إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي ومجلس
الشعب، في ذكرى الزعيم جمال عبد الناصر، 28 / 9 / 1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية الرئيس الجمهورية، ص
276 - 282"

سهلا أن نستجيب، كما دعا البعض، الى الأسلوب الدموى فى القضاء على الفساد السابق والدخول فى حلقة مفرغة من الدم، كما كان سهلا كما دعا البعض الآخر الى الاكتفاء بعزل الملك وترك الأمور على حالها من الصراع والاضطراب والاستغلال وترك حلفاء القصر والانجليز يرتعون فى البلاد التى عاثوا فيها فسادا من قبل.

حركة الثورة للتغيير

          ولكن الثورة وعبد الناصر... كانت لدينا عدة مؤشرات أساسية تحدد حركتنا وتستمد قوتها وأصالتها من التأييد الشعبى الكاسح للثورة هذا التأييد الذى كان فى حقيقة الأمر تكليفا شعبيا لنا بالتغيير. كانت هذه المؤشرات هى الاستقلال والكرامة الوطنية وهى القضاء على الاستغلال وتحقيق العدالة الاجتماعية وهى رفض الدخول فى دوائر نفوذ أجنبية مهما ارتدت من ثياب جديدة وهى أن تكون لنا تجربتنا الثورية الوطنية الخاصة. كان يهمنا دائما أن نكون على دراية بكل تجارب العالم ولكن كان تفكيرنا واختيارنا دائما يستلزم الواقع المصرى والتراث المصرى والطبيعة المصرية والآمال التى تجيش فى صدور المصريين.

حلول الثورة لمواجهة التخلف

          وفى تقديرى أن هذه الصفة الأخيرة التى اخذت بها الثورة والتى كان عبد الناصر دائما عليها هى التى كتبت للثورة النجاح لأنها كانت فى مجمل اهدافها ومبادئها مولودا شرعيا لهذه الأرض وهى التى جعلت ثورة 23 يوليو ايضا تهتدى الى حلول لمواجهة تركة التخلف والاستغلال والتفاوت الاجتماعى الرهيب. كانت حلولا أصيلة ولم تلبث هذه الحلول أن تبنتها معظم دول العالم الثالث حتى التى كانت تستنكرها فى اول الأمر.

الاصلاح الزراعى.. مبادرة مصرية

          الأسلوب الذى تم به الاصلاح الزراعى من تحديد للملكية الزراعية وما استتبعه من نظم رغم انه قد شابه بعض العيوب الا انه كان من اول تجارب العالم فى هذا المجال. وما زال حتى الآن مثلا يحتذى به فى كل مجتمع حين يواجه ضرورة التغيير ومواجهة متطلبات العصر.

النظام العام.. تجربة رائدة

          تجربة القطاع العام التى مهما قيل ايضا فى نواقصها هى التجربة الرائدة فى مجالها فى العام وهى التى مكنت بلادنا من اقامة قاعدة صناعية لم تتوفر لنا قبل ذلك قط وهى التى جعلت صمودنا الاقتصادى بعد النكسة ممكنا وهى التى ساهمت بالكثير فى تهيئة أسباب المعركة والنصر.

عدم الانحياز.. دعم للاستقلال

          الممارسة الدولية الحازمة لسياسة عدم الانحياز عندما لم يكن هناك فى العالم من يحاول ممارستا فى جو الحرب الباردة الرهيب الا ثلاث دول ووقوفنا حين كان الاستعمار فى اوج جبروته ومعظم البلاد العربية وآسيا وافريقيا محتل بصورة أو بأخرى وقوفنا تلك الأيام الى جانب حركات التحرر الوطنية كتدعيم لسياسة الانحياز التى هى فى جوهرها سياسة الاستقلال الوطنى لنا وللغير.

الاتجاه الصحيح لحركة التاريخ

          كل هذا ربما كلفنا معارك وخصومات ولكن فضلا على انه كان فى الاتجاه الصحيح لحركة التاريخ فانه قد كون لنا الرصيد الدولى الذى وجدناه عند الحاجة فكل من وقفنا الى جانبهم فى اوقات شدتهم وقفوا الى جانبنا فى اوقات محنتنا. نفس الشئ عندما تبينت الثورية الهوية العربية لمصر وحين نقلت هذا الانتماء من مجرد اجتماع حكام الى حركة شعبية واسعة القومية العربية تربى عليها جيل بأكمله من المحيط الى الخليج. لقد كلفنا هذا ايضا معارك كثيرة ومنا من يضع قوائم حساب لما قدمناه وما بذلناه فى هذا المجال ولكن فوق أن هذه القضايا المصيرية لا توضع لها قوائم حساب الا أن نضالنا على هذا المستوى كان له دور بارز فى المكانة التى تحتلها الأمة العربية اليوم. فما هى قيمة الثراء اذا كان يتحكم فيه الاستعمار الذى ظل سنوات يدفع خمسة شلنات فى طن البترول وما قيمة الموقع الاستراتيجى اذا كان محكوما بقواعد اجنبية، وما قيمة الممرات البحرية من قناة السويس الى باب المندب وغيرها اذا كانت اساطيل الاستعمار وشركائه هى التى تفرض مشيئتها عليه، كل هذه كانت اختيارات اقدمت عليها الثورة واقدم عليها عبد الناصر بالذات.

الاختيار الوطنى لتجربتنا

          مرة اخرى اقدم عليها منطلقا من المؤشرات التى اشرت اليها منذ قليل والتى هى فى جوهرها تقوم على الاختيار الوطنى لملامح التجربة المصرية من خلال ظروفها الموضوعية وتفاعلها مع القوانين العالمية المتغيرة.

          إن عبد الناصر حين استخدم فى الميثاق تعبير التطبيق العربى للاشتراكية لم يكن يستخدم كلمة انشائية بليغة بل كان يقصدها حرفيا. أن هناك القوانين العامة للاشتراكية التى غايتها الكفاية والعدل وتذويب الفوارق بين الطبقات والقضاء على الامتيازات وصور الاستغلال وكان هناك أسلوب خاص بناء فى تطبيقها يستلهم ظروفنا وتراثنا ومصالحنا وموقعنا على خريطة العروبة وخريطة العالم. وها نحن نرى حتى الاحزاب الشيوعية ذاتها تكسر دائرة الانغلاق على نفسها وتحاول أن توازن بين مبادئها

<2>