إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) البرنامج العام للدولة الذي قدمه الرئيس أنور السادات، إلى الاجتماع المشترك للجنة المركزية ومجلس الشعب، "ورقة أكتوبر" 18 أبريل 1974
المصدر: "خطب وأحاديث وبيانات، الرئيس محمد أنور السادات، والاتحاد االاشتراكي العربي، اللجنة المركزية، يوليه 1973 - يوليه 1974، ص 227 -253"

          لقد أجمعت الآراء على أن يكون رمضان أكتوبر العظيم منطلقا لمرحلة جديدة فى العمل الوطنى نندفع فيها نحوا التقدم بمعدلات قتاله الرائعة، ولا يتأتي هذا اذا فصلنا النتائج عن الأسباب، بل علينا أن نعرف عوامل القوة التي جعلت النصر ممكنا لندعمها ونعمقها، وأن نكشف عن مواطن النقص والقصور لتصفيتها بروح رمضان أكتوبر العظيم.

معالم الطريق

          اننا حين نقول بأننا نواجه بعد اكتوبر مسئوليات مرحلة جديدة فى حياتنا، فاننا يجب أن نسجل فى نفس الوقت أننا لا نبدأ من فراغ، بل ان خلفنا تجربة غنية علينا ان نفحصها، فنضع اليد على كل ما هو ايجابى فيها لنطوره ونضيف اليه، وعلى كل ما هو سلبى يعوق حركتنا فنتخلص منه..

          أن شعبنا لا يمكن أن يكون قد خاض تجربة الهزيمة والنصر، دون ان يستمد منها ما يغير به حياته نحو ما هو أفضل للغالبية العظمى من أبنائه، ولكن هذا التغير لا يجب ان يكون قفزة فى المجهول، ولا عودة الى الوراء، ولا جهودا مبعثرة فى اتجاهات متعارضة، بل ان علينا ان نعرف على وجه الدقة أين نحن وإلى أين نسير..

          علينا أن نحدد أهدافنا، ونبين معالم الطريق اليها على أسس صريحة ومحددة وواضحة.

          ولكى نحدد أين نحن والى أين نسير، علينا أن نقف وقفة سريعة عند سؤال هام، ربما كان شباب هذا الجيل بوجه خاص اكثر حاجة الى اجابة واضحة عنه، هو: كيف ننظر الى الماضى، وكيف ننظر الى المستقبل؟

          ان تاريخ الأمم التى تتقدم هو التاريخ المتصل الحلقات، وليس المقطع الأوصال.

          والأمم التى تتنكر لتاريخها، ونضال اجيالها المتوالية، أمم غير جديرة بتراثها، فضلا عن انها تضيع على نفسها الكثير من ثمار ما انجزته، ولا تدع للأجيال الصاعدة حافزا كافيا للمضى في الطريق، وتحمل المسئوليات الجديدة.

          على ان هذا لا يمنع من التمعن فيما حدث بنظرة ناقدة فاحصة، ولكنها نظرة النقد النزيه والتحليل الصحيح، لا نظرة الحقد الذى يهدم ولا يبنى.

          واذا كنا نحن فى مصر بالذات، من الشعوب التى تعتز بتاريخها الطويل الفذ، وبتميزه بعناصر الاستمرار التى صمدت عبر القرون للمحن والتقلبات، واستوعبت كل الصدمات، محتفظة بجوهرها الأصيل، وصفاتها الحضارية الراسخة.. فنحن اولى ان تكون نظرتنا الى تاريخنا هى نظرة تقييم الايجابيات والسلبيات، نظرة البناء لا الهدم، والبدء من ارضية المكاسب السابقة التى حققها النضال للانطلاق الى آفاق جديدة.

          وبهذا المعنى، فان ثورة 23 يوليو المجيدة، التى كان لى شرف النضال فى مراحل التمهيد لها، وتحمل مخاطرة اعلان قيامهما، والمشاركة فى مسئولية المعارك التى خاضتها.. كانت وستظل من اهم الأحداث التى غيرت وجه الحياة فى مصر منذ قرون.

          واذا كانت الأجيال الجديدة تأخذ منجزات هذه الثورة وثمارها ومبادئها المستقرة مأخذ البديهيات السهلة، فان الأمر لم يكن كذلك عندما اختمرت هذه الثورة فى أرض مصر، ومن ظروفها، ثم انبثقت لتغير وجه الحياة فيها.. وذلك كله فى وجه مخاطر وصعاب، اذا كانت تبدو اليوم فى عين الأجيال الصاعدة هينة، فما ذلك الا لأن جيلا سابقا قد ناضل ضدها، وواجه مخاطرها بشجاعة، حتى دحرها..

          لقد عاشت مصر قرونا طويلة يحكمها نظامان ثابتان وان اختلفت الوجوه والمظاهر: نظام اقطاعى، ونظام استعمارى.

وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ورغم الثورات والانتفاضات الوطنية المتوالية، الا أن هذين النظامين بقيا بشكل أو بآخر يحددان نوع العلاقات الاجتماعية فى مصر، ونمط النشاط الإقتصادى فيها، وأى أيد يتركز فيها الثراء الناتج من عرق الشعب بأكمله، وحظ ابنائها المحدود فى توجيه سياسة بلادهم.

          وقد كان هناك على الدوام نضال وطنى حاد لم ينقطع.

<8>