(تابع) كلمة الرئيس جمال عبدالناصر في مجلس الأمة حول حوادث الأردن

والأمريكية، وحقق هدفه الأول حينما جلت القوات البريطانية في شهر مارس الماضي. واليوم -أيها الأخوة- تحتفل ليبيا بجلاء آخر جندي أمريكي عن القواعد الأمريكية.

أيها الأخوة المواطنون أعضاء مجلس الأمة

          قبل أن أترك هذا المكان لأخي معمر القذافي، فإنني أجد لزاماً علي أن أتوجه نحو ما يحدث الآن في الأردن، وما يجري الآن في الأردن خطير والمسئولية التاريخية فيه فادحة، وآثاره القريبة والبعيدة غالية الثمن على نضالنا كله وعلى مستقبلنا كله.

          في الأردن الآن قتال بين أخوة السلاح وبين رفاق المصير الواحد.

          وفي الأردن الآن سلاح عربي لا يتجه إلى العدو، وإنما يتجه إلى الذين كان عليهم قتال العدو، وكانوا يقاتلونه فعلاً.

          وفي الأردن الآن مأساة، وليس هناك مع الأسف الشديد وصف آخر نستطيع العثور عليه لوصف هذه المذبحة التي تشهدها عمان الباسلة وغيرها من مواقع البطولة في الأردن الصابر والصامد.

          إن هذا الذي يحدث في الأردن ليس نزيفاً في الدم وحده، ولكنه نزيف في المشاعر وفي الفكر وفي العقل وفي الأعصاب لأمة عربية تواجه مسئولية أقدار حاسمة.

          لقد كنا -أيها الأخوة- نعرف طبيعة العلاقات بين السلطة الأردنية وعناصر المقاومة الفلسطينية، وكنا نقدر أسباب التوتر في هذه العلاقات، ما كان منطقياً فيها وما كان مصطنعاً. ولكننا كنا في نفس الوقت نرى الرغبة في التنسيق ترتفع بالمواقف فوق كل أسباب التوتر.

          وكنا -أيها الأخوة- نعرف ظروف نشأة المقاومة الفلسطينية من وسط أنقاض سنة 1948 وسنة 1967، وكنا نقدر هذه الظروف. ولكننا كنا في نفس الوقت نتابع محاولات الوحدة بين منظمات المقاومة، وخصوصاً ما تم إنجازه منها في المؤتمر الفلسطيني الأخير الذي أتم اجتماعاته في القاهرة قبل أسبوع واحد، وكنا واثقين أن الخطر أقوى في صنع الوحدة من أي نوازع أخرى.

          وكنا -أيها الأخوة- نرى محاولات الاستعمار وأعوانه في الوقيعة بين رفاق المعركة الواحدة، شركاء الواقع الواحد والمصير الواحد، وكنا نرى ضراوة هذه المحاولات وجموحها الاستفزازي الخطير. لكننا كنا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون من ذلك مثل ما نرى، وأن وعيهم بضرورات الموقف أشمل وأعمق، بحيث يعطي لنفسه القدرة على تطويق كل هذه المحاولات وحصرها.

<2>