إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

       



كلمة الرئيس حافظ الأسد، في مأدبة أقامها تكريماً للرئيس ريتشارد نيكسون، بمناسبة زيارته لسورية
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 221 - 222"

كلمة الرئيس حافظ الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية،
في مأدبة أقامها تكريما للرئيس ريتشارد نيكسون رئيس
جمهورية الولايات المتحدة الاميركية، بمناسبة زيارته لسورية.

دمشق، 15/6/1974

 

(البعث، دمشق، 16/6/ 1974)

          السيد الرئيس،
          السيدة نيكسون،
          ايها الضيوف المحترمون،
          ايها السيدات والسادة،
          انه لمن دواعي سعادتي ان ارحب ترحيباً حاراً بالرئيس ريتشارد نيكسون والسيدة عقيلته، وبضيوفنا الاميركيين المحترمين، متمنياً لهم طيب الاقامة في بلادنا.

          اننا ، ايها السيد الرئيس، اذ نحيي في شخصكم ايضاً الشعب الاميركي، نقدر معنى زيارتكم التي تسجلون بها حدثاً تاريخياً، باعتباركم اول رئيس للولايات المتحدة يزور بلادنا.

          ولزيارتكم، اضافة الى ذلك، دلالة خاصة، من حيث انها تأتي في مرحلة هامة من تاريخ منطقتنا الحديث، وفي أعقاب حقبة من التباعد في العلاقات بين بلدينا، ومن حيث انها جزء من جولة أعلنتم ان هدفها هو العمل لاحلال السلام العادل في منطقتنا.

          اننا نرحب بكل مسعى مخلص لتحقيق السلام العادل، ونرجو لكم النجاح فيما تسعون اليه. واقول بكل وضوح: ان السلام نزعة اصيلة في امتنا العربية، ولنا فيه مصلحة حقيقية، ونحن نريد استقراراً تظلله الحرية الحقيقية ويؤمن لنا التقدم المتعدد الجوانب، مما يؤدي في النهاية الى ان يستعيد شعبنا قدرته على أداء دوره في المجتمع الدولي لما فيه خيره وخير البشرية.

          وقد ناضلت امتنا العربية، خلال حقب طويلة، من اجل السلام، فلاقت الكثير من الصعاب، ووضعت في طريقها، العراقيل، وتعرضت للضغوط والتهديدات لسلبها ارادتها وحريتها ولحملها على التخلي عن مبادئها التي ترفض ان تساوم عليها.

          ان امتنا التي أنبتت ارضها أقدم حضارات الانسان، وكان وطنها مهبط الرسالات السماوية، والتي أسهمت خلال تاريخها اسهاماً كبيراً في إغناء حضارة البشر، هي امة معطاء، لا تضمر شراً لأحد، ولا تبغي سوى ان يعيش ابناؤها احراراً في ارضهم، وان يعيدوا بناء حياتهم في كل المجالات لتستأنف عطاءها السخي للبشرية في ظروف السلام. ولكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك وهي مهددة في الوطن والمصير ، في ظل حرية مبتورة، حيث تحتل اجزاء من ارضنا، ويشرد الملايين من ابناء امتنا في فلسطين وفي غير فلسطين.

          ان شعب فلسطين يعيش منذ ست وعشرين سنة، مشرداً محروماً من حقوقه التي أقرتها كل المواثيق الدولية وأكدتها قرارات الامم المتحدة سنة بعد اخرى منذ عام 1947، مما دفع به الى اليأس من عدالة الانسان، ومن انصاف المنظمات الدولية، لانه كان كلما طالب بالانصاف ازدادت وطأة العدوان عليه، وازداد المعتدون تنكراً لحقوقه، حتى بلغ بهم الامر حد انكارها وانكار وجوده اصلا، وكأنهم بذلك كانوا يدفعونه دفعاً الى ان يسلك سبلا لم يكن يريد ان يختارها، ليذكر العالم بوجوده وبقضيته التي لا يمكن أن يستتب سلام في هذه المنطقة بدون حل حقيقي وعادل لها.

          وباستطاعتكم ان تتصوروا مدى ما اصاب شعبنا العربي من خيبة أمل في السنين الماضية، وهو يرى كيف كانت تضحياته وجهوده من اجل العدل والسلام تقابل بايصاد الابواب في وجهه، واحباط كل مسعى لانصافه.

          ان السلام القادر على البقاء والاستمرار هو السلام العادل الذي ينهي الاحتلال الاسرائيلي، ويعيد الارض الى اهلها، ويزيل الظلم النازل بالشعب الفلسطيني، ويؤمن له حقوقه الوطنية المشروعة.

          وقد جرت في السنين الاخيرة محاولات لفرض امر واقع يحمل في طياته كل عناصر تجدد الحرب واراقة الدماء، ولا يمت الى السلام بأية صلة. وكان لزاماً علينا ان نقاوم تلك المحاولات، كما فعلنا في حرب تشرين [ الاول ( اكتوبر)] وامتدادها في حرب الجولان، حيث ثبت ان الامر الواقع القائم على الاحتلال والعدوان لا يمكن ان يستمر، وتأكد ان الاستناد الى القوة لانتزاع مكاسب من الغير ومن صميم حقوقه المشروعة، انما يشكل استخفافاً بالقيم الانسانية من جهة، وسطحية في الرؤية والادراك من جهة ثانية.

          كما تأكدت حقيقة أكدتها الظروف التاريخية المتتالية، وهي ان كل انتصار يقوم علي غير الحق والعدل - اذا صح ان نسميه انتصاراً - انما هو انتصار وقتي هزيل البنيان لا يلبث ان ينهار عند اول ريح عاصفة تحركها ارادة الخير والحق والعدل.

<1>