إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الرئيس أنور السادات، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، حول قضية الشرق الأوسط، 29/10/1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 370 - 373"

السيد الرئيس:

         يسعدنى ان أجىء اليكم وألتقى بكم، فأضع أمامكم- ومن خلالكم امام العالم- تصورنا فى مصر بالنسبة لما يدور فى عالمنا، وان انقل اليكم انطباعاتنا بالنسبة للمنطقة التى نعيش فيها ، في حاضرها ومستقبلها.

         ويهمنى- منذ البداية- أن انقل اليكم تحية شعب مصر ، وأؤكد لكم ايمانه بمبادىء الأمم المتحدة ، والتزامه بأهدافها ، باعتبارها الاطار الذى تمثل فيه جميع شعوب العالم او أغلبها ، والتى احتفلت منذ ايام بمرور ثلاثين عاما على دخول ميثاقها دور النفاذ فىالرابع والعشرين من اكتوبر 1945.

         ويثلج صدرى ان أجىء اليكم بعد ان تجاوز عدد الاعضاء فى منظمتنا مائة واربعين عضوا، ولست اشك فى ان الاسباب التى حالت حتى الآن دون انضمام بعض شعوب العالم ودوله- بالرغم منها- الى الأمم المتحدة، سوف تزول فى القريب العاجل، وبذلك يتاح لها ان تشارك فى مسيرتكم التاريخية من اجل الحرية والعدالة والتقدم.

         كذلك فان اقتناعى تام بأن شعب فلسطين سوف يكون في طليعة هذه الشعوب ليسهم كعضو عامل في الأمم المتحدة وعن طريق ممثليه الشرعيين فى تلك المسيرة الخلاقة، تأكيدا لقواعد العدالة، ومبادىء الميثاق واحكامه.

         ويتوازى مع سعادتى بالتحدث اليكم، ان اجد امامى ومن حولى هذا العدد الكبير من الدول الصديقة ، التى تربطنا بها علاقات متينة، ويجمعنا بها تفهم وتفاعل ايجابى مع الخط السياسى الذى نسير عليه، وهو امر لا يرجع الى مكانة مصر وثقلها الاستراتيجى وتراثها الحضارى، بقدر ما يرجع الى الأسس التى نلتزم بها فى سياستنا، وهى اساسا : التعامل فى اطار الأخوة والصداقة، واحترام استقلال الدول وسيادتها، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية، واخيرا، وليس  آخرا، التفاعل مع الظروف التى نعيش فيها وتحيط بعالمنا المعاصر فى دوائره المختلفة.

         وبالنسبة لمصر، هناك محور اساسى يأتى فى الدرجة الأولى، ويحتل مكانة خاصة فى جميع هذه الدوائر، وهى الدائرة العربية التى نحن منها وننتمى اليها، ولا شك ان العالم العربى قد اصبح كأسرة واحدة تحتل مكانا مرموقا بالنسبة لكافة الدوائر السياسية، وهو امر أبرزه وبلوره يوم 6 اكتوبر المجيد والتضامن العربى التلقائى الذى ظهر خلاله ، والذى لست أشك فى أنه سوف يستمر ويتطور، بل ان من المقطوع به ان العالم العربى سوف يمارس دوره كقوة سادسة لها قدرها ووزنها، تسهم- مع الدوائر الأخرى- فى تطوير عالمنا، سياسيا واقتصاديا وحضاريا.

         ويقينى ان الدوائر الأخرى، اذ تعى قدرات العالم العربى وعزمه الصادق على ممارسة مسئولياته ممارسة فعالة، سوف تتعاون وتتفاعل معه فى ايجابية وبروح بناءة.

         ويرتبط بهذه الدائرة العربية ارتباطا وثيقا والدائرة الاسلامية التى تضم شعوبا تؤمن بالمساواة والاخاء بين الأمم والشعوب على اختلاف عقائدها وتراثها الحضارى، دون تفرقة أو تعصب لما فيه خيرنا المشترك.

         أيها الاخوة والزملاء..

         ان مصر كما تعلمون بلد افريقى ينتمى الى واحدة من اقدم قارات العالم، وان كانت- لسوء الحظ - من اكثرها معاناة لويلات الاستعمار والاستغلال والتخلف، والأن تقف افريقيا شامخة، باذلة اقصى الجهود من اجل الحرية والتقدم، سواء عن طريق التفاعل الأفريقى الصميم بواسطة منظمة الوحدة الأفريقية، او بالتضامن والتكامل مع الأمة العربية، عن طريق الحوار العربى الأفريقى ، الذى سيتبلور فى العام القادم بمشيئة الله فى شكل ميثاق ينظم هذا التعاون على اعلى مستوى من المسئولية والفعالية.

         وهناك الدائرة التى تربط الكثير من دول العالم، بغض النظر عن موقعها الجغرافى، أو أجناس شعوبها ، وهى دائرة مجموعة دول عدم الانحياز، تلك الحركة النابعة من الاحساس العميق بوحدة التجربة التى مرت بها تلك الدول فى الماضى القريب ضد الاستعمار والتخلف، وقد كان مولد هذه الحركة منارة وشعاعا للدول التى كانت تعانى آثار الاستعمار والاستغلال ، ومما أذكى اشعاع هذه المنارة، ان الوقت الذى صاحب ظهور هذه الظاهرة السياسية الايجابية كان وقتا حرجا، سادت العالم فيه حرب باردة بين دول تملك اسلحة التدمير الشامل، مما اتاح لدول العالم الثالث ان تلعب دورا اساسيا وان تحمل رسالة سامية.

         والآن، وبعد ان حل ما يسمى بالوفاق محل التنافر والتهديد والالتجاء لوسائل العنف والاستغلال والضغط. وبالرغم من الفرق الكبير بين الحقبتين، إلا أن حركة عدم الانحياز قد استطاعت بعد ان ادت رسالتها الأولى خلال الحرب الباردة بشرف وامانة. ان تطور نفسها بحيث امكنها ان تتأقلم مع المتغيرات الدولية وان تلعب دورا اساسيا مبنيا على اسسس الحركة ومبادئها، التى ما زالت- فى نظرى - الضمان الأكيد لحماية استقلال الشعوب والدول الصغيرة التى تريد ان تتنفس الحرية وان تسيطر على مواردها الطبيعية ، وان تسير في طريق التقدم ، بعيدة عن مناطق النفوذ ، وان تساهم بعد كل هذا في المعترك الدولى مساهمة لها دلالتها وقيمتها الفعالة والمؤثرة

         ويكفى هنا- دون الدخول فى التفاصيل- مقارنة عدد الدول التى بدأت تلك الحركة فى الخمسينات مع عدد الدول المنتمية لمجموعة عدم الانحياز حاليا، بل يكفى للدلالة على وزن تلك الحركة ودورها الايجابى ما هو ملاحظ من ان اول الأمور التى تعلنها دولة تنال استقلالها هو انتماؤها الى مجموعة عدم الانحياز وايمانها بمبادئها.

         السيد الرئيس:

         ارجو ألا اكون قد اطلت فى حديثى عن الموقف الدولى، وانما الأمم المتحدة فى نظرنا هى مرآة تعكس العالم الخارجى، ولهذا السبب، يجب ان تكون أداة فعالة في التعبير عن ارادة الشعوب ورغبتها، ولقد انجزتم الكثير مما يشرف الانسانية منذ أسست المنظمة، عن طريق تطوير ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه بالاعلانات والقرارات التى وافقتم عليها ومن أهمها:

<1>