إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في الذكرى الثانية لوفاة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر،28 سبتمبر 1972
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الثاني لعام 1972، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص 168 - 172"

هذه الأرض.. يجب أن يكون أمرهم شورى بينهم من أجل ذلك.. فأنا أقول إن تحالف قوى الشعب العاملة، كان نظرية.. وقمة من قمم عبقرية جمال عبدالناصر.

         كما قلت هو منطقى مع نفسه، لأنه يتصرف من واقع الشخصية المصرية، فهو أول حاكم مصرى يأتى بعد ألفين سنة.

         ولنستعرض هذه الشخصية فى بعض مراحل كفاحه.. لن نستطيع فى هذا الاجتماع أن نلم بكل مراحل كفاحه، أو بكل ما صنع، نستطيع فقط أن نمر مرورا على بعض المواقف. فى عدوان سنة 56، امبراطوريتان من امبراطوريات العالم الكبرى فى ذلك الوقت، الامبراطورية البريطانية، وكان ايدن رئيس وزرائها، والامبراطورية الفرنسية، وكان جى موليه رئيس وزرائها.. يرسلان انذارا إلى مصر.. حينما تمارس مصر إرادتها على أرضها بتأميم قناة السويس، وتتحرك الجيوش البريطانية والفرنسية، ويأتى الانذار لعبد الناصر وكلكم تعلمون ما كانت عليه قوتنا في ذلك الوقت بالنسبة لقوة الامبراطوريتين الاثنين اللى كان من وراهم حلف الأطلنطى أيضا، يقف عبد الناصر فى الشخصية الصحيحة، ذات الأبعاد الثلاثة، الأصالة.. الصلابة .. الإيمان، ويرفض الانذار، فى الوقت الذى كانت تتساقط فيه القنابل على مدننا.. هنا كان جمال عبد الناصر يقف فى الأزهر، وينادى: سنقاتل.. سنقاتل في وجه كل أولئك الأقوياء. ما سر هذه القوة ؟.. وبالحساب المادى.. سلاح حلف الأطلنطى، وسلاح الامبراطوريتين أمام  سلاح  نكاد نكون فيه عزل.. ما سر هذا ؟ هو نبع الشخصية المصرية ذات الأصالة وذات الصلابة، وذات الايمان.. وصمد عبد الناصر.. وصمد شعبنا كله، لأنها شخصيته.. إرادته. واندحر العدوان.

         حينما عقدنا صفقة الأسلحة الأولى سنة 55، وقامت قيامة أمريكا والدول الغربية .. لأننا كسرنا احتكار السلاح.. وبدأوا التهديد.. والوعيد.. وأعلنت أمريكا أنها بسبيلها إلى إرسال مندوب إلى مصر لكى يقدم انذار، وكيت وكيت.. ببساطة كان رد عبد الناصر " انني لا أقبل أى تدخل في شئونى الداخلية وأية كلمة سيلفظ بها هذا المندوب سأطرده " وجاء المندوب ولم يفتح فمه بكلمة واحدة بل تحدث فى مواضيع أخرى، الشخصية المصرية بأبعادها، الصلابة.. والأصالة.. والايمان..

         منزيس رئيس وزراء استراليا أرسلوه بعد تأميم القناة مفوض عن مؤتمر لندن الذى انعقد في لندن في صيف 56 وجاء ليتفاوض مع عبد الناصر. ومنزيس من غلاة الاستعماريين، واعتقد في وقت من الأوقات أنه يستطيع أن يوجه انذارا لعبد الناصر، أو أن يخيفه، واجتمع به عبد الناصر.. وناقش معه القضية بكاملها، وفى اللحظة التى ظن فيها منزيس رئيس وزراء استراليا أنه يستطيع فيها أن يحاول تهديد عبد الناصر، كان الحديث فى مجلس قيادة الثورة، يدوبك نطق بأول كلمة عن الغرب.. وقوة الغرب، قفل عبد الناصر الورق أمامه وقال له المقابلة انتهت، أنا لا أقبل انذارات.

شخصية عبد الناصر.. شخصية مصر

         فى نفس هذا الوقت، لكى تتضح لنا جوانب شخصية عبد الناصر، التى هى فى الواقع شخصية مصر، حينما عقد مؤتمر لندن.. وكان الهجوم على مصر.. وعلى عبد الناصر بالذات فى أوج مراحله تعدى كل الحدود، قرر عبد الناصر أن يسافر الى لندن لحضور مؤتمر لندن، وفعلا جهزت الطائرة.. وجهز الوفد.. وشعر ايدن هناك. عبد الناصر رايح لأنه مؤمن بحقه فى تأميم قناة السويس، وحق بلده، رايح بشخصيته المصرية الأصيلة. الصلبة.. المؤمنة.. رايح يواجه الكل فى لندن، عندئذ لجأ ايدن الى ما عابوه عليه.. حتى البريطانيين.. وحتى حزبه نفسه.. إلى تجريح عبد الناصر تجريحا يستحى معه أن يسافر عبد الناصر، ولكن كانت الطائرة فى المطار.. والجوازات.. وكل شىء كان معد ليه، لا يتردد أبدا فى أن يواجه الكل، وفى مكانهم.. في عقر دارهم .. لكى يثبت حقه.. وحق بلده.. بالأصالة.. والصلابة.. والإيمان - بأبعاد الشخصية المصرية.

         حين تطلب الأمر أن تصفى الامتيازات الطبقية في مصر لم يتردد عبد الناصر.. ولكن لم يلجأ إلى ما ينادى به البعض فى العالم.. أو ما فعله البعض فى دول أخرى.. وإنما تصفية هذه الامتيازات حتى من قبل صدور الميثاق، والنص فيه على تذويب الفوارق سلميا، حتى من قبل أن يصدر هذا الميثاق.. لجأ فعلا الى تصفية امتيازات الطبقة سلميا، ولم يلجأ إليها دمويا، لأن هذا من واقع شخصيتنا المصرية.

         ونص على هذا فى الميثاق بعد ذلك، ولكن كانت هذه قوانين يوليو الاشتراكية سنة 61، كانت قبل صدور الميثاق سنة 62، في كل تصرف.. فى كل انفعال.. كان ينفعل بمصر.. بأرض مصر.. بتراب مصر.. بالشخصية المصرية ذات الأصالة.. والصلابة.. والايمان. في عمله من أجل الوحدة العربية أيضا، نحن نعلم، عبر التاريخ.. أن الوحدة العربية مصيرا، الوحدة العربية ليست شعارا، أو ليست مجرد امبراطورية تكون.. كما هاجمه أعداؤنا فى ذلك الوقت، أبدا.. الوحدة العربية مصير مشترك حتمى. أوربا الغربية اليوم، فرنسا الامبراطورية، ألمانيا الغربية أغنى دولة فى العالم، انجلترا الامبراطورية.. كل هؤلاء اليوم يبحثون عن سبيل لاقامة وحدة بينهم.. لأنه ما عدش للكيانات الصغرى بقاء فى عالم الأقوياء الذى نعيشه اليوم اهتدى عبد الناصر قبل أن يبحثوا هؤلاء. أو يهتدوا هؤلاء.. اهتدى عبد الناصر بفطرته المصرية.. الصحيحة.. السليمة.. الى أن الوحدة العربية قدر ومصير. وقف الى جانب ثورة الجزائر، وقف الى جانب ثورة اليمن، قامت الوحدة .. أول وحدة عربية بين مصر وسوريا، وحينما تآمر المتآمرون لضرب هذه الوحدة.. تصرف عبد الناصر أيضا بوحى من الشخصية المصرية.. لقد وقع التآمر.. فهل نسفك الدم ؟

<2>