إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



البيان الذي أدلى به السيد أدلاي ستيفنسون،ممثل الولايات المتحدة، في مجلس الأمن،
يعلن فيه قرار الولايات المتحدة وقف بيع الأسلحة إلى جنوب أفريقيا

S/PV.1052، 2 آب/ أغسطس 1963

...

  1. إننا نعاني جميعا، بأشكال مختلفة، من داء التمييز، لكن معظمنا على الأقل يعرف هذا الداء على حقيقته: إنه آفة مشوهة. وتكمن المسألة كلها في أن السياسات الحكومية موجهة، في عدد كبير من البلدان، نحو اجتثاث أعراض التعصب والتمييز المروعة المتلازمة. في حين نشهد في جنوب أفريقيا مفارقة تاريخية، إذ تصر حكومة شعب عظيم على اعتبار أن الداء هو الدواء، وتصف لمرض العنصرية  سم الفصل العنصري الناقع.
  2. وحيث إن بلدي عازم على القضاء على التمييز داخل مجتمعنا، فإنه سوف يدعم الجهود الرامية إلى إحداث تغيير في جنوب أفريقيا. ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تفعل ذلك؛ كما أن من مصلحة جنوب أفريقيا؛ ومن مصلحة عالم عانى بما فيه الكفاية من التعصب  الأعمى والتحيز والكراهية.
  3. وقد شهد العقدان الماضيان تفجرا في الشعور القومي على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ. ومن الأكيد أن وتيرة إزالة الاستعمار في أفريقيا سارت بخطى أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها عملاقة، وسجلت تقدما يتجاوز بكثير ما كان يتوقعه، في عام 1945، أكثرنا تفاؤلا. فقد بدأت الدول الجديدة في أفريقيا تزداد قوة وتكافح بعزم من أجل بناء مجتمعات مزدهرة وديناميكية، وتقوم بذلك عن طريق التعاون مع دول أفريقية أخرى.
  4. لكن الطاقات التي تزخر بها هذه الحقبة لن تتحقق كاملة بسبب العزلة التي اختارتها جنوب أفريقيا لنفسها، كما يؤكد ذلك تأكيدا شديدا اجتماع مجلس الأمن هذا. والأدهى من ذلك أن التقدم المحرز في أفريقيا يحتجب بفعل المرارة والامتعاض العنصريين، اللذين تسببت فيهما سياسات حكومة جنوب أفريقيا؛ ومن واجب هذا المجلس أن يفعل ما بوسعه ليضمن ألا يزداد هذا الوضع تدهورا وأن توضع نهاية لظلم الفصل العنصري لا بالدم والاستعباد بل بسلام وحرية.
  5. لكن الأشياء التي نراها ونسمع عنها لا تترك لنا، في الوقت الراهن، سوى القليل من الأمل. والواقع أن الوضع أسوأ مما كان عليه قبل ثلاث سنوات عندما اجتمع المجلس لأول مرة بخصوص مسألة الفصل العنصري. وقد استعرض متحدثون سبقوني سجل المناقشات السابقة التي أجراها هذا المجلس والجمعية العامة حول  الفصل العنصري. ووفقا لما أشاروا إليه، ناشدنا حكومة جنوب أفريقيا مرارا أن تراعي الرأي العام العالمي وأن تتعاون مع الأمم المتحدة وأن تشرع في اتخاذ بعض الخطوات المجدية نحو وضع حد للتمييز وللسياسات والممارسات التي من شأنها أن تجرح مشاعر العالم بأسره، حيثما كانت هذه السياسات والممارسات متبعة.
  6. وقد حاول عدد كبير من الأعضاء خارج إطار هذه المنظمة - ولاسيما حكومتي - مرات عديدة إقناع حكومة جنوب أفريقيا بأن تباشر العمل بما يتوافق مع هذه القرارات. وقد قمت شخصيا، في مناسبتين، بقول أشياء بلهجة شديدة عن هذا الموضوع في جمهورية جنوب أفريقيا. وقد حز في نفسي قول ذلك بعد الكثير من الحفاوة والكرم اللذين أحاطني بهما شعب تلك الأرض الجميلة الصديق والكريم. ولا نقوم إلا بالتأكيد على حقيقة من حقائق الحياة إذا قلنا إن جميع المناقشات التي تجري والقرارات التي تتخذ هنا في الأمم المتحدة، وكذا جميع الأنشطة الدبلوماسية التي تمت حتى الآن، كانت نتيجتها صفرا. كما أن من قبيل تسمية الأشياء بمسمياتها أن نقول إننا وصلنا في الوقت الراهن إلى طريق مسدود بين الغالبية العظمى من البشرية وجمهورية جنوب أفريقيا. فلم نتقدم خطوة إلى الأمام، بل رجعنا القهقرى - وهو تراجع مقدر.
  7. وهل من داع أن أقرأ التفاصيل؟ لقد أقامت حكومة جنوب أفريقيا، على مدى السنوات الخمس عشرة الأخيرة، حاجزا بين الأعراق، مضيفة قيودا جديدة إلى القيود القديمة: فجميع مواطني جنوب أفريقيا يجب أن يحملوا بطاقات هوية تبين أصلهم العرقي؛ والعزل في مجالات الدين والتعليم والسكن يكاد يكون شاملا؛ وحرية العمل محدودة؛ ومعدلات الأجور عن نفس الأعمال والمسؤوليات تختلف حسب لون بشرة الشخص؛ وحرية التنقل محظورة؛ والإضرابات التي يقوم بها الأفريقيون في جنوب أفريقيا غير شرعية؛ والأفريقيون في جنوب أفريقيا ممنوعون من الإقامة في معظم المدن وفي مناطق شاسعة من الريف أو القيام بالأعمال التجارية أو حيازة الممتلكات العقارية فيها؛ والناخبون يسجلون في قوائم منفصلة حسب عرقهم. وليس هذا كل ما في الأمر؛ لكن المسألة هي أن هذه التدابير وغيرها من التدابير التمييزية التي ترمي إلى تقسيم الأعراق تقسيما  كاملا إلى شرائح اجتماعية محظوظة وأخرى محرومة لا تمثل عيوبا اجتماعية موروثة يجري البحث عن علاج لها فحسب، بل تمثل حالات ظلم فرضت، في الماضي القريب، عمدا وعلى نحو منهجي.
  8. ولقد اتفقنا جميعا، في هذه الهيئة وفي الجمعية العامة وفي منتديات كثيرة أخرى تابعة للأمم المتحدة، على بعض الآراء الأساسية بخصوص القضية المعروضة علينا، وأعلنا هذه الآراء مرارا وتكرارا، لكن علينا أن نؤكدها مرات ومرات حتى نعرف أين وصلنا ونتداول بوضوح وبصدق كيفية المضي قدما.
  9. وقد بدأنا أولا بالتأكيد وإعادة التأكيد على أن الفصل العنصري شيء مقيت. ويجسد الميثاق إيماننا بالحقائق الغنية عن الإيضاح حول المساواة بين البشر، والفصل العنصري والعنصرية يتعارضان مع النواحي الأخلاقية والاجتماعية والدستورية لمجتمعاتنا، على الرغم من كل التبريرات الملتوية التي سمعناها من المدافعين عنهما.
  10. أما المبدأ الأساسي الثاني الذي اتفقنا عليه فيتمثل في تعهد جميع أعضاء هذه المنظمة باتخاذ الإجراءات اللازمة، بالتعاون معها، من أجل تعزيز مراعاة حقوق الإنسان دون تمييز على أساس العرق.
  11. وثالثا، لا نزال نرى أن هذه المسألة تشكل أحد الشواغل الحقيقية والمشروعة للأمم المتحدة. وكثيرا ما أعربنا، في الجمعية العامة، عن اعتقادنا بأن بوسع الجمعية العامة أن تنظر، على النحو المناسب، في قضايا التمييز العنصري وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان حيثما كانت تشكل سياسة رسمية لعضو من أعضاء المنظمة وكانت غير متسقة مع التزامات ذلك العضو بموجب المادتين 55 و 56 من الميثاق، وذلك من أجل تعزيز مراعاة حقوق الإنسان دون تمييز على أساس العرق.
  12. وعلاوة على ذلك، أفضت سياسة الفصل العنصري التي تنتهجها جنوب أفريقيا، وبشكل واضح، إلى وضع من شأنه، إذا استمر، أن يهدد السلم والأمن الدوليين، كما يعتقد أنه ينبغي لجميع الأعضاء في الأمم المتحدة أن يتخذوا، حسبما جاء في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة في دورتها السادسة عشرة بما يشبه الإجماع، ما يجوز لهم اتخاذه، وفقا للميثاق، من إجراءات فردية وجماعية من أجل تحقيق التخلي عن هذه السياسات. وقد ساندت الولايات المتحدة ذلك القرار وامتثلت له.
  13. وأود أن أغتنم هذه المناسبة كي أعرض التدابير التي اتخذتها الولايات المتحدة إلى يومنا هذا لتحقيق هذا الهدف. فقد واصلنا أولا إبداء ملاحظاتنا الرسمية، بل عجلنا في إبدائها، إلى حكومة جنوب أفريقيا بشأن جميع جوانب الفصل العنصري في ذلك البلد. ولقد قمنا بذلك من خلال التصريحات العامة والاتصالات الدبلوماسية الخاصة، معربين عن أملنا الصادق في أن تتخذ حكومة جنوب أفريقيا خطوات لإعادة النظر في سياستها العنصرية وتعديلها وأن توسع من نطاق المجموعة الكاملة من الحقوق المدنية والفرص لتشمل غير البيض في بلدهم. ولفتنا انتباه حكومة جنوب أفريقيا إلى أنه في غياب أية مؤشرات على التغيير، سوف تمتنع الولايات المتحدة عن التعاون في المسائل التي من شأنها أن تدعم السياسات العنصرية التي تتبعها جنوب أفريقيا في الوقت الراهن.
  14. ولقد استخدمنا مؤسساتنا الدبلوماسية والقنصلية في جنوب أفريقيا لنظهر بالقول والفعل استنكارنا الرسمي للفصل العنصري؛ ووفقا لما أبلغه ممثل الولايات المتحدة يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر الماضي إلى اللجنة السياسية الخاصة التابعة للجمعية العامة، اعتمدت الولايات المتحدة وتنفذ سياسة منع مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية التي يمكن أن تستخدمها حكومة جنوب أفريقيا في تنفيذ الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو في إدارة جنوب غرب أفريقيا، سواءً أكانت هذه المبيعات من مصادر حكومية أو تجارية. ولقد فحصنا بدقة شحنات العتاد العسكري الحكومية منها والتجارية لنضمن التطبيق الصارم لهذه السياسة.
  15. ولكنني مخول الآن بإخطار مجلس الأمن بخطوة مهمة أخرى تستعد حكومتي لاتخاذها. فنحن نتوقع إيقاف بيع جميع المعدات العسكرية إلى حكومة جنوب أفريقيا في موعد لا يتجاوز نهاية هذه السنة التقويمية، بغية الإسهام مساهمة إضافية في التوصل إلى حل سلمي وتفادي اتخاذ أية خطوات من شأنها أن تسهم إسهاما مباشرا في هذه المرحلة، في خلق خلافات دولية في المنطقة. وهناك عقود قائمة بشأن كميات محدودة من المعدات الاستراتيجية للدفاع ضد الأخطار الخارجية، مثل صواريخ جو - جو وقذائف طوربيد للغواصات. وهي عقود يجب علينا أن نفي بها. وينبغي أن يدرك مجلس الأمن أن الولايات المتحدة، وهي تعلن هذه السياسة، تحتفظ طبعا بحقها مستقبلا، بوصفها دولة تتحمل مسؤوليات عديدة في أجزاء كثيرة من العالم، في تفسير هذه السياسة على ضوء ما تقتضيه كفالة صون السلم والأمن الدوليين.
  16. وإذا كانت مصالح المجتمع العالمي تقتضي توفير معدات لاستخدامها في الجهود الدفاعية المشتركة، فمن الطبيعي أن نشعر أن بوسعنا القيام بذلك دون مخالفة روح هذا القرار ومقاصده. وإننا نتخذ هذه الخطوة الإضافية لنبين ما يساور حكومة الولايات المتحدة من قلق عميق إزاء عدم تخلي جمهورية جنوب أفريقيا عن سياسة الفصل العنصري التي تتبعها. وكما قلنا دائما، فإن جمهورية جنوب أفريقيا بانتهاجها هذه السياسة، تتخلف عن الوفاء بالتزاماتها بموجب المادتين 55 و 56 من الميثاق اللتين يتعهد فيهما الأعضاء بأن يقوموا، منفردين أو مشتركين، بما يجب عليهم من عمل بالتعاون مع المنظمة، من أجل تحقيق أمور، منها "أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين".
  17. وإيقاف بيع الأسلحة إلى جنوب أفريقيا يؤكد أملنا في أن تعمد هذه الجمهورية إلى إعادة تقييم موقفها تجاه الفصل العنصري في ضوء تزايد القلق الدولي من عدم استجابتها للنداءات العديدة التي وجهتها إليها مختلف أجهزة الأمم المتحدة وكذا النداءات الصادرة عن الدول الأعضاء، بما في ذلك حكومتي.
  18. وفيما يتعلق بعمل المجلس في هذه الجلسة، فإننا مستعدون للتشاور مع الأعضاء الآخرين ومع وزراء الخارجية الأفريقيين الذين يحضرون هذا الاجتماع، كما سوف نتقدم ببعض المقترحات. ومن الواضح بالنسبة لوفدي أن تطبيق العقوبات المنصوص عليها في الفصل السابع في الحالة المعروضة علينا الآن سوف يكون من قبيل القانون العبث والسياسة السيئة. سيكون من قبيل القانون العبث لأن التدابير المتطرفة المنصوص عليها في الفصل السابع لم يقصد منها على الإطلاق أن تنطبق على حالات من هذا النوع ولا يمكن أن تفصل منطقيا على أنها تنطبق عليها. وقد كان مؤسسو الأمم المتحدة حذرين جدا في الاحتفاظ بحق المنظمة في اللجوء إلى تدابير قسرية ملزمة في الحالات التي يكون فيها العنف الدولي حقيقة قائمة أو يكون فيها السلم مهددا تهديدا فعليا وواضحا بشكل لا يدع مجالا لبدائل معقولة غير اللجوء إلى الإجبار.
  19. والحالة التي نحن بصددها هنا ليست من هذا النوع. ولحسن حظنا جميعا أنه لا يزال هناك بعض الوقت لوضع حل عن طريق تدابير التسوية السلمية، ويجب أن يكون أي حل يعتمده هذا المجلس محسوبا بعقلانية بغية تشجيع هذه التسوية. إن تطبيق العقوبات يعد سياسة سيئة لأن من  غير المحتمل أن يفضي في هذه الحالة إلى النتيجة العملية التي ننشدها، ألا وهي التخلي عن الفصل العنصري. والتدابير العقابية أبعد ما تكون عن تشجيع بدء الحوار بين حكومة جنوب أفريقيا وسكانها الأفريقيين، ولن تؤدي إلا إلى الحض على التعنت وإلى زيادة الوضع القائم عسرا على عسر. وعلاوة على ذلك، فإن من شأن اعتماد تدابير من  هذا القبيل، ولاسيما إذا لم يتم الامتثال لها على نحو شامل وصادق، أن يزرع الشكوك حول سلطة الأمم المتحدة ويقلل من الاحترام لسلطتها ومن فعالية عملية العقاب المتوخاة في الميثاق.
  20. وفضلا على ذلك، فإن الآراء المتعلقة بهذه المسألة تتباين تباينا شاسعا بحيث لا يحدونا أي أمل في الاتفاق على ضرورة إدخال هذا الإجراء حيز النفاذ حتى وإن كان مشروعا ملائما. أما بخصوص المقترحات المتعلقة بالعزل الدبلوماسي، فإن الإقناع لا يتأتى في الفراغ. ولا يمكن التوفيق غيابيا بين الآراء المتضاربة. وعوضا عن ذلك، نعتقد أنه مازال ينبغي القيام بمحاولات إضافية لإقامة جسور الاتصال والحوار والإقناع. وإذا ما أريد للجنس البشري أن يبقى على هذه المعمورة، فإنه يجب أن تكون الغلبة للحكمة والمنطق والحق. وعلينا ألا ننسى أن ذلك البلد العظيم يضم عددا كبيرا من الأشخاص ذوي الحكمة والنفوذ ممن يشاطروننا الرأي. ومما يؤسف له أن الإنجازات التي تحققت في عدد كبير من المساعي البشرية في جنوب أفريقيا تحجبها سياسة عنصرية تمقتها أفريقيا ويمقتها العالم. ومما لا شك فيه أن أحد الأهداف النهائية التي نتوخاها جميعا هو مساعدة جنوب أفريقيا على العودة إلى حظيرة القارة الأفريقية وعلى المساعدة في تنمية كافة شعوب أفريقيا. ولهذا السبب نظرت حكومتي بكثير من الاستحسان إلى فكرة تعيين ممثلين خاصين لمجلس الأمن بوسعهم أن يعملوا بنشاط ومثابرة ويكونوا أحرارا في ممارسة براعتهم وفي البحث عن كل إمكانية وكل بادرة للتوصل إلى مخرج مفيد.
  21. وليس بمقدورنا أن نقبل بالاقتراح القاضي بأن البديل الوحيد للفصل العنصري هو سفك الدماء. وليس بوسعنا القبول بالاستنتاج الذي مفاده أنه لا مخرج ولا مناص لنا من أن نسلك طريق الصدام الحالي الذي يؤدى في النهاية إلى كارثة في جنوب أفريقيا، والأكيد أن هناك  بدائل يجب تحديدها ويجب استكشافها قبل فوات الأوان.
  22. إن وفدي يأسف أشد ما يكون الأسف أن تختار حكومة جنوب أفريقيا التغيب عن هذه المداولات. لكن علاوة على الأسف، من الصعب جدا الانعزال عن المجتمع الدولي في هذا العالم المتقلص والمترابط. ففي هذا العالم المتواصل بسرعة أصبح من المحذور أكثر فأكثر التمرد على الرأي العام العالمي. ومن المؤكد أن واجب التحدث عن النزاعات الخطيرة يبلغ من المهابة مبلغا لا يستطيع أن يتجاهله اليوم حتى أكثر القادة عنادا.
  23. وليس هناك في المآزق التي تتردى فيها الأمور الإنسانية أي شيء متأصل غير قابل للتغيير. فكم من قضية تتبدى أنها عويصة انتصرت عبر التاريخ. ولقد سنحت لي الفرصة هنا لأذكر بأن المفاوضات المتعلقة بتجارب الأسلحة النووية بدت مستعصية لمدة خمس سنوات طوال اتسمت بالكآبة والإحباط إلى أن انفرج المأزق فجأة فتنفس العالم المكروب الصعداء. وقد تم الإفلات من الورطة، كما قلت، لأن الناس رفضوا أن يفقدوا الأمل، ولأنهم رفضوا الإذعان لليأس، ولأنهم عملوا بثبات وعناد للخروج من الطريق المسدود. ومن الجلي أن هذه المعاهدة لا تحل جميع المشاكل المتعلقة بالأسلحة النووية؛ لكن السفر الطويل يبدأ بخطوة واحدة، وهذه هي الانطلاقة.
  24. وبناءً على ذلك، أود أن أقترح، وأؤكد كثيرا على هذا الاقتراح، أن نتناول مشكلة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا باعتبارها تحديا في مستوى ذكاء البشرية وغريزة البقاء لديها. وقد قال الرئيس كنيدي مشيرا إلى معاهدة الأسلحة النووية "علينا ألا نخشى اختبار آمالنا". وفي إطار روح اختبار آمالنا بأن ينتهي هذا الفصل الحزين بالمنطق لا بالمشاعر الملتهبة، أتوجه بالنيابة عن حكومتي، بنداء صادق وجاد إلى حكومة جنوب أفريقيا كي تغير مسارها وتشرع في تنفيذ سياسة وطنية للمصالحة والتحرر.