إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          تحاربنا اسرائيل في الوقت الذى تختاره هى، وفى اطار الظروف السياسية التى ترسمها هى، و مع الجو النفسى العالمى الذى تهيؤه هى، وكنا نحن بالتالى لا نتحرك الا على عزف اسرائيل، ولا نتقدم الا الى شرك منصوب.

          ومن حقنا اليوم، ان نقول أن أسلوب تحركنا الذى وصل الى قمته فى 6 أكتوبر، اثبت اننا قد تعلمنا الدرس، واننا استطعنا ان نحسب الحساب، ونرسم الخطة، ونمسك بزمام المبادرة سياسيا وعسكريا لأول مرة منذ قامت اسرائيل.

          ومن حقنا أن نقول ايضا اننا فى أسلوب تحركنا هذا، قد استطعنا أن نرتفع فوق الاستفزازات والفخاخ، وأن نتجاوز المزايدات والمساومات، وأن نخوض لأول مرة معركة عسكرية مصحوبة بكل تصوراتها القتالية والسياسية والنفسية معا.

          كنا لأول مرة نعرف ماذا نريد بالضبط، وكنا مستعدين لما سوف يواجهنا من احتمالات في ساحة القتال أو ساحة السياسة أو ساحة الصراع الدولى. وكانت هذه كلها شروطا أساسية لكى نتيح لقواتنا المسلحة الباسلة الفرصة التي كانت تنتظرها، لكى تخوض المعركة وتحرز النصر.

          ولقد يكون من حقنا ايضا، ان نسجل هنا ملاحظة أخرى عن أهمية وضوح الرؤية واستقلال الارادة والتصميم على الهدف، تتعلق هذه المرة بالظروف التى يمر بها نضالنا الآن، بعد حديثى عن الظروت التى مرت قبل حرب اكتوبر.

          ان معركتنا لم تنته بعد، وان كان النضال من أجلها يتخد أشكالا جديدة كل يوم..

          اننا ازاء مرحلة من أدق مراحل النضال السياسي والعسكرى الحافلة بكل الاحتمالات، مرحلة علينا ان نواجهها بكل ما واجهنا به قرار الحرب والاعداد له، مما ذكرته من حساب دقيق، وعدم النزول الى مستوى المعارك الجانبية، ولا السماح للاستفزازات والمزايدات الكلامية ان تؤثر فى قوة تصميمنا على بلوغ اهدافنا النهائية، عبر طريق نعرف انه صعب.

          لقد سمعنا الكثير قبل الحرب من دعايات اليأس والهزيمة، ولن نلتفت الى نغمات التشكيك التي لا ترقى الى مستوى المهام التى انجزناها فعلا، والمهام التى ما زلنا نتصدى لها، تلك النغمات التى تبخرت تحت شمس اكتوبر العظيم.

          أن هذه الأصوات وأن كانت تحاول أن تجد مواقع للمزايدة، الا أنها صادرة فى ضيقة الأمر عن نفس روح اليأس التى عاشت عليها فى سنوات النكسة.

          هذه الأصوات غير قادرة بعد على ان تستوعب آثار الانتصار، ولا تدرك الآفاق الواسعة التي فتحها أكتوبر أمام امكانيات هذه الأمة لكى تؤثر فى الأحداث، ولكى تصل الى انتزاع كافة حقوقها المشروعة.

          اننا يجب ان نكون مستعدين دائما للاستماع الى كل صوت شريف، وكل اجتهاد مفيد..

          وان القيادات التي كان لها شرف تحمل المسئولية معنا فى شتى الأقطار العربية ما زالت متماسكة متفاهمة على الاهداف العليا، ولكننا لن نسمح لأى قوى تنظر الى الوراء، وتنبع من روح الاحساس بالضعف السابق، وتصرفات القنوط..

          ان علينا أن نحتفظ بايماننا كاملا حتى تأتى تلك الساعة التى تثبت لهؤلاء جميعا ان ما كانوا يظنونه مستحيلا هو فى مقدرونا فعلا، وانهم حين كانوا يرفعون أصواتهم بصيحات التمزق، انما كانوا يؤدون من حيث لا يشعرون خدمة للعدو، وينسا قون لدعاياته.

          واليوم، ونحن نمر بمرحلة حساسة أخرى من النضال، نسمع نفس الأصوات التى تحاول أن تصيب ارادة هذه الأمة بالشلل وتحرمها من حرية الحركة.

          اننا وقد أثبتنا فى ساحة الشرف ما أثبتناه، وقدمنا من دماء شعبنا وجهده وعرقه ما يتحدى كل مزايدة، وأتخذنا من القرارات ما كانوا يجفلون من مواجهتها.. اننا بعد هذا كله لسنا فى حاجة إلى دروس من الذين يفكرون بحناجرهم أو انفعالاتهم وحدها.

          اننا لن نسمح لأصوات التشويش ان تؤثر على وضوح رؤيتنا، تماما كما لا نسمح بان نضيع على هذه الأمة فرصة قطف ثمار ما أنجزته فى أكتوبر العظيم، ولا أن نتحول عن طريق العمل الجاد الذى يشتشعر المسئولية التاريخية، الى دروب ومتاهات لا توصل الى شيء.

<6>