إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب الرئيس حافظ الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية، إلى الشعب حول الحرب
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1973، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 9، ط 1، ص 366 - 369"

مكتبه يؤدي واجبه تجاه مواطنيه على خير وجه وبروح المسؤولية. مع رجل الامن والدفاع المدني ينهض بأعماله بكل اخلاص وتفان. مع الطبيب والممرض يقف دوماً في اتم حال من الاستعداد والتأهب للواجب الانساني والوطني. مع التاجر في متجره يلبي احتياجات المواطنين بروح وطنية عالية. مع ربات المنازل يرعين الاسر والاطفال. مع ذلك الجيش اللجب من المواطنين الأوفياء المخلصين على تعدد اعمالهم، ينظمون حياة الوطن اليومية.

          أيها الأخوة
          قد تدور في اذهانكم تساؤلات، لعلكم تنتظرون ان اجيب عليها، او لعلكم ترغبون في ان اتحدث عن النشاطات القومية والدولية ذات الصلة بالمعركة، سواء ما كان منها ايجابيا ام سلبيا. ولكنكم تدركون ان للحرب ظروفها وضروراتها التي تفترض ان نبتعد عن الخوض في أي موضوع لا يعود بالنفع على المجهود الحربي.

          ومع ذلك، فاني في هذا المجال حريص على ان اشير الى ان صمودنا في حرب التحرير اخذ يعطي شعار قومية المعركة معنى تطبيقياً فعليا. وفي هذا الصدد، فاني اعبر، باسمكم، عن اعظم التقدير لدور القوات العراقية الشقيقة التي قاتل رجالها قتال الابطال ضد العدو، وامتزجت دماؤهم بدماء اخوانهم في القوات السورية والقوة المغربية، فكانت مشاركتهم في القتال تعبيراً حقيقاً عن قومية المعركة. تحية لجيش العراق، وتحية لشعبنا في العراق الشقيق. وسيأتي اليوم الذي تشارك فيه ايضاً القوة السعودية، والقوة الاردنية، وتؤديان دورهما في المعركة القومية. كما ان الدولتين الشقيقتين الجزائر وليبيا، بادرتا، منذ اللحظة الاولى، الى تقديم الدعم العملي والتأييد الفعلي بأشكال مختلفة. ومدت يد العون، ايضاً، دولة الامارات العربية المتحدة، ودولة قطر.

          وان ما كان من هذا الدعم للجبهة الشمالية، كان له مثيل للجبهة الغربية، حيث تخوض قوات مصر العربية الباسلة معارك كبرى ضد العدو، بعد ان حطمت غروره وهزمته هزيمة اوقعته في العديد من تناقض الاقوال، وكشفته امام العالم كله، عندما عبرت قناة السويس، ودمرت مواقعه الحصينة، وتابعت تقدمهـا في سيناء بثبات وقوة.

          وان دل هذا على شيء فانما يدل على حقيقة الوحدة العربية، كما يدل على ان امتنا امة حية، تظهر وحدتها وحيويتها بأروع مظهر في الشدائد والازمات.

          وعلينا ألا ننسى ان صمودنا هو العامل الرئيسي والاساسي في كل الموقف، على صخرته ستتحطم كل محاولات العدو، وباستمراره يزداد التفاف الامة العربية من حولنا ويتضاعف دعمها لنا، وبه ايضا يتنامى تأييد الاصدقاء في العالم ودعمهم لقضيتنا.

          لقد نقلت بلاغات الناطق العسكري لكم سير القتال في الايام العشرة الماضية، واذا كان لا بد من اضافة، فأقول ان قواتنا وقفت المواقف المشرفة في كل ميدان.

          اما في الجو، فقد شاهدتم بأنفسكم ما حل بطيران العدو، لقد رأى الكثيرون منكم طائراته تتساقط، ورأوا طائراتنا تطاردها، ووسائط دفاعنا الجوي تلاحقها وتقتنصها، وتجعل منها كتلا من نار تلتهب في الجو، او كتلا من حديد تسقط على الارض. وقبضتم على الكثيرين من طياري العدو الذين هبطوا بالمظلات طلباً للنجاة. ان ما فعله نسورنا ورجال دفاعنا الجوي البواسل كان خارقاً، وانهم لجديرون منا بكل الحب والتقدير والاعجاب.

          واما في البحر، فان سلاحنا البحري خاض معارك مشرفة، وألحق بالعدو خسائر كبيرة في كل محاولة للاعتداء على سواحلنا، وأدى واجبه خير أداء فاستحق ايضاً كل تقدير واعجاب.

          واما في البر، فان ملاحم البطولة التي صنعها ابطال قواتنا المدرعة، ومدفعيتنا، ومشاتنا، وقواتنا المحمولة، وصنوف اسلحتنا البرية المختلفة، هي مصدر فخار واعتزاز، وسوف يسجلها التاريخ في سجل الملاحم الكبرى التي عرفتها الحروب.

          لقد حول ابطالنا عدوان اسرائيل، منذ السادس من تشرين الاول [أكتوبر]، الى تقهقر لقوات العدو. وكما اعلمتم في ذلك اليوم، فان قواتنا اندفعت تصد العدوان، وتجبر قوات الاحتلال على الانسحاب امامهـا، وواصلت تقدمها حتى طردت قوات العدو من جبل الشيخ، والقنيطرة، و جبين، والخشنية، والجوخدار، والعال، وتل الفرس، والرفيد، وغيرها من قرى الجولان ومواقعه، ملحقة بالعدو هزائم هزت الكيان الصهـيوني في داخله.

          في ذلك الحين، بينما كان العدو يخفي خسائره وهزائمه عن سكان اسرائيل وعن العالم الخارجي، وهو أسلوبه الذي لا يزال يتمسك به حتى الآن، كنا، بالمقابل، نسكت عن انتصارات قواتنا، ونرجىء الاعلان عنها. وبينما كانت انباء العدو وبلاغاته تفضح نفسها بنفسها، وتكشف يوماً بعد يوم عن مزيد من تناقضاتها، آثرنا التريث في اعلان ما حققناه الى ان يتم صد قوات العدو صداً نهائياً، وتطهير الارض تطهيراً كاملا، مع انه كان بمقدورنا ان نعلن تحرير الجزء الاكبر من الجولان في اليوم الرابع من المعارك.

          كما آثرنا التريث في الاعلان لاننا كنا ندرك ان الهدف النهائي للمعركة قد يتطلب منا الانتقال من موقع الى آخر، وان هذا الانتقال قد يكون الى الامام كما قد يكون الى الخلف، حسب الضرورة الاستراتجية التي يفرضها الهدف النهائي للمعركة، وهذا ما حدث فعلا. فقد تركنا بعض هذه المواقع الى الخلف، بسبب ضرورات المعركة، وسوف تتضح هذه الضرورات لكم بعد التحرير. ولكن لا بد من

<2>