إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



"المرحلة الراهنة من النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا":
ورقة أعدها السيد أوليفر تامبو، نائب رئيس المؤتمر الوطني الأفريقي، بطلب من اللجنة الخاصة المعنية بسياسة الفصل العنصري التي تتبعها حكومة جمهورية جنوب أفريقيا

A/AC. 115/ L.222، 2 تموز / يوليه 1968

          مضت في الشهر المنصرم عشرون سنة على قيام أقلية من الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، المتشبعة بتعاليم هتلر، بالسعي إلى فرض نفسها بالقوى على البشرية، فجردت قسما آخر من الأقلية البيضاء من السلطة السياسية، وشرعت فورا في الإجهاز الشرس على حقوق الإنسان الأساسية. وفي فترة لاحقة من تلك السنة، اجتمع في الأمم المتحدة  الممثلون المعتمدون لحكومات العالم، الذين راعتهم أهوال النازية والفاشية، واعتمدوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

          وهكذا شهدت سنة 1948 تبلور قوتين متعارضتين: الأولى تستند إلى قاعدة دولية وتسعى إلى النهوض بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، والأخرى ترمي إلى تقويض مدبر لحقوق الإنسان للسود قاطبة وتشكل رأس حربتها شرذمة من الرجال والنساء البيض في جنوب أفريقيا.

          ومن الإنصاف القول إن هاتين القوتين معا قد خطتا خطوات كبيرة منذ تلك السنة المشهودة. فمن جهة، نال مئات الملايين من الناس المنتشرين في أفريقيا وآسيا وجزر البحر الكاريبي استقلالهم واستعادوا كرامتهم الإنسانية. ويجري بناء أفريقيا جديدة على أنقاض الحقبة الاستعمارية، ويشكل حاليا ثلثا العالم اللذان كانا خاضعين للسيطرة والقهر والمهانة جزءا لا يتجزأ من المجتمع الدولي للشعوب وجزءا معترفا به. وهو نصر مبين للمبادئ المجسدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

          ومن ناحية أخرى، فإن أغلال العبودية التي كبلت الملايين من السود في جنوب أفريقيا منذ عشرين سنة خلت قد استحكمت حلقاتها منذئذ إلى أقصى حد، واشتد خناق القهر والاستغلال دون رأفة، وتغلغل التمييز العنصري إلى كل مجالات الحياة في جنوب أفريقيا. وفي عام 1948 كانت الحريات الأساسية، القليلة والمتفرقة، تهضم دون هوادة حتى لم يبق منها اليوم ما يستحق الذكر. وهذا أيضا إنجاز لا جدال فيه حققته مبادئ "باسكاب" القائلة بتفوق البيض والداعية إلى السيطرة الاستعمارية، وهو أمر أشد شؤما لأن انتصار القوى الرجعية هو بحكم تعريفه هزيمة للقوى التقدمية.

          وتضفي إنجازات عشرين سنة من الجهد في اتجاهين متعارضين دلالة خاصة على السنة الدولية لحقوق الإنسان التي أعلنتها الجمعية العامة، وتؤكد الأهمية التاريخية التي يوليها المؤتمر الوطني الأفريقي لجنوب أفريقيا، إلى جانب حلفائه ومنظماته السياسية الشقيقة وكافة المناهضين الحقيقيين للنازية، لقرار الجمعية العامة 2307 (د- 22) المعتمد في 13 كانون الأول/ ديسمبر 1967، والذي يأذن للجنة الخاصة المعنية بسياسة الفصل العنصري  التي تتبعها حكومة جنوب أفريقيا إلى "مضاعفة جهودها الرامية إلى تعزيز شن حملة دولية ضد الفصل العنصري".

          ونظرا للإدعاء الذي طالما رددته الحكومة الفاشية لجنوب أفريقيا والزاعم بأن البلد يرفل في السلم والسكينة، وإدعاء القوى الغربية الكبرى بأن الحالة في جنوب أفريقيا لا تشكل بأي حال من الأحوال تهديدا للسلم والأمن الدوليين -وهي مزاعم مستمرة رغم التحذيرات المتواصلة التي لم تصدر فحسب عن حركة التحرير في جنوب أفريقيا بل صدرت أيضا عن الأغلبية الواسعة للدول الأعضاء في الأمم المتحدة- فإنه من المفيد الإشارة إلى بعض التطورات داخل جنوب أفريقيا وفي المناطق المجاورة لها خلال سنوات الخمس الماضية.

التطورات الأخيرة في جنوب أفريقيا

          صور وفد جنوب أفريقيا في الجمعية العامة في عام 1963 دولة جنوب أفريقيا كجزيرة آمنة في عالم مضطرب، تخطو خطوات واسعة ليس فقط في مجال الرفاه العالم لمن أطلق عليهم بازدراء اسم "البانتو" بل أيضا في اتجاه "الحكم الذاتي للبانتو"، وذكر ترانسكاي كمثال للتقدم الموجه نحو الاستقلال.

          غير أنه منذ ذلك الوقت، تعين على النظام العنصري أن يقدم للعالم قوانين الاعتقال الوحشية لفترة 90 يوما ولفترة 180 يوما وهي القوانين التي يستند إليها لإضفاء المشروعية على التعذيب والاغتيال السري، في محاولة يائسة لقمع حركات التحرير؛ وكان ثمة من أحكام الإعدام السياسية والأحكام بالسجن المؤبد ما يزيد على ما صدر في أي فترة مماثلة في عشرين سنة من النظام الفاشي في جنوب أفريقيا؛ ولا تزال حالة الطوارئ التي أعلنت في ترانسكاي لأول مرة عام 1960، سائدة في هذا الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي المزعوم؛ وأمام المقاومة الشعبية المستميتة، توقفت سياسة إنشاء المزيد من البانتوستانات التي أحيطت بهالة دعائية كبيرة؛ ورغم وجود "قانون التخريب"، فقد أضيف قانون الإرهاب البغيض إلى مجموعة لم يسبق لها نظير من القوانين الصارمة التي تشوه سمعة قوانين جنوب أفريقيا.

          ولا تتماشى هذه التدابير مع سيادة حالة من العلاقات الدولية الودية بين السيد الأبيض وعبده الأسود. كما أنها لم تتبع لمجرد الإبقاء على الوضع القائم سابقا أو تدمير حركة تحرير تخريبية. بل إنها تسعى إلى احتواء موجة عارمة من الثورة والتمرد تشنها الجماهير الشعبية ضد مجموع النظام المتمثل في حكم الأقلية العنصرية البيضاء. وهذه التدابير حتمية على المدى القصير بقدر ما هي عديمة القيمة بل ومشؤومة على المدى الطويل - فهي حتمية لكون أولئك الذين تهيأوا لقلب مسار التاريخ البشري وتغيير الطبيعة الأساسية للإنسان الحي لابد وأن يلجأوا إلى أساليب يزداد طابعها الهجومي ولا قبل لإنسان بها؛ وهي عديمة القيمة لأن هذه الأساليب لابد أن تبوء بالفشل وبدأت تخفق فعلا؛ وهي مشؤومة لأن آثارها المتنامية، بتوجهها العنصري وغايتها ووحشيتها، تقوض مستقبل الأقلية البيضاء نفسها التي يدعي أن هذه الأساليب تخدم مصالحها وتحميها.

          وهكذا، وكما كان متوقعا، دفع منطق السياسة الاقتصادية المبنية على التمييز العنصري في جنوب أفريقيا إلى الاستمرار في تشديد قوانين جوازات المرور الجائزة بسن تشريع، من قبيل قانون تعديل قوانين البانتو، يحكم على السكان الأفارقة بصورة تامة بمركز العمالة المهاجرة الرخيصة لفائدة الصناعات التي يملكها البيض. فهذا القانون، وقانون القضاء على الشيوعية، و"قانون التخريب"، وقوانين الاعتقال لفترة 90 يوما ولفترة 180 يوما، وقانون الإرهاب، والعديد من الفقرات والفقرات الفرعية، تجتمع كلها لتشكل مظلة قمعية أطلق في ظلها العنان لسيادة الرعب البوليسي الذي يجتاح الآن مدن جنوب أفريقيا ومناطقها الريفية. ومن غيتو فرض عليه الفصل العنصري إلى آخر، تجري مطاردة الناس وطردهم من ديارهم، وهم يبعدون من المدن والبلدات إلى الأرياف، وفي الريف يتعرضون لحملات التفتيش، بيتا بيتا، وتحتجز وتصادر خلال ذلك أسلحة من كل نوع. وتصعد حملات التخويف والتنكيل بمناهضي الفصل العنصري.

          وفي الوقت ذاته، أصبح استغلال الشعب على أشده بينما يشهد الاقتصاد ازدهارا لم يسبق له نظير. وبينما يجري القضاء على أمراض من قبيل داء السل في صفوف البيض، تحصد هذه الأمراض أرواحا كثيرة في صفوف الأفارقة وغيرهم من ضحايا الأقلية البيضاء، ولا يتجلى هذا الأمر مثلما يتجلى في إقليم بانتوستان ترانسكاي.

الكفاح المسلح من أجل الحرية

          إن هذه الظروف وما شابهها هي التي تشكل، في جملة أمور، وفي آن واحد، سبب ونتيجة تصعيد الصراع العنصري بين الأقلية البيضاء الحاكمة والأغلبية السوداء المحكومة في جنوب أفريقيا، ومن المهم التحذير مرارا وتكرارا من أن هذا التصعيد، المتولد عن سياسة لاإنسانية تماما، لن يعمل مرور الوقت سوى على إذكاء جذوته، بدل تخفيف حدته.

          وبحلول عام 1961، بلغ هذا التصعيد درجة دفعت المؤتمر الوطني الأفريقي وسكان جنوب أفريقيا المضطهدين إلى اتخاذ قرار بخوض الكفاح المسلح كمرحلة قادمة من الكفاح من أجل الحرية. ويمكن القول الآن بأن ذلك القرار الذي سيشكل دائما فصلا هاما في أي تحليل للحالة السياسية في مجموع الجنوب الأفريقي، لم ينظر إليه باستخفاف. ولم يخف على المؤتمر الوطني الأفريقي وقادته ما استتبعه من خسارة فادحة في الأرواح وتدمير للممتلكات وتأثيره على الدول الأفريقية المستقلة منفردة وعلى سلم وأمن أفريقيا برمتها.

          غير أن كل من له دراية بكفاح الشعوب المقهورة ضد الاستعمار والتمييز العنصري، لا سيما في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وكل من له إلمام بالكفاح الطويل لشعب جنوب أفريقيا، وكل من يؤمن إيمانا صادقا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا يمكن أن يشك جديا في قرار شعب جنوب أفريقيا المضطهد وحلفائه بخوض كفاح مسلح وطني ثوري من أجل الحرية. ومن لا تزال تساوره الشكوك، فحسبه أن يعود إلى ما لا يعد ولا يحصى من القرارات التي تدين سياسات الفصل العنصري وتطالب بالتخلي عنها والتي اتخذتها في فترة لا تقل عن عقدين الأمم المتحدة والعديد من لجانها ووكالاتها، والحكومات منفردة، والمنظمات والمؤتمرات وتجمعات الرجال والنساء في كل أنحاء العالم؛ وحسبه أن يعود إلى المرات العديدة التي تجاهل فيها نظام الفصل العنصري تلك القرارات والنداءات وتحداها؛ وأن يرجع إلى أكداس الوثائق والمستندات المجسدة للدراسات التي تفضح ما ارتكبته الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا من فظائع، وكلها تجعل من كفاحنا التحرري حالة من أكثر حالات الكفاح استنادا إلى الوثائق في التاريخ؛ ولا يسعنا في النهاية إلا أن نشير إلى العنف المتواصل والمتصاعد الذي يواجه به نضالنا السلمي والمسالم، بما في ذلك سلسلة المذابح التي ارتكبت في حق شعبنا الأعزل وهو يسعى إلى استعادة كرامته الإنسانية.

          وكثيرا ما كان المهاتما غاندي، الداعية الكبير إلى نبذ العنف والذي أسس وأحكم أساليب كفاحه في جنوب أفريقيا، يقول أنه يفضل العنف على الجبن، ويمكن أن نذكر في هذا المقام ما قاله الزعيم لوتولي عام 1964، في عزلته في غروتفيل، ناتال، في معرض تفسيره للمرحلة الجديدة من الكفاح التحرري:

          "غير أنه، أمام رفض البيض القاطع التخلي عن سياسة تحرم الأفارقة وغيرهم من مضطهدي جنوب أفريقيا من إرثهم المشروع - وهو الحرية - لا أحد يستطيع أن يلوم الشجعان العادلين على نشدانهم العدالة باستخدام أساليب العنف؛ ولا أن يلومهم إن هم سعوا إلى إنشاء قوة منظمة بغية إقامة السلم والوئام العرقي في نهاية المطاف".

الصراع في جنوب أفريقيا

          حصلت تطورات أخرى في السنوات القلائل الماضية أثرت مباشرة على الكفاح ضد الفصل العنصري. وتزامن نيل زامبيا وملاوي وبوتسوانا وليسوتو لاستقلالها مع تنفيذ نظام بريتوريا لسياسة توسعية ترمي إلى إنشاء إمبراطورية يحكمها العرق الأبيض السائد، وتتكون من عدد كبير من البانتوستانات السوداء الصغيرة الممتدة على كامل الجنوب الأفريقي من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي. ورفضت زامبيا أن تكون جزءا من هذه الإمبراطورية أو أن تنزل بنفسها إلى مستوى بانتوستان ممجد. وبدل ذلك، نزلت بثقلها من أجل الكفاح التحرري في زمبابوي وبقية الجنوب الأفريقي. وهذا ما دفع بنظام جنوب أفريقيا إلى توثيق صلاته بأعضاء الحلف غير المقدس الآخرين، لا سيما روديسيا. واعترف إيان سميث في السنة الماضية بأنه لو لم تمنحه حكومة جنوب أفريقيا ضمانات بالمساندة، لما لجأ إلى إعلان الاستقلال انفراديا. والواقع أنه يتوقع من جنوب أفريقيا أن تشجع إعلان الاستقلال انفراديا لضمان وجود نظام مجاور من الأقلية البيضاء تقوم الآن بتصدير الفصل العنصري إليه.

          وتواجه بقية البلدان الأفريقية المستقلة المجاورة لجنوب أفريقيا خيارا بين دعم النظام العنصري ودعم حركة التحرير مع ضآلة فرص الحياد. وما زالت الجماهير الشعبية في كل أنحاء الجنوب الأفريقي تعارض حكم الأقلية البيضاء معارضة شديدة وتساند كفاح أشقائها في جنوب أفريقيا مساندة تامة. وما محاولات نظام جنوب أفريقيا العنصري الرامية إلى ابتزاز الحكومات الأفريقية المجاورة وحملها على التحالف معه إلا مناورة خسيسة وأنانية لتوريط هذه الحكومات في حربها الدامية دفاعا عن سياساتها اللاإنسانية بنفس الطريقة التي ورطت بها 000 200 من البيض في زمبابوي في حرب غير متكافئة مع 000 000 4 من الأفارقة.

          ومع اتساع نطاق الكفاح واحتدامه ضد نظام الفصل العنصري وبقية أعضاء الحلف غير المقدس لفورستر وسميث وسالازار، تزايد الضغط على البلدان المجاورة لتوريطها بشكل فعال، وبدأ الصراع يأخذ تدريجيا شكل مواجهة بين حكم الأقلية الاستعمارية البيضاء من جهة، والقوة العددية المتحدة لمساندي نظام الأغلبية في جنوب أفريقيا من جهة أخرى. وبهذا المعنى يكون الكفاح ضد الفصل العنصري كفاحا ضد حكم الأقلية البيضاء في كل مكان، ولم يعد بالإمكان فصله عن كفاح شعب زمبابوي كما أصبح جزءا أساسيا من الكفاح من أجل التحرر من ربقة الاستعمار البرتغالي.

          وهذه العوامل، إلى جانب عوامل أخرى، هي التي تفسر التحالف الذي أقيم بين المؤتمر الوطني الأفريقي لجنوب أفريقيا والاتحاد الشعبي الأفريقي لزمبابوي.

          ولم يفضح الكفاح المسلح الذي شنته حركتا التحرير هاتان في زمبابوي التورط العميق لنظام بريتوريا في الشؤون الداخلية لروديسيا فحسب، بل فضح أيضا المخططات الجهنمية المدبرة ضد الدول الأفريقية. وقد ردد فعلا رئيس وزراء جنوب أفريقيا تهديدات حادة ضد زامبيا. وأعقب هذه التهديدات زيغ القطارات عن سكتها في زامبيا، وتفجير حافلة، وإلقاء القنابل على المدنيين ونسف جسر هام في الفترة الأخيرة. وإن وجود حلف غير مقدس  نشيط يعد فيه فورستر عضوا رئيسيا يزيل كل أهمية عن مسألة معرفة مَن من أعضاء الحلف غير المقدس يتحمل مسؤولية هذه الهجمات.

          ولذلك فإن من الواضح أن الحالة في الجنوب الأفريقي، حتى في هذه المرحلة المبكرة جدا من الكفاح المسلح، بدأت تفرز انعكاسات دولية خطيرة، وذلك لأنها تشمل الآن مباشرة جنوب أفريقيا بالذات. وعندما ينشب النزاع وينتشر في أراضي جنوب أفريقيا، وهذا ما سيتم حتما، فإن من المتوقع أن يلمس يأس نظام الفصل العنصري في بقية أفريقيا. غير أننا نود أن نؤكد أننا وقد بدأنا الكفاح المسلح،  سوف نواصله بشراسة متزايدة إلى أن يدمر نهائيا غول العنصرية والاستغلال. ولن يثنينا عن ذلك احتمال نشوء أزمة دولية عن كفاحنا هذا.

          ومما دفع بفورستر إلى التلويح بتهديداته أن نظام جنوب أفريقيا يتخبط فعلا في الدم من جراء الجرائم التي ارتكبها ضد شعبنا في إطار سياسات الفصل العنصري التي يتبعها. فقد قتلت حرب العصابات التي يخوضها الاتحاد الشعبي الأفريقي لزمبابوي والمؤتمر الوطني الأفريقي عشرات من جنود جنوب أفريقيا في ما لا يعدو أن يكون مجرد صدامات أولية في روديسيا.

عزل نظام جنوب أفريقيا

          لقد أغفلنا حتى الآن الإشارة إلى دور الرأسمال الأجنبي وغيره من المصالح المالية للبلدان الغربية في الحالة القائمة في جنوب أفريقيا، غير أن هذه المسألة تناولتها بصورة شاملة بيانات ومذكرات وتقارير موجودة الآن لدي الأمم المتحدة. وما ينبغي النظر فيه هو الإجراءات التي يتعين اتخاذها لحث هذه البلدان على سحب دعمها لنظام الفصل العنصري.

          ونحن في المؤتمر الوطني الأفريقي نعتقد دائما أن المهمة النبيلة المتمثلة في تحرير جنوب أفريقيا تقع على كاهل شعب جنوب أفريقيا نفسه. وما مهمة المنظمات الدولية سوى مساعدة حركة التحرير. ولا يزال هذا هو الموقف المبدئي الأساسي الذي ينبغي تقييم العمل الدولي من زاويته.

          لقد أصررنا في الماضي على وجوب فرض الجزاءات على جنوب أفريقيا. ونعتقد أن هذا المطلب هو أسلم في الوقت الراهن الذي تقدم فيه الكفاح المسلح مما كان عليه في أي وقت مضى. وإننا نفسر قرارات الأمم المتحدة  التي تقر بشرعية كفاحنا وتدعو إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي له بكونها تعني، في جملة أمور، أن تحترم الحكومات الأعضاء وأن تنفذ قرارات الأمم المتحدة بشأن جنوب أفريقيا، بما فيها إنهاء الصلات التجارية مع ذلك البلد. وأقل ما يمكن أن تقوم به الأمم المتحدة  هو فرض امتثال جميع الدول الأعضاء لقراراتها والنظر في اتخاذ إجراءات ملائمة ضد البلدان التي تقوض هذه القرارات.

          إن ممارسة بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا واليابان للتجارة مع جنوب أفريقيا لا يعد دعما معنويا وماديا لحركة التحرير بل هو عمل متعمد يرمي إلى

تأبيد نظام عنصري في الجنوب الأفريقي. وهو في حد ذاته انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة  وللإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

          ولقد مورست ضغوط دولية أخرى في الماضي. ومن العبث أن تخفف هذه الضغوط بأي حال من الأحوال في وقت يتطلب فيه كفاح شعبنا أن تتزايد هذه الضغوط تزايدا كبيرا. والانطباع الذي يوحي بأن جنوب أفريقيا لم تتأثر بتاتا بالضغوط الدولية هو انطباع ناتج عن الملايين التي تنفقها لإشاعته الدائرة الإعلامية الجيدة التمويل لتلك الحكومة. وهذه مناورة دولية ضخمة ترمي إلى التمويه، ويجب ألا يسمح لجنوب أفريقيا بتمريرها. وما الضجة الأخيرة بشأن طرد جنوب أفريقيا من الألعاب الأولمبية بالمكسيك إلا دليلا على مدى الضغط الدولي الذي يشعر به دعاة تفوق البيض. ولذلك تظل المطالبة بالعزل السياسي والعسكري والاجتماعي والثقافي للنظام الحالي مطالبة سليمة يجب مواصلتها بالمزيد من الجهد والتنظيم والحذق. وتشكل هذه الضغوط حاليا جزءا هاما من الكفاح المسلح لشعب جنوب أفريقيا الرامي إلى قلب نظام الفصل العنصري  وشكلا من أشكال تقديم الدعم لشعبنا.

          وتملك الدائرة الإعلامية لجنوب أفريقيا  تحت تصرفها موارد وفيرة وتدعمها جماعات ضغط قوية في شتى البلدان الرئيسية، عن طريق الإذاعة، وبواسطة المجلات الصقيلة والجيدة الإنتاج والمجانية التوزيع، وعن طريق الأفلام المعروضة مجانا عند الطلب، ولا سيما عن طريق تمجيد اقتصاد تستمد منافعه من الاستغلال البشع لشعبنا. ومن الأساسي أن تكون ثمة دائما حملة على نطاق عالمي لكسب تأييد الجماهير الشعبية للكفاح من أجل القضاء التام على العنصرية والفصل العنصري.

تنامي الكفاح حتى النصر

          غير أن أي تدابير ينفذها المجتمع الدولي ما هي إلا تدابير مكملة لجهود الشعب المضطهد وحلفائه. وعليه يقع عبء انتزاع حريته. وكفاحنا المسلح، كما هو الأمر دائما في أي كفاح من هذا القبيل، يبدأ بالشعب المضطهد الضعيف ماديا والقوي بعدالة قضيته. غير أن قوته تتنامى على غرار الكفاح المظفر لشعب فييت نام العظيم البطل. ففي الصدامات المسلحة التي حدثت فعلا، أوقع مقاتلو الاتحاد الشعبي الأفريقي لزمبابوي والمؤتمر الوطني الأفريقي ضربة مؤلمة بالفاشيين البيض الذين ينتظرهم مصير أسوأ في السنوات القادمة. وسيكون الثمن المدفوع في جنوب أفريقيا وخارج حدودها فادحا، غير أن النصر النهائي سيكون حليف المدافعين عن السلم والكرامة الإنسانية.