إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، في افتتاح المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي العربي، 22 / 7 / 1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 190 - 200"

ومن هنا فان علينا أن نتعامل بعيون مفتوحة، وبصمود نفسي وفكري حتى نحتفظ في كل الظروف بحرية الإرادة الوطنية.

لا تفرطوا أبدا في حرية الإرادة الوطنية ولا في مصرية القرارات المصيرية مهما كلف ذلك من جهد وتضحية واحتمال.

فحرية الإرادة الوطنية هي مفتاح الإيمان وهي الكنز الثمين الذي حققناه بأغلى الأثمان.

رابعا: لقد اختار شعبنا الاشتراكية طريقا له نحو التنمية .. ووضع لها معالمها الخاصة بنا من أجل تذويب الفوارق بين الطبقات دون صراع طبقي حاد واخترنا هنا الطريق أيضا تحقيقا لدرجة من العدالة الاجتماعية وعدالة توزيع الدخل القومي في اطراد.

          إن الشعوب اليوم لا تقاس بقممها القليلة ولكن تقاس بمستوى قاعدتها العريضة، وهذا يقتضي أولا التمسك بمواثيق 23 يوليو وثورة التصحيح التي قلت مرارا أنها لا تنسخ بعضها البعض، بل يكمل بعضها البعض.

          ويقتضي ثانيا أن لا نكون عبدة لنصوص جامدة فكل النصوص والتجارب من صنع الإنسان ولابد أن نمعن فكرنا دائما في تطويره طالما أننا نضع رهن اعتبارنا التوسع في تحقيق العدالة ورفع شأن كرامة الوطن والمواطنين.

          خامسا: إن اشتراكيتنا ديمقراطية: وإذا كنا قد انشغلنا زمنا عن الديمقراطية السياسية لتحقيق أغراض اجتماعية طال إهمالها ولمقاومة ضغوط استعمارية عاتية فإنه بعد المرحلة التي قطعناها ومن منطلق النصر الذي أحرزناه قد آن الأوان لأن نهتم بتحقيق الديمقراطية السياسية وتدعيمها، وليست الديمقراطية والحرية هي الفوضى، ليست هي الفوضى أبدا وليست هي التناحر الحزبي، وليست هي أن يأكل السمك الكبير السمك الصغير دون حساب، إن الديمقراطية الناضجة لا تستقيم إلا بمؤسسات ديمقراطية راسخة تستوعب كل الأفكار والتيارات وبدرجة من النضج والإحساس بالمسئولية المترتبة على الحرية والمقترنة بها والتساهل في حماية هذه النظم والمؤسسات أو إساءة استخدامها هو أول طريق لهدم الحرية ذاتها. فحين تلجأ فئة قليلة إلى محاولة فرض رأيها بالعنف على المؤسسات الدستورية في البلاد وبالتالي على الأغلبية الساحقة التي اقتضت هذه المؤسسات فان العنف لا يمكن أن يقابل إلا بالشدة والعنف فمقدرات البلاد لا يمكن أن تترك لتعبث بها فئة قليلة بوسائل القسر ولا تسمحوا بأن يتصور أحد أن من حقه أن يعتدى على الحياة العامة أو أن يعطل مسارها دون أن تتصدى له القوى التي أوجدها المجتمع وكل مجتمع لحماية سلامته وأمنه، بل ولحماية حريته، أننا نعيد أمانة الثورة إلى الشعب بالديمقراطية السليمة وسوف يحمل الشعب هذه الأمانة.

          سادسا: السلام الاجتماعي: لقد كانت ثورة 23 يوليو منعطفا حاسما في حياة شعبنا إذ أن ثورتنا توخت فوق تحرير الإرادة المصرية إعادة صياغة علاقاتنا الاجتماعية في الداخل بطريقة تجعل هذه العلاقات بين فئات الشعب أكثر توازنا وعدالة فالوطن الحر هو الذي يشعر مواطنوه بأنهم أحرار والوطن العزيز هو الذي يشعر مواطنوه أنهم أعزاء، وقد قطعت الثورة شوطا طويلا في هذا الاتجاه ووضعت قدمها على طريق تذويب الفوارق بين الطبقات بطريقة سلمية قل أن تحقق مثلها في أي قطر آخر من العالم.

          وها نحن نرى بلاد العالم الأخرى تحاول إنجاز بعض ما أنجزناه في هذا المجال بثمن باهظ من التناحر والقلاقل والاضطرابات.

          وها نحن نرى بلاد العالم الأخرى تحاول إنجاز بعض ما أنجزناه بثمن باهظ من التناحر والقلاقل والاضطرابات.

          بعد أن قطعنا هذا الطريق فإنه آن لنا أن نصل إلى مرحلة أعمق من السلام الاجتماعي تقوم على استقرار العلاقات الاجتماعية وتطويرها ديمقراطيا وسلميا دون أية هزات جديدة.

          إن وطنا لا تقوم فيه درجة مقبولة من السلام الاجتماعي بين فئاته وطبقاته هو وطن غير مستقر.. معرض دائما للأخطار، مبدد لقواه في غير الحشد الوطني من أجل التنمية والتقدم والارتفاع بمستوى معيشة أوسع للجماهير فيه.

          لقد وصلنا في مجال تطوير العلاقات الاجتماعية إلى مرحلة صار فيها ممكنا أن نواصل تطويرها بالجدال الحر والحكمة والموعظة الحسنة والتطور التشريعي دون دعوات إلى الحقد أو صيحات من أجل الثأر.

          إن الحرية والعدالة هي أقدم وأسمى ما سعى إليه الإنسان والمجتمعات الإنسانية منذ بدء الخليقة ودعوات الحرية مع العدالة ليست طارئة عليها أنها على العكس الأساس الصلب لجيلنا السمح الذي قدم لهذا العالم أرقى صيغ الحرية والعدالة معا.

          ولقد قلت أكثر من مرة وأيد الشعب قولي في ورقة أكتوبر: أن الثورة تصل حقا إلى شاطئ النجاح حين تستقر وترسخ أسسها وتتحول إلى نظام حين تمر فترة الإجراءات الاستثنائية التي لابد منها لتجديد حياة المجتمع وتطويرها وحين يصبح المجتمع بعد ذلك، وقد انفتحت أمامه الآفاق قادرا على التطور في الاتجاه الصحيح من خلال مؤسسات ثابتة وتفاعلات صحية لا تشوبها شوائب الصدام العنيف وقد وصلت ثورتنا المجيدة إلى هذا البر من الأمان والنجاح، تغيرت علاقات الريف والمدينة، ترسخت في النفوس كلمة الاشتراكية بترجمتها المصرية الصميمة وصارت مكتسبات الجماهير في التعليم والعلاج والتأمين الاجتماعي وتكافؤ الفرص وغيرها غير قابلة للرجوع إلى الوراء ولا نقول أن كل شيء صار كما نحب ونتمنى، ولا نقول إننا في نهاية الطريق، فطريق التطور في أي مجتمع لا نهاية له، ولكن نقول أنه صارت لدينا الأسس والقيم والعلاقات التي تكفل أن يستمر التطور إلى الأعدل والأحسن لا من خلال التناحر ولكن من خلال السلام الاجتماعي.

          سابعا: الحرص على الشرعية: إننا الآن ننتقل من الشرعية الثورية بعد أن تمت كل هذه التعديلات في بنيان المجتمع المصري إلى الشرعية الدستورية، والشرعية الدستورية هي أساس من أهم أسس الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، إنها هي التي تمنع الطغيان وتوقف الاستغلال والتجاوز في استخدام المناصب وتمنع افتئات المؤسسات الدستورية على بعضها البعض وهي التي تعطى المجتمع حقه والفرد حقه دون أن يجور أحد على حق آخر.

          وكما أن هذه الشرعية الدستورية في حماية المؤسسات فهي أيضا في حمايتكم أنتم كممثلين لتحالف قوى الشعب العامل. تلك الصيغة التي أعطت حق المشاركة لكل الفئات لا للفئات المتميزة أو المحظوظة فحسب فبواسطتها صار للفلاحين والعمال لأول مرة

<10>