إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



البيان الذي أدلى به الأمين العام بطرس بطرس غالي في الجلسة العامة
للجمعية العامة بشأن استئناف جنوب أفريقيا المشاركة في أعمال الجمعية

A/48/PV.95، 23 حزيران/ يونيه 1994

         لقد أصبح لشعب جنوب أفريقيا الآن صوته المسموع. وتحتل جنوب أفريقيا الجديدة الآن مكانها بين أسرة الأمم. واليوم، تستعيد جنوب أفريقيا مكانها شريكة كاملة المشاركة في أعمال الأمم المتحدة.

         لقد كان الكفاح ضد الفصل العنصري أهم كفاح في قرننا هذا. وتدمير الفصل العنصري تحية إلى شعب جنوب أفريقيا. وهو دليل على التزام المجتمع الدولي. لقد كان كفاحا تجاوز كثيرا حدود جنوب أفريقيا. كان كفاحا ساعد على تحديد صورة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره.

         ولذلك، فإن نجاح جنوب أفريقيا نجاح للأمم المتحدة أيضا. فعن طريق الأمم المتحدة أعرب المجتمع الدولي عن تضامنه مع شعب جنوب أفريقيا. وعن طريق الأمم المتحدة أظهر المجتمع الدولي تأييده لقضية شعب جنوب أفريقيا وكفاحه.

         لقد كان إسهام الأمم المتحدة هاما. وكان دورها كبيرا. فالأمم المتحدة بإدانتها القوية للفصل العنصري عززت البعد الأخلاقي للكفاح. وبعزل جنوب أفريقيا، ومساعدة معارضي الفصل العنصري، وسعت الأمم المتحدة الأبعاد السياسية للكفاح. وأضاف المجتمع الدولي، بحثِّه على فرض الجزاءات، بعدا اقتصاديا حيويا للكفاح.

         ومن الناحية الأخلاقية والإنسانية، كان صوت المجتمع الدولي مسموعا بوضوح. فقد أعلنت الجمعية العامة أن الفصل العنصري انتهاك للميثاق. اعتبرت الفصل العنصري انتهاكا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وعرفت الفصل العنصري بأنه جريمة ضد ضمير وكرامة البشرية كلها. ورصدت الأعمال الوحشية. وعملت على تعبئة الرأي العام ضد الظلم.

         ومن الناحية السياسية، ساعدت الأمم المتحدة على بناء ودعم إجماع دولي تأييدا لأحداث تغيير. وأنشأت لجنة خاصة لمناهضة الفصل العنصري في عام 1962 هدفها تعزيز معارضة الفصل العنصري. وفي عام 1974 منعت الجمعية العامة جنوب أفريقيا من الاشتراك في أعمالها، ودعت حركات التحرر للمشاركة كمراقبة. وأنشئ صندوق استئماني لمساعدة السجناء السياسيين وعائلاتهم. وأعلنت سنة 1978 سنة دولية لمناهضة الفصل العنصري. وخصصت أيام دولية خاصة للتضامن مع معارضي الفصل العنصري. وكانت الرسالة السياسية ضد الفصل العنصري واضحة.

         وكانت الأمم المتحدة أيضا أداة هامة في تعزيز البعد الاقتصادي للكفاح ضد الفصل العنصري. فقد فرض مجلس الأمن حظرا إلزاميا على توريد الأسلحة إلى جنوب أفريقيا بمقتضى الفصل السابع من الميثاق. وأعلنت الجمعية العامة سنة 1982 سنة دولية لتعبئة فرض الجزاءات على جنوب أفريقيا. وأعطت هذه الإجراءات دفعة جديدة للجهود المناهضة للفصل العنصري في العديد من الدول الأعضاء.

         إنني أشعر بفخر خاص لأن الأمم المتحدة كانت أساسية في الجهود الدولية لتعزيز وإقامة جنوب أفريقيا ديمقراطية وغير عنصرية.

         لقد كان اعتماد "الإعلان الخاص بالفصل العنصري ونتائجه المدمرة في الجنوب الأفريقي" عام 1989 نقطة تحول. وعزز اعتماده إجماعا جديدا بشأن جنوب أفريقيا. وهذا الإجماع كان عنصرا هاما في تهيئة الظروف لحل تفاوضي.

         إن ممثلي الأمم المتحدة كانوا موجودين خلال المفاوضات الطويلة. فقد أوفد مراقبون من الأمم المتحدة في آب / أغسطس 1992 من أجل بناء الثقة والمساعدة على تقليل انتشار العنف السياسي. وبناء على طلب من المجلس التنفيذي الانتقالي، أوفد 1600 من مراقبي الانتخابات التابعين للأمم المتحدة لمراقبة أول انتخابات حرة وديمقراطية أجريت في جنوب أفريقيا في نيسان/ أبريل من هذا العام. أما التنصيب الناجح لحكومة الوحدة الوطنية فهو مكافأة تستحقها جنوب أفريقيا والأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره.

         لقد قدمت جنوب أفريقيا أمثلة لا تنسى عن الإيمان بالمستقبل في هذا الربيع، وفي الوقت الذي غالبا ما كانت فيه القارة الأفريقية مسرحا محزنا للمواجهة العرقية والحرب الأهلية والصراعات الحدودية، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الفقر والتخلف الإنمائي اللذين يحدقان بأغلبية سكانها.

         وفي اجتماع القمة الأخير الذي عقدته منظمة الوحدة الأفريقية في تونس، أتيحت لي فرصة القول إن إجراء أول انتخابات عامة في جنوب أفريقيا وتولي نليسون مانديلا رئاسة جنوب أفريقيا الديمقراطية وغير العنصرية يعتبران حدثا تاريخيا.

         إن هذه الصور للوحدة الوطنية تعبر دون شك عن أحداث لا تنسى سيسجلها التاريخ على صفحاته، ويمكن أن تكون مثلا نقتدي به جميعا.

         إن الترحيب بجنوب أفريقيا في الجمعية العامة وفي مختلف هيئات ووكالات ومنظومات الأمم المتحدة هو بلا شك مصدر اعتزاز لنا. وهو أيضا بالنسبة للأمم المتحدة مصدر ارتياح مشروع، إذ إن المنظمة العالمية لم تأل منذ عقود جهدا في سبيل مساعدة شعب جنوب أفريقيا على الكفاح ضد الفصل العنصري وفي سبيل استعادة كرامته.

         أما اليوم، فنحن بدورنا نسأل جنوب أفريقيا أن تدعمنا في كفاحنا من أجل تحقيق السلم والتنمية في أفريقيا. نعم، إن باستطاعة جنوب أفريقيا الديمقراطية وغير العنصرية أن تساعد القارة الأفريقية في سعيها إلى تحقيق الاستقرار والتسامح والديمقراطية.

         إن الطريقة الرائعة التي علا بها مواطنو جنوب أفريقيا فوق خلافاتهم وأرسو الأسس لديمقراطية متعددة الأحزاب وغير عنصرية هي طريقة مثالية. فالشجاعة والتماسك والرؤية التاريخية المطلوبة للتغلب على الخلافات الاستثنائية وكفالة تحقيق انتقال سلمي هي أمور يجب أن تكون مصدر أمل للقارة الأفريقية بأسرها.

         إن بوسع جنوب أفريقيا أيضا، بوصفها قوة اقتصادية إقليمية، أن تسهم في تنمية القارة الأفريقية، بوسعها، علاوة على ذلك، أن تكون عامل استقرار في المنطقة.

         إن لدى جنوب أفريقيا دورا رئيسيا تضطلع به داخل الجمعية العامة. إن القارة الأفريقية، وكذلك المجتمع الدولي بأسره، يتوقعان من جنوب أفريقيا الشيء الكثير.

         لذلك، وبمشاعر السرور والأمل، وبأحاسيس عميقة حقة، أرحب اليوم بجنوب أفريقيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة!