إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

         



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول قضية الشرق الأوسط، 29/10/1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 370 - 373"

والاقتصادية المطروحة على عالم اليوم، وبالنسبة للدولتين الكبيرتين، وبالنسبة لغيرهما من الدول ذات النفوذ والمسئولية، وبالنسبة للتكتلات الدولية التى لسنا اعضاء فيها، كالسوق الأوروبية المشتركة فان ايدينا ممدودة للجميع لا شرط لنا فى التعامل الا فهم واقعنا واحترام ارادتنا الوطنية.. ثم هناك- بغير شك- مدى تعاون اى طرف فى حل مشاكلنا، وفى مقدمتها قضية الصراع العربى الاسرائيلى بوجه عام، وحقوق الشعب الفلسطينى بوجه خاص.. اننا نرى فى هذا ايضا مقياسا من مقاييس الصداقة والتفاهم واقامة المصالح المشتركة، ذلك ان قضيتنا عادلة، واننا لا نطالب الا بحقوقنا.

         اما بالنسبة للموقف العربى وقضاياه المعقدة فان اسس سياستنا هنا ايضا واضحة ومستمرة ، ذلك انها ليست بنت الارتجال والانفعال ولكنها جاءت اثر دراسة متعمقة، لكل ظروف شعبنا المصرى، وامتنا العربية. ونضالها القومى، والواقع الدولى المعاصر: ثم ان هدفنا الأول الذى يحكم كل تصرفاتنا العربية والدولية هو تحرير كل الأراضى العربية المحتلة، واسترداد حقوق شعب فلسطين. وتمكنه من الامساك بزمام امره وحرية تقرير مصيره، وفى هذا المجال ليس لدينا ارض عربية اقل اعزازا من ارضنا، فالقدس ونابلس والخليل وجبل الشيخ وغزه ليست اقل اعزازا من القنطرة والعريش، ومن هذا المنطلق فان سياستنا تقوم على الايجابية ومرونة الحركة، مع ثبات الهدف الأخير، وبالتالى عدم تفويت اى فرصة لتحرير اى قطعة من الأرض العربية حيثما تكون.

ايها الأخوة والزملاء:

         تذكرون اننا تجاوبنا مع الجهود التى بذلتها الولايات المتحدة فى مارس الماضى بهدف التوصل الى فك ارتباط ثان يعزز وقف اطلاق النار، ويقلل من احتمالات التفجر فى المنطقة، غير ان هذه الجهود قد احبطت بسبب تعنت اسرائيل وعدم قدرتها على قبول تحدى السلام.

         وبالرغم من ذلك: فان مصر لم تفقد حماسها للسلام وايمانها به، لأنه بالنسبة لنا هدف استراتيجى، والتزام اصيل، ولذلك فقد اتخذت قرارا بفتح قناة السويس، تعبيرا عن نيتنا فى السلام، وحرصا على تيسير التجارة والتبادل بين الشعوب، والتخفيف من الأعباء التى كانت تثقل كاهل كثير من الدول الصديقة كما اننا قطعنا شوطا كبيرا فى اعادة تعمير مدن قناة السويس وبناء ما دمره العدوان عليها، واعادة سكانها الذين هجروا منها حرصا على سلامتهم.

السيد الرئيس:

أيها الأخوة الأعزاء:

         ارتباطا بهذا، بل التزاما منا فى مصر والأمة العربية، لا أجد حرجا أو ترددا فى أن أذكر لكم بصراحة واقعية، أن الظروف التى نمر بها فى منطقتنا تشكل فرصة فريدة للسلام، لم تتوفر منذ قيام النزاع فى الشرق الأوسط، ولذا فانه يجب عليكم، بل هى مسئوليتكم الأولى، فى الا تفوتوا هذه الفرصة، من خلال الأمم المتحدة والمنابر المنبثقة عنها كمؤتمر جنيف، فى دفع الأمور نحو الحل السلمى، واغتنام ما أسميه بالمسيرة نحو السلام العادل، وإلا فلن يكون هناك بديلا لاستخلاص حقوقنا المقدسة. سواء بالنسبة لتحرير الأراضى المحتلة ، او أسترداد الحقوق المشروعة لشعب فلسطين وقيام دولته المستقلة، إلا الالتجاء الى الوسائل الأخرى التى أقرها ميثاق الأمم المتحدة ذاته.

         لذلك، اجد لزاما على ان افاتحكم بصراحة، وبنفس الروح التى عهدتموها منى عندما اتخذت القرار نحو السلام، وكما تعلمون فقد اتخذت قرارا تاريخيا بالمعركة فى السادس من اكتوبر 1973، الذى لم يكن قرار حرب لمجرد الحرب وانما كان الهدف منه هو فتح الطريق نحو السلام من جديد. حتى يتنبه العالم، وتنتبهوا معه، الى انه لا يمكن للأمة العربية ان ترضخ لاحتلال، أو ان ترضى بانتقاص او حرمان لحقوق الشعب الفلسطينى. ولهذا السبب فقد كان حتميا اتخاذ هذا القرار التاريخى حتى تعود الأمور الى نصابها. وتبدأ العجلة فى التحرك نحو السلام، وتدركون جيدا انه لمدة سبع سنوات متصلة قامت مصر بالالتجاء الى الجمعية العامة ومجلس الأمن وقامت باتصالات مباشرة مكثفة، وحصلت على قرارات بالتأييد الكامل للحق العربى، الا ان كل هذا كان ينقصه الشرارة التى كانت تحتاجها قراراتكم لكى تدخل فى دور النفاذ، ومع ذلك فاننى أعود لأكرر اننا ملتزمون التزاما كاملا بالتحرك وفقا لأحكام الميثاق وبالتشاور معكم وبتأييدكم نحو الحل السلمى الدائم والعادل.

         وعندما ادعو الى هذا، وأدعوكم لتفهم هذا الواقع، لا اجد داعيا لأن اكرر ان التحركات الأخيرة فى الشرق الأوسط هى تحركات محدودة الأثر والنتيجة ،وانها ليست حلا فى حد ذاته بل ولم يقصد بها ذلك ابدا، وانما هى مجرد تحرك يهدف الى تمهيد المناخ الملائم لتحريك القضية، وبحثها بحثا شاملا جذريا، سواء بالنسبة للأراضى المحتلة واستردادها، أو الحق الفلسطينى واسترجاعه.

         ومن هذا المنطلق، ارجو ان تتذكروا هذا الحديث الصريح معكم اليوم، وان المطلوب منكم، وأنتم تمثلون الأسرة الدولية بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان ،الا تتركوا هذه الفرصة تمر، بل ان تعملوا فى جدية ودأب ومثابرة، للوصول الى الحل الشامل العادل لهذه المشكلات جميعا، وبذلك يمكنكم أن تسجلوا انه بعد ثمانية وعشرين عاما من انشغال الأمم المتحدة المتصل بقضية شعب فلسطين، قد امكن تطبيق مبادىء الميثاق واحكامه بالنسبة لحق الشعوب فى تقرير مصيرها، وبالنسبة لاحترام استقلال الدول الأعضاء وسلامتها الاقليمية، وحرمة أراضيها، كما امكن دحض المعتدى، وردع العدوان، وتأكيد دور الأمم المتحدة الخلاق. وتطبيق القانون الذى ارتضيتموه نبراسا للعلاقات الدولية.

         وتأسيسا على ما تقدم، فلست اشك فى انكم توافقوننى فى أنه لا سلام فى المنطقة دون الوصول الى حل سياسى للقضية الفلسطينية.. قضية الشعب الفلسطينى، الذى لا يجوز بل من المرفوض أن يستمر فى الحياة مشردا، بلا وطن، والذى لابد له من استرجاع كيانه، واقامة دولته المستقلة لتمكين هذا الشعب العريق من الاسهام البناء فى تطور مجتمعنا الدولى وتقدمه.

<3>