إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



ملحق خطة للسلام
ورقة موقف مقدمة من الأمين العام بمناسبة الاحتفال
بالذكرى السنوية الخمسين لإنشاء الأمم المتحدة

A/50/60-S/1995/1، 3 كانون الثاني/ يناير 1995

أولا: مقدمة

  1. في 31 كانون الثاني/ يناير 1992، اجتمع مجلس الأمن لأول مرة على مستوى رؤساء الدول أو الحكومات. كانت الحرب الباردة قد انتهت. وكان ذلك وقت للأمل والتغيير والتوقعات الصاعدة للأمم المتحدة ومن الأمم المتحدة. وقد طلب مني أعضاء مجلس الأمن أن أعد "تحليلا وتوصيات بشأن سبل تعزيز وزيادة قدرة الأمم المتحدة، في إطار أحكام الميثاق، على الاضطلاع بالدبلوماسية الوقائية وصنع السلم وحفظ السلام" (وثيقة الأمم المتحدة S/23500). وبعد ذلك بخمسة أشهر، أي في حزيران/ يونيه 1992، قدمت تقريري المعنون "خطة للسلام" (وثيقة الأمم المتحدة A/47/277-S/24111). وقد تناول ذلك التقرير المسائل الثلاث التي طلب منى المجلس أن أبحثها والتي أضفت إليها مفهوما يتصل بها هو مفهوم بناء السلم بعد انتهاء الصراع. كما تناول التقرير تناولا عابرا مسألة إنفاذ السلم.
  2. وفي معرض تقديم توصياتي بشأن كيفية تحسين قدرة المنظمة على صون السلم والأمن، قلت إن السعي إلى إيجاد آليات وأساليب أفضل لن تكون له أهمية تذكر إلا إذا أذكت هذه الروح الجماعية الجديدة "الإدارة اللازمة لاتخاذ القرارات الصعبة التي يتطلبها هذا الوقت بما فيه من فرص سانحة"(المرجع نفسه، الفقرة 6).
  3. وقد تبين مما أعقب ذلك من مناقشة لـ "خطة للسلام" في الجمعية العامة وفي مجلس الأمن وفي برلمانات الدول الأعضاء أنه كان هناك تأييد عام للتوصيات التي تقدمت بها. وقد ساعدت تلك المناقشة، إلى جانب العملية الجديدة التي بدأت في عام 1994 لوضع "خطة للتنمية" (انظر A/48/935)، على تعزيز توافق الآراء على الصعيد الدولي على الأهمية الحاسمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية باعتبارها أرسخ أساس للسلام الدائم.
  4. ولقد تلاحقت التطورات بسرعة منذ انعقاد قمة مجلس الأمن. فقد حدثت تغيرات هائلة في حجم أنشطة الأمم المتحدة وفي طبيعة هذه الأنشطة في ميدان السلم والأمن. وأخذت تظهر مفاهيم جديدة وأكثر شمولا لتوجيه تلك الأنشطة وصلاتها بالأعمال الإنمائية. كما تجري عملية تعديل للمفاهيم القديمة. ولقد كانت هناك حالات من النجاح وأخرى من الإخفاق. واجتذبت المنظمة اهتماما كبيرا جدا من جانب وسائط الإعلام كان فيه الثناء في كثير من الأحيان وكان فيه النقد في أحيان أكثر، ولكنه ركز، في أغلب الأحيان، على واحدة أو اثنتين من عمليات حفظ السلام العديدة التي تقوم بها المنظمة حاجبا الضوء عن عمليات رئيسية أخرى وعما تبذله المنظمة من جهد هائل في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي وغيرهما من الميادين.
  5. وكل هذا يؤكد أننا لا نزال في فترة انتقال. فقد كانت نهاية الحرب الباردة بمثابة حركة هائلة في طبقات الأرض، وما زلنا نشعر بما أعقبها من هزات. وإذا كانت الأرض لم تستقر بعد تحت أقدامنا، فإننا ما زلنا نعيش عصرا جديدا يحمل آمالا كبارا بالنسبة للسلم والتنمية.
  6. وإن قدرتنا على تحقيق تلك الآمال لتتوقف على مدى حسن استفادتنا من دروس نجاح المنظمة ودروس إخفاقها في هذه السنوات الأولى من عصر ما بعد الحرب الباردة. فمعظم الأفكار الواردة في "خطة للسلام" قد ثبتت صحتها، وقليل منها لم يوضع موضع التنفيذ. على أن الغرض من ورقة الموقف هذه ليس تنقيح "خطة للسلام" أو التشكيك في الهياكل أو الإجراءات التي صمدت لاختبار الزمن. بل وليس الغرض منها أن تكون دراسة شاملة للمسائل التي يناقشها. إن الغرض منها في الواقع هو تسليط الضوء بصورة انتقائية على مجالات معينة ظهرت فيها صعوبات لم تكن متوقعة، أو لم تكن متوقعة إلا جزئيا، ويتعين فيها على الدول الأعضاء أن تتخذ "القرارات الصعبة" التي أشرت إليها منذ سنتين ونصف السنة.
  7. وهذا العام الذي تبلغ فيه المنظمة نصف قرن من عمرها يهيئ فرصة للمجتمع الدولي لمعالجة هذه المسائل ومجابهة التحدي الكبير المتصل بها وهو وضع "خطة للتنمية"، والعمل بصورة شاملة على تحديد الاتجاه الذي تريد الدول الأعضاء للمنظمة أن تسير فيه. وورقة الموقف هذه مقدمة كمساهمة في المناقشات العديدة التي آمل أن تجري خلال عام 1995، وربما فيما بعده، داخل الهيئات الحكومية الدولية وخارجها حول الأداء الحالي والدور المقبل لمنظمتنا.

ثانيا - التغيرات الكمية والنوعية

  1. لا جدال في أن أنشطة الأمم المتحدة المتصلة بصون السلم والأمن شهدت زيادة مذهلة منذ انتهاء الحرب الباردة، وهو ما تثبته بجلاء الأرقام التي يتضمنها الجدول التالي حسب الوضع القائم في ثلاثة تواريخ: 31 كانون الثاني/ يناير 1988 (حين كانت الحرب الباردة قد أخذت في الانتهاء)؛ و31 كانون الثاني/ يناير 1992 (حين انعقد أول اجتماع قمة لمجلس الأمن)؛ واليوم، عشية الاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لإنشاء الأمم المتحدة.
  2. وكان يمكن أن تؤدي هذه الزيادة في حجم النشاط إلى إجهاد المنظمة حتى لو بقيت طبيعة النشاط على حالها. على أن هذا لم يحدث نظرا لما طرأ من تغيرات نوعية تفوق في أهميتها التغيرات الكمية.
  3. من هذه التغيرات أن العديد من صراعات اليوم يدور داخل دول وليس فيما بين دول. فقد رفع انتهاء الحرب الباردة القيود التي كانت تحول دون نشوب النزاع في الاتحاد السوفيتي السابق وغيره من الدول. وكانت نتيجة ذلك أن اندلعت حروب كثيرة داخل دول حديثة عهد بالاستقلال، اتخذت في الغالب شكل حرب دينية أو إثنية كثيرا ما انطوت على عنف وقسوة غير مألوفين. ويبدو أيضا أن انتهاء الحرب الباردة قد ساهم في اندلاع مثل هذه الحروب في أفريقيا. يضاف إلى ذلك أن بعض الحروب التي خاضتها أطراف بالوكالة عن أطراف أخرى واشتعل أوُارها داخل دول بفعل الحرب الباردة لا تزال دواعيها قائمة بغير حل. وعلى العكس من ذلك قل تواتر نشوب الحرب فيما بين الدول.
  4. ي أوائل عام 1988 كانت هناك خمس عمليات لحفظ السلام، أربع منها تتصل بحروب فيما بين دول وواحدة فقط (20 في المائة من المجموع) تتصل بنزاع قائم داخل دولة. ومنذ ذلك الحين أنشئت 21 عملية، منها ثمان فقط تتصل بحروب بين دول، بينما تتصل 13 منها (62 في المائة) بمنازعات داخل دول، وإن كان بعضها، ولا سيما منها الدائر في يوغسلافيا السابقة، ينطوي أيضا على بعد يتصل بنزاع بين دول. وقد أنشئت 11 عملية منذ كانون الثاني/ يناير 1992، تتصل كلها باستثناء اثنتين منها (82 في المائة) بمنازعات داخل دول.
  5. وللنوع الجديد من المنازعات داخل الدول خصائص معينة تضع أنشطة الأمم المتحدة في مجال حفظ السلام أمام تحديات لم يظهر لهــا مثيـل منـذ عملية الكونغو في أوائل الستينات.

         فهي عادة منازعات لا تخوض غمارها الجيوش العادية وحدها وإنما يدخل في معمعتها أيضا أفراد ميليشيات ومدنيون مسلحون قليلو الانضباط ويخضعون لتسلسل قيادي سيئ التنظيم. ويغلب على هذه الحروب أن تكون حروب عصابات خطوط جبهاتها غير واضحة، ويكون المدنيون أول ضحاياها وفي الغالب هدفها الرئيسي. وتؤدي هذه الحروب إلى شيوع حالات الطوارئ الإنسانية التي لا قبل للسلطات المتحاربة، إذا جازت تسميتها بالسلطات، بالتصدي لها. إن عدد اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد ازداد من 13 مليونا في نهاية عام 1987 إلى 26 مليونا في نهاية عام 1994، أما عدد المشردين داخليا فإنه يزيد على ذلك بكثير.

بعض الأرقام الخاصة بأنشطة الأمم المتحدة المتصلة

بالسلم والأمن من عام 1988 إلى عام 1994


 

 

الوضع في 31/1/1988

الوضع في 31/1/1992

الوضع في 16/12/1994

قرارات مجلس الأمن المتخذة في الإثني عشر شهرا
السابقة

15

53

78

المنازعات والصراعات التي اضطلعت فيها الأمم
المتحدة بأنشطة في مجال الدبلوماسية الوقائية وصنع
السلم في الإثني عشر شهرا السابقة


11


13


28

عمليات حفظ السلام التي أنشئت

 

 

 

المجموع

5

11

17

النوع التقليدي

5

7

9

النوع المتعدد المهام

-

4

8

الأفراد العسكريون الذين تم نشرهم

570 9

495 11

393 73

أفراد الشرطة الذين تم نشرهم

35

155

130 2

الموظفون المدنيون الدوليون الذي يتم نشرهم

516 1

206 2

260 2

البلدان المساهمة بأفراد عسكريين وأفراد شرطة

26

56

76

ميزانية الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام (سنويا)
(بالملايين من دولارات الولايات المتحدة)

230.4

689.6 1

610.0 3(*)

البلدان التي اضطلعت فيها الأمم المتحدة بأنشطة
انتخابية في الإثني عشر شهرا السابقة

-

6

21

نظم الجزاءات التي فرضها مجلس الأمن

1

2

7

  1. ومن السمات الأخرى لهذه المنازعات انهيار مؤسسات الدولة، وبخاصة الشرطة والسلطة القضائية، مما يؤدي إلى شلل الحكم، وانعدام الأمن العام، وشيوع السرقات والفوضى. لا يقتصر الأمر على توقف مهام الحكومة، وإنما يتعداه إلى تدمير الممتلكات الحكومية أو نهبها وإلى مقتل المسؤولين ذوي الخبرة أو فرارهم من البلد. ونادرا ما يكون الحال كذلك في الحروب التي تنشب بين الدول، مما مؤداه أن التدخل الدولي يجب أن يتجاوز مجرد المهام العسكرية والإنسانية وأن يشمل تشجيع المصالحة الوطنية وإعادة تنصيب حكومة ذات فعالية.
  2. والمهمتان الأخيرتان تتطلبان وقتا ورهافة حس. والأمم المتحدة تحجم، لأسباب وجيهة، عن الاضطلاع بمسؤولية حفظ الأمن العام، كما أن ليس بوسعها أن تفرض هيكلا سياسيا جديدا أو مؤسسات حكومية جديدة. قصارى ما تستطيعه هو أن تساعد الفئات المتعادية على أن تساعد أنفسها وعلى أن تعود إلى التعايش من جديد. وكثيرا ما يتبين أن هذه الفئات ليست بعد راغبة في تلقى هذه المساعدة أو في الإسراع لحل المشاكل القائمة فيما بينها.
  3. ومثل تلك الأوضاع تجعل مهام حفظ السلام أشد صعوبة وأبهظ كلفة مما كانت عليه عندما كان هدفها الرئيسي هو رصد وقف إطلاق النار ومراقبة المناطق العازلة بموافقة الدول الداخلة في النزاع، ولهذا فإن حفظ السلام تكتنفه اليوم أخطار لا تنقطع.
  4. ومهما قلت فلن أوفي موظفي الأمم المتحدة، عسكريين ومدنيين، حقهم من الثناء والعرفان والإعجاب لما يبدونه من شجاعة ويقدمونه من تضحيات في هذه الحقبة الجديدة المفعمة بالتحديات التي يواجهها السلم والأمن. إن الأحوال التي يمارسون في ظلها مهامهم أحوال شديدة القسوة في أغلب الأحيان. ولقد جاد كثيرون منهم بأرواحهم في سبيل ذلك، وعلى الكثيرين منهم أن يواصلوا المسيرة رغم ثكلهم لأهلهم وأصدقائهم.
  5. ولا بد أيضا من التسليم بأن الزيادة الهائلة في الانتشار الميداني يجب أن يتحمل أعباءها موظفو مقر الأمم المتحدة المثقلين بالعمل والذين حمل ضيق الموارد على إبقاء أعدادهم على مستويات كانت مناسبة في حقبة سابقة مطالبها أقل من مطالب اليوم بكثير.
  6. والتغير النوعي الثاني هو استخدام قوات الأمم المتحدة في حماية العمليات الإنسانية. إن الوكالات الإنسانية تجاهد في تقديم النجدة لضحايا الحرب المدنيين حيثما وجدوا، والأطراف المتحاربة تعمل غالبا على جعل مهمة تلك الوكالات صعبة أو مستحيلة. وسبب ذلك أحيانا هو مقتضيات الحرب وإن كان يرجع في الغالب إلى أن تقديم الغوث لسكان بعينهم يتعارض مع مقاصد الحرب التي يبتغيها طرف أو آخر من أطراف النزاع. كما يتزايد نزوع المتحاربين إلى تحويل إمدادات الإغاثة إلى خدمة أغراضهم. ولما كانت رحى الحرب تدور في إطار منازعات داخل دول، فإن الوكالات الإنسانية كثيرا ما تضطر إلى ممارسة مهامها في ظل أحوال تسودها الفوضى ولا سلطان فيها لقانون على النحو الموصوف أعلاه. وفي بعض تلك الحالات وليس كلها تتفجر الأهوال الناجمة عن تلك الحروب على شاشات تليفزيون العالم وتمارس ضغطا سياسيا على الأمم المتحدة لكي ترسل قوات لتسهيل العمليات الإنسانية وحمايتها. وتلك الصور يمكن أن تساهم في استجماع الدعم للعمل الإنساني، إلا أن تلك المشاهد قد تعمل أيضا على إيجاد بيئة مشحونة تجعل من اتخاذ قرارات لها فعاليتها أمرا بالغ الصعوبة.
  7. قد أدى ذلك في البوسنة والهرسك وفي الصومال إلى خروج عمليات للأمم المتحدة من نوع جديد إلى حيز الوجود. فرغم أن الفصل السابع من الميثاق يجيز استخدام القوة، فإن الأمم المتحدة تبقى على تجردها وحيادها بين الأطراف المتحاربة، دون تكليف بوقف المعتدى (إذا أمكن معرفة هويته) أو بفرض توقف الأعمال العدائية. ولم تعد تلك العمليات هي العمليات التي كانت معهودة في حفظ السلام، لأن العداوات تتواصل وغالبا ما لا يكون هناك اتفاق بين الأطراف المتحاربة يمكن الارتكان إليه في تحديد مهمة حفظ السلام. ومن الحالات المشابهة مفهوم المناطق الآمنة في البوسنة والهرسك، التي تضع أيضا على كاهل الأمم المتحدة مهمة إنسانية يرخص فيها باستخدام القوة وإن كان ذلك لأغراض محدودة ومحلية وليس لإنهاء الحرب.
  8. والتغير الثالث حدث في طبيعة عمليات الأمم المتحدة الميدانية. لقد كانت عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام إبان الحرب الباردة ذات طابع عسكري إلى حد كبير وكان يتم القيام بها عادة في أعقاب وقف إطلاق النار ولكن قبل التفاوض على تسوية النزاع القائم. والواقع أن أحد أهم مقاصد تلك العمليات كان تهيئة الظروف التي يمكن أن تجري في ظلها المفاوضات حول التسوية. وفي أواخر الثمانينيات خرجت إلى حيز الوجود عمليات لحفظ السلام من نوع جديد، إذ كان إنشاؤها يتم بعد نجاح المفاوضات، وكانت تكلف بمساعدة الأطراف على تنفيذ التسوية الشاملة التي تفاوضوا عليها. وقد أنشئت عمليات من هذا القبيل في ناميبيا وأنجولا والسلفادور وكمبوديا وموزمبيق وحققت نجاحا ملحوظا في معظم الحالات.
  9. ولم تكن التسويات التي يجري التفاوض عليها تنطوي على مجرد الترتيبات العسكرية وإنما كانت تنطوي أيضا على طائفة واسعة من الأمور المدنية. وكانت نتيجة ذلك أن الأمم المتحدة ألفت نفسها مطالبة بالاضطلاع بمجموعة مختلفة من المهام التي لم يسبق لها نظير: الإشراف على وقف إطلاق النار؛ وإعادة تجميع القوات وتسريحها، وإعادة إدماجها في الحياة المدنية وتدمير أسلحتها، ووضع برامج لإزالة الألغام وتنفيذها؛ وإعادة اللاجئين والمشردين؛ وتقديم المساعدة الإنسانية، والإشراف على الهياكل الإدارية القائمة؛ وإنشاء قوات جديدة للشرطة؛ والتحقق من احترام حقوق الإنسان؛ ورسم إصلاحات دستورية وقضائية وانتخابية والإشراف على تنفيذها؛ ومراقبة الانتخابات والإشراف عليها بل وتنظيمها وإجراؤها؛ وتنسيق تقديم الدعم لإصلاح الاقتصاد وإعادة بنائه.
  10. ورابعا، فإن هذه العمليات المتعددة المهام في مجال حفظ السلام قد أبرزت الدور الذي تستطيع الأمم المتحدة أن تقوم به بعد تنفيذ تسوية تم التوصل إليها عن طريق التفاوض. وأصبح من المسلم به الآن أن تنفيذ التسوية في الوقت المحدد قد لا يكون كافيا لضمان عدم عودة النزاع إلى الاشتعال. فالأمر يتطلب برامج منسقة على مدار عدد من السنوات وفي ميادين مختلفة لضمان اجتثاث الأسباب الأصلية التي أدت إلى نشوب الحرب. وينطوي ذلك على بناء مؤسسات وطنية، والنهوض بحقوق الإنسان، وإنشاء قوات للشرطة الوطنية، وغير ذلك من التدابير في الميدان السياسي. وحسب ما أشرت إليه في "خطة للتنمية"(1)، فإن بذل جهود متواصلة لحل المشاكل الاجتماعية - الاقتصادية والثقافية والإنسانية التي كانت سببا، في النزاع هو وحده الكفيل بإرساء أساس دائم للسلام الذي يتم التوصل إليه.

ثالثا - وسائل صون السلم والأمن

  1. استحدثت الأمم المتحدة مجموعة من الوسائل للحد من المنازعات فيما بين الدول وداخلها ولتسوية تلك المنازعات. وأهم هذه الوسائل: الدبلوماسية الوقائية؛ وصنع السلم؛ وحفظ السلام؛ وبناء السلم؛ ونزع السلاح؛ والجزاءات، وإنفاذ السلم. ولا يمكن استخدام الوسائل الثلاث الأولى إلا بموافقة أطراف النزاع. أما الجزاءات وإنفاذ السلم فهي، من ناحية أخرى، تدابير قسرية، وبالتالي لا تتطلب، بحكم تعريفها، موافقة الطرف الذي يتعلق به الأمر. ويمكن تحقيق نزع السلاح على أساس يتفق عليه أو في إطار إجراء قسري يتخذ بموجب الفصل السابع.
  2. ولا تحتكر الأمم المتحدة أيا من هذه الوسائل ولا تدعي احتكارها. وتستطيع المنظمات الإقليمية، أو مجموعات الدول التي تتشكل لغرض معين، أو فرادى الدول، استخدام جميع هذه الوسائل، وقد تم بالفعل استخدام معظمها، على أن الأمم المتحدة تملك خبرة فريدة بهذه الوسائل وإليها يلجأ المجتمع الدولي بصورة متزايدة منذ نهاية الحرب الباردة. كما أن منظومة الأمم المتحدة مهيأة أكثر من المنظمات الإقليمية أو أي من الدول الأعضاء لوضع وتطبيق النهج الشامل والطويل الأجل اللازم لضمان التسوية الدائمة للمنازعات.
  3. على أن ما يتصور من قصور في أداء الأمم المتحدة للمهام الموكلة إليها قد جعل بعض الدول الأعضاء على ما يبدو تميل مؤخرا إلى البحث عن وسائل أخرى، وذلك بصورة خاصة وإن كانت غير حصرية، عندما يكون الانتشار السريع لقوات كبيرة أمرا لازما. وعلى ذلك فإن من الضروري إيجاد طرق تمكن الأمم المتحدة من الاضطلاع على نحو أفضل بالأدوار التي توخاها لها الميثاق.

ألف ـ الدبلوماسية الوقائية وصنع السلم

  1. من الواضح أن من الأفضل منع وقوع المنازعات عن طريق الإنذار المبكر والدبلوماسية الهادئة، وعن طريق الانتشار الوقائي في بعض الحالات، بدلا من الاضطرار إلى بذل جهود سياسية - عسكرية كبيرة لتسوية هذه المنازعات بعد اندلاعها. وقد كلفني مجلس الأمن في بيانه المؤرخ 31 كانون الثاني/ يناير 1992(وثيقة الأمم المتحدة S/23500) بإعطاء الأولوية للأنشطة الوقائية وأنشطة صنع السلم. وبناء على ذلك أنشأت إدارة للشؤون السياسية للاضطلاع بمجموعة من المهام السياسية كانت تضطلع بها فيما سبق جهات مختلفة في الأمانة العامة. وقد مرت هذه الإدارة منذ إنشائها بمراحل متتالية من إعادة التشكيل، وهى الآن منظمة على نحو يسمح لها بمتابعة التطورات السياسية عل صعيد العالم كله، بحيث تكون قادرة على توفير الإنذار المبكر بالنسبة للمنازعات الوشيكة وتحليل إمكانية اللجوء إلى إجراء وقائي تتخذه الأمم المتحدة وإمكانية اتخاذ إجراءات تساعد في تسوية المنازعات القائمة.
  2. وقد أثبتت التجربة أن أكبر عقبة أمام نجاح هذه المساعي ليست، كما يفترض على نطاق واسع، افتقار الأمم المتحدة إلى المعلومات أو القدرة التحليلية أو الأفكار اللازمة للقيام بمبادرات. فكثيرا ما يعيق النجاح منذ البداية تردد طرف أو الآخر في قبول مساعدة الأمم المتحدة. ويصدق هذا على المنازعات بين الدول صدقه على المنازعات الداخلية، بالرغم من أن أي إجراء تتخذه الأمم المتحدة في الحالة الأولى يكون متمشيا تماما مع الميثاق بينما يتعين في الحالة الثانية أن يكون هذا الإجراء متفقا مع الفقرة 7 من المادة 2.
  3. وحين تتصرف الدول الأعضاء مجتمعة فإنها تشجع الأمين العام على القيام بدور نشط في هذا المجال؛ ولكنها حين تتصرف منفردة تتردد في كثير من الأحيان في قيامه بذلك عندما تكون طرفا في النزاع ومن الصعب معرفة الطريقة التي يمكن بها التغلب على هذا التردد. فمن الواضح أن الأمم المتحدة لا تستطيع أن تفرض خدماتها الوقائية أو خدماتها في مجال صنع السلم على الدول الأعضاء غير الراغبة فيها. ويعتبر طلب الدول لأي إجراء تتخذه الأمم المتحدة، أو على الأقل قبولها به، شرطا لازما من الناحية القانونية والسياسية. والحل لا يمكن إلا أن يكون حلا طويل الأجل. وقد يكمن هذا الحل في خلق رأي عام أو مزاج عام في المجتمع الدولي تكون القاعدة السائدة فيه هي قبول الدول الأعضاء لما تعرضه الأمم المتحدة من مساع حميدة.
  4. وقد برزت أيضا في هذا المجال مشكلتان على الصعيد العملي. ونظرا لما أعربت عنه الدول الأعضاء تكرارا من تأييد للدبلوماسية الوقائية وصنع السلم، فإنني أغتنم هذه الفرصة فأوصي باتخاذ إجراء مبكر لحل هاتين المشكلتين.
  5. والمشكلة الأولى هي صعوبة العثور على أشخاص ذوى مكانة يتمتعون بمهارات دبلوماسية ويكونون على استعداد للعمل لفترة من الوقت كممثلين خاصين أو مبعوثين خاصين للامين العام. فنتيجة لعمليات تبسيط الهياكل على المستويات العليا في الأمانة العامة لم تعد تتوافر القدرات الزائدة التي كانت موجودة بها في السنوات السابقة.
  6. وتتصل المشكلة الثانية بإنشاء وتمويل بعثات ميدانية صغيرة لأغراض الدبلوماسية الوقائية وصنع السلم، وثمة إجراءات مقبولة ومجربة للقيام بذلك بالنسبة لعمليات حفظ السلام. ويلزم وجود إجراءات مماثلة بالنسبة للدبلوماسية الوقائية وصنع السلم. وبالرغم من أن المبعوثين الخاصين يستطيعون إنجاز الكثير خلال زياراتهم، فإن من الممكن تعزيز قدرتهم إلى حد كبير إذا توافرت الاستمرارية عن طريق وجود بعثة دعم صغيرة في الميدان على أساسا التفرغ. وليس للدول الأعضاء تصور واضح لما إذا كانت السلطة التشريعية المتصلة بهذه المسائل يملكها مجلس الأمن أو تملكها الجمعية العامة، كما أن الإجراءات الحالية فيما يتعلق بوضع الميزانيات ليست مكيفة تكييفا جيدا لتلبية هذه الحاجة.
  7. وثمة حلان ممكنان. الأول هو أن يدرج في الميزانية العادية اعتماد للطوارئ، قد يكون بمستوى 25 مليون دولار تقريبا لفترة السنتين، يخصص لهذه الأنشطة. والثاني هو زيادة الاعتماد الحالي المخصص للأنشطة غير المتوقعة والأنشطة غير العادية وإتاحته لجميع الأنشطة الوقائية وأنشطة صنع السلم وليس فقط للأنشطة المتصلة بصون السلم والأمن الدوليين حسب تعريفهما الضيق.

باء ـ حفظ السلام

  1. يمكن للأمم المتحدة أن تفخر بالسرعة التي تطور بها حفظ السلام استجابة للبيئة السياسية الجديدة التي نشأت نتيجة لانتهاء الحرب الباردة. غير أن السنوات القليلة الأخيرة قد أكدت أن احترام بعض المبادئ الأساسية المتعلقة بحفظ السلام أمر أساسي لنجاحها. وهناك ثلاثة مبادئ ذات أهمية خاصة وهي موافقة الأطراف وعدم التحيز وعدم استخدام القوة إلا دفاعا عن النفس. ويبين تحليل حالات النجاح وحالات الإخفاق في الفترة الأخيرة أن هذه المبادئ قد جرى احترامها في جميع حالات النجاح وأن معظم العمليات الأقل نجاحا لم يكن يحترم فيها مبدأ أو آخر من هذه المبادئ.
  2. وهناك نواح ثلاث للولايات الأخيرة أدت، بوجه خاص، إلى عدم الأخذ في عمليات حفظ السلام بمبدأ موافقة الأطراف و/أو إلى التصرف بأسلوب فهم على أنه أسلوب متحيز و/أو استخدام القوة في غير الدفاع عن النفس. وكانت هذه النواحي هي مهام حماية العمليات الإنسانية أثناء استمرار الحرب، وحماية السكان المدنيين في مناطق اعتبرت مناطق آمنة والضغط على الأطراف للتوصل إلى مصالحة وطنية على نحو أسرع مما هي على استعداد لقبوله. ويمكن التعلم من حالتي الصومال والبوسنة والهرسك في هذا الصدد.
  3. ففي كلتا الحالتين، أسندت إلى عمليات حفظ السلام القائمة ولايات إضافية كانت تقتضي استخدام القوة ومن ثم لم يكن من الممكن الجمع بينها وبين الولايات القائمة التي تقتضي موافقة الأطراف وعدم التحيز وعدم استخدام القوة. ولم يكن من الممكن أيضا تنفيذ هذه العمليات من غير قدرات عسكرية أقوى بكثير مما كان متاحا في حالة يوغسلافيا السابقة. والواقع أنه ليس في عملية حفظ السلام ما هو أخطر من أن يطلب إليها استخدام القوة في وقت لا تستطيع فيه ذلك بسبب تكوينها وتسليحها وما يتوافر لها من دعم سوقي وطريقة انتشارها. وينطلق منطق حفظ السلام من مقدمات سياسية وعسكرية تختلف تماما عن المقدمات التي يستند إليها الإنفاذ؛ وديناميكيات الإنفاذ لا تتمشى مع العملية السياسية التي يراد بحفظ السلام تيسيرها. وطمس الفرق بين  الأمرين يمكن أن يقوض إمكانية تنفيذ عملية حفظ السلام وأن يعرض أفرادها للخطر.
  4. إن المشاكل الدولية لا يمكن أن تُحل بسرعة أو في غضون وقت محدود. فالمنازعات التي يطلب إلى الأمم المتحدة حلها تكون عادة عميقة الجذور وتكون عادة قد استعصت على جهود لحفظ السلام بذلها آخرون. وحل هذه المنازعات يقتضي دبلوماسية متذرعة بالصبر. وإنشاء عملية سياسية تتيح، في غضون فترة من الوقت، بناء الثقة والتوصل من خلال التفاوض إلى حلول لخلافات دامت أجلا طويلا. وكثيرا ما تصادف هذه العمليات إحباطات ونكسات، وهي تستغرق، في كل الأحوال تقريبا، وقتا أطوال مما هو مأمول فيه. ومن الضروري عدم الانصياع لإغراء استخدام القوة العسكرية للإسراع بهذه العمليات. فحفظ السلام واستخدام القوة (في غير الدفاع عن النفس) ينبغي أن ينظر إليهما على أنهما أسلوبان بديلان لا على أنهما نقطتان متجاورتان على خط ممتد يتاح الانتقال عليه بسهولة من نقطة إلى أخرى.
  5. وفي حفظ السلام أيضا ظهر عدد من المصاعب العملية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وخاصة فيما يتعلق بالقيادة والتحكم وتوافر القوات والمعدات والقدرة الإعلامية لعمليات حفظ السلام.
  6. وفيما يتعلق بالقيادة والتحكم، فإن من المفيد التفرقة بين ثلاثة مستويات للسلطة:

(أ)

التوجيه السياسي العام، الذي يدخل في اختصاص مجلس الأمن؛

(ب)

التوجيه والقيادة التنفيذيان اللذان تقع المسؤولية عنهما على كاهل الأمين العام؛

(ج)

القيادة الميدانية المسندة من الأمين العام إلى رئيس البعثة (الممثل الخاص أو قائد القوة/ كبير المراقبين العسكريين).

         ويجب دائما مراعاة الفروق بين هذه المستويات الثلاثة تلافيا لأي تداخل في المهام والمسؤوليات. فإذا كان من غير المناسب أن يأخذ رئيس البعثة على عاتقه صياغة الأهداف السياسية العامة لبعثته، فإن من غير المناسب أيضا أن يقوم مجلس الأمن أو الأمين العام في نيويورك بالبت في المسائل التي يلزم للبت فيها فهم مفصل لظروف التنفيذ في الميدان.

  1. وقد كان هناك نزوع متزايد في السنوات الأخيرة لقيام مجلس الأمن بإدارة دقائق عمليات حفظ السلام. وبالنظر إلى أهمية المسائل المعرضة للخطر وإلى حجم الموارد الموفرة لعمليات حفظ السلام، فإن من الصائب والملائم أن يرغب مجلس الأمن في التشاور معه عن كثب وفي إحاطته علما. وقد تحسنت بدرجة كبيرة الإجراءات الهادفة إلى كفالة ذلك. وللمساعدة في إحاطة المجلس علما بشأن آخر التطورات، قمت بتعيين أحد مستشاري الخاصين ممثلا شخصيا لي لدى المجلس. وعلى أنه يتعين التسليم فيما يتعلق بالإعلام، بأنه في حالة الغموض والتشوش الحتمية التي تكتنف الظروف القريبة من ظروف الحرب والتي كثيرا ما يجد حفظه السلام أنفسهم فيها، مثلما هي الحال في أنجولا وكمبوديا والصومال ويوغسلافيا السابقة، يحتاج الأمر إلى وقت للتحقق من دقة التقارير الأولية. وإنه لأمر مفهوم أن يكون رؤساء البعثات أكثر تحفظا من وسائط الإعلام لدى إذاعة أية وقائع لم يتم بعد التيقن تماما من صحتها.
  2. وإنه لأمر مفهوم أيضا أن تكون الحكومات المساهمة بقوات، وهي المسؤولة أمام برلماناتها وأمام الناخبين عن سلامة قواتها، حريصة على أن تزود بالمعلومات الكاملة، وخاصة عندما تواجه العملية التي يتعلق بها الأمر مصاعب. وقد سعيت جاهدا إلى الاستجابة لشواغل هذه الحكومات عن طريق تنظيم جلسات إحاطة إعلامية دورية لها وبإشراكها في حوار بشأن إدارة العملية التي يتعلق بها الأمر. وقد ضمت هذه الاجتماعات أعضاء من مجلس الأمن كما قرر المجلس مؤخرا إعطاء الصفة الرسمية لها. ومن المهم ألا يؤدي ذلك إلى أي طمس للفروق بين المستويات المختلفة للسلطة المشار إليها أعلاه.
  3. ومن المبادئ الهامة الأخرى مبدأ وحدة القيادة. فقد أكدت الخبرة المكتسبة في الصومال مرة أخرى ضرورة أن تؤدي عملية حفظ السلام مهامها ككل متكامل. ويزداد إلحاح هذه الضرورة عندما تعمل البعثة في ظروف خطرة. ولا يجب أن تتاح للأطراف أية فرصة لتقويض تماسك العملية عن طريق اختصاص بعض الوحدات بالمعاملة الحسنة واختصاص وحدات أخرى بالمعاملة السيئة. ويجب أيضا ألا تحاول الحكومات المساهمة بقوات إصدار التوجيهات، فضلا عن إعطاء الأوامر، لقواتها بشأن مسائل تنفيذية. فذلك يؤدي إلى الانقسام داخل القوة ويضيف إلى المصاعب الموجودة أصلا في عملية متعددة الجنسيات ويزيد من خطر سقوط القتلى أو الجرحى. ويمكن أن يؤدي ذلك أيضا إلى إيجاد انطباع لدى الأطراف بأن العملية تخدم أهداف سياسيات الحكومات المساهمة بقوات بدلا من خدمة الإرادة الجماعية للأمم المتحدة كما صاغها مجلس الأمن. وهذه الانطباعات تؤدي حتما إلى تقويض شرعية العملية وفعاليتها.
  4. وبناء على ذلك فقد صدرت بطبيعة الحال، تعليمات للقادة الميدانيين بأن يتشاوروا مع قادة الوحدات الوطنية للتأكد من فهمهم للنهج العام لمجلس الأمن وللدور المسند إلى وحداتهم. على أن هذه المشاورات ينبغي ألا تتحول إلى مفاوضات بين القائد الميداني والحكومات المساهمة بقوات، التي يتعين دائما أن يكون شريكها في المفاوضات هو الأمانة العامة في نيويورك.
  5. وفيما يتعلق بتوافر القوات والمعدات، فإن المشاكل قد غدت، وبصورة مطردة، على قدر أكبر من الخطورة. فقد قل المتاح بدرجة واضحة إذا قيس باحتياجات المنظمة. وقد بذل جهد كبير للتوسع في الترتيبات الاحتياطية وإحكامها. غير أن هذه الترتيبات لا توفر أي ضمان بأنه سيتم توفير القوات اللازمة لعملية بعينها. وعلى سبيل المثال، فإنه عندما قرر مجلس الأمن في أيار/ مايو 1994 توسيع بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى رواندا، لم توافق على المساهمة أية حكومة من الحكومات التسع عشرة التي كانت في ذلك الوقت قد تعهدت بتوفير قوات احتياطية.
  6. وقد خلصت، في ظل هذه الظروف، إلى أنه يتعين أن تنظر الأمم المتحدة بجدية في فكرة تكوين قوة للرد السريع. وستكون هذه القوة هي القوة الإستراتيجية الاحتياطية لمجلس الأمن التي يقوم بنشرها عندما تنشأ حاجة طارئة إلى قوات لحفظ السلام. ويمكن أن تتشكل هذه القوة من وحدات بحجم الكتيبة يقدمها عدد من البلدان. وعندئذ يجرى تدريب هذه الوحدات بمستويات واحدة، وتستخدم في عملها إجراءات واحدة، وتجهز بمعدات اتصال متكاملة، وتشترك في تدريبات مشتركة على فترات منتظمة. وتتمركز هذه القوات في بلدانها ولكنها تظل على درجة عالية من التأهب، وبطبيعة الحال فإن قيمة هذا الترتيب تتوقف على مدى اطمئنان مجلس الأمن إلى أن هذه القوة ستكون متاحة فعلا عندما تنشأ حالة طوارئ. وسيكون هذا الترتيب معقدا ومكلفا، ولكنني أعتقد أن الوقت قد حان للاضطلاع به.
  7. ومسألة المعدات والتدريب الكافي هي مجال آخر تتزايد بالنسبة له الشواغل. والمبدأ هو أن تكفل الحكومات المساهمة وصول قواتها مزودة بجميع معداتها اللازمة بحيث تكون مستعدة تمام الاستعداد للعمل. على أن الدول الأعضاء أخذت على نحو متزايد تقدم قوات غير مجهزة بما هو ضروري من المعدات والتدريب. وتضطر الأمم المتحدة، في غياب البدائل وتحت الضغط، إلى شراء المعدات من الأسواق أو الحصول عليها من خلال التبرعات المقدمة من دول أعضاء أخرى. ويلزم وقت إضافي لكي تتعلم القوات التي يتعلق بها الأمر استخدام هذه المعدات، التي كثيرا ما تصادفها القوات لأول مرة. ويمكن تصور عدد من التدابير التي يمكن بها التصدي لهذه المشكلة، ومنها، على سبيل المثال، تكوين الأمم المتحدة لمخزون احتياطي من معدات حفظ السلام المعتادة، كما تكرر اقتراحه، وإنشاء أنماط من المشاركة بين الحكومات التي تحتاج إلى هذه المعدات والحكومات التي هي على استعداد لتوفيرها.
  8. ومن الدروس الأخرى المستفادة من تجارب الفترة الأخيرة أن عمليات حفظ السلام، وخاصة العمليات المضطلع بها في ظل ظروف صعبة، تحتاج إلى قدرة إعلامية فعالة، وذلك لتتمكن هذه العمليات من شرح مهمتها للسكان، والقيام، من خلال إتاحة مصدر معلومات موثوق به ومحايد، بمجابهة المعلومات الكاذبة التي تنشر عنها، حتى من جانب الأطراف ذاتها. والإذاعة هي أكثر وسائط الإعلام فعالية في أداء هذا الغرض. ففي جميع العمليات التي توافرت لها قدرة إعلامية، بما في ذلك الإذاعة، ولو في وقت متأخر، كان هناك تسليم بأن ذلك أسهم إسهاما لا تقدر قيمته في نجاح العملية. وقد أصدرت تعليمات بأن يبحث في وقت مبكر لدى التخطيط لأية عمليات مستقبلا احتمال الحاجة إلى قدرة إعلامية وبأن تدرج الموارد الضرورية في الميزانية المقترحة.

جيم ـ بناء السلم بعد انتهاء الصراع

  1. حظي مفهوم بناء السلم بعد انتهاء الصراع بإقرار واسع النطاق بوصفه مفهوما صحيحا. والتدابير التي يمكن أن تستخدم في هذا المجال ـ وهي كثيرة ـ يمكن أيضا أن تدعم الدبلوماسية الوقائية. فنزع السلاح، وتحديد الأسلحة الصغيرة، والإصلاح المؤسسي، وتحسين أجهزة الشرطة والقضاء، ورصد حقوق الإنسان، والإصلاح الانتخابي، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن يكون لها من القيمة في منع الصراع ما يوازي قيمتها في تضميد الجراح بعد وقوع الصراع.
  2. على أن تنفيذ بناء السلم بعد انتهاء الصراع يمكن أن يكون مهمة معقدة. فهو يقتضي اتخاذ تدابير متكاملة وإتمام معاملات حساسة بين الأمم المتحدة وأطراف النزاع الذي يضطلع بصدده بأنشطة بناء السلم.
  3. وهنالك نوعان من الحالات جديران بالنظر في هذا المجال. النوع الأول يحدث عندما يكون قد جرى التفاوض على تسوية شاملة، تتضمن تدابير سياسية واقتصادية واجتماعية طويلة الأجل لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، وتوكل عملية التحقق من تنفيذ تلك التسوية إلى عملية لحفظ السلام متعددة المهام. أما النوع الثاني فيوجد عندما يضطلع ببناء السلم ـ سواء أكان وقائيا أم تاليا لانتهاء الصراع ـ بشأن صراع محتمل أو صراع ماض، دون وزع أية عملية لحفظ السلام. وفي كلتا الحالتين، يكون الهدف الأساسي هو إنشاء الهياكل اللازمة لتوطيد السلام توطيدا مؤسسيا.
  4. والحالة الأولى هي أسهل الحالتين إدارة. ففيها يكون المدخل قد توافر بالفعل للأمم المتحدة بقبول الأطراف لدورها في صنع السلم وحفظ السلام. وستكون لدى عملية حفظ السلام بالفعل ولاية الشروع في أنشطة بناء السلم المختلفة، ولا سيما العملية البالغة الأهمية المتمثلة في إعادة دمج المحاربين السابقين في الأنشطة المدنية الإنتاجية.
  5. وحتى في هذه الحالة، فإن العناصر السياسية التي لا يروق لها اتفاق السلام الذي أبرمته حكومتها (ولا نشاط التحقق المنصوص في الاتفاق على أن تضطلع به الأمم المتحدة) قد تستاء من وجود الأمم المتحدة وتترقب رحيلها بفارغ الصبر. وقد تجد شواغل هذه العناصر صدى لدى الدول الأعضاء التي تخشى على الأمم المتحدة من خطر الانزلاق إلى دور يكون فيه مساس بسيادة البلد الذي يتعلق به الأمر، ولدى الدول الأعضاء الأخرى التي قد تكون غير مرتاحة للآثار المترتبة من حيث الموارد على أي التزام طويل الأجل لبناء السلم.
  6. ومن ثم يجب أن يعالج بكل دقة توقيت وطرائق مغادرة عملية حفظ السلام ونقل مهامها في مجال بناء السلم إلى غيرها، وذلك بأوفى قدر ممكن من التشاور مع الحكومة المعنية. ويجب أن يكون الموضع الأسمى لرغبات هذه الحكومة؛ ولكن من حق الأمم المتحدة، وقد أنفقت كثيرا من الجهد في المساعدة على إنهاء النزاع، أن تعرب عن آرائها، وأن تسدي المشورة بشأن الخطوات التي يمكن للحكومة أن تتخذها لتقليل خطر فقدان ما أنجز في هذا المجال. ويلزم أن تراعى أيضا في هذا التوقيت وهذه الطرائق ما يتبقى من أنشطة التحقق التي تظل الأمم المتحدة مسؤولة عنها.
  7. ويقع معظم الأنشطة التي تشكل معا بناء السلم في نطاق ولايات مختلف البرامج والصناديق والمكاتب والوكالات التابعة لمنظومة الأمم المتحدة ذات المسؤولية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ومجال حقوق الإنسان. وفي ظروف الدمار الذي يكون قد لحق ببلد ما من جراء الحرب، يمكن في البداية إسناد مهمة استئناف هذه الأنشطة ـ أو مهمة تنسيقها على الأقل ـ إلى عملية لحفظ السلام متعددة المهام. ولكن مع نجاح تلك العملية في إعادة الأحوال إلى طبيعتها، يمكن للبرامج والصناديق والمكاتب والوكالات أن تستأنف نشاطها، وأن تتسلم تدريجيا زمام المسؤولية من أيدي القائمين بحفظ السلام، مع قيام المنسق المقيم في الوقت المناسب بتولي مهام التنسيق المسندة مؤقتا إلى الممثل الخاص للأمين العام.
  8. وقد يلزم في تلك الحالات أيضا ترتيب أمر نقل مسؤولية اتخاذ القرار من مجلس الأمن، الذي سيكون قد أذن بولاية عملية حفظ السلام وبوزعها، على الجمعية العامة أو إلى هيئات حكومية دولية أخرى تقع على عاتقها المسؤولية عما سيستمر من أنشطة بناء السلم المدنية. وستكون لتوقيت عملية النقل هذه أهمية خاصة لدى بعض الدول الأعضاء، بسبب ما يترتب عليه من آثار مالية. ويتعين البت في كل حالة بناءا على مقتضياتها على أن يكون المبدأ المسترشد به في هذا الصدد هو أنه لا ينبغي أن يسمح للاعتبارات المؤسسية أو المتعلقة بالميزانية أن تعرض للخطر استمرارية جهود الأمم المتحدة في الميدان.
  9. والحالة الأصعب من هذه هي التي يرى فيها أن أنشطة بناء السلم بعد انتهاء الصراع (أو الأنشطة الوقائية) لازمة في بلد لا توجد فيه بالفعل ولاية للأمم المتحدة لصنع السلم أو حفظ السلام. فمن الذي يعين عندئذ مدى الحاجة إلى هذه التدابير ويقترحها على الحكومات؟ وإذا اقتصرت التدابير حصرا على المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، فمن المرجح أن تقع في نطاق اختصاص المنسق المقيم، وبذلك يمكنه أن يوصى الحكومة باتخاذها. على أنه حتى إذا توافر للمنسق المقيم اختصاص رصد وتحليل جميع مؤشرات أزمة سياسية وأمنية وشيكة الوقوع ـ ونادرا ما يكون الأمر كذلك ـ فهل يمكنه أن يتصرف دون أن تناله تهمة تجاوز ولايته بتولي مهام سياسية، خصوصا إذا كانت التدابير المقترحة تتصل بمجالات مثل الأمن أو الشرطة أو حقوق الإنسان؟
  10. وفي ظل تلك الظروف، يتعين أن يضطلع بمسؤولية التنبيه المبكر مقر الأمم المتحدة، مستخدما كل المعلومات المتاحة له، بما في ذلك تقارير المنسق المقيم التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وغيره من موظفي الأمم المتحدة الموجودين في البلد الذي يتعلق به الأمر. وعندما يستخلص من تلك المعلومات ما ينذر بأن أزمة توشك أن تقع، يمكن للأمين العام ـ من منطلق ولايته العامة في مجال الدبلوماسية الوقائية وصنع السلم وبناء السلم ـ أن يبادر إلى إيفاد بعثة، بموافقة الحكومة، لتناقش معها ما يمكن أن تتخذه من تدابير مجدية.

دال ـ نزع السلاح

  1. أكد أعضاء مجلس الأمن في اجتماع القمة الذي عقدوه في 31 كانون الثاني/ يناير 1992، اهتمامهم وانشغالهم بنزع السلاح، وتحديد الأسلحة، وعدم انتشار الأسلحة، مع الإشارة بوجه خاص إلى أسلحة الدمار الشامل. والتزموا باتخاذ تدابير ملموسة لتعزيز فعالية الأمم المتحدة في تلك المجالات.
  2. وقد تم إحراز تقدم كبير منذ كانون الثاني/ يناير 1992. ولا تزال الدول تتقيد إلى حد كبير بوقف التجارب النووية. وقرر مؤتمر نزع السلاح في النهاية الشروع في مفاوضات بشأن إبرام معاهدة للحظر الشامل للتجارب النووية. وأوصت الجمعية العامة بالتفاوض بشأن إبرام معاهدة لحظر إنتاج المواد الإنشطارية. ويجري بذل جهود لتعزيز اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والتكسينية وتدمير تلك الأسلحة (القرار 2826 (د-26)، المرفق) التي صدق عليها 131 بلدا، وذلك من خلال وضع آليات للتحقق. ووقع على اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير تلك الأسلحة(2) 159 بلدا، غير أنها لم تدخل بعد حيز النفاذ ريثما يصدق عليها العدد المطلوب من البلدان الموقعة وهو 65 بلدا. وانضم عدد كبير من البلدان إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (القرار 2373 (د-22)، المرفق).
  3. وإنني أعلق أهمية خاصة على نجاح اختتام المؤتمر المقبل لأطراف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. ومن الأهمية بمكان كذلك أن تدخل اتفاقية الأسلحة الكيميائية حيز النفاذ في أقرب وقت ممكن. ومن الضروري المحافظة على الزخم الذي تحقق في جميع هذه المجالات. وينبغي العثور على حلول للتوفيق بين نقل التكنولوجيا والتدابير الضرورية للحيلولة دون إساءة استخدامها للأغراض العسكرية.
  4. وهذه القضايا ذات أهمية قصوى بالنسبة لأمن البشرية وكذلك بالنسبة للإفراج عن الموارد الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية الضرورية للسلم وتقدم البشرية. على أنني أود أن أركز في هذه الورقة المكرسة في الواقع لبحث الخبرة التي اكتسبتها المنظمة مؤخرا في معالجة نزاعات محددة، على ما يمكن تسميته "نزع السلاح على نطاق صغير". وأعني بذلك نزع السلاح العملي فيما يتعلق بالمنازعات التي تعالجها حاليا الأمم المتحدة والأسلحة التي هي في معظمها أسلحة خفيفة والتي تستعمل بالفعل لقتل المئات والآلاف من الأشخاص.
  5. وتتجلى الأهمية المعاصرة لنزع السلاح على نطاق صغير في الانتشار الهائل للأسلحة الهجومية الأوتوماتيكية والألغام المضادة للأفراد وغيرها. وقد قدرت السلطات المختصة أن بلايين الدولارات تنفق سنويا على الأسلحة الخفيفة وهو مبلغ يمثل ما يقرب من ثلث القيمة الإجمالية لتجارة الأسلحة في العالم. والكثير من هذه الأسلحة تشتريها بلدان نامية من بلدان متقدمة النمو، بلدان نامية هي أقل البلدان قدرة على تبديد مواردها الثمينة والمحدودة على مثل هذه الأغراض. وحجم التجارة في الأسلحة الخفيفة أكثر مدعاة للجزع مما توحي به تكلفتها النقدية.
  6. ولنزع السلاح على نطاق صغير دور هام إذا اقترن بجميع الأساليب الأخرى المبينة في هذه الورقة. فقد أصبح تجميع الأسلحة وتحديدها والتخلص منها سمة أساسية في معظم التسويات السلمية الشاملة التي قامت فيها الأمم المتحدة بدور في حفظ السلام. ونتيجة لذلك، اكتسبت المنظمة خبرة لا نظير لها في هذا الميدان. ونزع السلاح على نطاق صغير هام كذلك بالنسبة لبناء السلم بعد انتهاء الصراع. وتشهد حالة نيكاراغوا على ما يمكن تحقيقه من خلال البرامج الإبداعية الرامية إلى التخلص من أعداد كبيرة من الأسلحة الصغيرة المتداولة في بلد خرج من حرب أهلية دامت طويلا. ويمكن كذلك أن يلي نزع السلاح إجراء الإنفاذ كما تشهد على ذلك الحالة في العراق حيث قامت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بدور رائد في نزع السلاح العملي الذي شمل في هذه الحالة أسلحة من أسلحة الدمار الشامل. وتشمل جميع نظم الجزاءات حظرا على الأسلحة، كما أكدت التجربة صعوبة مراقبة تدفقات الأسلحة عبر الحدود إلى البلدان المتحاربة مع جيرانها أو داخل حدودها.
  7. وهناك فئتان من الأسلحة الخفيفة تستحقان اهتماما خاصا الأولى هي فئة الأسلحة الصغيرة التي يمكن أن تكون هي السبب في معظم الوفيات في المنازعات الحالية. وهذه الأسلحة تغمر العالم كما أنه من الصعب جدا مراقبة الاتجار بها فضلا عن التصدي لها. وأسباب ذلك عديدة: منها قيام أطراف الحرب الباردة فيما مضى بإمداد عملائها من الدول بالأسلحة، والمنازعات الداخلية، والمنافسة على الأسواق التجارية، والنشاط الإجرامي، وانهيار وظائف الحكومات في إنفاذ القانون والمحافظة على النظام (مما يطلق العنان للمجرمين ويوفر للمواطنين العاديين سببا مشروعا لاقتناء الأسلحة للدفاع عن أنفسهم). وقد أكدت بعثة استشارية استطلاعية أوفدتها إلى مالي في آب/ أغسطس 1994 بناء على طلب حكومة ذلك البلد الصعوبة غير العادية للتحكم في التدفق غير المشروع للأسلحة الصغيرة، فهذه مشكلة لا يمكن معالجتها على نحو فعال إلا على أساس إقليمي. وسوف يستغرق إيجاد حلول فعالة لهذه المشكلة وقتا طويلا. وإني أعتقد اعتقادا قويا أنه ينبغي الشروع حالا في البحث عن هذه الحلول.
  8. وهناك، ثانيا، مشكلة انتشار الألغام المضادة للأفراد. ومن التطورات الإيجابية التي حدثت في السنوات الأخيرة الاهتمام الذي حظيت به هذه المشكلة. إذ شرع المجتمع الدولي في التصدي لها. وتتجه الجهود التي تبذل حاليا في سياق اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر(3) إلى إعطاء الأولوية إلى الألغام المضادة للأفراد، كما حظيت دعوة الجمعية العامة إلى وقف تصديرها بتأييد كبير من البلدان المصنعة لها. وفضلا عن ذلك، تقوم حاليا لجنة الصليب الأحمر الدولية بوضع بروتوكولات جديدة للاتفاقية. وفي الوقت نفسه يتواصل العمل في محاولة لإيجاد حل لمشكلة الألغام البرية التي يقرب عددها من 110 ملايين من الألغام تم زرعها بالفعل. وهذه مسألة يجب أن تظل تحظى بأولوية الاهتمام. وإنني أتفق مع الرأي القائل بأن سجل الأسلحة التقليدية يمثل عنصرا هاما في هذه الجهود. ومن الضروري، في هذا السياق، تطوير هذا السجل إلى آلية عالمية غير تمييزية.
  9. والتقدم المحرز منذ عام 1992 في مجال أسلحة الدمار الشامل ونظم الأسلحة الرئيسية يجب أن يعقبه تقدم مواز في الأسلحة التقليدية، لا سيما فيما يتعلق بالأسلحة الخفيفة. وسوف يستغرق التوصل إلى حلول فعالة لهذه المشكلة وقتا طويلا. وإني أعتقد اعتقادا قويا أنه ينبغي الشروع في البحث عن هذه الحلول، كما إنني أعتزم القيام بدوري كاملا في هذا المسعى.

هاء ـ الجزاءات

  1. بموجب المادة 41 من الميثاق، يجوز لمجلس الأمن أن يطلب إلى الدول الأعضاء أن تطبق تدابير لا تتطلب استعمال القوات المسلحة من أجل صون السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما. ويشار إلى هذه التدابير عادة بالجزاءات. ويذكر بهذا الأساس القانوني للتأكد على أن الغرض من الجزاءات هو تعديل سلوك طرف يهدد السلم والأمن الدوليين وليس بغرض معاقبته أو الاقتصاص منه على أي نحو آخر.
  2. وقد كشفت الزيادة الكبيرة في استخدام مجلس الأمن لهذه الوسيلة عن عدد من الصعوبات التي تتصل بصفة خاصة بأهداف الجزاءات، ورصد تطبيقها وأثرها، وآثارها غير المقصودة.
  3. والأهداف التي من أجلها فرضت أنظمة معينة للجزاءات لم تكن دائما محددة تحديدا واضحا. بل يبدو في بعض الأحيان أنها تتغير بمرور الوقت. وهذا المزيج من عدم الدقة والتغير يجعل من العسير على مجلس الأمن أن يتفق بشأن الوقت الذي يمكن فيه اعتبار أن الأهداف قد تحققت وأنه يمكن رفع الجزاءات. ومع التسليم بأن مجلس الأمن هو هيئة سياسية وليس جهازا قضائيا، فإن من الأهمية بمكان أنه عندما يقرر فرض جزاءات ينبغي له في الوقت ذاته أن يحدد معايير الأهداف لكي يمكن بها تقرير أن الغرض من تلك الجزاءات قد تحقق. وإذا ما أريد الاحتفاظ بالتأييد العام لاستخدام الجزاءات كوسيلة فعالة، ينبغي الحرص على تجنب إعطاء الانطباع بأن الغرض من فرض الجزاءات هو المعاقبة وليس تعديل السلوك السياسي، أو أنه يجرى تغيير المعايير لخدمة مقاصد غير المقاصد التي كانت هي الدافع إلى اتخاذ القرار الأصلي بفرض الجزاءات.
  4. وقد اكتسبت الأمم المتحدة خبرة في كيفية رصد تطبيق الجزاءات وفي الدور الذي يمكن أن تؤديه المنظمات الإقليمية في بعض الحالات في هذا الصدد. على أن مما يعقد المهمة إحجام بعض الحكومات، لأسباب تتعلق بالسيادة أو بالمصالح الذاتية الاقتصادية، عن قبول وزرع مراقبين دوليين أو إجراء تحقيق دولي في الانتهاكات التي يدعى أنها ارتكبتها هي أو رعاياها. وقياس الأثر الذي تحدثه الجزاءات هو أمر أكثر صعوبة من ذلك بسبب التعقيد الذي ينطوي عليه هذا القياس بطبيعته وبسبب القيود التي تفرض على إمكانية الوصول إلى البلد المستهدف.
  5. والجزاءات، كما هو مسلم به عموما، أداة قليلة الفعالية. وهى تثير مسألة أخلاقية تتعلق بما إذا كانت المعاناة المفروضة على الفئات الضعيفة في البلد المستهدف وسيلة مشروعة لممارسة الضغط على الزعماء السياسيين الذين ليس من المرجح أن يتأثر سلوكهم بمحنة رعاياهم. كما أن الجزاءات تكون لها دائما آثار غير مقصودة أو غير مرغوب فيها. وهى يمكنها أن تعقد عمل الوكالات الإنسانية بحرمانها من فئات معينة من الإمدادات وبإلزامها باتباع إجراءات عسيرة للحصول على الإعفاءات اللازمة. وهى يمكن أن تتعارض مع الأهداف الإنمائية للمنظمة وأن تلحق أضرارا طويلة الأجل بالقدرة الإنتاجية للبلد المستهدف. كما أن من الممكن أن يكون لها تأثير شديد على بلدان أخرى تكون من جيران البلد المستهدف أو شريكة اقتصادية رئيسية له. كما يمكنها أن تحبط الغرض المقصود منها بإثارة رد فعل وطني ضد المجتمع الدولي، ممثلا في الأمم المتحدة، وحشد الجماهير وراء الزعماء الذين قصد من فرض الجزاءات تعديل سلوكهم.
  6. وليس الغرض من ذكر هذه الاعتبارات الأخلاقية والعملية هو التشكيك في الحاجة إلى فرض الجزاءات في حالات معينة، بل بيان ضرورة النظر في سبل تخفيف الآثار التي ورد بيانها. وهناك إمكانيتان مطروحتان لكي تنظر فيهما الدول الأعضاء.
  7. الأولى تتمثل في أن يكفل، عند فرض الجزاءات، اتخاذ ترتيبات لتيسير عمل الوكالات الإنسانية، وهو العمل الذي ستكون الحاجة إليه على أشدها نتيجة لأثر الجزاءات على الفئات الضعيفة. فمن الضروري على سبيل المثال تجنب حظر الواردات التي تحتاج إليها الصناعات المحلية المتعلقة بالصحة وابتكار وسيلة سريعة للبت في الطلبات المتعلقة بالإعفاءات لأغراض الأنشطة الإنسانية.
  8. وثانيا، هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراء للاستجابة للتوقعات التي تطرحها المادة 50 من الميثاق. فالجزاءات هي إجراء يتخذ بصورة جماعية من جانب الأمم المتحدة لصون السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما. وينبغي أن تتحمل التكاليف اللازمة لتطبيقها، شأنها شأن غيرها من التكاليف (مثل تكاليف أنشطة صنع السلم وحفظ السلام)، جميع الدول الأعضاء بصورة منصفة وألا يقتصر تحملها على العدد القليل منها الذي يشاء سوء حظه أن يكون من جيران البلد المستهدف أو شريكا اقتصاديا رئيسيا له.
  9. في "خطة للسلام"، اقترحت أن يكون للدول التي تعاني من أضرار تبعية ناتجة عن نظم الجزاءات، الحق ليس فحسب في التشاور مع مجلس الأمن، بل وفي أن تتوافر لها إمكانية واقعية تكفل معالجة ما يجابهها من صعوبات. وتحقيقا لهذا الغرض، أوصيت بأن يبتكر مجلس الأمن مجموعة من التدابير، تشمل المؤسسات المالية الدولية وغيرها من عناصر منظومة الأمم المتحدة، ويمكن تنفيذها لمعالجة المشكلة. واستجابة لذلك، طلب إلي المجلس أن استطلع آراء رؤساء المؤسسات المالية الدولية. وقد أقر هؤلاء في ردودهم بالآثار التبعية للجزاءات وأعربوا عن رغبتهم في مساعدة البلدان التي تمر بهذه الحالات؛ غير أنهم اقترحوا أن يتم ذلك في إطار الولايات القائمة لدعم البلدان التي تواجه صدمات خارجية سلبية وما يترتب عليها من صعوبات في موازين مدفوعاتها. ولم يوافقوا على وضع أحكام خاصة لذلك.
  10. ومن أجل معالجة جميع المشاكل المذكورة أعلاه، أود أن أذهب إلى ما هو أبعد من التوصية التي تقدمت بها في عام 1992 وأن أقترح إنشاء آلية للاضطلاع بالمهام الخمس التالية:

 

(أ)

تقدير الأثر الممكن للجزاءات على البلد المستهدف وعلى بلدان ثالثة، وذلك بناء على طلب مجلس الأمن وقبل فرض الجزاءات؛

 

(ب)

رصد تطبيق الجزاءات؛

 

(ج)

قياس آثار الجزاءات من أجل تمكين مجلس الأمن من ضبطها بدقة بغية الوصول بأثرها السياسي إلى أقصى حد وتقليل الأضرار التبعية إلى أدنى حد؛

 

(د)

ضمان توصيل المساعدة الإنسانية إلى الفئات الضعيفة؛

 

(ه)

استكشاف سبل مساعدة الدول الأعضاء التي تعاني من أضرار تبعية، وتقييم المطالبات المقدمة من تلك الدول بموجب المادة 50.

  1. ولما كان الغرض من هذه الآلية هو مساعدة مجلس الأمن، فإنه سيتعين أن يكون مكانها في الأمانة العامة للأمم المتحدة. غير أنه ينبغي تمكينها من الاستفادة من الخبرة المتوافرة في جميع أنحاء منظومة الأمم المتحدة، وبخاصة خبرة مؤسسات بريتون وودز. وسيتعين على الدول الأعضاء أن تقدم دعمها السياسي لهذا الاقتراح، سواء في الأمم المتحدة أو في الهيئات الحكومية الدولية للوكالات المعنية، وذلك إذا ما أريد تنفيذه بفعالية.

واو ـ إجراءات الإنفاذ

  1. إن أحد إنجازات ميثاق الأمم المتحدة يتمثل في تمكين المنظمة من اتخاذ تدابير إنفاذ ضد أولئك المسؤولين عن وجود أخطار تهدد السلام أو انتهاكات للسلام أو ارتكاب أعمال عدوان. غير أنه لا مجلس الأمن ولا الأمين بالعام يمتلكان حاليا القدرة على وزع عمليات لهذا الغرض وتوجيهها وقيادتها والسيطرة عليها، ربما إلا على نطاق محدود للغاية. وأعتقد أن من المستحسن على المدى الطويل أن تنشئ الأمم المتحدة مثل هذه القدرة. غير أنه سيكون من الحماقة محاولة تحقيق ذلك في الوقت الراهن، الذي أصبحت فيه المنظمة في أمس الحاجة إلى الموارد وتواجه مصاعب شديدة في النهوض بما هو موكل إليها من مسؤوليات صنع السلم وحفظ السلام التي تتطلب احتياجات أقل.
  2. وفي عام 1950، أذن مجلس الأمن لمجموعة من الدول الأعضاء أبدت استعدادها للاضطلاع بتدابير إنفاذ في شبه الجزيرة الكورية بالقيام بذلك. واتخذ نفس الإجراء مرة أخرى عام 1990 ردا على العدوان على الكويت. وفي وقت أقرب، أذن المجلس لمجموعات من الدول الأعضاء بالاضطلاع بتدابير إنفاذ، إذا اقتضت الضرورة، لتهيئة الأوضاع اللازمة لعمليات الإغاثة الإنسانية في الصومال ورواندا ولتسهيل عودة الديمقراطية في هاييتي.
  3. وفي البوسنة والهرسك، أذن مجلس الأمن للدول الأعضاء بأن تستخدم القوة، سواء بصورة منفردة أو من خلال ترتيبات إقليمية، لضمان الامتثال للحظر الذي فرضه على الرحلات الجوية العسكرية في المجال الجوى لذلك البلد، ولدعم قوات الأمم المتحدة في يوغسلافيا السابقة في أداء ولايتها، بما في ذلك الدفاع عن الأفراد الذين قد يتعرضون للهجوم، ولردع الهجمات على المناطق الآمنة. وقررت الدول الأعضاء المعنية أن تعهد بتلك المهام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. وتطلب الأمر جهودا كبيرة فيما بين الأمانة العامة والحلف لوضع الإجراءات اللازمة لتنسيق هذا التعاون غير المسبوق. ولم يكن ذلك بالأمر المفاجئ نظرا للاختلاف البالغ في ولايتي المنظمتين ونهجهما في صون السلم والأمن. ومما يبعث على القلق بدرجة أكبر، كما ذكرنا من قبل، مسألة النتائج المترتبة على استخدام القوة لأغراض خلاف الدفاع عن النفس في سياق حفظ السلام.
  4. إن خبرة السنوات القليلة الماضية تبين، على حد سواء، القيمة التي يمكن كسبها والمصاعب التي يمكن أن تنشأ عندما يعهد مجلس الأمن بمهام الإنفاذ إلى مجموعات من الدول الأعضاء. فمن الناحية الإيجابية، يوفر هذا الترتيب للمنظمة قدرة إنفاذ ما كانت لتملكها بأي شكل آخر، كما أنه مفضل بدرجة كبيرة على استخدام القوة انفراديا من جانب الدول الأعضاء دون الرجوع إلى الأمم المتحدة. ومن الناحية الأخرى، يمكن أن يترك هذا الترتيب أثرا سلبيا على مكانة المنظمة ومصداقيتها. كما أن هناك خطرا يتمثل في أن الدول المعنية قد تدعي شرعية وقبولا دوليين لتدابير شديدة لم يتوخاها مجلس الأمن في الواقع عندما أصدر إذنه لها. وقد اعتادت الدول الأعضاء المأذون لها بذلك أن تقدم، في العمليات الأخيرة، تقارير أكثر اكتمالا وانتظاما إلى مجلس الأمن عما تضطلع به من أنشطة.

رابعا ـ التنسيق

  1. وكما لا تدعي الأمم المتحدة احتكار الوسائل التي نوقشت أعلاه، فكذلك لا تستطيع تطبيقها بمفردها. فجميع جهود مجلس الأمن والجمعية العامة والأمين العام الرامية إلى السيطرة على المنازعات وتسويتها تحتاج إلى تعاون ودعم آخرين ممن لهم دور على المسرح الدولي وهم: الحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة؛ والمنظمات الإقليمية والمنظمات غير الحكومية؛ وشتى صناديق وبرامج ومكاتب ووكالات منظومة الأمم المتحدة نفسها. فإذا أريد أن يحالف النجاح جهودها، فلا بد من تنسيق أدوار مختلف أصحاب الأدوار بعناية في إطار نهج متكامل حيال الأمن البشري.
  2. وللحكومات أهمية رئيسية بالنسبة لجميع الأنشطة التي نوقشت في ورقة الموقف هذه. فهي التي تأذن بالأنشطة وتمولها. وهى التي توفر مباشرة الأغلبية العظمى من الموظفين اللازمين، فضلا عن معظم المعدات. وهى التي تحدد سياسات الوكالات المتخصصة لمنظومة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية. وهى التي يعد ما تقدمه من دعم متواصل، وما تقوم به، عند الضرورة، من تدخل لدى الأطراف، أمرا أساسيا إذا أريد للأمين العام أن يوفق في القيام بالولايات المنوطة به. وهي التي تشكل أطرافا، أو على الأقل أحد الأطراف، في كل نزاع تسعى الأمم المتحدة إلى السيطرة عليه وتسويته.
  3. وثمة اتجاه حديث في السنوات الأخيرة تمثل في إنشاء مجموعات غير رسمية من الدول الأعضاء، شكلت في حالات معينة لمساندة الأمين العام في القيام بولايتي صنع السلم وحفظ السلام المنوطتين به. ويشار إليها عادة بوصفها "أصدقاء الأمين العام لـ...". وليست لها أي ولاية رسمية من قبل الجمعية العامة أو مجلس الأمن. وتضم الدول التي لها مصلحة خاصة في النزاع موضوع البحث ولها موارد مادية ودبلوماسية يمكن استخدامها لدعم جهود الأمين العام. وأهميتها بالنسبة له هي في كونها أداة مقوية لصوته، ومصدرا للأفكار والتعليقات، ووسيلة دبلوماسية للتأثير على الأطراف.
  4. وقد كانت لهذا الترتيب قيمة في عدد من الحالات. غير أن من الضروري أن يكون ثمة فهم واضح للمسؤولية المنوطة بكل طرف. فالأمين العام يمارس ولاية خولتها له الهيئة الحكومية الدولية ذات الصلة ويحب أن يظل في المقدمة. وقد وافق أعضاء مجموعة الأصدقاء على دعم الأمين العام بناءا على طلبه. فإذا قاموا بمبادرات لم يطلبها الأمين العام، فعندما يقع خطر حدوث ازدواجية أو تداخل في الجهود، وهو ما قد تستغله الأطراف المتعنتة. كما يمكن أن تثير هذه المبادرات تساؤلات في الهيئة الحكومية الدولية التي تتوقع من الأمين العام أن يحتفظ بالمسؤولية عن الولاية المنوطة به وأن يقدم تقارير إلى تلك الهيئة عن تنفيذ تلك الولاية.
  5. أما فيما يتعلق بالمنظمات الإقليمية، فإن الفصل الثامن من الميثاق يحدد الدور الذي يمكن أن تقوم به في صون السلم والأمن. وهي يمكن أن تساهم بالشيء الكثير. فمنذ مؤتمر قمة مجلس الأمن وسعت الأمم المتحدة إلى حد كبير تجربتها في العمل مع المنظمات الإقليمية في هذا المجال. وفي 1 آب/ أغسطس 1994، عقدت اجتماعا في نيويورك مع رؤساء عدد من هذه المنظمات التي تعاونت معها الأمم المتحدة مؤخرا في الميدان في مجالي صنع السلم وحفظ السلام. وأتاح هذا الاجتماع تبادلا مفيدا للآراء وفي نيتي عقد المزيد من هذه الاجتماعات.
  6. ويتخذ التعاون بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية أشكالا شتى. ويمكن تحديد خمسة من هذه الأشكال على الأقل:

 

(أ)

التشاور: وقد ترسخت هذه الممارسة منذ فترة. وتحكم هذا التشاور في بعض الحالات اتفاقات رسمية وتقدم عنه تقارير إلى الجمعية العامة؛ وفي حالات أخرى يكون هذا التشاور رسميا بقدر أقل. والغرض منه هو تبادل الآراء بشأن المنازعات التي قد تسعى الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية إلى تسويتها؛

 

(ب)

الدعم الدبلوماسي: تشارك المنظمات الإقليمية في أنشطة صنع السلم التي تقوم بها الأمم المتحدة وتدعمها بمبادرات دبلوماسية (بطريقة مماثلة لمجموعات "الأصدقاء" السالف ذكرها) و/أو بتوفير مساهمة تقنية، على غرار ما تقوم به منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مثلا، بشأن المسائل الدستورية المتعلقة بأبخازيا. وعلى نفس المنوال، يمكن أن تدعم الأمم المتحدة المنظمات الإقليمية في جهودها (على غرار ما تقوم به لحساب منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن ناغورني ـ كاراباخ)؛

 

(ج)

الدعم التنفيذي: إن أكثر الأمثلة تطورا على ذلك هو توفير منظمة حلف شمال الأطلسي للقوة الجوية لدعم قوة الأمم المتحدة للحماية في يوغسلافيا السابقة. ويمكن للأمم المتحدة من جهتها أن توفر المشورة الفنية للمنظمات الإقليمية التي تقوم بعمليات لحفظ السلام خاصة بها؛

 

(د)

الوزع المشترك: جرى وزع بعثات ميدانية تابعة للأمم المتحدة بالمشاركة مع الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في ليبريا ومع رابطة الدول المستقلة في جورجيا. فإذا نجحت تلك التجارب، كانت بشيرا بتقسيم جديد للعمل بين الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، تتحمل في إطاره المنظمات الإقليمية العبء الرئيسي ولكن تدعمه عملية صغيرة من جانب الأمم المتحدة وتتحقق من أنه يعمل بطريقة تتفق والمواقف التي اتخذها مجلس الأمن. وتثير الجوانب السياسية والتنفيذية والمالية لهذا الترتيب مسائل تتسم ببعض الحساسية. فالدول الأعضاء قد ترغب في مرحلة ما في أن تقوم بتقييم للكيفية التي يمكن أن يتبع بها هذا النموذج مستقبلا، على ضوء تجربتي ليبريا وجورجيا؛

 

(ه)

العمليات المشتركة: ومن أمثلتها بعثة الأمم المتحدة في هاييتي، التي تتقاسم الأمم المتحدة ومنظمة الدول الأمريكية أعباء تزويدها بالموظفين وتوجيهها وتمويلها. وقد نجح هذا الترتيب، كما أنه يعد نموذجا ممكنا للمستقبل يحتاج إلى تقييم متأن.

  1. وتختلف قدرة المنظمات الإقليمية على صنع السلم وحفظ السلام اختلافا كبيرا. ولم تتوافر لأي منظمة منها، حتى الآن، قدرة تضارع قدرة الأمم المتحدة، بالرغم من أن بعضها قد تراكمت لديه خبرة هامة في هذا المجال وبعضها آخذ في التطور سريعا. والأمم المتحدة على استعداد لمساعدتها في هذا الصدد عندما يطلب إليها ذلك وعندما تسمح به الموارد. وفي ضوء ما لهذه المنظمات من قدرات متباينة، وما بينها من اختلافات في هياكلها وولاياتها، وعمليات اتخاذ القرارات فيها وتنوع الأشكال التي يتخذها بالفعل التعاون بينها وبين الأمم المتحدة، فإنه لن يكون من المناسب محاولة إقامة نموذج عالمي لعلاقتها بالأمم المتحدة. ومع ذلك فإن من الممكن تحديد بعض المبادئ التي ينبغي أن يقوم على أساسها هذا التعاون.
  2. وتشمل هذه المبادئ ما يلي:

 

(أ)

إنشاء آليات للتشاور متفق عليها، على أنه لا يلزم أن تتخذ هذه الآليات طابعا رسميا؛

 

(ب)

يجب احترام صدارة الأمم المتحدة كما هو منصوص عليها في الميثاق. وينبغي بصفة خاصة ألا تدخل المنظمات الإقليمية في ترتيبات تفترض الحصول على مستوى ما من الدعم من الأمم المتحدة لم يطرح بعد على دولها الأعضاء أو لم توافق عليه. وهذا مجال ذو أهمية كبيرة يتعين إجراء مشاورات وثيقة ومبكرة بشأنه؛

 

(ج)

يجب تحديد تقسيم العمل والاتفاق عليه بوضوح بغية تجنب التداخل والتنافس بين المؤسسات حيثما تتناول الأمم المتحدة وإحدى المنظمات الإقليمية نفس النزاع. وفي هذه الحالات، فإن تجنب تعدد الوسطاء يحظى أيضا بأهمية خاصة؛

 

(د)

على الدول الأعضاء في أية منظمات إقليمية والتي هي أيضا أعضاء في الأمم المتحدة أن تراعي الاتساق لدى تناول مشكلة تحظى بالاهتمام من كلتا المنظمتين؛ مثل المعايير المتعلقة بعمليات حفظ السلام.

  1. وتقوم المنظمات غير الحكومية أيضا بدور هام في جميع أنشطة الأمم المتحدة التي تناقشها هذه الورقة، وحتى الآن، منحت 1003 منظمات غير حكومية مركزا استشاريا لدى الأمم المتحدة، وللعديد منها ممثلون معتمدون في مقر الأمم المتحدة في نيويورك و/أو مكتب الأمم المتحدة في جنيف. وقد حدا الطابع المتغير لعمليات الأمم المتحدة في الميدان بالمنظمات غير الحكومية إلى إقامة علاقة أوثق مع الأمم المتحدة، ولا سيما في مجال تقديم الإغاثة الإنسانية في حالات النزاع وفي عملية بناء السلم بعد انتهاء الصراع. وكان من الضروري وضع إجراءات لا تمس بمركزها غير الحكومي لكنها تكفل تنسيق جهودها على النحو الملائم مع جهود الأمم المتحدة وبرامجها وصناديقها ومكاتبها ووكالاتها. وحققت المنظمات غير الحكومية أيضا نجاحا كبيرا في حشد التأييد العام وتعبئة الأموال من أجل الإغاثة الإنسانية في البلدان المتأثرة بنزاع دولي أو محلي.
  2. وفي داخل منظومة الأمم المتحدة هناك ثلاثة مستويات يلزم التنسيق على كل مستوى منها، وهى داخل الأمانة العامة للأمم المتحدة؛ وبين مقر الأمم المتحدة والمكاتب الرئيسية للصناديق والبرامج والمكاتب والوكالات الأخرى التابعة لمنظومة الأمم المتحدة؛ وفي الميدان.
  3. وقد استلزم تعدد الوظائف فيما يتعلق بحفظ السلام وبناء السلم على السواء تحسين التنسيق داخل الأمانة العامة، كي تؤدي الإدارات ذات الصلة عملها ككل متكامل تحت سلطتي وتوجيهي. ولابد للمقترحات التي يقدمها الأمين العام إلى الجمعية العامة أو إلى مجلس الأمن بشأن قضايا السلم والأمن أن تستند إلى مدخلات متناسقة من إدارات الشؤون السياسية، وعمليات حفظ السلام، والشؤون الإنسانية، وشؤون الإدارة والتنظيم، وغيرها. ويتعين بالمثل تنسيق التوجيه الصادر إلى الميدان، بغية ضمان عدم تلقي رؤساء البعثات لتعليمات متناقصة من سلطات مختلفة داخل الأمانة العامة.
  4. وفي إطار البيروقراطية الدولية فإن التعاون والتنسيق فيما بين الإدارات لا يسيران حتى بمعدلهما الطبيعي في بيئة وطنية. وقد تطلب الأمر بذل بعض الجهد لضمان الوفاء بالأهداف السابقة. وقد عهدت بالمسؤولية الرئيسية في هذا الصدد إلى فرقة العمل التابعة لي والمعنية بعمليات الأمم المتحدة وإلى الأفرقة المشتركة بين الإدارات على المستوى العملي لكل نزاع رئيسي تضطلع المنظمة فيه بدور لصنع السلم أو حفظ السلام.
  5. ومن الضرورة بنفس القدر تحسين التنسيق داخل منظومة الأمم المتحدة ككل. وتتجاوز المسؤوليات التي تنطوي عليها عمليات حفظ السلام المتعددة الوظائف وبناء السلم اختصاص وخبرة أي إدارة أو برنامج أو صندوق أو مكتب أو وكالة على انفراد في إطار الأمم المتحدة. وهناك حاجة إلى برامج قصيرة الأجل من أجل عمليات وقف إطلاق النار، والتسريح، والإغاثة الإنسانية، وعودة اللاجئين؛ ولكن البرامج الأطول أجلا هي التي تساعد على إعادة بناء المجتمعات وتعيدها إلى طريق التنمية. وتحتاج البرامج القصيرة الأجل والبرامج الطويلة الأجل إلى أن يتم تخطيطها وتنفيذها بطريقة متناسقة إذا كان يراد لها الإسهام في تدعيم السلام والتنمية. وبنفس القدر فإن آلية ضمان تطبيق الجزاءات بقدر أكبر من الفعالية والإنصاف، وهي الآلية التي أوصيت بإنشائها في جزء سابق من ورقة الموقف هذه، تنسيقا أوثق بين عدد كبير من القائمين بأدوار على مسرح الأمم المتحدة.
  6. وقد كان هذا التنسيق صعب التحقيق حتى هذه اللحظة. فلكل وكالة من الوكالات المعنية هيئتها التشريعية الحكومية الدولية الخاصة بها وولايتها الخاصة بها. وفي الماضي، كان هناك أيضا تفاعل غير كاف، في كلا الاتجاهين، بين المسؤولين في الأمانة العامة عن تصميم وتنفيذ أنشطة صنع السلم وحفظ السلام وبناء السلم، وبين المؤسسات المالية الدولية التي تملك في كثير من الأحيان القول الفصل في كفالة توفير الموارد اللازمة.
  7. وفيما يتعلق بالتنسيق في الميدان، تتمثل الممارسة الراهنة عند وزع عملية من عمليات حفظ السلام في تكليف ممثل خاص للأمين العام بهذه المهمة. والسلفادور، وكمبوديا، وموزمبيق أمثلة ناجحة على ذلك، وكان للتعاون الذي قدمته مختلف العناصر الأخرى في منظومة الأمم المتحدة إلى ممثلي الخاص دور كبير في هذا النجاح.
  8. وبالنسبة لي، سأواصل جهودي في لجنة التنسيق الإدارية وفي علاقاتي الثنائية مع الرؤساء التنفيذيين لمختلف الصناديق والبرامج والمكاتب والوكالات لتحقيق تنسيق أفضل داخل منظومة الأمم المتحدة في سياق السلم والأمن. وتستطيع حكومات الدول الأعضاء أن تدعم تلك الجهود. وينشأ كثير من مشاكل التنسيق من الولايات التي تفرضها أجهزة حكومية دولية مستقلة على الوكالات. وهى بذلك تستعصي على التنسيق داخل الأمانة العامة. وبناء على ذلك أوصي بأن تصدر الحكومات تعليمات لممثليها في مختلف الأجهزة الحكومية الدولية لضمان الاعتراف بأن التنسيق السليم شرط أساسي لنجاح المنظمة وبعدم جعله رهينة للمنافسة والمباراة بين المؤسسات.

خامسا ـ الموارد المالية

  1. لا يمكن استخدام أي من الوسائل التي نوقشت في هذه الورقة ما لم تقدم الحكومات الموارد المالية اللازمة. فليست هناك مصادر أخرى للأموال. وإن عدم دفع الدول الأعضاء لاشتراكاتها المقررة للأنشطة التي صوتت هي نفسها على إنشائها يحول دون الاضطلاع بهذه الأنشطة بالمستوى المتوقع. كما أن ذلك يشكك في مصداقية أولئك الذين يملكون الإرادة لتحديد الأهداف دون تحديد وسائل بلوغها، ثم ينتقدون الأمم المتحدة لإخفاقها. وفي 12 تشرين الأول/ أكتوبر 1994، عرضت على الدول الأعضاء مجموعة من المقترحات والأفكار والمسائل المتعلقة بالأمور المالية وإجراءات الميزانية أعتقد أنها قادرة على المساهمة في إيجاد حل (وثيقة الأمم المتحدة A/49/PV.28).
  2. إن الأزمة المالية موهنة بصفة خاصة فيما يتعلق بعمليات حفظ السلام. فالعجز في الأموال، لا سيما في مجال الاستطلاع والتخطيط، وبدء العمليات، وتعيين الأفراد وتدريبيهم، يفرض قيودا شديدة على قدرة المنظمة على وزع العمليات الموافق عليها حديثا بالسرعة المرغوب فيها. وتتأثر أيضا عمليات حفظ السلام بسبب الصعوبات التي تواجه الدول الأعضاء في توفير القوات والشرطة والمعدات بالأعداد والكميات التي يقتضيها الحجم الحالي لأنشطة عمليات حفظ السلام.
  3. وفي الوقت ذاته، تتعرض مصداقية مجلس الأمن والمنظمة ككل إلى ضرر مستمر عندما يتخذ المجلس قرارات لا يمكن تنفيذها لأن القوات اللازمة غير متوافرة. ومن الأمثلة على ذلك المشاكل المستمرة المتعلقة بالمناطق الآمنة في البوسنة والهرسك، وتوسيع بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى رواندا ردا على عملية إبادة الأجناس فيها. وفي المستقبل، يستحسن تحديد مدى توافر القوات والمعدات اللازمة قبل اتخاذ قرار بإنشاء عملية جديدة لحفظ السلام أو تكليف عملية قائمة بمهام جديدة.
  4. وبناء السلم نشاط آخر يعتمد اعتمادا حاسما على استعداد الدول الأعضاء لتوفير الموارد اللازمة. ويمكن أن يكون هذا النشاط طويل الأجل ومكلفا ـ إلا إذا قورنت تكلفته بتكلفة عمليات صنع السلم وحفظ السلام إذا تجدد النزاع. ومن الدروس المستخلصة في السنوات الأخيرة أنه عند تجميع عناصر بناء السلم في خطة شاملة للتسوية، يتعين على الأمم المتحدة التشاور مع المؤسسات المالية الدولية في متسع من الوقت للتأكد من أن تكلفة تنفيذ الخطة ستوضع في الاعتبار عند وضع الخطط الاقتصادية للحكومة المعنية. وتتفاقم المشاكل في هذا المجال عندما يمتنع كثير من الجهات المانحة عن تمويل العناصر الحاسمة مثل تحويل حركات العصابات إلى أحزاب سياسية، أو إنشاء قوات جديدة للشرطة، أو توفير الاعتمادات لشراء الأراضي في البرامج القائمة على "مبادلة الأسلحة بالأرض".
  5. ولن يكون تعويض الدول الأعضاء المتأثرة بالجزاءات المفروضة على جيرانها أو شركائها الاقتصاديين ممكنا إلا إذا اعترفت الدول الأعضاء الأغنى بالحجة الأخلاقية القائلة بأن هذه البلدان ينبغي ألا يتوقع منها أن تتحمل وحدها التكاليف الناجمة عن تدابير قررها المجتمع الدولي بصفة جماعية، وبالحجة العملية القائلة بأن هذا التعويض ضروري لتشجيع هذه الدول على التعاون في تطبيق القرارات التي يتخذها مجلس الأمن. وأقر بأن المبالغ التي ينطوي عليها ذلك ستكون كبيرة ولكنني مقتنع بوجوب توفيرها إذا أراد المجلس أن يستمر في الاعتماد على الجزاءات.

سادسا ـ الخلاصة

  1. المقصود من ورقة الموقف هذه المقدمة إلى الدول الأعضاء بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية الخمسين لإنشاء الأمم المتحدة، هو أن تكون مساهمة في الحملة المستمرة الرامية إلى تعزيز القدرة المشتركة على مواجهة التهديدات التي تحيق بالسلم والأمن.
  2. وزماننا يدعو إلى التفكير بأسلوب جديد، وإلى السعي معا لإيجاد سبل جديدة للتغلب على الأزمات. ذلك أن العالم المختلف الذي ظهر عندما انتهت الحرب الباردة لا يزال عالما غير مفهوم تماما. فتغير وجه النزاع اليوم يتطلب منا أن نكون مرهفي الحس، وقادرين على التكيف، ومبدعين، وجسورين، وأن نتصدى في آن واحد للأسباب المباشرة وللأسباب الجذرية للنزاع، التي تكمن غالبا من انعدام الفرص الاقتصادية وفي ضروب التفاوت الاجتماعي. وربما كان أهم ما يتطلبه هو الالتزام بالتعاون والتعددية الحقة على نحو يفوق في عمقه كل ما حققته البشرية من قبل.
  3. ومن هنا كان تكرار التأكيد في صفحات هذه الورقة على ضرورة اتخاذ القرارات الصعبة. ومع تزايد فهمنا للتحديات التي تواجه السلم والأمن، فإن القرارات الصعبة، إذا أرجئ اتخاذها، ستبدو حين تلتفت ناظرين إليها سهلة نسبيا إذا قيست بحجم متاعب الغد.
  4. وليس هناك ما يدعو إلى الإحباط أو التشاؤم. فقد شهدت السنوات القليلة الماضية من التقدم في استخدام الأمم المتحدة فيما أريد لها أصلا أن تستخدم فيه ما يفوق ما كان يمكن للكثيرين أن يتنبأوا به. والدعوة إلى اتخاذ القرار ينبغي لها أن تكون دعوة إلى الثقة والشجاعة.

(1)

وثيقة الأمم المتحدة A/48/935. انظر أيضا: خطة للتنمية، منشورات الأمم المتحدة، رقم المبيع A.95.I.16.

(2)

الوثائق الرسمية للجمعية العامة، الدورة السابعة والأربعون، الملحق رقم 27 (A/47/27)، التذييل الأول.

(3)

انظر حولية الأمم المتحدة لنزع السلاح، المجلد 5: 1980 (منشورات الأمم المتحدة، رقم المبيع G.81.IX.4)، التذييل السابع.

(*)

تقدير