إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، فى عيد العمال، 1 مايو 1974
المصدر : " قال الرئيس السادات ، الجزء الرابع لعام 1974 ، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية ، ص 124 - 131 "

بسم الله..

         وكما هى العادة فى يوم أول مايو من كل سنة اجتمع بكم ايها الأخوة والأخوات وبكل عمال مصر من خلالكم فى هذه المنطقة التى كانت صحراء جرداء ثم صارت قلعة شامخة من قلاعنا الصناعية ورمزا من اكبر رموز نهضتنا الحديثة.

         وإذا كانت ثورة 23 يوليو هى التى فتحت أمامنا الباب لبناء هذه القاعدة الصناعية هنا، وفى اماكن عديدة أخرى من بلادنا فان سواعدكم وخبراتكم الفنية هى التى قامت بعبء هذا البناء من الصناعات الوطنية الضخمة التى لم تعرفها بلادنا من قبل.

آفاق الأمل الجديدة

         واذا كنا قد أقمنا هذه الصناعات الضخمة التى بذل الشعب الغالى والرخيص من أجلها لكى تساهم فى رفع مستوى معيشة شعبنا، ولكى تتسع لكل الأجيال المتوالية من الأيدى العاملة.. أى إذا كنا قد أقمناها للسلام ولتحقيق مجتمع الكفاية والعدل الا أنها كانت أيضا وبحق من أمضى أسلحتنا حين كان علينا ان نواجه امتحان الحرب والقتال والدفاع عن شرف هذا الوطن.. على اننا نحتفل بعيد أول مايو هذه المرة بعد سبع سنوات عجاف فى ظروف جديدة وتحت شمس جديدة.. وأمام آفاق من الأمل جديدة.

         كانت اجتماعاتكم فى اول مايو طوال السنوات السبع الماضية تعبيرا عن رفضكم ورفض شعبنا كله للهزيمة. وإصرارا على ضرورة تحمل الأيام الصعبة حتى نصل الى الساعة المرجوة.. الساعة التى نثبت فيها للعالم جدارتنا فى ساحة القتال ونثبت له أيضا استحقاقنا للنصر.

         هذه المرة نجتمع أيها الأخوة والأخوات بعد ان أنهت قواتكم المسلحة هذه السنوات العجاف. وبعد أن صابرت وصبرت وبذلت الجهد والعرق حتى جاء اليوم الذى بذلت فيه الدم واقتحمت قناة السويس العزيزة ودكت خط بارليف الحصين ورفعت أعلامها فوق رمال سيناء الغالية. وأنهت الى الأبد أسطورة العجز العربى والتفوق الاسرائيلى..

العمال.. سند حقيقى للجيش

         وإذا كانت قواتنا المسلحة الباسلة هى قطعة معبرة عن شعبنا كله، فيها الضابط والعامل والفلاح والطالب والمهندس والفنى. فان من حق العمال بالذات فى يوم عيدهم ان نسجل أنهم لعبوا دورا حيويا خطيرا فى المعركة، فى مجالات خاصة بهم، فهم الذين ساهموا مع قواتنا المسلحة فى بناء القواعد والطرق والمطارات وكل ما يلزم القوات المسلحة من انشاءات. وكانوا يقومون بذلك فى كثير من الأحيان تحت الضرب المتواصل من طيران العدو، وكان منهم شهداء. وهم الذين قاموا بواجبهم فى مصانعهم الحربية والمدنية خلال مرحلة الصمود وحرب الاستنزاف والاعداد للمعركة الكبرى من أجل تزويد القوات المسلحة بكل أحتياجاتها. خلال شهرين فقط، ايام حرب الاستنزاف زودت مصانعنا القوات المسلحة بما يقدر بـ100.000 طن من الحديد والصلب، وهذا مثل واحد من أمثلة كثيرة تدل على أن العمال كانوا سندا حقيقيا للجيش، وهم كعاملين فى المرافق الاقتصادية الحيوية قد تعرضوا ايضا للضرب من العدو فى أبو زعبل وغيرها حين ظن العدو انه بضرب هذه المواقع الانتاجية يمكن أن يكسر روحنا المعنوية، أو أن يحطم جبهتنا الداخلية.

         والعمال أخيرا كفئة كبرى من فئات هذا الشعب ساهموا مثل سائر الفئات فى تحمل أعباء الحرمان من أجل توفير كل احتياجات المعركة. ان العمال فى مصر بعد 6 اكتوبر المجيد هم أيضا جيش آخر منتصر.

الظروف المحلية والعربية والدولية قبل المعركة

         أيها الأخوة والأخوات:

         قلت أننا نجتمع اليوم بمناسبة أول مايو فى جو جديد.. جو لم نعرفه طوال سبع سنوات، ولكننى أريد فقط ان أعود الى خطابى الى عمالنا فى يوم عيدهم الماضى. ..يوم أول مايو 1973 فى المحلة الكبرى.. أى قبل المعركة بخمسة شهور فقط. قبل المعركة بخمسة شهور.. أى عندما كنا نعمل فى صبر وصمت فى الاعداد للمعركة، وكنا أكثر من ذلك قد حددنا لها موعدا تقريبيا هو مطلع الخريف.. ولعلكم تذكرون الجو الذى كان يحيط بقضيتنا فى ذلك الوقت محليا وعربيا ودوليا. كانت اصوات اليأس والتشكيك تحيط بنا من كل جانب. بل كان كثيرون من المتشككين يهاجموننا علنا ويحذروننا فى السر من عواقب الحرب والمغامرة. وكانت عربدة اسرائيل فى قمتها. كانت طائراتها لا تكف عن التحرك فى الفضاء الجوى المصرى وتضرب سوريا وتشن الهجمات البرية والجوية على لبنان من جنوبه الى شماله، وقد وجدت ان الجو قد خلالها حتى انه عندما لاحت بوادر أزمة الطاقة ارادت أن تؤكد ما كانت تحاول ان تبرهن عليه للعالم من انها القوة الحاكمة المسيطرة فى المنطقة. فقال متحدث اسرائيلى رسمى ان اسرائيل هى التى تضمن بارهابها منابع البترول العربى. وان الطريق بينها وبين الكويت صحراء مفتوحة تستطيع ان تقطعها فى ساعات. كان هذا هو التبجح الاسرائيلى قبل 6 اكتوبر.

         اما دوليا فقد كان لقاء القمة بين نيكسون وبريجنيف قد تم وبدأت قضية الشرق الأوسط تتراجع الى المؤخرة فى جدول اهتمامات الدولتين الكبيرتين بوصف انها قضية بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة. وان الاتصالات العربية الثنائية التى كنا منهمكين فيها ليست الا مجرد مسـرحيات، وان الارادة العربية غير موجودة ولا تخيف أحدا.

         اننى واثق من أن أبناء شعبنا جميعا يذكرون تلك الظروف واذا كنت أعيد رسم ملامحها اليوم فما ذلك الا بأمل أن يسمع بعض من فى آذانهم صمم ممن يتحدثون ويزايدون اليوم. وممن كانوا تجارا لليأس حتى الأمس القريب. وهم اذا كانوا يزايدون اليوم

<1>