إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح المؤتمر القومى للاتحاد الاشتركي العربي، 22/ 7 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 190 - 200"

بسم الله:
أيها الأخوة والأخوات أعضاء المؤتمر القومى ...

قبل أن أبدأ حديثى اليكم يسعدنى أن أهنئكم بثقة الشعب فيكم وأن أشكركم من كل قلبى ووجدانى على انتخابكم لى رئيسا للاتحاد الاشتراكى وأسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا لحمل الأمانة.

أيها الأخوة والأخوات أعضاء المؤتمر القومى ..

قد يختلف حديثى هذه المرة عن كل حديث سبق أن وجهته اليكم فى مثل هذه المناسبة، ذلك أننا نواجه مرحلة جديدة من حياتنا السياسية، بعد سنوات قليلة تمت فيها انجازات وتغيرات عميقة كان قد آن أوانها.

اطلاق الحريات

لقد كان من أهم الانجازات التى أخذتها على عاتقى منذ توليت مسئولية الحكم، كان من أهم الانجازات اطلاق الحريات.. وكان لابد مع اطلاق الحريات أن تتعدد الآراء وتختلف بل كان لابد من مرور مرحلة من البلبلة كنت أتوقعها، كما يحدث عادة بعد كل غيبة طويلة للحرية، ولم أكن اخشى منها، ثقة منى بأن شعبنا سوف يخرج منها بالنتائج الصحيحة، وقد آن الأوان، لكى ننظر إلى كل ما ثار حوله الجدل نظرة موضوعية عميقة خصوصا، وقد لاحظت وأحسست بحيرة الشباب بالذات ازاء ما يقرأ وما يسمع من سيل الآراء المتعارضة، ولست هنا لأصدر حكما فى كل قضية ثار حولها الجدل، ولكننى أريد أن أتوجه إلى شبابنا بالذات وأن أصارحه بأن عليه أن يقرأ ويدرس ويتمعن فى تاريخ بلاده وظروفها حتى يصل إلى أحكام صحيحة، وحتى لا يخدعه قول معسول أو كلام ظاهره حق وباطنه الباطل، ولأننى كما أكرر وأقول دائما نواجه عالما بالغ التعقيد سريع التحول، ولكن فى وسط كل هذه المتغيرات والتحولات لا يحفظ لنا توازننا ووضوح رؤيتنا، الا ادراكنا لتاريخ وطننا وظروفه، وعناصر الدوام والاستمرار فيهن ولعلكم تذكرون اننى قلت فى ورقة أكتوبر، لكى نحدد أين نحن والى أين نسير، علينا أن نقف وقفة سريعة عند سؤال هام ربما كان شباب هذا الجيل بوجه خاص أكثر حاجة إلى إجابة واضحة عنه هو: كيف ننظر الى الماضى؟ وكيف ننظر إلى المستقبل؟ ثم استطردت قائلا.. ان تاريخ الأمم التى تتقدم هو التاريخ المتصل الحلقات، ليس المقطع الأوصال، والأمم التى تتنكر لتاريخها ونضال أجيالها المتوالية أمم غير جديرة بتراثها فضلا عن أنها تضيع على نفسها الكثير من ثمار ما أنجزته ولا تدع للأجيال الصاعدة حافزا كافيا للمضى على الطريق وتحمل المسئوليات الجديدة.

قلت هذا فى ورقة أكتوبر، وأكرر اليوم انه آن الأوان لأن ننظر إلى تجربتنا.. إلى ماضينا.. وحاضرنا.. ومستقبلنا.. ننظر نظرة شاملة ودقيقة معا لا نضيع فيها الأساسيات وسط التفاصيل الفرعية.. ويدفعنى إلى هذا التأكيد ما ألاحظه من الحاجة الماسة لدى شبابنا بالذات إلى أن يقرأ ويحلل ويدرك عبرة تاريخ بلاده وظروفها حتى يعرف إلى أين يتجه ببصره مستشرقا آفاق المستقبل، ذلك لأننا ننطلق فى عملنا من فهمنا العالم الذى نعيش فيه، وادراكنا لكل التجارب الاجتماعية التى حولها الانسان، ولكن مع كل هذا لابد لنا من أن ننطلق أساسا من ظروف بلادنا وتراثها وترابها وكفاحها.. وهذا ما يجب أن تكون عليه فلسفتنا دائما وفى كل مجال.

واذا كان بعض حديثى هذا اليكم يصدر عن تجربة خاصة عشتها فهى لا شك تجربة كل الجيل الذى انتمى اليه والتى آن الأوان لأن يسلم الأمانة تدريجيا إلى الجيل الذى يليه.

واذا كان قدرى اننى كنت فى شبابى فى خط النار وفى منطقة الاحتراق بالنضال.. ثم كان قدرى أن أتولى مراكز المسئوليات الثقيلة وارتياد الطرق الجديدة خلال تجربتنا الثورية الا أن المشاعر والحوافز والأمانى التى كانت تعتمل فى نفسى لا شك أنها كانت هى نفسها التى تعتمل في صدور الملايين من أبناء هذا الجيل الذى أتحدث عنه، تلك المشاعر التى أريد أن أنقل لمحة منها إلى الجيل الجديد وسوف يرى هذا الجيل.. الجيل الجديد.. سوف يرى هذا الجيل الجديد من شبابنا ورجالنا ونسائنا أنهم أسعد وأعظم فرصة منا وان الآفاق التى انفتحت أمامهم لم يكن لها أمامنا أى وجود.

ادعاءات تاريخية كاذبة

لقد تفتحت عيوننا على وطن محتل، هو جزء من أجزاء الامبراطورية البريطانية الواسعة.. وطن لا شأن له فى هذا العالم أكثر من شأن أى مستعمرة ولا دور لشعبه فيه سوى الرضوخ لرغبات المستعمرين، وكانوا يعلموننا ويحاولون غسل أدمغتنا بتاريخ غير صحيح، كانوا يعلموننا مثلا أن الانجليز هم المصلحون الأمناء على مصالح البلاد، وأن الخديوى الذى أدخلهم هو الوطنى، وأن العملاء الذين تحالفوا معهم وكوفئوا بالمناصب والاقطاعيات والأموال هم وجهاء البلد وزعماؤه، أما الثوار فهم المخربون، فثورة أحمد عرابى مثلا حاولوا تشويهها وقالوا أنها انتهت بالاحتلال الانجليزى للبلاد وحركة مصطفى كامل ومحمد فريد شوهوها أيضا على أنها انتهت باعلان الحماية على مصر مع الحرب العالمية الأولى، وثورة سنة 19 التى قادها سعد زغلول وتولى بقوة دفعها أول وزارة وطنية عن طريق الانتخاب الشعبى شوهوها على أنها انتهت بطرد الجيش المصرى من السودان.. وفصله عن مصر.. وتجميد الدستور.. والعبث بالحياة النيابية.. وكانوا يعلموننا أيضا أن مصر بلد زراعى، وأن شعب مصر ليس مؤهلا لا للصناعة ولا للتجارة ولا للبنوك فهذا كله يجب أن يكون فى يد الأجانب ولكننا لم نصدق وكان علينا وعلى جيلنا أن يفتش فى التاريخ الحقيقى لبدلنا.

عرفنا أن بلدنا مصر بلد مستهدف من زمن بعيد، وانه منذ أن قامت دولة مصر الحديثة فى عهد محمد على الكبير وحاربتها أوروبا كلها لكى تكسر شوكتها وتطفىء أنوارها التحررية التى بدأت تشع فى المنطقة، منذ ذلك الوقت وأوروبا مصممة على استعمار

<1>