إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربى ومجلس
الشعب، في ذكرى الزعيم جمال عبد الناصر 28 / 9 / 1974
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الرابع لعام 1974، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ص
276 - 282".

والظروف، الحزب الشيوعى فى فرنسا اعلن فى الانتخابات الماضية قبوله لتعدد الأحزاب وأن اشتراكه فى الحكم مع الحزب الاشتراكى لا يعنى تطبيقه الاشتراكية كما يراها الحزب الشيوعى لأن هذا يحتاج الى تفويض آخر من الشعب الفرنسى وها نحن نرى الحزب الشيوعى الايطالى اكبر الأحزاب الشيوعية خارج المعسكر الشرقى يشير الى أن اشتراكه فى الحكم لا يعنى اخراج ايطاليا أوتوماتيكيا من حلف الأطلنطي. نعم من حلف الأطلنطى.. لأنه يدرك كل الظروف التى تشغل بال المواطن الايطالى ولأنه يريد أن يحصل على ثقته بالاقتناع واللقاء مع رغباته وملابسات وضعه.

صيغة ابتكرها عبد الناصر

          ثم هناك تلك الصيغة التى ابتكرها عبد الناصر ابتكارا كما قلت فى خطابى لكم فى هذه المناسبة ذاتها فى العام الماضى صيغة تحالف قوى الشعب العاملة ما معنى هذه الصيغة وما هى المهمة التى وجدت لمواجهتها وفى اى مرحلة كان ذلك؟ كما قلت ورثنا مجتمعا اقطاعيا تحجرت علاقاته الاجتماعية عبر القرون. مجتمع تتفاوت فيه اوضاع الفئات الاجتماعية تفاوتا رهيبا وتضيق فيه دائرة الثراء الى الدرجة التى جعلت عبد الناصر يطلق عليه عبارة مجتمع النصف فى المائة وكان هذا وصفا حقيقيا. ورثنا مجتمعا التعليم فيه والعلاج والتقدم فى المناصب قاصر على هذا النصف فى المائة فيما عدا القلة النادرة من ذوى القدرات الخاصة، ورثنا مجتمعا تجتاحه من حين لآخر أوبئة الكوليرا اذا كنا قد نسينا ويموت فيها الفلاحون بالمئات ورثنا مجتمعا.. الديموقراطية فيه مهزلة فالدستور معطل على الدوام تقريبا.. إما تعطيلا صريحا وإما تعطيلا غير صريح بتمكين أحزاب الأقلية من حكم الشعب أو بانتخابات صورية يساق فيها الناخبون الى حيث يصوتون لصاحب الأرض واذا كان الدستور فى اجارة فالقوانين كلها فى اجازة لأن الدستور هو ابو القوانين.

          كانت الصفة الثانية لهذا المجتمع الذى ورثناه هى ضآلة معدل النمو بل أكاد أقول انعدامه تماما فى نفس الوقت الذى يتزايد فيه السكان زيادة لا مثيل لها تقريبا فى العالم ففى عهد الثورة فقط زاد السكان فى مصر الى الضعف تماما، الأمر الذى كان يهدد بانفجار اجتماعى وطبقى حاد لو لم تسبق الثورة الى وضع قوانينها وتحقيق منجزاتها.

          وكانت الصفة الثالثة لهذا المجتمع الذى ورثناه هى كثير من الاحداث العنيفة التى سبقت الثورة فى الريف وفى العاصمة على السواء وكان الحل الأول هو ظهور بداية هذا الانفجار الاجتماعى الذى تمثل فى حشد الجهد القومى من اجل التنمية وكان الحل الثانى هو اتخاذ اجراءات عاجلة كالاصلاح الزراعى لتغيير خريطة السلطة السياسية والاجتماعية فى البلاد ولا عادة توزيع الثروة توزيعا عادلا ثم قوانين التمصير ثم اقامة القطاع العام ثم قوانين العمال من تحديد الأجور الى اشراكهم فى الأرباح ومجالس الادارة إلى التأمينات الاجتماعية وغيرها. وكان لا بد من صيغة لاجتياز هذا الطريق الصعب سلميا بقدر الطاقة ومن هنا ولدت فكرة عبد الناصر فى تحالف قوى الشعب العاملة فى اطار تنظيم سياسى واحد مكتوب ولا شك انه يمكن أن يقال وقد قيل فعلا الكثير فى تعداد سلبيات وايجابيات الاتحاد الاشتراكى الذى كان هو التعبير الاشتراكى لهذا التحالف ولكننا لا يجب أن ننسى أن هذه الصيغة قد أدت مهمتها الأساسية آخر الأمر وهى اجراء كل تلك التغييرات الاجتماعية العميقة بأسلوب سلمى تحسدنا عليه كل الدول المشابهة لنا.

          قد قال رئيس وزراء انجلترا بعد الحرب العالمية الثانية انه ما زال هناك شعبين إنجليزيين بسبب الفوارق الاجتماعية الصارخة، فما بالنا بالنسبة لمصر يوم تحملت الثورة مسئولياتها. وها نحن نرى ديجول وخلفاؤه بعد ذلك يطرحون شعار المشاركة بعد انفجارات سنة 68 العنيفة فى فرنسا وها نحن نرى الأحزاب فى انجلترا تطرح فى الانتخابات الحالية ما يسمونه عقدا اجتماعيا جديدا بعد أن تدهورت البلاد نتيجة تأزم الصدام بين نقابات العمال من جهة وبين الرأسمالية وأجهزتها فى السلطة من جهة اخرى. إن ايجاد صيغة تجعل العامل والفلاح يجلسان جنبا الى جنب مع الرأسمالى الوطنى والمثقف فى المجالس المنتخبة جميعا ويجلس جنبا الى جنب ايضا مع المدير والخبير والمسئول فى الشركات والصناعات والمشروعات الكبرى. إن ايجاد هذه الصيغة التى تبدو لنا اليوم بديهية من البديهيات وحقا طبيعيا للعامل والفلاح لم تكن كذلك يوم بدأنا التجربة بل كان ضربا من الخيال، كانت هذه هى المهمة الأساسية للاتحاد الاشتراكى أو بالأحرى لتحالف قوى الشعب العاملة وقد نجح فيها وتم التحول الاجتماعى دون صدام واحد عنيف وكنا نحن البلد المتخلف سباقين الى اكتشاف هذا الطريق بهذا التحالف وبالقوانين المتفرعة عنه من ضمان نسبة 50% للعمال والفلاحين واشتراكهم فى مجلس الادارة قبل أن تفكر فى هذا الدول المتقدمة بعد أن قاسى مجتمعها وقاسى إنتاجها من وطأة الصراع الاجتماعى

حاجتنا إلى التحالف.. وإلى تطويره

          إن الظروف الخاصة التى تمر بها بلادنا اليوم ما زالت فى حاجة الى هذا التحالف، وما يمثله من وحدة وطنية نحتاج اليها الآن أكثر من أى وقت مضى فاننا منذ أحرزنا انتصار أكتوبر المجيد اندفعنا الى العمل والانفتاح والتجديد فى كل نواحى حياتنا بصورة لم يسبق لها مثيل، فمن جهة لا يجب أن ننسى ولو للحظة واحدة أن المعركة ما زالت قائمة وأن ارضنا وسائر الأرض العربية لم تتحرر بعد وأن خصمنا خصم ماكر وغدار لا يمكن أن يضيع فرصة تسنح له دوليا أو محليا إلا ويستغلها لابقاء قبضته على الأرض المحتلة أو لتجميد القضية من جديد ومن جهة اخرى فاننا إزاء هذه الحرب السياسية الدائرة رحاها منذ اكتوبر لا بد أن نبدو للعالم على حقيقتنا صامدين فى وحدة وطنية صلبة، فليس لدينا على الاطلاق ما هو أهم من تحرير الأرض مهما تشعبت بيننا المناقشات ومهما فكرنا فى شئون حياتنا الأخرى المختلفة. ومن جهة ثالثة فاننا وقد بدأنا سياسة الانفتاح وقررنا المضى فيها سوف

<3>