إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



بيان رسمي بشأن الجنوب الأفريقي اعتمده زعماء دول شرق ووسط أفريقيا،
لوساكا، 14 - 16 نيسان/ أبريل 1969

A/7754، 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 1969

  1. عندما يُساء فهم غرض الدول والأسس التي تستند إليها في سياستها الدولية، يحدث في العالم تنافر جديد لا لزوم له وتنشأ اختلافات في الرأي ونزاعات في المصالح واختلاف في تقدير الأولويات الإنسانية، تفضي إلى زيادة التوتر في العالم زيادة مفرطة وتُحدث شقاقا مدمرا بين البشر، في وقت يستدعي تضافر الجهود للسيطرة على التكنولوجيا الحديثة وتسخيرها لخدمة الإنسان. ولهذا السبب اتفقنا، نحن زعماء دول شرق ووسط أفريقيا في اجتماعنا المعقود في لوساكا في السادس عشر من نيسان/ أبريل 1969، على إصدار هذا البيان، بعد اكتشافنا أن ثمة سوء فهم واسع النطاق لمواقفنا ومقاصدنا فيما يتعلق بالجنوب الأفريقي.
  2. ونحن بهذا البيان نود أن نبين على نحو لا مراء فيه، إيماننا بأن جميع البشر سواسية، ويتساوون في حقهم في كرامة الإنسان واحترامه بصرف النظر عن اللون أو العرق أو الدين أو الجنس. ونؤمن بأن لجميع البشر حقا في المشاركة في حكوماتهم وعليهم يقع واجب هذه المشاركة باعتبارهم أفرادا في مجتمع يقفون فيه على قدم المساواة. ولا نقبل أن يكون لأي فرد أو مجموعة أي حق في حكم أي مجموعة أخرى من الراشدين العاقلين بدون موافقتهم، ونؤكد أنه لا يمكن أن يقرر ما هو المجتمع الصالح وما هو النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الصالح لأفراد مجتمع ما، سوى أفراد هذا المجتمع وهم يعملون معا على قدم المساواة.
  3. وعلى أساس هذه المعتقدات، لا نقبل أن يكون لأي مجموعة واحدة  داخل مجتمع ما الحق في أن تحكم أي مجتمع دون أن تحوز باستمرار رضى جميع المواطنين. ونسلِّم بأنه ستكون هناك دائما في كل مجتمع حالات إخفاق في تنفيذ هذه المُثُل. ونسلِّم بأنه لكي يستتب النظام في شؤون البشر قد يتطلب الأمر وضع ترتيبات انتقالية لدى التحول من نظام يتسم بعدم المساواة بين المجموعات إلى نظام تتحقق فيه المساواة بين الأفراد. ولكننا نؤكد أنه بدون قبول هذه المُثُل ـ أي بدون الالتزام بهذه المبادئ القائمة على المساواة بين البشر وعلى تقرير المصير- لا يمكن أن يكون ثمة أساس للسلم أو العدل في العالم.
  4. ولا يدعي أحد منا أننا حققنا، داخل دولنا، هذا النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الكامل الذي يكفل مستوى معيشيا مقبولا لجميع شعوبنا ويضمن الأمن للفرد في وجه ما يمكن تجنُّبه من المشاق أو الظلم. وعلى النقيض من ذلك، فإننا نسلِّم بأن النضال في سبيل تعميم روح الأخوة بين البشر وتأكيد كرامة الإنسان داخل دولنا ليس سوى بداية. فعلى أساس التزامنا بمبدأ المساواة بين الناس وبكرامة الإنسان، لا على أساس إدراك الكمال، كان موقفنا المُعادي للاستعمار والتمييز العنصري الذي يمارس في الجنوب الأفريقي. وعلى أساس التزام أفراد الجنس البشري الآخرين بهذه المبادئ الشاملة نناشدهم تقديم الدعم.
  5. ولو كان ثمة التزام بهذه المبادئ لدى الدول القابضة على مقاليد الأمور في الجنوب الأفريقي، فإن أي اختلافات في الرأي تحدث بيننا بشأن درجة إعمال هذه المبادئ أو بشأن اتخاذ إجراءات مستقلة في مجال السياسة العامة، ما كانت لتؤثر إلا على علاقات كل دولة منا بمفردها بالدول المعنية. ولو كانت هذه الالتزامات قد تحققت ما كان ثمة ما يسوغ عداء دولنا الصريح والفعلي لأنظمة جنوب أفريقيا، ذلك العداء الذي أعلناه ولم نزل نذيعه .
  6. بيد أن الحقيقة هي أن ثمة في موزامبيق وأنغولا وروديسيا وجنوب غرب أفريقيا واتحاد جنوب أفريقيا إنكارا صريحا ومتواصلا لمبدأي المساواة بين البشر وتقرير المصير الوطني. وليس مدار الأمر هنا هو عجز عن تنفيذ مبادئ إنسانية مقبولة. فالإدارة الفعلية في جميع هذه الأقطار لا تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف العسيرة المنال. إنها تحارب هذه المبادئ؛ وعن عمد تنظم مجتمعاتها على نحو يعمل على تدمير هذه المبادئ في عقول الناس. ولهذا السبب نعتقد أنه يتعين على بقية العالم أن يولي هذه المسألة اهتمامه. ذلك أن مبدأ المساواة بين البشر، وكل ما يفيض منه،  إما أن يكون مبدأ عاما أو لا يكون مطلقا. فعندما تنكر على أي إنسان إنسانيته، تنتفي كرامة كل البشر.
  7. إن أهدافنا في الجنوب الأفريقي  تنبع من التزامنا بهذا المبدأ القائم على المساواة بين البشر. إننا لا نعادي حكومات هذه الدول لأن قوامها رجال بيض أو يسيطر عليها رجال بيض. إننا نعاديها لأنها أنظمة تقوم على سيطرة الأقلية وتوجد بسبب نظريات تؤمن بعدم المساواة بين البشر وتطبيقا لتلك النظريات. وما نعمل من أجله هو حق تقرير المصير لشعوب تلك الأقاليم. إننا نعمل من أجل تحقيق نظام في هذه البلدان يستند إلى إرادة الشعب كله وإلى قبول مبدأ المساواة بين جميع المواطنين.
  8. إن موقفنا تجاه الجنوب الأفريقي ينطوي، من ثم، على رفض العنصرية، لا على قلب نظام السيطرة العنصرية القائم. إننا نؤمن بأن كل من اتخذ من بلدان الجنوب الأفريقي وطنا له فهو أفريقي بصرف النظر عن لون بشرته، وسنقاوم أي حكومة أغلبية عنصرية تعتمد فلسفة قائمة على التمييز المتعمد والدائم بين رعاياها على أسس الأصل العرقي. ونحن لا نعبر عن عنصرية عندما نرفض الاستعمار وسياسات الفصل العنصري التي يُعمل بها الآن في تلك المناطق، إننا نطالب بإتاحة الفرصة لجميع أفراد شعوب هذه الدول ليعملوا معا كمواطنين يقفون على قدم المساواة،  ليقيموا لأنفسهم مؤسسات ونظاما في الحكم يعيشون معا في ظله بتوافق عام ويعملون معا من أجل مجتمع يسوده الانسجام.
  9. ومن المرجح، نتيجة للسياسات الراهنة، أن تصبح مختلف الجماعات داخل هذه المجتمعات أكثر تيُّقظا وتخوفا. فينبغي للتنظيمات السياسية والاقتصادية الأولية أن تأخذ في الحسبان هذه المخاوف وهذا الوعي الذاتي الجماعي. ولكن كيف يتم ذلك، هذه مسألة تخص شعب البلد المعني وحده، وهو يعمل يدا واحدة. وليس لأي دولة أخرى الحق في التدخل في هذه الشؤون. وكل ما يحق لبقية العالم أن يطالب به ليس سوى ما نؤكده الآن - أن تستند الترتيبات، داخل أي دولة ترغب في أن يقبلها مجتمع الدول، إلى قبول مبدأي الكرامة الإنسانية والمساواة بين البشر.
  10. والحديث عن تحرير أفريقيا معناه، من ثم، الحديث عن شيئين اثنين. أولهما، أن تكون لشعوب الأقاليم التي لا تزال ترزح تحت حكم الاستعمار حرية تحديد مؤسسات حكمها الذاتي بنفسها. وثانيهما، أن يتحرر الفرد في الجنوب الأفريقي من بيئة صنعتها الدعاية العنصرية، وأن تتاح له الفرصة ليصبح إنسانا-لا أبيض،  ولا أسمر،  ولا أصفر،  ولا أسود.
  11. وهكذا، فإن تحرير أفريقيا - الذي نكافح من أجله - لا يعني عنصرية معكوسة.

  1. وبالنسبة لهدف التحرير، كما حُدد، فإننا لا نستطيع التسليم ولا المساومة. لقد آثرنا دائما، ولا نزال نؤثر تحقيق هذا الهدف بدون عنف مادي. ونفضِّل التفاوض لا التدمير، والحوار لا القتل. إننا لا ندعو إلى العنف، بل ندعو إلى إنهاء العنف الذي لا يزال الطغاة الجاثمون على أفريقيا يمارسونه ضد كرامة الإنسان. فإذا تسنى إحراز تقدم بالوسائل السلمية نحو التحرير، أو تغيرت الظروف وأصبح تحقيقه ممكنا في المستقبل، فإننا سنحث أخوتنا في حركات المقاومة على اللجوء إلى طرق الكفاح السلمية حتى وإن كان ذلك مقابل تقديم بعض التنازلات فيما يتعلق بتوقيت التغيير. ولكن ما دامت الإجراءات التي يتخذها القابضون في الوقت الحاضر على مقاليد الأمور في دول الجنوب الأفريقي تقف حجر عثرة أمام تحقيق التقدم السلمي، فليس أمامنا من خيار سوى تقديم كل ما نستطيعه من دعم لشعوب هذه الأقاليم في كفاحها ضد مضطهديها. ولهذا السبب، تشارك الدول الموقعة في حركة تحرير أفريقيا تحت لواء منظمة الوحدة الأفريقية. بيد أن العائق أمام التغيير ليس هو ذاته في جميع بلدان الجنوب الأفريقي، ويترتب على ذلك أن تختلف إمكانيات مواصلة الكفاح بالوسائل السلمية من بلد إلى أخر.

  1. إن اتحاد جنوب أفريقيا هو نفسه دولة مستقلة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة. وهو أكثر تقدما وأغنى من أي دولة أخرى في أفريقيا. ومن جميع النواحي القانونية فإن شؤونه الداخلية هي مسألة تخص شعب جنوب أفريقيا وحده. إلا أن الغرض من القانون هو الإنسان ونحن نصر على أن إجراءات حكومة جنوب أفريقيا تستوجب أن تتحمل بقية العالم مسؤولياتها باتخاذ ما ينبغي اتخاذه من إجراءات دفاعا عن الإنسانية.

          وثمة شيء في النظام القمعي في جنوب أفريقيا يميزه عن الأنظمة القمعية الأخرى. فسياسية الفصل العنصري التي تتبعها حكومته، ويؤيدها إلى حد ما جميع رعاياه من البيض تقريبا، تقوم على إنكار إنسانية الإنسان. فالتمتع بالامتيازات أو التعرض للاضطهاد في مجتمع الجنوب الأفريقي كلاهما يتوقف على شيء واحد ليس بمقدور أي إنسان أن يغيره. فهو يتوقف على لون بشرة الإنسان ووالديه وأجداده. فإذا كنت أسود فلست بمستطيع الفكاك من هذه الفئة؛ كما ليس بإمكانك الفكاك منها إن كنت من البيض. ولو كنت مليونيرا أسود وعالما سياسيا نابغة، فلا تزال تخضع لقوانين المرور وسيظل محظورا عليك القيام بأي نشاط سياسي. أما إذا كنت أبيض، فحتى احتجاجك ضد النظام ومحاولتك رفض العزل، لن تقودك إلا إلى العزل، وإلى راحة نسبية في سجن للبيض. والمعتقدات والقدرات والسلوك كل ذلك غير ذي صلة بمركز المرء؛ فكل شيء يتوقف على العرق. وإنسانية الإنسان غير ذات صلة. ونظام الحكومة والمجتمع في جنوب أفريقيا يقوم من جميع نواحيه على إنكار المساواة بين البشر. ويستند النظام إلى إنكار لا هوادة فيه لحقوق الإنسان على غالبية السكان- ومن ثم، حتما، إنكار حقوق الإنسان على الجميع.

          وهذه الأشياء معروفة وتلقي الإدانة بانتظام في محافل الأمم المتحدة  وغيرها. ولكن يبدو أن كثيرا من البلدان تجعل للقانون الدولي الأسبقية على المبادئ الإنسانية. وعليه لا تردف الأقوال بالأعمال. ولكن حتى إذا كان القانون الدولي يُفهم على أنه يستبعد تقديم المساعدة لأبناء جنوب أفريقيا المعارضين للفصل العنصري، فإنه لا يطالب أحدا بتقديم العون والدعم لحكومة ترفض إنسانية معظم البشر بالتعامل معها في المجالين الإنساني والتجاري. فينبغي استبعاد جنوب أفريقيا من وكالات الأمم المتحدة، بل ومن الأمم المتحدة ذاتها. وينبغي عزلها عن أشكال التجارة العالمية وتركها تعتمد على ذاتها، إن استطاعت. فلا يمكن أن يُسمح لحكومة جنوب أفريقيا أن ترفض مفهوم وحدة الإنسانية ذاته، وأن تفيد في الوقت ذاته من القوة التي تيسرها لها علاقات دولية ودية. ولا يمكن بالتأكيد أن تسكت أفريقيا على استمرار السياسات الحالية التي تمارس ضد شعب ينتمي إلى جذور أفريقية.

          ويؤكد موقعو هذا البيان أن شرعية مبدأي المساواة بين البشر وكرامة الإنسان تسري على اتحاد جنوب أفريقيا تماما كما تسري على الأقاليم المستعمرة في الجنوب الأفريقي. فقبل وضع الأساس لإحداث تطورات سلمية في هذه القارة، يجب الإقرار بهذين المبدأين بعمل كل ما يمكن عمله، ويجب بذل محاولات مدروسة في كل بلد لتنفيذهما.

          إننا نؤكد من جديد التزامنا بمبدأي المساواة بين البشر وكرامة الإنسان، وبمبدأي تقرير المصير وغير العنصرية. وسنعمل على تعميمها داخل دولنا وفي جميع أنحاء قارة أفريقيا.