إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



(تابع) خطاب الرئيس أنور السادات، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول قضية الشرق الأوسط، 29/10/1975
المصدر: "قال الرئيس السادات، الجزء الخامس 1975، السكرتارية الصحفية لرئيس الجمهورية، ط 1982، ص 370 - 373"

السيد الرئيس:

        كل هذا يجعلنى اذكر من جديد وانا اقترب من نهاية كلمتى بأننى فى السادس عشر من أكتوبر وخلال انتصار قواتنا الظافرة وبعد ان حطمت أكبر العوائق الطبيعية والخطوط الصناعية العسكرية كخط بارليف دعوت الى مؤتمر سلام. ذلك اننى لم انس السلام فى أية لحظة، وهذه هى طبيعتى، وانما اذا وجد شعبنا والأمة العربية ان هذا السلام يفسر بالاستسلام، فلا مفر عندئذ من القيام بواجبنا المقدس فى تحرير اراضينا واسترجاع حقوقنا المشروعة بالوسائل التى تضمنها ميثاقكم، وخاصة المادة الواحدة والخمسين منه.

        لذلك، فاننى اتصور انكم لم تدهشوا حين وجدتم ان مصر كانت من اول الأطراف التى رحبت بمؤتمر جنيف للسلام ، بل انها ذهبت الى المؤتمر وشاركت فيه، حتى قبل ان يكتمل الاعداد الكافى له بصورة تضمن تحقيق اهدافه.

        والآن وقد تحقق فض اشتباك على الجبهتين المصرية والسورية، وفك ارتباط ثان على الجبهة المصرية، بأمل أن يعقبه فك ارتباط جديد على الجبهة السورية، وكنا ولا زلنا نفضل ان يتحقق فك اشتباك على الجبهة الفلسطينية كذلك، وفى ضوء كل هذا، اعتقد أنه قد آن الأوان، وأصبح من المتعين أن يعاود مؤتمر جنيف اجتماعاته، بحضور جميع الاطراف المعنية بالقضية الفلسطينية.

        وتأسيسا على ذلك، فاننى ادعو رسميا كلا من السكرتير العام والدولتين العظميين (الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة بصفتهما رئيستى المؤتمر) لأن يبدأوا فورا مشاوراتهم مع جميع الأطراف المعنية- بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية- لكى ينعقد مؤتمر جنيف فى القريب العاجل، وبحيث تستمر اجتماعاته دون انقطاع " لمعالجة المشكلة بأكملها ومن كافة جوانبها للتوصل الى السلام العادل والدائم.

        ولقد كان يمكننى- كما تعلمون - أن أوجه طلبى هذا مباشرة الى السكرتير العام والدولتين العظميين، الا اننى- وبكل اقتناع- اتوجه رسميا بهذا الطلب من هذا المنبر، نظرا لأننى لا أجد انفصالا. بل على العكس أجد ارتباطا عضويا وثيقا بين جنيف والأمم المتحدة ، ذلك انه الى جانب ان هذه المنظمة قد استمرت ولا تزال فى بحث قضية فلسطين منذ ثمانية وعشرين عاما، فان أى نتيجة يسفر عنها مؤتمر جنيف سوف تكون ثمرة وحصيلة لمجهوداتكم، سواء فى الجمعية العامة، أو مجلس الأمن، كما انكم لابد أن توافقوا عليها وتضمنوها وفقا لاحكام الميثاق: فالأمم المتحدة هى اذن الأصل والأساس، وبالتالى فلا مفر من ان نلجأ اليكم اذا فشل مؤتمر جنيف او تعسر، وعليه فان متابعتكم لاعمال جنيف وتحمل مجلس الأمن والجمعية العامة كل مسئوليتهما، سواء بالنسبة لقوة الدفع نحو الحل السلمى او التعبير عن ارادتكم فى وضوح بشأن الالتزام بالميثاق واحكامه، او عن طريق المشاركة الدولية للأمم المتحدة، سواء عن طريق سكرتيرها العام او ممثليه، او عن طريق قوات الأمم المتحدة، أو بخصوص الضمانات الدولية للحل السلمى.. كل هذا هو كل لا يتجزأ وهو ينبع منكم ويعود عليكم.

        واتصالا بهذا الطلب الرسمى لعقد مؤتمر جنيف، فاننى ادعو الجمعية العامة فى دورتها الثلاثين هذه لتخطو خطوة فعالة فى طريق السلام العادل، بان تصدر قرارا بضرورة تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعى لشعب فلسطين فى أعمال مؤتمر جنيف للسلام، على قدم المساواة مع باقى الأطراف المشتركة فى هذا المؤتمر. وسوف يتقدم الوفد المصرى بمشروع رسمى بهذا المعنى، وبناء على تعليمات منى بالتعاون مع جميع الدول التى تشاركنا الرأى فى ان جوهر الحل لأزمة الشرق الأوسط يكمن فى الحل العادل للقضية الفلسطينية، فلا يمكن ان نتصور ان ينجح مؤتمر جنيف او ان يتحقق اى انجاز على طريق السلام ، الا اذا شارك فيه ممثلو شعب فلسطين المعترف بهم فى الأمة العربية على أعلى مستوى، وهو امر اعتبره متمشيا تماما وتسلسلا منطقيا لقراركم رقم 3237 الذى أصدرتموه فى 22 نوفمبر من العام الماضى بشأن منح منظمة التحرير الفلسطينية صفة المراقب لدى الأمم المتحدة.

        السيد الرئيس:

        إن مصر والأمة العربية كلها، اذ تهيب بالمجتمع الدولى، ممثلا فى الأمم المتحدة، ان يجعل عام 1976 عاما لشعب فلسطين " انما تفعل هذا عن ايمان راسخ متين، ليس فقد لعدالة قضية هذا الشعب وقوة حقه، بل ايضا بالأمم المتحدة واهدافها ،ومن واقع نظرتنا لها على اساس انها الراعى للشرعية الدولية، الأمين على حقوق الشعوب، وتعلمون أن امتنا- بحكم تراثها وحضارتها- تؤمن ايمانا عميقا جازما بوحدة المسيرة الانسانية، ووحدة كفاح الشعوب، ومن ثم فاننا نعتبر قضية الشعب الفلسطينى قضية كل شعب حر يسعى الى السلام، ويدعو الى العدالة، ويرتضى القانون حكما بين الحق والباطل، الصواب والخطأ، ونحن نفعل هذا بنفس الروح التى حدت بنا الى تبنى قضايا كل شعب مقهور مغلوب على أمره ، يسعى الى التحرر والخلاص.

        وأود ان انتهز هذا الفرصة، لأعبر امامكم عن ثقتنا الكاملة فى السكرتير العام كورت فالدهايم، وتقديرنا لادائه الممتاز، وتأييدنا الصادق لجهوده الدائبة، فى سبيل قضية السلام العالمى، وخير المجتمع الدولى.

        وتبقى بعد هذا كلمة تحية وتقدير واجبة، لقوات الطوارىء وقوات الرقابة التابعة للأمم المتحدة، فتعلمون ان افراد هذه القوات يؤدون رسالتهم بروح عالية، فى ظل ظروف لا تخلو من القسوة، فلهم ولحكومات دولهم كل تقدير وثناء.

        السيد الرئيس:

        أيها الأصدقاء:

        إن العالم ينتظر منكم الكثير، فى هذا المنعطف التاريخى الهام، الذى تتزايد فيه توقعات الشعوب فى تحقيق السلام والرخاء، فى نفس الوقت التى تتعاظم فيه التحديات الضارية، وتتعقد المشاكل بصورة لم نعهدها من قبل، ولست اشك فى اننا جميعا، بأيماننا الصادق الذى لا يتزعزع بمستقبل افضل للبشرية، وعزمنا على العمل معا لتحقيق اهدافنا المشتركة، سوف نجتاز اختيار السلام والتقدم ، فنفتح الطريق الى غد افضل ، تنعم فيه الأجيال القادمة بالطمأنينة ، والأمان ، والأمل .


<4>