إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



التقرير الثاني للجنة الأمم المتحدة المعنية بالحالة العنصرية في اتحاد جنوب أفريقيا

A/2719،1954

...

الاقتراح الأول -الاتصالات فيما بين الأعراق؛ مؤتمر مشترك بين الأعراق

370 -

إذ تعتبر اللجنة أن أعظم ما يمكن عمله تحقيقا للتوافق والتفاهم بين مختلف الجماعات هو إجراء اتصالات على فترات متقاربة ومتكررة بين الأفراد الذين تتألف منهم هذه الجماعات، تقترح أن تبذل جميع الأطراف المعنية جهودا حثيثة ومتواصلة تحقيقا لهذه الغاية. وتود اللجنة بشكل خاص أن توجه النظر إلى البيان الذي ورد في تقريرها الأول، وهو أن "الأمم المتحدة قد تعرب عن أملها في أن يكون في وسع حكومة اتحاد جنوب أفريقيا أن تعيد النظر في عناصر سياستها تجاه مختلف الجماعات العرقية. وقد تقترح الأمم المتحدة السبل والوسائل التي قد يصوغ الاتحاد بواسطتها سياسة جديدة: مثال ذلك، عقد مؤتمر مائدة مستديرة يضم أعضاء مختلف الجماعات العرقية في الاتحاد ويقدم، سعيا إلى تحقيق الوفاق، مقترحات إلى الحكومات من أجل تيسير التطور السلمي للحالة العنصرية في اتحاد جنوب أفريقيا. وقد تعرض الأمم المتحدة مساعدة هذا المؤتمر عن طريق إيفاد عدد من ممثلي الأمم المتحدة كي تكون جميع الأطراف متأكدة من أن المداولات سوف تهتدي مبادئ الميثاق".

...

الاقتراح الثاني - أفكار أساسية من أجل تسوية سلمية

372 -

أفادت اللجنة في مناسبة سابقة أنه يتعين على شعب جنوب أفريقيا أن يحل مشكلته بنفسه. بيد أنها ترغب في أن تبسط عددا من الأفكار الأساسية المنبثقة عن خطط أو مشاريع نشأت أصلا في اتحاد جنوب أفريقيا وتعتقد أنها متمشية مع ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وينبغي أن تؤخذ هذه الأفكار في الاعتبار في أية مناقشة حول حل المشكلة العنصرية. وتدرك اللجنة كل الإدراك، لدى بسطها هذه الأفكار، أنه لا يمكن وضعها موضع التنفيذ إلا بالتدريج وعلى مدى فترة طويلة من الزمن. وهي كما يلي:

373 -

(ألف) بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية التعيسة التي تعيش في ظلها الشعوب غير البيضاء، فإن أية إجراءات تتخذ من أجل رفع مستوى معيشتها ستساعد على تقليل التوتر الداخلي في الاتحاد. ولا تترد اللجنة في أن تفصح عن هذه الحقيقة الواضحة... ويجب علينا أن نضيف إلى ذلك أن اللجنة كانت ستتردد في حث قيادات إحدى الدول الأعضاء على قبول تضحيات مؤلمة لو لم يسبق لها أن أعربت عن رأيها في تقريرها السابق بأن الدولة تستطيع أن تلتمس التعاون الدولي في مهمة بهذه الأهمية للبشرية...

374 -

(باء) نظرا للدور المهيمن الذي تؤديه ولا ريب عوامل اقتصادية وتقنية في خلق التوترات القائمة بين مختلف الجماعات في اتحاد جنوب أفريقيا، ترى اللجنة أنه سوف يصعب على الحكومة أن تؤجل دون أية مخاطرة اتخاذ إجراءات تهدف إلى "تكامل اقتصادي" مصمم من أجل تخفيف المعاناة الجسيمة التي يتعرض لها شعب البانتو بسبب بعثرة المعازل وعدم كفايتها، واكتظاظ السكان بالنسبة إلى مواردها الطبيعية، ونوعية تربتها والتنمية الاقتصادية والتقنية فيها، وكذلك بسبب التدابير التمييزية المتخذة ضد عمال البانتو الذين يعملون في ميدان الصناعة في مناطق الأوروبيين. ولا يسع اللجنة، إذ تعيد تأكيد عجزها عن تقديم خطة منسقة تحدد فيها الأولويات، نظرا للظروف التي عملت فيها، إلا أن توجه الأنظار إلى بعض المجالات العديدة التي قد توفر فيها إعادة توجيه السياسة العامة مساهمة فعالة من أجل تخفيف شدة التوتر.

375 -

(أ) إعلان سياسات عامة بشأن التقليص التدريجي لنظام الأيدي العاملة المهاجرة بهدف إلغائه في نهاية الأمر.

         ترد في تقرير اللجنة الأخيرة إشارات إلى الآثار الضارة المترتبة على نظام الأيدي العاملة المهاجرة، بينما يصف ملحق التقرير الحالي القيود الشديدة التي يفرضها ذلك النظام على إنتاجية  العمال وعلى التنمية الاقتصادية والصناعية والزراعية. وترى اللجنة أن ثمة حقيقة لا تقبل الجدل، هي أنه لا يمكن للنظام المهين لكرامة الإنسان الذي يسبب قدرا هائلا من المعاناة البشرية الفردية والجماعية ويمزق الحياة الأسرية ولا لظروف العمل التي ينطوي عليها أن تكون في يوم من الأيام مقبولة لدى أولئك الذين تفرض عليهم، كما أن الضمير العالمي المستيقظ لن يعتبرها على الإطلاق ضرورة حتمية. بيد أن من الواضح أن أية سياسة عامة موجهة نحو القضاء على تدريجيا على هذا السبب الخطير لوجود التوتر تعني ضمنا الإزالة التدريجية للقيود القانونية المفروضة على استيطان غير البيض في المراكز الحضرية، والاعتراف بحق البانتو في أن يصبحوا سكانا دائمين في المدن، والقبول الصادق من جانب الأوروبيين باستقرار سكان من غير البيض في المدن وتمتعهم بحق حيازة الممتلكات في المناطق الحضرية.

376 -

(ب) تنظيم برنامج مستمر للتعليم الأساسي للكبار، بمساعدة من الأمم المتحدة واليونسكو إذا اقتضى الأمر، بغرض إنشاء مجتمعات زراعية في المعازل تتلقى أكبر قدر من المشورة العملية والمعلومات والمعدات بأسرع ما تسمح به الظروف، وذلك أولا بغية ضمان صون الموارد المعروفة في المعازل ومن ثم تنميتها، وإجراء مسح لمواردها غير المعروفة أو المحتملة واستكشافها.

377 -

(ج) تنفيذ خطة طويلة الأجل -(على ألا تكون بالغة الطول)- لتنظيم التعليم العام، أو على الأقل تعجيل وضع نظام للتعليم الشامل لغير الأوروبيين بقصد منح جميع الأطفال أكبر فرص ممكنة لتنمية استعداداتهم وقدراتهم على خدمة المجتمع، وتدريب غير الأوروبيين وتأهيلهم من أجل العمل بشكل كامل حقيقي في اقتصاد بلدهم. وترى اللجنة أن من المفروض أن يستطيع اتحاد جنوب أفريقيا الاعتماد على الدعم المعنوي - والمادي - لمثل هذه الخطة الطويلة الأجل من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وعلى جهازها الخاص بالمساعدة التقنية والمالية.

378 -

(د) إزالة حاجز اللون والاعتراف بمبدأ "الأجر المتساوي للعمل المتكافئ". ارتفعت أصوات عديدة في اتحاد جنوب أفريقيا نفسه، ليس احتجاجا على التدابير التشريعية التي أنشأت حاجز اللون ودفعت بغير البيض إلى مناطق الداخل وإلى العمل الرديء الأجر فحسب، بل كذلك على التدابير الإدارية التي ترمي إلى تحقيق الهدف نفسه، أي ما يسمى "سياسة العمل المتحضر"، وهي سياسة تحكم إصدار تراخيص ممارسة الأعمال التجارية أو الصناعية أو الحرفية، والشروط المفروضة على الأطراف التي تقدم عطاءات للحصول على عقود الأشغال العامة أو التوريد، وخلاف ذلك، وعلى العكس مما يدعى به، فإن إتاحة الفرص المتساوية لن تؤدى إلى تدهور حاد في مستوى معيشة السكان البيض، لان الاتحاد يعانى من نقص في الأيدي العاملة، وهو نقص حاد في بعض الفروع، ولأن الأوروبيين يتمتعون بفضل مستواهم التعليمي بميزة كبيرة مقارنة بالجماعات الأخرى، ولاسيما البانتو. غير أن إعلان المبدأ القائل إن جميع الناس، بصرف النظر عن لون بشرتهم، متساوون في الوصول إلى جميع أنواع العمل وإن هناك أجرا متساويا للعمل المتكافئ سوف يكون له في حد ذاته أثر في التخفيف من حدة التوتر.

379 -

(ه) بالارتباط الوثيق مع ما تقدم، إعادة تنظيم التلمذة الصناعية بحيث تشكل الوسيلة الاعتيادية للوصول إلى العمل المتخصص والأفضل أجرا، ومن ثم إتاحتها للأطفال ذوى الاستعدادات اللازمة.

380 -

(و) القيام تدريجيا بسن تشريعات تعترف بحق البانتو والملونين وغير الأوروبيين عامة في أن يصبحوا أعضاء في النقابات العمالية وفي أن يشاركوا بحقوق كاملة ومساواة تامة في كل إجراءات التحكيم والمفاوضات المتعلقة بحل النزاعات العمالية سلميا.

381 -

(ز) إلغاء قوانين تصاريح المرور على مراحل سريعة التعاقب، وهي قوانين تتعارض بوضوح مع معظم التدابير والجهود المقترحة أعلاه وتؤدى إلى فرض قيود وعوائق في حياة غير الأوروبيين اليومية تتنافى ومفهوم حرية الإنسان وكرامته الذي تتمسك به الأمم المتحدة.

...

383 -

وعلى الرغم من أن اللجنة تقدر أهمية تأمين فرص اقتصادية متساوية للجميع، بصرف النظر عن العرق أو اللون أو العقيدة، فهي تشعر أنها ملزمة بأن تعرب عن اقتناعها بأن للإجراءات الرامية إلى تحقيق المساواة السياسية بين مختلف الجماعات العرقية أهمية بالغة ولا يمكن استمرار تأجيلها دون وقوع خطر جسيم …

الاقتراح الثالث - المساعدة التي يمكن للأمم المتحدة أن تقدمها

384 -

إذا ارتأت الجمعية العامة أن البرنامج المبين أعلاه، سواء بأكمله أو في جزء منه، يمكن أن يوفر أساسا مؤقتا للتعاون المحتمل مع حكومة اتحاد جنوب أفريقيا، فإن اللجنة تقترح أن يقدم إلى هذه الحكومة عرض بأن تشكل بناء على طلبها لجنة مكونة من خبراء تقنيين متخصصين في تخطيط برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة في المجتمعات المتعددة الأعراق، يمكن أن يطلب منهم أن يضعوا قائمة بجميع أشكال المساعدة المختلفة التي يمكن للأمم المتحدة والوكالات المتخصصة أن توفرها. ولا ريب في أن هذا الاقتراح قد يبدو للكثيرين متناقضا مع التهيب أو الحذر اللذين يقترنان عادة بالعمليات الدولية. ولكن إذا كان للحذر ما قد يبرره، فإنه لا يوجد ما يبرر، التهيب. وينبغي أن يوضع نصب العينين أنه سبق للأمم المتحدة أن اتخذت إجراء مماثلا وعلى نطاق واسع لإعادة بناء وتعمير بلدان بعد أن عانت من عواقب النزاعات؛ فلماذا إذن تتردد في اتخاذ مثل هذا الإجراء عندما ينطوي الأمر على منع خطر حدوث نزاع؟ وهذا الوضع الأخير مشابه للوضع الذي يواجهه المجتمع الدولي في جنوب أفريقيا.

         وما من شك في أن الطريق المتاح أمام اتحاد جنوب أفريقيا والمؤدى في النهاية إلى المصالحة والتعاون التلقائي بين الجماعات العرقية طريق طويل وشاق وتعترضه عقبات كثيرة. ولكن الضرورة تحتم سلوك الطريق الصحيح. وتعتقد اللجنة بصدق أن طريق الفصل العنصري مسدود حتما ويؤدي إلى خطر وقوع نزاعات. ورغم كل المصاعب الموروثة من الماضي والتي لا تزال حادة إلى اليوم، فإنه لا بد من أن يسير الأوروبيون والبانتو والملونون معا في سبيلهم؛ ونكاد نذهب إلى حد القول إنه حكم عليهم أن يعيشوا معا وأن يبنوا معا مجتمعا متوالفا. وطريق التكامل التدريجي هو الطريق الوحيد الذي يبدو مفتوحا وهو وحده الذي يحتمل أن يؤدي إلى مستقبل سلمي تقبله جميع الأطراف. وسوف يتطلب سلوك هذا الطريق عزما ثابتا ومستمرا لا يتزعزع ويتجدد يوما بعد يوم، عزما على التعاون والتفاوض والوصول إلى حلول وسط، وعزما على الأخذ والعطاء وستكون هذه المشاركة عسيرة؛ فسيضطر أحد الجانبين إلى أن يتخلى عن نظريات التفوق العنصري التي تضفي مظهر الشرعية على التفوق السياسي ولكنها تستند في الواقع إلى أفكار بالية لا يؤيدها العلم الحديث على الإطلاق؛ وسيتعين على الجانب الآخر أن يدرك أن مفاهيم المساواة الأخوية والتعاون المتجسدة في ميثاق الأمم المتحدة وأعماق نفوس البشر لا يمكن أن تصبح حقيقة واقعة بضربة عصا سحرية دون أن تمر بمراحل عديدة متعاقبة. وكثيرا ما يتعين على كليهما أن يخففا من وقت إلى آخر من قوة مطالبتهما وطموحاتهما بغية تأدية واجبهما تجاه المجتمع الذي ينبغي بناؤه في ظل السلام. ونحن نكرر قولنا إنه يتحتم سلوك الطريق الصحيح...