إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 


خطاب الدكتور محمد مرسي يوم 24/6/2012

كلمة الرئيس محمد مرسي في يوم نصرة الشعب السوري[1]

في 15 يونيه 2013

الحمد لله القائل:

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)

والصلاة والسلام على نبينا محمد القائل في الحديث الشريف:

(مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم: كمثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)

الأخوة والأخوات أيها الجمع الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... أما بعد

في هذا اليوم أوجه حديثي من أرض الكنانة قلب الأمة العربية، التي تحترق ألماً وتئن تعاطفاً مع الشعب السوري الشقيق، الذي هو جزء عزيز من جسد أمتنا، يتعرض نساؤه وشيوخه وأطفاله وشبابه ومقدراته لآلة تدمير لا قبل لهم بها.

هذا يوم النصرة، يوم الإحساس بمعاناة شعب مسالم سعى ليحقق إرادته المشروعة في حرية وعيش كريم، ولن يهنأ له ولا لنا بال حتى نرى السوريين الأحرار يقيمون دولتهم الموحدة على كامل ترابهم، الذي روته دماء أطفالهم ونسائهم وشبابهم. ولا يفهمن أحد أنني أختزل النصرة الواجبة في يوم، بل هي كل يوم وكل ساعة حتى ينعم السوريون بالأمن والأمان.

إن ما يتعرض له الشعب السوري من حملة إبادة وتطهير عرقي ممنهج غذتها قوى إقليمية ودولية لا تأبه بالإنسان السوري وكرامته ومعاناته، خلفت وطناً ممزق الأشلاء وعشرات الآلاف من القتلى وملايين اللاجئين يعانون مرارة التهجير وقسوة الجوع والخوف والمرض والقتل المعنوي لهم ولأطفالهم.

سلام من صبا بردى أرقُّ ودمع لا يكفكف يا دمشقُ

وللحرية الحمراء بابٌ بكل يدٍ مضرَّجة يدُق

إن مواقف مصر تجاه الأشقاء في سورية مواقف مبدئية لا تخضع للمزايدة ولا للمساومة، تنبع من مبادئ ثابتة ومحددات واضحة:

أولا: حرمة الدم الإنساني

يؤكد الشعب المصري على أن حرمة الدم الإنساني عموماً، ومنه الدم العربي الإسلامي، وترى مصر أن كرامة الموطن العربي من صميم كرامة المواطن المصري. وهذا أصل متجذر في وعي الشعب المصري منذ القدم، دفعنا فيه ثمناً غالياً من دماء أبناء شعبنا على مر التاريخ. ولا يمكن التهاون فيه، ولا التخلي عنه، ولا المساومة عليه لأي مصلحة مهما عظمت.

ونحن في مصر الثورة شعبا،ً وحكومة ومؤسساتٍ رسمية ومدنية وقوى سياسية، كلنا نقف صفاً واحداً مع الشعب السوري حتى ينال حقوقه المشروعة في التحرر من الاستبداد، ومن بطش الطغاة والمجرمين.

شعب مصر يدعم نضال الشعب السوري دعماً مادياً ومعنوياً، ومصر لن تترك الشعب السوري حتى ينال حقوقه وكرامته وسيادته على أرضه الموحدة الجامعة لكل مكونات شعب سورية العريق.

ثانياً: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول

إن السياسة المصرية تجاه الأشقاء والأصدقاء تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكنها تقف بكل ثبات مع خيارات الشعوب لنفسها، وحين يطلب منا الشعب السوري العون، فإننا لا نتخلف بل ندعم نضال أشقاءنا في سورية من أجل الحصول على الحرية في اختيار من يحكمهم.

ونحن نؤكد هنا أننا ندعم سورية الموحدة تحت قيادة جديدة منتخبة تمثل كافة أطياف الشعب السوري، لأن هذا مطلب سوري داخلي، كما هو مطلب مصري للأمن القومي المصري، الذي يبدأ من استقرار الأوضاع هناك. ولن يقبل الشعب المصري ما يرفضه شقيقه السوري من محاولة النظام الحالي إنتاج نفسه من جديد ليكون جزءاً من المستقبل السياسي لسورية، بعد كل ما ارتكبه في سورية قتلاً وتعذيباً وهتكاً للأعراض، وإهداراً للكرامة الإنسانية.

ثالثاً: وحدة التراب السوري والشعب السوري بكل مكوناته جزء من النسيج العربي

تقوم سياسة مصر نحو شعب سورية على اعتبار أن سورية الجديدة جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية، بعد أن تتحقق أمال الشعب السوري في إقامة دولته الحرة بإرادته الذاتية. ومصر تحافظ على وحدة التراب السوري بعيداً عن كل مستويات التصنيف والتقسيم على أسس جغرافية أو طائفية أو عرقية. ومهما طال أمد الصراع، فلن تسمح مصر بتمزيق سورية.

رابعاً: رفض التدخل الأجنبي عسكرياً وسياسياً

من مبادئ السياسة المصرية الراسخة، رفض كل صور التدخل الأجنبي العسكري والسياسي في أي دولة. ورفض إملاء إرادة خارجية على الإرادة الذاتية للشعوب والدول، ولذلك نرفض كل صور التدخل الأجنبي في الأزمة السورية بأي شكل من الأشكال، سواء كان تدخل دول أو ميليشيات ومن أي طرف من الأطراف.

خامساً: حساب المصالح والمبادئ

زايد البعض على تواصلنا الطبيعي مع بعض القوى الإقليمية، وأقصد بها إيران، واعتبرها خصماً من دعم مصر المباشر للقضية السورية، وإنني أقولها بوضوح لم ولن تكون علاقاتنا التي تمليها أحياناً طبيعة الدور الإقليمي والعالمي على حساب مبادئنا، التي تعتبر نصرة الشعب السوري من أهم قضايانا على الإطلاق، بل ربما كان جزءاً من هذه العلاقة تفعيل الحل السياسي للقضية، ولا يسمح المجال بتفصيل ذلك، وأحب في هذا المقام أن أوجه عددا من الرسائل:

رسالتي الأولى: للشعب المصري

يا شعب مصر العظيم لقد ناصرت الشعوب واستقبلت الأحرار من كل مكان، وكنت خير معين لهم، ولم تنس يوماً أشقاءك، ولم تتأخر ساعة عن نصرة المستضعفين. يا شعب مصر أوصيكم بالعائلات السورية خيراً، ومعاملة الأشقاء السوريين المقيمين في مصر كالمواطنين المصريين سواءً بسواء، فهذه أخلاق المصريين الكرماء النبلاء الذين يظهر معدنهم النفيس وقت الشدائد. وقد طرحت مصر مبادرات عدة لحل الأزمة السورية، وعملت مع الأشقاء في تركيا وعدد من الدول العربية في هذا الشأن. واستقبلت القاهرة وفوداً من ممثلي الشعب السوري، وما يزال التشاور مستمراً، ونرحب بكل جهد مثمر لحل هذا الصراع الذي طال أمده، وتفاقمت آثاره. وقد أصدرت توجيهاتي للهلال الأحمر المصري لتدشين حملة مصرية بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات الخيرية المصرية، لتكثيف برامج الدعم وإغاثة الجرحى واللاجئين السوريين في مصر والأردن وتركيا، وهم يحتاجون دعمكم الخيري فلا تبخلوا عليهم، سيما ونحن على أبواب رمضان شهر الخير والجود والكرم.

رسالتي الثانية: لشعوب وحكام أمتنا العربية والإسلامية

أيتها الأمة الواحدة التي قال الله فيها (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، الآن تُرتكب في حق الشعب السوري أبشع الجرائم تحت سمعنا وبصرنا، لا لشيء إلاّ لأنه يطالب بحقه الأصيل في الحرية والحياة الكريمة، وحقه المطلق في اختيار من يحكمه، وإن استمرار ما يقع له الآن ما هو إلا استمرار في مسلسل الجرائم ضد الإنسانية بشهادات التقارير الدولية، يجب أن يجلب للعدالة الدولية كل من شارك فيها أو وافق عليها أو تقاعس في منع وقوعها، ونحن أبناء أمة واحدة تراكمت عليها التحديات، لكن مصيرنا واحد، وما بيننا من عوامل التلاقي كبير، ولا ينكر أحد كثيراً من المواقف الشعبية والرسمية المقدرة منا جميعاً. لكن استمرار الوضع بهذا التدهور يشير إلى أن الجهد المطلوب أكبر، والشعب السوري يستصرخنا صباح مساء لمزيد من الإجراءات العاجلة الفعالة، ومنذ بداية تولي للمسؤولية، فقد آليت أن أبدأ من موقعي ولا أظن أحداً منكم سيتأخر. ولتكن أزمة الشعب السوري الشقيق إنذاراً لنا جميعا لتوقظ فينا حكمة الراي وفضيلة التعقل، في حل خلافاتنا بالحوار البناء والتعايش والتعاون على الخير لشعوبنا ومستقبل أجيالنا.

ورسالتي الثالثة: إلى الضمير العالمي الحر حكومات وشعوباً

أقول لهم كم وقعت من مذابح مروعة وإبادة جماعية على مدار التاريخ في مناطق كثيرة في إفريقيا وأوروبا، كان تأخر الحسم الدولي مصدر ألم للإنسانية كلها، ولا نريد أن يتكرر هذا في مذابح سورية والإبادة الجماعية التي تمارس بحقه صباح مساء، ولا يتصورن أحد من قادة العالم أنه ضميره خارج نطاق التقصير طالما استمرت الحالة السورية كذلك، ولن يعذر التاريخ ولا الأجيال إذا تعللتم بالمصالح الضيقة أو المكاسب الزائفة، بينما الدماء الإنسانية تسيل دون أن يهتز للبعض جفن.

أناشد الأحرار أصحاب الضمير الحر في العالم للضغط على حكوماتهم، وبخاصة أولئك الذين يغذون آلة القتل الرسمية الجهنمية بالسلاح الفتاك الذي يستخدم ضد الأبرياء، كما أطالب المجتمع الدولي بألا يسمح بإعادة إنتاج الأنظمة القمعية من جديد، وألا يتراخى في تنفيذ حظر الطيران في الأجواء السورية عن طريق قرار من مجلس الأمن الدولي، لوقف نزيف الدم والهجرة التي فاقت كل التوقعات.

أما رسالتي الرابعة: فهي للشعب السوري وللإئتلاف السوري وكل القوى الوطنية المخلصة 

أيها الشعب السوري الذي تحالفت ضد إرادته قوى عديدة تطيل أمد معاناتك وتعرقل نيل حريتك، لكنها أبدا لم تكسر إرادتك ولم توهن صمودك الذي أذهل العالم كله. تمسك بالحرية، فليس بديلاً للحرية غير الذلة والمهانة، ويقيني أنك ترى مذاق الحرية أغلى من التضحيات التي قدمتها ولا تزال تقدمها. والله معك ونحن معك وكل الأحرار في العالم معك. أدعوكم إلى توحيد الصف، والارتفاع فوق الخلافات الوقتية والتشرذم والتحزب، والمضي وفق رؤية موحدة وهدف وطني لا يتجاهل آمال كل الطيف السوري، حتى يتحقق الأمل بإذن الله. وأن تعدوا أنفسكم لعمل شاق وأدوار صعبة وأيام تتطلب جهد كل سوري لبناء سورية الجديدة، وتبقى القاعدة الخالدة الرهان دوما على الشعوب وليس على الحكام المستبدين وفي التاريخ دروس وعبر.

وأما رسالتي الأخيرة فهي لكم أنتم أيها الحضور الكريم

بكم بدأت الحديث عن سورية وبكم أختم بالحديث عن أرض الكنانة، لئن كانت قلوبنا تقطر ألما لما يحدث لأشقائنا في سورية، فإننا نحمد الله ان ثورة الشعب المصري كانت سلمية، مع كامل التقدير لدماء الشهداء والجرحى التي أريقت لتمهد لمصر طريق الاستقرار.

واليوم يريد بعض الواهمين الانقضاض على ثورة 25 يناير، ويتصورون أن بإمكانهم هدم الاستقرار الذى ينمو يوما بعد الأخر، أو تقويض إرادة هذا الشعب التي صاغها بإرادة واضحة لا يتطرق إليها شك، عبر اليات ديموقراطية صحيحة باتجاه استكمال بناء مؤسسات هذا الوطن، ويحاول هؤلاء دفع البلاد الى دوامة عنف وفوضى.

اليوم لا أوجه حديثي لهم بل لكم أنتم، ولكل مصري شريف صنع ثورة أذهلت العالم، كما أوجه حديثي لشباب مصر ورجالها ونساءها وشيوخها وأطفالها، الذين واجهوا البطش والظلم في العهد البائد سنين طويلة بسلميتهم المعهوده، فلم يهاجم أحدهم يوماً مؤسسة، ولم يتظاهر يوماً حاملاً لسلاح، ولم يعبر عن رأيه ببذاءة، إليكم أنتم جميعاً، الحاضر منكم والغائب، أوجه حديثي، أنتم صمام الأمان فلا تنجرفوا للعنف إذا انجرف اليه الأخرون، ولا تستجيبوا للاستفزاز، وعبروا عن آرائكم بالوسائل المشروعة التي تريدون دون احتكاك بين أبناء الوطن، ودون نزوع للعنف الذي يدبر له بعض من أساءوا فهم وتطبيق الحرية التي نعيشها، ولا نزال نعتبرها أهم مكتسبات ثورتنا المباركة ولن نتراجع عنها أبدا.

فإياكم ثم إياكم أن تُستدرجوا لما لا نحب جميعا لمصرنا الحبيبة.

نعم سنعمل على ضبط الأمن وإيقاف الخارجين على القانون، واستكمال النهج السلمي الذي بدأنا به ثورتنا، بالتفريق بين ممارسة حرية التعبير السلمي التي لها كل تقدير واحترام، وبين المولوتوف والحرق والتدمير الذي له كل حسم وردع.

إننا نواجه الآن تحديات إقليمية كبرى، مياه النيل، وتهويد القدس، وملف سورية، وكلها قضايا تحتاج تكاتف الجميع عربياً وداخلياً، ولابد أن تستقر مصر وتقوى لتتمكن من مواجهة هذه التحديات بفعالية، بالشكل الذي يضمن مصلحة الجميع والمنفعة المتبادلة فيما يخص قضية النيل، ويضمن الاستقرار والأمن والعدل للشعوب العربية، واستعادة حقوقها فيما يخص القدس وسورية.

لقد دعونا كافة القوى السياسية في القضايا الوطنية القومية التي لا يختلف أحد عليها، مثل قضايا القدس والنيل وسورية، فأين المعارضة الوطنية من هذا؟، يقولون الرئيس يتحدث لأهله وعشيرته، فأين أنتم من المشاركة الايجابية في بحث تلك القضايا؟، لقد رفضت قوى المعارضة مراراً وتكراراً المساهمة معنا، احترم قرارهم بعدم تلبية الدعوات وإن كنت اتحفظ عليه، بالنظر إلى التحديات المشتركة التي تواجهنا في الداخل والخارج.

أين الشباب المصري الغاضب من هذه القضايا، لماذا لا توظف طاقة الثورة والتغيير في البناء، سواء الشأن الداخلي المصري الذي له الأولوية المطلقة، او في القضايا الإقليمية الكبرى التي تعتلي سلم أولويات سياساتنا الخارجية الآن، أولم يكن من الأفضل تعبئة الجهود للانتخابات البرلمانية القريبة، بدلاً من تركيز الجهود على الهدم دون معرفة كيف سيكون البناء بعدها.

مصر بدأت طريق التغيير، فلنعط فرصة لسياسات الإصلاح والتغيير أن تؤتى ثمارها، لم أكن حريصا على السلطة يوماً ما، ولست بباق عليها، ولكن من منطلق مسؤوليتي أمام الله ثم الشعب، يتحتم علي أن أقود مرحلة التغيير والتي سيعينني عليها الشعب والحكومة القادمة، التي سيأتي بها عبر الانتخابات البرلمانية القادمة.

وختاماً: لنفسي وللجميع أقول كلي تفاؤل وثقة في الله سبحانه وتعالى، فغداً بحول الله تزول المحنة، وتحل مكانها المنحة، فقد كانت الشام محور الصراع التاريخي، جاءها أعداؤها من كل مكان فاندحروا وانكسروا. (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

 



[1] الهيئة العامة للاستعلامات