إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



خطاب الرئيس جمال عبدالناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة

وأمريكا اللاتينية، وما قد تدهشنا مظاهره الحادة، إنما هو في حقيقة أمره من بعض مظاهر الاندفاع نحو التحرر الاقتصادي.

         إن الشعوب الحديثة الاستقلال تؤمن أن حريتها الحقيقية هي في إيجاد مستوى من المعيشة لائق بأبنائها ثم أن الشعوب الحديثة الاستقلال ومن واجبي أن أقول ذلك هنا بصراحة تتعجل الطريق إلى النمو الاقتصادي وتشعر أنها لم تعد تملك الوقت لتضيعه بعد التخلف الطويل قياسا إلى غيرها.

         ولقد يكون هناك من يرى أن العجلة طريق إلى الخطأ، ولكننا إذا سلمنا بذلك نكون قد ارتكبنا خطأ أكبر هو نسيان طبيعة الظروف، أن طبيعة الظروف التي نعيش في ظلالها الآن تجعل من الانتظار الطويل أمرا لا تحتمله الشعوب ولقل التقدم العلمي أول هذه الظروف التي نعيش في ظلالها. ذلك أن أي فلاح في أقصى الجنوب من وطننا في أسوان إلى أقصى الشمال من وطننا في القامشلي مثلا يملك بلمسة أصبع أن يدير أحد أجهزة الراديو أو يجري بعينيه على سطور جريدة فإذا هو يسمع ويرى عن مستوى المعيشة الكريم الذي وصل إليه المواطن الأمريكي العادي، أو يسمع ويرى عن الأعمال الباهرة التي تقوم بها شعوب الاتحاد السوفيتي، ثم إذا هذا المواطن يقارن بين حاله وبين ما وصل غيره إليه. ثم إذا الثورة تملك نفسه من غير حقد على غيره نزوعا إلى رفع مستوى معيشته ومساواة بينه وبين غيره من البشر الأحرار.

         ولقد يقال لشعوبنا أن الصبر ضرورة وأن شعوباً غيرنا قد تحملته. وانما دعوني هنا أذكر بأن طاقة أي جيل على الصبر تقاس بظروف هذا الجيل وبظروف غيره من الأجيال.

         والذين كانوا يقدرون عل الصبر مثلا حتى يقطعوا المحيط في قارب يدفعه الريح يختلفون تماما عن الذين يقدرون على قطع المحيط في بضع ساعات بطائرة نفاثة.

         وليست هذه صورة من صور الكلام وانما هي صورة من صور الحقيقة ذاتها في هذا الزمان الذي نعيشه. وأن شعوبنا لتشعر أنها قد فاتها عصر البخار وفاتها عصر الكهرباء ويوشك أن يفوتها عصر الذرة بإمكانياته الرائعة، من هنا نرى تصميم الشعوب على تحقيق حريتها الاقتصادية، ومن هنا نرى اندفاعها العنيف في ميادين التطوير الصناعي والزراعي وميادين المساواة الاجتماعية.

         وإذا كنا نرى للأمم المتحدة دورا عظيما في دفعنا للتطور، إلا أننا نجد من الأمانة علينا هنا أمامكم أن نقول أن الشعوب المتطلعة إلى الحرية الاقتصادية لن تنتظر، أنها ستقبل كل عون يقدم إليها عن طريق الأمم المتحدة، وأنها لن تتردد في قبول كل عون غير مشروط يقدم إليها خارج الأمم المتحدة. أنها سوف تمد أقدامها لتخطو كل خطوه تقدر على خطوها، ولسوف تحارب مصممة ضد كل عائق يحول بينها وبين هدفها. كما أنها سوف تقدر شاكرة كل عون يقربها من هذا الهدف. وأنها لتؤمن مخلصة أن اقترابها منه هو طريقها إلى السلام بل هو طريق غيرها إلى السلام أيضاً. ولسوف تجدون في هذا الاندفاع التاريخي الحتمي تفسيراً أميناً لهذه الهزات العنيفة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وعلى ضوئه وحده يبدو المعنى الأصيل للثورات العنيفة التي تعتمل في مختلف أقطار هذه القارات.

<13>