إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



البيان الذي أدلى به رئيس اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري، السيد إدوين أوغيبي أوغبو (نيجيريا)، في اجتماع للجنة النيوزيلندية لمناهضة الفصل العنصري،
عقد في جامعة فيكتوريا في ويلينغتون يوم 13 أيلول/ سبتمبر 1974

نشرة الأمم المتحدة الصحفية GA/AP/413، 16 أيلول/ سبتمبر 1974

          يسعدني في هذه المناسبة أن أنقل شخصيا تحيات اللجنة الخاصة لمناهضة الفصل العنصري التابعة للأمم المتحدة إلى اللجنة الوطنية النيوزيلندية لمناهضة الفصل العنصري وإلى جميع المنظمات التي اشتركت معها في رعاية هذا الاجتماع.

          إن ما قمتم به من خلال السنوات القليلة الماضية من تعريف لشعب هذا البلد بما ينطوي عليه الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من مجافاة للإنسانية، وتمكينكم الأمة من أن تعلن معارضتها للتعاون مع النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وخاصة في مجال الرياضة، كان مصدر رضا عميق، بل مبعث أمل كبير لنا في الأمم المتحدة. فقد قوى ما قمتم به إيماننا بأن الشعوب عندما تعرف الحقيقة -حتى في البلدان التي ينحدر معظم سكانها من أصول أوروبية - سترفض الفصل العنصري  وتشارك فيما يبذل من جهود للقضاء عليه. وقد اختبر هذا الإيمان أيضا في أستراليا وعدد من البلدان الأخرى فكانت له الغلبة.

          وتكمن قيمة هذا الإيمان في أنه لو ثبت خطأه، فإن البشرية لا تستطيع أن تتطلع إلى ما هو خير من الانقسام الدائم عبر حواجز الجنس أو اللون.

          كذلك كان ما قامت به حكومتا نيوزيلندا وأستراليا مصدر ارتياح كبير لدى شعب جنوب أفريقيا الذي ظل على مدى عقود يناضل في سبيل حريته وأصبح الآن يواجه أياما صعبة في مسيرته نحو الانتصار الحتمي لقضيته العادلة.

          إننا نقدر عظيم التقدير ما قامت به حكومة نيوزيلندا تحت قيادة الفقيد الراحل السيد نورمان كيرك، حين أعلنت تبرؤ هذا البلد من الفصل العنصري، وخاصة في مجال هام كمجال الرياضة، وحين أكدت إيمانها بوحدة البشرية. وقد تلقيت تأكيدات بأن الحكومة الحالية، بقيادة السيد والاس راولينغ، ستواصل السير على نفس الطريق. ولكم أتمنى في الواقع أن يكون هذا قد أصبح الآن التزاما وطنيا لا رجعة فيه من جانب نيوزيلندا.

          وإذا كان التخلي عن لعبة الرغبي مع البيض في جنوب أفريقيا نوعا من التضحية - وأنا أعرف أن أبناء نيوزيلندا مولعون بهذه الرياضة - فإنني أود أن أؤكد لكم أن ما قمتم به قد رفع قدر نيوزيلندا في أفريقيا في كل أنحاء العالم.

          كما أنني أود أن أغتنم هذه الفرصة، ونحن على مقربة شديدة من كمنولث أستراليا - الذي يؤسفني أنني لا أستطيع زيارته هذه المرة بسبب دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة - لأؤكد من جديد تقدير اللجنة الخاصة الكبير للخطوات التي اتخذتها حكومة أستراليا، بقيادة السيد غوغ وتلم، لإعلان تبرؤ أستراليا من نظام الفصل العنصري. وأود على وجه الخصوص أن أشير إلى ما قررته مؤخرا من إبعاد الملحق العسكري لنظام بريتوريا.

          وإني، باسم اللجنة الخاصة، أتوجه إلى جميع البلدان الأخرى التي تبادلت ملحقين عسكريين مع نظام بريتوريا راجيا إياها أن تقتفي أثر أستراليا إذا كانت تريد منا أن نصدق ما تظهره من معارضة الفصل العنصري أو من صداقة لأفريقيا أو من ولاء للأمم المتحدة.

          وأود، دون أي انتقاص من تقديرنا لما قامت به حكومتا نيوزيلندا وأستراليا، أن أسجل الاعتراف بالدور الجدير بالثناء الذي قامت به حركات مناهضة الفصل العنصري وغيرها من المنظمات غير الحكومية في تحقيق هذه التطورات التي تلقى منا كل ترحيب. ففي كثير من الأحيان كانت حركات مناهضة الفصل العنصري، وخاصة في البلدان التي احتفظت بعلاقات مع نظام جنوب أفريقيا، بمثابة الضمير لأمتها.

          وهنا في نيوزيلندا، وحتى سنوات قليلة خلت، كنتم جماعة ضئيلة العدد - ضئيلة العدد ولكنها قوية الإيمان والإصرار. ولقد واصلتم جهودكم، على الرغم من كل ما تعرضتم له من هجوم، في الدفاع عن مبدأ من المبادئ الأساسية للأمم المتحدة، وهو المبدأ الأولمبي الذي يدعو إلى عدم التمييز ويمثل روح كل رياضة سليمة. ولقد مارستم ما مارستم من ضغط حتى تواجه الأمة ضميرها.

          وإنه ليسعدني أن أري أناسا من مختلف قطاعات الحياة العامة ـ من رجال الكنيسة، ومن النقابيين، ومن الطلاب وغيرهم ـ وقد تضافرت جهودهم في إعادة تأكيد معارضتهم للعنصرية في بلدهم وفي الخارج.

          وإنني كمسيحي لا يدهشني بأي قدر أن يكون بعض رجال الكنيسة قد عارضوا الفصل العنصري بل أن يكونوا قد تعرضوا للاضطهاد بسبب تلك المعارضة. فكيف يستطيع أي مسيحي حقيقي أن يتصرف على أي نحو أخر؟ وهل كان يمكن للمسيح عيسى، وقد ولد في آسيا، أن يقر اضطهاد البشر وإهانتهم، وخاصة الغالبية العظمى من سكان جنوب أفريقيا وسكان العالم، بسبب لون بشرتهم؟ وهل كان يمكن أن يظل غير مبال والإنجيل تقتبس كلماته لتبرير هذا الاضطهاد وهذا الامتهان؟

          وكيف يستطيع أي نقابي أن يقف موقف اللامبالاة مما يجري في جنوب أفريقيا؟ إن النضال ضد الفصل العنصري هو في جوهره نضال للشعب العامل ضد إنكار الحقوق النقابية السياسية - بل ضد فرض السخرة والرق - على أساس من اللون. إن نضال شعب جنوب أفريقيا من أجل التحرر هو في جزء منه نضال للعمال من أجل حقوقهم.

          وإنه ليسرني أن الحركة النقابية في نيوزيلندا قد تصرفت وفقا لمقررات المؤتمر الدولي النقابي لمناهضة الفصل العنصري، وهو المؤتمر الذي عقد في جنيف في حزيران/ يونيه 1973.

          على أنني أود أن أقول إنه مما يثلج صدري على وجه الخصوص مشاركة الطلاب والشباب هنا في النضال ضد الفصل العنصري والعنصرية.

          إنكم حين تعارضون الفصل العنصري فإن ما تقومون به ليس مجرد إظهار لتعاطفكم مع شعب يعاني الفقر والقهر. وليس ما تقومون به مجرد إظهار للتضامن مع المناضلين في سبيل قضية عادلة.

          إن ما تقومون به هو إسهام في القضاء على بلاء ابتلي به عصرنا وعلى عقبة رئيسية في طريق التعاون الحقيقي بين القطاعات العريضة للبشرية. إنكم تساعدون على استئصال سرطان يمكن أن يحطم ما نتطلع إليه من آمال بالنسبة لمستقبل البشرية، في الجيل القادم إن لم يكن في هذا الجيل.

          إن المعركة الدائرة في جنوب أفريقيا، ودعونا نكون واضحين كل الوضوح، ليست معركة يقودها الشعب الأفريقي ضد البيض، ولكنها معركة الإنسانية ضد العنصرية.

          ولو كان الأمر مجرد ثورة عبيد أو حرب كرامة بين السود والبيض لاختلف الوضع تمام الاختلاف. ففي مجتمع جنوب أفريقيا حيث يحيا البيض حياة ميسورة من عمل السود، فإن كل ما يلزم لنشر الذعر بين جميع البيض هو، كما قال أحدهم، مؤامرة تقوم بها قلة من الطهاة وخدم المنازل.

          على أن الشعب الأفريقي، وحركة تحريره، قد أبديا أقصى درجات ضبط النفس والالتزام بمبادئ الإنسانية عندما رفضا مواجهة الإرهاب بالإرهاب. لقد عانى هذا الشعب وهذه الحركة لأنهما يناضلان في سبيل مبدأ هو أن جنوب أفريقيا ملك لكل من يعيش فيها- من السود أو السمر أو البيض. ونضالهما هو نضال من أجل جميع الرجال والنساء، ومن أجل بقاء البيض بقدر ما هو من أجل حرية السود.

          وكما قاتلت حركة التحرير التي قام بها الشعب الأفريقي في أنغولا وغينيا- بيساو وموزامبيق من أجل حرية الشعب الأفريقي، ومن ثم حرية البرتغاليين أيضا، فإن حركة التحرير في جنوب أفريقيا تناضل من أجل تحرير السود والبيض على السواء في جنوب أفريقيا. والأصدقاء الحقيقيون للبيض في جنوب أفريقيا هم أولئك الذين يمنعون تلك الأقلية من السير في طريق الانتحار تحت قيادتها العنصرية الراهنة.

          وإنكم لتعلمون أن النظام الراهن في جنوب أفريقيا لم يقتصر على ارتكاب الجرائم ضد السود في جنوب أفريقيا، ولكنه سجن واضطهد كثيرين من البيض ممن عارضوا العنصرية. وهو الآن يهدد الطلاب البيض في الاتحاد الوطني لطلاب جنوب أفريقيا لأنهم أيدوا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفضحوا الأحوال البائسة التي فرضت على العمال الأفريقيين. ونحن بمعارضتنا للفصل العنصري نعلن تضامننا لا مع السود المضطهدين فحسب بل أيضا مع أولئك البيض الذين تبنوا قضية الكرامة الإنسانية.

          لقد جئت إلى هنا، كما قلت، في زيارة ودية إلى هذا البلد، بدعوة من الحكومة، لكي أعبر عن تقديرنا لحكومة نيوزيلندا وشعبها. وليس في نيتي أن أوجه النقد إلى أحد- ولا حتى تلك القلة المضللة التي ما زالت تدعو إلى أن يقيم هذا البلد، الذي رفض العنصرية في الداخل، علاقة تآخ مع العنصريين في الجنوب الأفريقي. وكل أملي أن يروا الحقيقة وأن ينضموا إلى الأغلبية الساحقة في نيوزيلندا، في هذا البلد الذي نكن له الاحترام لما أبداه من أمانة.

          على أن من واجبي أن أعترف بأنني لم أكد أصدق عيني عندما قرأت في إحدى الصحف عن وجود جماعة هنا تعارض مقاطعة جنوب أفريقيا في مجال الألعاب الرياضية، استنادا إلى أن العالم يمارس التمييز ضد جنوب أفريقيا لما تتبعه من سياسات في الوقت الذي تمارس فيه بعض البلدان الأخرى هذا التمييز ومنها -وهذا محل دهشتي الشديدة- بلدان في أفريقيا.

          وهكذا فإننا، فيما يبدو، نمارس التمييز ضد العنصريين في جنوب أفريقيا برفضنا ممارسة لعبة كرة القدم معهم، في البلد الوحيد في العالم الذي يكرس دستوره نفسه التمييز العنصري، دعوا عنكم مئات القوانين والممارسات اليومية التي تكرسه أيضا.

          إن هذه الجماعة، كما قرأت، مرتبطة فيما يبدو بجماعة من الناس في جنوب أفريقيا لم يجدوا، من كل الأسماء، ما يطلقونه على أنفسهم سوى اسم "لجنة العدالة في الرياضة". ونحن نعلم أن تلك اللجنة هي، في حقيقة أمرها، لجنة الدفاع عن نظام لم يعرف 15 مليونا من الأفريقيين في ظله عدلا في الرياضة أو في أي شيء آخر في الحياة.

          لقد أبدى النظام الراهن في جنوب أفريقيا قدرة كبيرة على الإبداع في إضفاء العناوين المضللة والعارية تماما عن الصحة على ما يقوم به من أعمال. فثمة قانون لمناهضة الشيوعية حوكم بمقتضاه كثيرون من غير الشيوعيون بل ومن معارضي الشيوعية، ومنهم الرئيس ألبرت لوتولي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، وعشرات من رجال الكنيسة. أصدر ذلك النظام قانونا بإلغاء تصاريح المرور عزز به قوانين تصاريح المرور التي تحرم الأفريقيين من حرية الانتقال وجعل هذه التصاريح أكثر تعقيدا. ولدى هذا النظام قانون للتوسع في التعليم الجامعي حظر بمقتضاه على السود الالتحاق بالجامعات الرسمية. ولديه قانون للإخلال بالآداب العامة يجعل الاتصال الجنسي جريمة معاقبا عليها إذا اختلف لون بشرة الطرفين. وأقام هذا النظام جمهورية هي نقيض أي تعريف للجمهورية في أي قاموس.

          إنني أمل ألا ينخدع أبناء نيوزيلندا أبدا بهذه التسميات الزائفة وألا يحتذوا حذو هذا المثل الذي ضربته جنوب أفريقيا فيخسروا ما يتصفون به من أمانة.

          واسمحوا لي أيضا، كأفريقي، أن أكون صريحا كل الصراحة فيما يتعلق بالإشارات التي لا مبرر لها إلى بلدان أفريقيا المستقلة. فأفريقيا قارة خرجت لتوها إلى عالم الحرية - ولكن حريتها لم تزل حرية منقوصة. ونحن لا نتصف بالكمال، ولكننا نحاول جهدنا أن نبني أممنا على أمل أن ننسى الماضي وأن نقيم تعاونا دوليا مع من قهرونا في الماضي. ونحن نأمل في أن نحقق النجاح بجهودنا وبعون من الفهم وحسن النية والتعاون من بقية العالم.

          على أنه ينبغي لكل من يحاول أن يهاجمنا بسبب أخطاء حقيقية أو متخيلة نقع فيها خلال هذه الفترة -حتى يدافع عن امتهان الأفريقيين ويقوض التعاون بين أفريقيا وبقية العالم- ينبغي لكل من يحاول ذلك أن يتذكر شيئا من التاريخ.

          ففي القرون التي كانت أوروبا تقوم فيها بتطوير تجارتها وصناعاتها كانت قارتنا تعاني من أعمال النهب والتخريب التي قام بها تجار الرقيق والتي راح ضحيتها عشرات الملايين من أبناء أفريقيا وبناتها -وخلت مناطق كاملة من قارتنا، ولا سيما الجزء الذي أنتمي إليه منها، من سكانها. لقد عانت قارتنا من أعمال النهب التي مارسها المستعمرون الذين استولوا على الثروة الطبيعية الغنية لقارتنا وتركوا شعوبنا تعاني الفقر والمرض والجهل.

          إنه لم يمض على وجودنا كأمم مستقلة سوى ما يقل كثيرا عن جيل واحد، وذلك في ظروف دولية صعبة نواجه فيها ضروب التفاوت في التجارة الدولية، وبقايا التحيز في أوروبا وأمريكا الشمالية، والمخططات التي تدبرها والمنازعات التي تحرض عليها قوى الاستعمار والعنصرية وغيرها من أصحاب المصالح الذاتية.

          لقد ارتكبنا بعض الأخطاء ـ وأي أمة لم ترتكبها؟ ـ ولكن دول أفريقيا المستقلة قد أحرزت خلال هذه السنوات القليلة قدرا من التقدم في مجالات التعليم والصحة والتمتع بحقوق الإنسان ربما لم تحرزه أية قارة أخرى في فترة زمنية مماثلة. وعلى الرغم من ماضينا المثقل بالمآسي، فقد عارضنا العنصرية ومددنا يد الصداقة إلى جميع البيض الذين استوطنوا أفريقيا- وذلك بشرط واحد هو أن يقبلوا حقيقة أنهم أخوان في الإنسانية، وأخوان في الانتماء إلى أفريقيا، وليسوا فئة قدر لها أن تسود الأفريقيين أو أن تستذلهم.

          إننا نسعى إلى الصداقة. ونرحب بكل مشورة من صديق. ولكننا لن نصبر على انعدام المساواة أو على الإذلال. وإذا كان هذا تمييزا فإنا لمميزون ونسأل جميع أصدقائنا الحقيقيين أن يميزوا -ضد العنصريين.

          إننا في لجنة مناهضة الفصل العنصري وفيما يرتبط بها من هيئات ممتنون لنيوزيلندا وممتنون لكم جميعا لأنكم قررتم ما تختارون. ولقد اخترتم صداقة شعوب أفريقيا ورفضتم ما حاول إغراءكم به من يقمعون شعوب أفريقيا ومن تعتبر سياستهم وأفعالهم وصمة في جبين البشرية.

          وأود أن أقول كلمات قليلة عن مسألة يبدو أنها لم تُفهم تمام الفهم في نيوزيلندا.

          لقد أعلنت الجمعية العامة  للأمم المتحدة، في دورتها الماضية التي عقدت في عام 1973، أن حركات التحرير التي تعترف بها منظمة الوحدة الأفريقية هي الممثل الحقيقي للأغلبية الساحقة من شعب جنوب أفريقيا، وكررت أن "كفاح جميع المقهورين في جنوب أفريقيا بكل الوسائل المتاحة من أجل القضاء التام على الفصل العنصري هو كفاح مشروع يستحق تأييد المجتمع الدولي".

          إننا ربما لم نقم بشرح هذه النصوص شرحا كافيا، وقد فهمت أن بعض الأصدقاء في نيوزيلندا أعربوا عن مخاوف من أن تكون هذه النصوص منطوية على تشجيع العنف.

          فدعوني أقرر بوضوح تام أن اللجنة الخاصة المعنية بالقضاء على الفصل العنصري ـ ولا شك في أن أفريقيا تشاطرها الرأي ـ حريصة غاية الحرص على التوصل إلى حل سلمي للوضع في جنوب أفريقيا. ولطالما حذرنا من مخاطر النزاع في جنوب أفريقيا- حيث إن من الممكن أن يتطور هذا النزاع إلى صراع عنصري تترتب عليه آثار لا سبيل إلى حسابها- وألححنا دائما على ضرورة أن يقوم المجتمع الدولي  باتخاذ إجراءات اقتصادية وغير اقتصادية لتجنب هذه المأساة.

          واسمحوا لي أيضا بأن أذكركم بأن شعب جنوب أفريقيا قد ظل لعدة عقود يخوض نضاله بوسائل غير عنيفة، متحملا في ذلك تضحيات كبيرة، في سبيل الحصول على حقوقه المشروعة. ولقد كان هذا الشعب رائدا في المقاومة السلبية غير العنيفة وكان أكثر من مارسوها اتساقا. وحين يأتي من يريد أن يعلمه فضائل عدم العنف فإنه يكون كحامل الفحم إلى نيوكاسيل، مدعاة للسخرية.

          على أن من الضروري في الوقت نفسه أن يدرك العالم أن المعركة في جنوب أفريقيا هي معركة بين الحق والباطل، وأن تقرر جميع الأمم والمنظمات والأفراد ما تختاره. ولا يقل عن ذلك أهمية إدراك أن نظام جنوب أفريقيا قد دأب على إغلاق كل باب يؤدي إلى إمكانية الحل السلمي، بقمعه الذي لا هوادة فيه لكل احتجاج سلمي لا عنف فيه. ولقد كان هذا النظام هو ما حمل الناس على مواجهة العنف بالعنف وعلى مواجهة المذابح بالدفاع المسلح عن النفس.

          إن الأمم المتحدة لم تحاول، كما لم تحاول أفريقيا، أن تحدد للشعب الأفريقي في جنوب أفريقيا وسيلة كفاحه، كما لم تشجع أي منهما شكلا من أشكال الكفاح ضد شكل أخر. فشكل الكفاح مسألة يقررها شعب جنوب أفريقيا وفقا لظروفه.

          إن ما قامت به الأمم المتحدة هو أنها أكدت شرعية كفاح الشعب المقهور بالوسيلة التي يختارها. وهي بذلك تكون قد رفضت حق من يرتكبون أعمال القهر في جنوب أفريقيا في أن يحددوا للشعب الأفريقي نوع العبودية التي ينبغي أن يتطلع إليه -البانتوستانات، مثلا- أو كيف يحققون هذا النوع من العبودية. ولقد رفضت الأمم المتحدة جهود بعض المصالح الذاتية الأجنبية من أجل العثور على "حلول" تلائمها- "حلول" تقابل العنصرية في منتصف الطريق فتؤدي إلى استمرارها وتمكن تلك المصالح من مواصلة تحقيق أرباحها ظلما.

          إننا نرفض وندين جهود كل من يحاول تقييد حق الشعب في جنوب أفريقيا في أن يقاتل في سبيل حريته، أو في أن يسعى إلى القضاء التام على الفصل العنصري وعلى التمييز العنصري. إننا

لا نستطيع أن نقبل أن يكون لشعوب بلدان أخرى حق اللجوء إلى العنف، بينما ينكر هذا الحق على الشعب الأفريقي لأنه شعب أسود. ولسوف نقوم في الوقت نفسه بعمل كل ما يمكن عمله، دوليا، لإنقاذ شعب جنوب أفريقيا من معاناة الصراع العنيف وعذابه. وهذا على التحديد هو سبب توجهنا إلى جميع البلدان والشعوب مناشدين إياها تقديم الدعم.

          إن من تتبعوا منكم تطور الأحداث أخيرا في أفريقيا يعلمون أن الشعب الأفريقي لم يلجأ إلى العنف في كفاحه من أجل الحرية إلا عندما ووجهت احتجاجاته السلمية بمذابح لم تعرف الرحمة. واليوم، ونحن نحتفل بتأكيد حرية شعب غينيا ـ بيساو، ونتطلع إلى تحرير أنغولا وموزامبيق، فإن شعب البرتغال يشاطر شعب أفريقيا ثمرات الكفاح المسلح البطولي الذي اضطرت إليه حركات التحرير في الأقاليم الأفريقية. وإنكم لا شك تدركون أن قادة الدول الأفريقية المستقلة قد عرضوا مساعيهم الحميدة للتوصل إلى تسويات.

          ولا يخامرني أدنى شك في أنه عندما تتخلى الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا عن حلم سيطرتها الدائمة على الأفريقيين، وعندما تكون هذه الأقلية مستعدة، والأمل أن يتحقق ذلك بعمل دولي منسق، للتفاوض مع الممثلين الحقيقيين لأغلبية الشعب الساحقة، من أجل مصير الأمة كلها، سيظهر الشعب الأفريقي في جنوب أفريقيا سماحته وشهامته التقليديتين. ولا يخامرني شك في أن أفريقيا المستقلة ستفعل كل ما تستطيع لتيسير التوصل إلى حل كما تعهدت بذلك مرات عديدة، وكما حدث، مثلا، في بيان لوساكا الذي اعتمدته منظمة الوحدة الأفريقية وأيدته الجمعية العامة  للأمم المتحدة بما يشبه الإجماع.

          إن ذلك هو اليوم الذي نتطلع إليه - وتلك هي النتيجة التي نجاهد من أجل بلوغها. وأود أن أشكركم جميعا على مشاركتكم في هذا الجهد الدولي.