إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، أمام المؤتمر المشترك للجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي ومجلس الشعب، حول اتفاقية سيناء،4/9/1975
المصدر: "قال الرئيس السادات ، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص260-265"

السادسة فى عالم اليوم هذا الى جانب كسر نظرية الأمن الاسرائيلى وفتح اوسع الأبواب امام قضية شعب فلسطين وكفاحه واقتناع العالم لأول مرة بأمرين هامين، اولهما ان اسرائيل ليست الحارس على مصالح العالم فى البلاد العربية ولكن الحارس هىالأمة العربية ذاتها.

        وثانيهما انه لا استقرار ولا سلام فى المنطقة ولا ضمان ولا أمان لمصالح العالم لدينا الا برد حقوق شعب فلسطين المسلوبة اليه. كان هذا هو تقييمنا لحرب اكتوبر: وقد ايدتنا فيه الأمة العربية شعوبا وحكومات.

        ولكن قلة من الذين فى نفوسهم مرض او الذين يملأ عقولهم تاريخ ربع قرن من العقد راحوا يشككون فى هذه الحرب وتحول كل واحد منهم الى جنرال يفتى فيما لا يفهم.

        وقالوا بالذات انه طالما ان اسرائيل لن تنسحب من منطقة الممرات قناة السويس ما زالت رهينة فى ايديهم. وإن النصر لا قيمة له وراحوا يؤكدون ان اسرائيل لن تنسحب شبرا واحدا بعد ذلك. ولكن ما الذى حدث لقد فتحنا قناة السويس، وأمنا الملاحة فيها.

        واليوم ها هى اسرائيل تنسحب إلى ما وراء الممرات وها هى الاتفاقية ليس فيها صلح ولا انهاء لحالة الحرب، اما الأقوال والمقالات التى قيلت ضدنا فانها اليوم تملأ سلال المهملات.

        ونحن نعرف انه بعد ذلك الموقف الجديد سيجدون ما يشككون فيه سيقولون ان اسرائيل قد انسحبت حقا من الممرات، ولكنها لم تنسحب الى تل ابيب ولكن هذه المزايدات لن تشغلنا من سلوك الطريق الذى قررناه ونجحنا فيه ومن مزايدات لم تعد تلقى من الرأى العام العربى إلا السخرية.

أيها الأخوة والأخوات: اعضاء المؤتمر المشترك ويا أبناء الأمة العربية كلها من المحيط إلى الخليج.

        كلنا نعلم تاريخ قضية فلسطين وقضية الوجود الاسرائيلى ولكننا نعلم انه منذ بدء الحركة الصهيونية قبل ثلاثة ارباع القرن والموقف العربى فى تراجع مستمر بعد هزيمة 67 بالذات بدأ لاسرائيل وللعالم ان حلمها في امبراطورية اسرائيلية قد تحقق اخيرا واخذت اسرائيل تغذى هذا الواقع الجديد كل يوم بالدعايات السياسية والحرب النفسية وضرب الفلسطينيين فى المخيمات والاغارة على مصر فى العمق ولم يتحول الموج، ولم يقف التراجع العربى، ويبدأ التراجع الاسرائيلى، إلا منذ حرب اكتوبر 1973 التى خاضتها قوات مصر وسوريا ببسالة وكفاءة لا مزيد عليها.

        ولست فى حاجة الى ان اشرح لكم كثيرا ملامح الموقف طوال تلك الفترة السابقة على سنة 1973، التى ادت الى ما صرنا عليه، لكن يكفى أن اقول ان ابرز ملامح السلوك العربى طوال هذا الزمن كانت السلبية والمزايدة الكلامية والرفض المقترن بالرضوخ للأمر الواقع.

        هزم العرب سنة 48 ورفضوا مشروع التقسيم وسكتوا وان مجرد تسجيل الرفض هو اقصى درجات الجهاد، ثم خرقت اسرائيل الهدنة، واخذت اكثر مما اعطاها مشروع التقسيم بكثير، وسجل العرب رفضهم وسكوتهم. هكذا كان الأمر ذاته.

        وقد ظن اصحاب الرفض القابع العاجز انهم سيدخلون التاريخ كوطنيين ولكننا بعد ربع قرن نرى كيف ان هذا كان جريمة لا تغتفر.

        وما بعد 67 يختلف عما سبقه فى ظهور المقاومة الفلسطينية، وفى ابقاء الجبهة المصرية ساخنة حتى كان الحدث الأكبر في حرب اكتوبر 73 ومنذ توليت الرئاسة كانت تحكم تصرفاتى عدة اشياء مستمدة من عبرة الماضى وتجاربه.

        اولها: لقد قلت مرارا ان كل جيل يجد امامه المسئولية التى عليه ان يوفى بها، وان هناك من القضايا المصيرية ما لا يمكن ان يبت فيها وبحلها جيل واحد ولا شك ان قضية الشرق الأوسط من هذا النوع ومنذ بدء قدوم الحركة الصهيونية مضى ما يزيد على سبعة اجيال. مر زمن طويل زادت المشكلة فيه تشابكا وتعقدا وتراكمت وجوه الخطأ والقصور.

        وحين يتصدى جيلنا اليوم لمواجهة هذه التركة لا يمكن ان يحسمها فى يوم واحد او سنة واحدة ولكن على جيلنا ان يبذل اقصى جهده ويكفيه ان ينجح فى تحويل الموج من التراجع المستمر الى التقدم، وعليه ان يبقى الباب مفتوحا امام الاجيال المقبلة ويسلمها الراية مرفوعة كريمة ويجب ان تكون لدينا الثقة فى ان الأجيال القادمة ستكون بدورها كفيلة بحمل الأمانة طالما اننا لا نقصر فى واجبنا نحوها واننا لا ننحرف بها عن الطريق.

        ثانيها: ثانى هذه العوامل الخروج من دائرة المزايدات التى لا تلبث ان تقيد اصحابها وتعوق حركتهم وتعزلهم عن العالم خصوصا وهى مزايدات غير مصحوبة بالقوة ولا بالقدرة على تطبيق عشر معشارها.

        ثالثا: الاستقامة والصراحة مع الرأى العام العربى وعدم تغذيته بوعود التخدير، وقد سمعنا قادة تحدثوا عن القضاء على اسرائيل فى ثلاث ساعات ولم نسمع لماذا لم يفعلوا.

        رابعا: الواقعية فى فهم عناصر قوة الخصم وعناصر ضعفه وفى فهم العلاقات الدولية التى تؤثر فى الموقف. وقد طاف الأخوة الفلسطينيون كما طفنا بالعالم، وعرفوا كما عرفنا ان العالم قد تتراوح مواقفه، ولكنه بغير استثناء يقف عند حد عدم المساس بكيان اسرائيل كدولة لا يختلف فى هذا القوتين الأعظم عن باقى كل دول العالم.

        خامسا: عدم جدوى الأخذ بأسلوب المذكرات القانونية والمرافعات الرنانة التى اسفرت عن مئات القرارات الدولية ولكنها لم تسفر ابدا عن تحريك اسرائيل سنتيمترا واحدا عن الأرض وببساطة وكما قلت فى المؤتمر الوطنى الأخير للاتحاد الاشتراكى العربى اذا كانت المصلحة العربية العليا تقتضى ان نسالم فسنسالم وإذا كانت تلك المصلحة العليا تقتضى ان نفاوض فسنفاوض واذا كانت المصلحة العليا تقتضى ان نحارب فسنحارب، وقد حاربنا وفاوضنا وانتصرنا.

        حاربنا سنة 73 وهزمنا اسرائيل وواجهنا امريكا ذاتها فى ساحة القتال اكثر من عشرة ايام.. نعم واجهنا امريكا ذاتها حين

<2>