إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          واذا كانت الثورة قد انجزت الكثير فى مجال الحرية الاجتماعية، فاننا بكل أمانة لابد ان نسلم ان جانب الحرية السياسية لم يتحقق على الوجه الذى يريده الشعب. بل لقد فرضت الأجهزة ومراكز القوى وصايتها على الجماهير وتعددت القيود والاجراءات، بل وصل الأمر الى حد صرف اجراءات التحول الاجتماعى عن هدفها الانسانى الأصيل واستغلالها لارضاء احقاد شخصية أو مصالح مجموعات معينة.

          وبدعوى الدفاع عن الاشتراكية تارة، وعن أمن الدولة تارة أخرى، أغلقت كثير من الأبواب، وسدت مسالك كان يجب أن تفتح أمام العمل الوطني. أن من حق كل مواطن ان يأمن على نفسه وعلى رأيه وعلى عمله وعلى كسبه المشروع. الأصل فى كل مواطن افتراض أمانته ما لم يثبت القضاء تطبيقا للقانون، انه أخطأ فى حق غيره أو فى حق المجتمع.

          أن شعبنا بالغ رشيد لا يحتاج لوصاية أحد. ومن هنا كان عملى الدؤوب على تصفية مراكز القوى، وعلى تحقيق سيادة القانون، واقامة دولة المؤسسات، وتأمين المواطن على يومه وغده.

          اننى أؤمن بأنه لا معنى للحرية السياسة بالنسبة للجائع الذى يضطرالى بيع صوته فى الانتخابات، ولكننى أؤمن أيضا بأنه لا جدوى للقمة العيش اذا فقد الانسان أهم ما يميزه وهو الحرية السياسية.

          واليوم وبعد انتصار اكتوبر، وتأكيد وحدة الصف الوطني، وارتفاع المواطنين الى مستوى المسئولية، لا بد من ان نؤكد معني الحرية السياسية جنبا الى جنب مع الحرية الاجتماعية.

          ولهذا اتخذت قرارى برفع الرقابة عن الصحف، ونحن لا نخشى الخلاف في الرأى ولا النقاش الحر ولا التعبير عن المصالح المختلفة القوى الشعب العامل ما دام كل ذلك يدور فى الإطارات المشروعة التى نرتضيها ولا يستهدف غير مصلحة مصر وخير شعبنا. أننا نقدم في جراة على تصفية القيود على الحرية من مواقع الثقة بالجماهير وبوعيها الوطنى الممتاز، ونريد أن نخلص المجتمع من كل المظاهر التى تعبرعن الريبة في المواطن أو تنال من انسانيته أو كرامته أو التي تجعل مصر تنغلق على نفسها على خلاف طبيعتها.

          ولكن، ليكن واضحا اننا نبني ولا نهدم، نصحح ولا نحطم، نطور وندعم كل ما هو ايجابي بقدر ما نصفى ما هو سلبى، نكشف الأخطاء في غير مغالاة، ونرفض كل محاولة لتركيز الأضواء كلها على الجوانب السلبية حتى تختفى من الصورة كل الجوانب المشرقة.

          ان من حق شبابنا بالذات ان يدرك هذا التقييم الموضوعى للتجربة ليعرف بالدقة ماذا حقق جيلنا، وماذا كان مقدار جهده، وما تعرض له العمل الوطنى من نواقص ليتخذ عن اقتناع مكانه الطليعى فى حركة العمل الوطنى بدل ان تمزقه التيارات التى تحاول ان تنكر التجربة جملة وتفصيلا.

          أما عن الاتجاه الثاني وهو أن نوائم بين حركة العمل الوطنى وبين الظروف الجديدة التى نعيشها ويعيشها العالم من حولنا، فاننى أود أن اقول ان أسلوب العمل الوطني يجب ان يتغير بتغيرالظروف التي يواجهها في ظل التمسك بالمبادئ الجوهرية التي أرتضاها الشعب. ونحن في 1974 علينا أن نأخذ بعين الاعتبار تغيرات كثيرة شهدها واقعنا المحلى ومنطقتنا العربية والعالم كله. واذا كان منهاجنا الأساسى هو حرية الادراة الوطنية في اتخاذ القرار وفي صياغة المستقبل، فان الممارسة الفعالة لهذه الحرية تقتضى حسابا دقيقا لكل ما يحيط بنا من ظروف لنقرر لأنفسنا ما هو خليق فعلا بتحقيق أهدافنا فى البناء والتقدم. وفي تقديرى ان نقطة البدء هنا هى ما تغير في مصر، فنحن لم نعد نتلقى سلبيا نتائح متغيرات خارجية، بل فسح أكتوبر العظيم عهدا جديدا من شأنه أن يمكن مصر من أن تؤثر بدورها في حركة التطور بالمنطقة، بل وبالتعاون مع اخواتنا من البلاد العربية ان نؤثر فى السياسة العالمية.

          اننا يجب الا ننسى لحظة واحدة ان مصر قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية لها وزنها ويعمل حسابها.

          ان مصر تتمتع بنظام سياسي واقتصادى واجتماعى مستقر قد صقلته التجارب، وأثبت قدرته على مواجهة الاحداث، كما أثبت قدرته على الفهم العميق لحقائق العصر وتطلعات البشرية نحو السلام والرخاء والتعاون.

<11>