقوته وطاقته.

          وهكذا فان الدول الكبرى تحمل من هذه المسؤولية في حدودها المادية أكثر مما تحمله غيرها من الدول. وإن كان التساوي بيننا جميعا في مسؤولية الضمير. وإذا كنا جميعا نملك بقدر متكافئ أمل السلام، فان الدول الكبرى تمسك أكبر المفاتيح لهذا الأمل. ذلك أن الأمل مهما كانت درجته لا يملك وحده أن يخفف حدة التوتر العالمي ولا يملك أن يزيل الشكوك والمخاوف ولا يملك أن يرفع القواعد العسكرية المتحفزة ولا يملك أن يلقى في المحيط بأدوات التدمير النووي المكدسة في المخازن أو المتأهبة على الصواريخ العابرة للقارات.

<10>