إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

مهام المرحلة
أو استراتيجية حضارية شاملة

          ان المرحلة التي نبدؤها فى سنة 1974، وبعد أكتوبر المجيد، هى مرحلة التقدم والبناء. بناء القوة الذاتية لمصر، وتحقيق التقدم المطرد للغالبية العظمى من أبنائها.

          لقد علمتنا حرب اكتوبر ان قوتنا الذاتية هى التى حركت الموقف كله، وغيرت صورة الواقع الذى كان مفروضا علينا، وجعلت من المتاح اليوم ما كان مستحيلا بالأمس. وستظل قواتنا الذاتية هى القاعدة الصلبة لحركتنا الحرة، والركيزة القوية لدورنا العربى والافريقى والدولى. ولا أعنى بالقوة الذاتية مجرد مظاهرها المادية من استعداد عسكرى وبناء اقتصادى، وانما أعنى بصورة أشمل القوة الحضارية للمجتمع ككل. فالمجتمع القوى هو الذى يتحرر من الفقر والأمية، ومن الاستغلال والتحكم. المجتمع الذى يسعد ابناؤه بالانتماء اليه، والذى لا يض ان يخشى أن يعيش مفتوحا، ينعم برياح الحرية.

          ان معركة أكتوبر قد وحدت صفوف الشعب على مستوى لم يسبق له مثيل. وعلينا أن نستخدم هذه التعبئة الشاملة لكل القوى الوطنية على اختلاف منابعها الفكرية ومواقعها الاجتماعية، لنخوض حربا فاصلة ضد بقايا التخلف، ونبدأ فى أسرع وقت مرحلة الانطلاق.

          فمعركة البناء لا تقل مشقة وتعقيدا عن معركة العبور، وهى مثلها تحتاج الى التخطيط الدقيق والعمل الشاق وروح التضحية والعطاء.

          وقد اثبت شعبنا فى حرب اكتوبر، على مرأى ومسمع من الدنيا كلها، ان لديه بطولة احتمال الأيام الشاقة، ومواجهة اللحظات المصيرية الحاسمة، كأعلى ما تكون البطولة. وبقى أن نثبت جميعا، في معركة التقدم والبناء، تلك البطولة الأخرى: بطولة العمل اليومى الشاق، والمثابرة الدؤوبة، من أجل تحقيق مجتمع الكفاية والعدل.

          وفى تقديرى ان المهمة التى صارت مطروحة علينا الآن، لا تقل عن رسم استراتيجية حضارية شاملة لحركة مجتمعنا الى الأمام. استراتيجية حضارية شاملة من اجل بناء دولة عصرية ومجتمع حديث، تغطى كل مجال فى حياتنا..

          بدءا من القيم التي يجب ان تتوفر لانساننا الجديد.

          الى عاقاته الاجتماعية ومستوى رخائه المادى.

          الى اطار حديث للدولة التي يعيش فيها والمؤسسات التى ينشط  من خلالها... مع توفير أساس متين لقوة هذه الدولة سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

          ان الوقت المتاح لنا قصير. وسنة الفين، يفصلنا عنها سوى ربع قرن. لقد انسحب الاستعمار بأشكاله القديمة، وزال الجمود العقائدى، وتسارع التقدم الانسانى بصورة لم يسبق لها مثيل. وصار الخطر الحقيقي على اى أمة هو أن تتعثر خطواتها فى الخروج من دائرة التخلف، أو أن تقوم فى العالم علاقات حضارية غير متكافئة، تزيد الاقوياء قوة والضعفاء ضعفا.

          ولقد تبدو مهمة رسم استراتيجية حضارية شاملة، ووضعها موضع التنفيذ، مهمة بالغة التشعب والتعقيد، ولكنها ليست مهمة مستحيلة اذا وهبنا أنفسنا جميعا لها. ذلك ان بلادنا صار لديها رصيد مجيد من التجربة، وذخيرة لا تنفد من الخبرات والكفاءات والامكانيات، ولو استطعنا ان نضع كل من لدينا وما لدينا فى ساحة هذه المهمة، واتجهنا بها فى الاتجاه الصحيح، فاننى واثق من قدرتنا على انجازها.

          ان الرد على صعوبة المهمة هو ان نعمل جميعا. وان نعمل فى اتساق. اتساق يخلقه اتفاقنا على الأهداف العليا، وتمسكنا بالمؤسسات التى اقمناها، وحوارنا الديمقراطى المسئول حول استخلاص امثل السبل وأسرعها.

          وفى اطار هذه الاستراتيجية الحضارية الشاملة، أريد ان أركز هنا على بعض معالمها، وعلى ابرز مهام المرحلة الجديدة:

<14>