إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



كلمة الرئيس أنور السادات، في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، 6 مايو 1971
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الأول 1971، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص 116"

         بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على صاحب الذكرى أشرف المرسلين.

أيها الإخوة..

         نجتمع اليوم فى هذا المكان الطاهر، لكى نحتفل بذكرى محمد صلى الله عليه وسلم. نجتمع اليوم لكى نتحدث حديث المناجاة، فما أحوجنا ونحن فى هذه المعركة الضارية من أن نعود إلى أنفسنا من آن إلى آخر لكى نتحدث مع أنفسنا حديث المناجاة، ومعركتنا التى نخوضها اليوم تتطلب منا أن نتزود بكل الأسلحة.

         وكما قلت لكم: جاءنا محمد بن عبد الله فى رسالته بأقوى ما تزودنا به من سلاح، جاءنا بالايمان، على مر العصور قاست بلادنا من المحتلين والغزاة والطامعين، فما لانت بلادنا أبدا لأحد، وانتصر دائما شعبنا فى النهاية، وفى أغلب تلك المعارك عبر التاريخ كان شعبنا ينتصر فى معاركه، وهو أعزل من كل الاسلحة، الا سلاح واحد، هو سلاح الايمان. إن خير ما نتأسى به في يومنا هذا وفى معركتنا هذه، هومحمد بن عبد الله، من قبائل متناثرة متناحرة.. من قبائل متنافرة.. من جاهلية شرسة متعصبة، برسالة محمد وبرسالة الايمان قامت الأمة العربية، وقامت حضارة يعترف الأوربيون اليوم بأنهم أخذوا عنها فى عصرنا الحديث من كل العلوم ومن كل الفنون أسسا، لايستطيعون انكارها كل هذا حينما جمع محمد بن عبد الله هذه القبائل المتناثرة وهذه القبائل المتنافرة. ليجعل منها امة الايمان، امة الرسالة، امة الحضارة، وتعلمنا درسا، تعلمنا درسا على يد محمد بن عبد الله وعبر تاريخنا كله ما اجتمع العرب أبدا الا وكانت لهم حضارتهم وكانت لهم مكانتهم.

         وما ذل العرب ابدا وما تفرق العرب الا وذلوا والا تسرب اليهم المستعمر والدخيل. من أجل ذلك، ونحن فى هذا اليوم وفى هذه الذكرى العطرة ونحن نستعرض تاريخنا. نحمد الله سبحانه وتعالى أن أتم علينا نعمته وبدأنا لكى نتم ما بدأه جمال "رحمه الله". لقد آمن جمال. لقد عاش جمال وآمن بأن اجتماع العرب ووحدتهم هى قوتهم وهى مناعتهم وهى رسالة الإيمان التى نحملها جميعا. عمل لها جمال طول حياته. ويجب أن نفخرجميعا نحن شعب مصر، بأن هذا الشعب وهذه الأرض الطيبة، والأزهر، هم الذين حافظوا على رسالة محمد بن عبد الله  في أحلك الظروف التى تعرضت لها هذه الرسالة، من قبل الغزاة والمستعمرين، ومن قبل الطامعين. آمن جمال بكل هذا، وعمل من أجل أن يجمع كلمة العرب حتى تكون عزتهم. أحمد الله سبحانه وتعالى، وفى هذه الأيام المباركة، ونحن نعلن، فى الاعلان الذى أعلناه مع سوريا ومع ليبيا قيام دولة الاتحاد، ودولة اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة، إنها جزء من المعركة التى نخوضها من أجل عزة العرب ومن أجل كرامة العرب، إنها جزء من المعركة التى نخوضها إيمانا منا وترجمة منا للرسالة التى حملها إلينا محمد بن عبد الله، واليوم أيضا وفي هذه الأيام وقد حدثتكم منذ بضعة أيام عن بناء دولتنا الجديدة التى كان يحلم بها جمال، وقلت إنها دولة تقوم على  العلم والإيمان، نعم. إن كل شيء على أرضنا. إن تاريخنا كله تراثنا كله أجيالنا كلها.. كل ما بنيناه معرض للدمار ان لم نقف ونبنى دولتنا الجديدة البناء الصحيح. والبناء الصحيح كما قلت لكم. لايكون الا على العلم والايمان، بالعلم لن نتخلف أبدا عن كل ما فى العصر من مستحدثات، ولن نعيش أبدا متخلفين. بل علينا ان نعود الى حضارتنا، والى ما بنيناه عبر تاريخنا وأخذ منه غيرنا وبنى عليه، اما بالايمان فسنكون دائما قوة صلبة منيعة لا يستطيع أبدا أن يتعرض لها أى عاد أو غاز أو مستعمر أو معتد. الايمان بالله سبحانه وتعالى والايمان بأرضنا وترابنا بكل شيء فى بلدنا، الايمان بتاريخنا، الايمان بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. الايمان الذى لايتزعزع فى اننا "بعون الله وبارادة الله" سنجعل من هذا الوطن عائلة واحدة.

         قد نكون الآن ونحن في المعركة نعيش ظروفا صعبة انا أعلمها كلنا نعيش ظروفا صعبة، لأننا جميعا وعلى كل مستوياتنا نساهم فى دفع تكاليف هذه المعركة وفى توفير كل شيء لابنائنا الذين نعتز بهم والذين يقفون اليوم على جبهة القتال، ولكن أريد أن أقول لكم فى هذا اليوم وفى هذه الذكرى العطرة إننى مؤمن بأن الله سبحانه وتعالى سيهبنا النصر إن شاء الله.

         إننى مؤمن بأن الله سبحانه وتعالى معنا ما دمنا محافظين على وحدتنا، وما دمنا مستعدين أن نؤدى للمعركة كل ما تريد من تكاليف. ونحن فعلا مستعدون لذلك، ونحن فعلا نقوم  بذلك، إننى فى هذه الذكرى.. وفى هذه الذكرى أريد أن أحمل الى كل فرد في شعبنا المصرى الصبر الصامد المؤمن، أريد أن أحمل إليه تحية وإكبارا لأن هذا الشعب أثبت أنه أصلب من كل المعتدين هذا الشعب أثبت أن أصالته عبر التاريخ أصالة مجيدة، أريد أن أقول لكل فرد فى مصر، إننى فخورعلى العالم كله بهذا الشعب وبصمود هذا الشعب، لقد أرسل الله سبحانه وتعالى لنا العلامات فى السنوات الثلاث الماضية، بارك الله لنا في محاصيلنا كما لم يحدث منذ ثلاثين سنة. وفى الشهر الماضي.. وفي الشهر الماضي بدأ البترول يتفجر، كل هذه علامات من الله سبحانه وتعالى تقول لنا، إنه معنا وتقول لنا إن الأمل رائع، والمستقبل باهر برغم أن المعركة ستكون شرسة ولن أقلل امامكم أبدا مما ستتطلبه من تضحيات، ولكن برغم ذلك، كما قلت لكم، بعون الله سننتصر وبعون الله.. سنبنى دولتنا الجديدة على العلم والايمان، وبعون الله سنجعل من شعبنا كله عائلة واحدة يحس فيها كل إنسان بأخيه يحس فيها كل فرد بما يعانيه أخوه ولن يمر عام " إن شاء الله" حتى يكون المشروع الذي كان يجمع له جمال وأعطيته لوزير الخزانة لن يمضى عام بعون الله وفى مثل هذه الذكرى، الا ويكون  كل  فرد فى هذه العائلة المصرية مؤمنا بمعاش، علينا أيها الإخوة أن نرفع رؤوسنا، فنحن نحمل رسالة محمد بن عبد الله، رسالة الاخاء رسالة الايمان رسالة الصلابة فى الحق، رسالة التصدى للباطل. علينا أن نرفع رؤوسنا، وأدعو الله سبحانه وتعالى، أن يهبنا صلابة الايمان ومتانة اليقين وحلاوة الصفاء حتى نستطيع أن نبنى مصر، امنا وعائلتنا بأيدينا وبعرقنا وأن ندفع عنها كل شر، وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله.


<1>