إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، أمام مجلس الشعب حول التطورات الأخيرة على صعيد أزمة الشرق الأوسط 29/ 3 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 74 - 78"

          3 - أن الحد الأدنى من الانسحاب الذى نقبل به فى هذه المرحلة، ونعتبر معه أن عملية الاقتراب لحل الأزمة تسير سيرا سليما، هو أن يشمل الانسحاب: المضايق الاستراتيجية فى سيناء الى جانب آبار البترول فى أبو رديس وبلاعيم.

          وبعثت الى الدكتور كيسنجر بموقفنا واضحا و"كاملا" كى يكون على بينة من الأمر قبل أن يبدأ جهوده لتحقيق هذه الخطوة.. ورد على الدكتور كيسنجر يقترح أن يقوم بإنجاز مهمته في هذه الخطوة خلال زيارتين: زيارة أولى لاستكشاف المواقف، وزيارة ثانية تعقبها لممارسة الجهد العملى المطلوب لتحقيقه.. وبعثت اليه أقترح أن يكتفى بزيارة واحدة للمنطقة فى هذه المرحلة، باعتبار أن وجهة نظرنا أمامه من ناحية، ثم أن اتصاله بالأطراف الأخرى قائمة ومتصلة من ناحية أخرى.. وتلقيت من الرئيس جيرالد فورد رسالة مكتوبة يرجو فيها أن نترك للدكتور كيسنجر فرصته الكافية للاستكشاف قبل أن يدخل بكل طاقته فى ممارسة التنفيذ.. ووافقت.

محادثات أسوان

          وقام الدكتور كيسنجر فى شهر فبراير الماضى بزيارة استكشافية للمنطقة.. يسمع آخر الآراء، ويجرى بنفسه آخر التقديرات.، ثم عاد الى المنطقة - كما تعلمون - يوم 7 مارس بادئا بزيارتي فى أسوان.. ولقد استمر عملنا فى أسوان 17 يوما كاملة.. جهدا متصلا كان لا بد أن نبذله وتحملا صابرا، كان فى مقدور أخوة لنا أن يكفوه عنا حتى تتضح لهم الحقائق.. أما الجهد.. فقد اقتضانا عملا بالليل وبالنهار ويقظة كاملة.. وأما التحمل فقد كان منانا لو تسلح غيرنا بالثقة بالنفس والثقة باخوة لهم تأكد للجميع صدق التزامهم.. فتركونا نعمل فى هدوء، وبغير أن نكون مطالبين باجراء محادثات مع الأطراف الدولية الأخرى أمام ميكروفونات تنقل لهم كل كلمة وكل حرف وكل همسة فيما نقول أو نسمع.. ولقد تأذنون لى حضراتكم الا أفيض فى هذه النقطة، ذلك أنه بعد أن أتضحت الحقائق وتكشفت المواقف فانى أوثر أن أترك الأخرين مع ضمائرهم راضيا منهم بحساب الضمير.

          أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشعب:

          قد لا أجد - وقد لا تجدون معى - داعيا للدخول فى تفصيلات عملنا المتصل خلال 17 يوما فى أسوان.. ويكفينى أن اقول: اننا كنا - كما حاولنا باستمرار - أن نكون الأمناء، وأن نكون الأوفياء.

          من ناحيتنا كنا نعرف ما نريد: انسحاب جديد فى سيناء يشمل المضايق والبترول، هذا الانسحاب يتصل بخطوات متماثلة على الجبهة السورية والجبهة الفلسطينية.. ولا نريد ولا نملك فى هذه المرحلة، أن ننهى حالة الحرب بيننا وبين إسرائيل.. وكيف نريد أو نملك انهاء حالة الحرب وثلثى سيناء سوف يظل حتى بعد المرحلة المقترحة من الانسحاب تحت احتلال العدو؟

          ثم كيف نريد أو نملك إنهاء حالة الحرب، ولم يظهر تحرك على الجولان.. ولا ظهرت نية تحرك من الضفة الغربية أو من غزة، أو أولا وقبل كل شيء من القدس؟

          كيف نريد ذلك أو نملكه عمليا؟ وكيف نريد ذلك تاريخيا؟ .. كان ذلك موقفنا، ولم يكن سرا على أحد.

          ولم يكن ذلك سرا على أحد.. ولا على الدكتور كيسنجر قبل أن يبدأ زيارته الأخيرة للمنطقة.. ولا كان سرا على إسرائيل بالطبع من خلال الدكتور كيسنجر.. وأنا هنا أتساءل من خدع من؟ وأبادر فأقول: إننا لم نخدع أحدا، لأن مطالبنا كانت واضحة ومحددة منذ البداية ثم أبادر فأقول أيضا: أننا لم ننخدع من جانبنا بأى موقف من مواقف إسرائيل من البداية إلى النهاية.

آثار حرب أكتوبر على إسرائيل

          ولعلي أسمح لنفسى أن أقول أمامكم: إننى بعد أيام قليلة فى أسوان قلت لعدد من معاونى، بل وللدكتور كيسنجر نفسه، أن هذه المحاولة لن تصل إلى نتيجة.. فأريحوا أنفسكم.. ولما سألونى عن أسبابى فيما أقول، كان جوابى على النحو التالى:

          أولا: أن اسرائيل لا تزال تعيش آثار زلزال أكتوبر 1973.. لقد حاولوا بكل الوسائل إخفاء الحقائق ودفن الرؤوس كالنعام فى كثبان الرمال.. ولكن هول الخسائر في البشر قبل المعدات هز كل بيت فى إسرائيل، ومس كل عائلة فى إسرائيل.. على أن الأرقام الحقيقية لهذه الخسائر لم تعلن حتى الآن.. والدليل العملى على ذلك أن قواتنا المسلحة عثرت أخيرا على مقبرة لقتلى العدو فى المعركة تضم تسعا وثلاثين جثة تاهت فى حسابات القيادة الإسرائيلية.. ويعلم الله وحده كم مئات غيرها ممن لقوا النهاية المحتومة على أرضنا الطاهرة ومازالت جثثهم تحت الأنقاض.. ومهما يكن فقد طلبت الى وزير الحربية تسليم جثث القتلى الى العدو إشارة إلى الحقيقة ورمزا، وإن كان تقديرى أن الحقيقة الكبرى فيما صنعناه فى أكتوبر المجيد أننا كسرنا نظرية الأمن الإسرائيلي، وكان ذلك مطلبنا الأساسى من الحرب.. ولم تجد إسرائيل بديلا لنظريتها القديمة، فأثرت أن تتمسك بالبقايا من الحطام.. على أن تعطى لنفسها بداية جديدة.

          ثانيا: أن الحكم الحالى فى إسرائيل ضعيف، غير قادر على البت.. يتحدث عن القوة بأوهام الأمس، ويتحدث عن السلام بمخاوف الغد، وبين الأمس والغد يعيش يومه على التردد عاجزا عن اتخاذ أى قرار.

          ثالثا: أن هناك قوى فى إسرائيل تدرك نقط الضعف الراهنة فى السياسة الأمريكية وتظن أنها قادرة على استغلالها بما يشل فاعلية الموقف الأمريكى، على فرض أن هذا الموقف رأى الحقيقة واقتنع بها ولو جزئيا، وأدرك أن ذلك فى مصلحة الشعب الأمريكى نفسه قبل غيره من الأطراف.

          رابعا: أن بعض العناصر الثابتة فى صنع القرار الإسرائيلي تتصور أنها فى حاجة إلى كسب وقت تكمل فيه قوتها وتبعثر فيه الصف العربى، ولو باستغلال شكوكه في نفسه أحيانا، للأسف.. ثم أنها تريد فسحة من الزمن يتضاءل فيه التأييد الدولى للعرب أو تفتر حرارته.

<3>