إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


 


كلمة

كلمة

البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلى

الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي

أمام

الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس وزراء

خارجية الدول الأعضاء

 

جيبوتي- جمهورية جيبوتي

15 - 17 نوفمبر 2012 م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

فخامة الرئيس إسماعيل عمر جيله

أصحاب المعالي الوزراء الموقرين،

حضرات السيدات والسادة،

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

يطيب لي أن أرحّب بكم جميعا، ونحن نشرع، بعون الله، في افتتاح أعمال الدورة التاسعة والثلاثين لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي التي تعقد تحت شعار "التضامن من أجل تنمية مستدامة"، في هذه الحاضرة الجميلة في قلب منطقة القرن الإفريقي، التي تشكل عمقاً استراتيجيا للأمة الإسلامية.

ويشرفني كذلك أن أبدأ بتحية شعب جيبوتي، وقادته، وعلى رأسهم فخامة الرئيس اسماعيل عمر جيله لاستضافتهم لنا في هذا اللقاء الإسلامي الجديد، متوجها لهم جميعا بعاطر الشكر والتقدير لرعايتهم الكريمة لهذا الاجتماع الهام، ومعرباً لهم عن صادق الامتنان لكل ما بذلوه من جهد، وما أعدوه من تنظيم لضمان حسن الوفادة وكرم الضيافة، والتأكد من سير أعمال هذا الاجتماع في أفضل الظروف.

ويطيب لي كذلك، أن أُسدي الشكر والتقدير لجمهورية كازاخستان رئيسة الدورة الأخيرة لمجلس وزراء الخارجية، على ما بذلته من جهد صادق، ومساهمة بنّاءة في أعمال المنظمة لدى رئاستها المجلس الوزاري، وما قامت به من مبادرات تستهدف تعزيز العمل الإسلامي المشترك، ودعم التضامن الإسلامي، والدفاع عن المصالح العليا للعالم الإسلامي.

 

السيد الرئيس، أصحاب المعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

ابدأ كلمتي بالتعبير عن خالص شكري وتقديري لدولنا الأعضاء، لاهتمامهم المتواصل بشؤون منظمة التعاون الإسلامي التي حظيت على الدوام بكريم دعمهم ورعايتهم، الأمر الذي كان له أثره البالغ في تعزيز نشاط المنظمة في مختلف المجالات، وساهم في تحقيق المنجزات العديدة التي أحرزنا عليها، والتي ارتقت بالمنظمة وجعلت منها منظمة رائدة على النطاق الدولي والدبلوماسي والتنموي. وهذا ما يجعلنا نتطلع في اجتماعنا هذا إلى دورة وزارية جديدة، تترك طابعها الحميد على مسيرة أعمالنا، وتدعم جهودنا الرامية إلى نصرة قضايانا، وتقدم أمتنا.

حضرات السيدات والسادة،

إذا ما استعرضنا واقع العالم الإسلامي في غمار الحراك العالمي الراهن، نجده يمر بأصعب فترة في تاريخه المعاصر منذ أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، وذلك عبر تحولات مفصلية وحاسمة وتطورات متلاحقة تشهدها بعض دوله، إن يقظة الشعوب وتطلعها إلى الحياة الكريمة والحكم الرشيد الذي تكون فيه مصلحة الشعوب هي العليا ويعمل فيها القادة في خدمة شعوبهم وحيث يتجلى حرص الجماهير على أن لا تعيش خارج سياق التاريخ. كل هذا غيّر موازين القوى، ونجم عنه حراك غير معهود. وتقول الحكمة أن تكون تلبية مطالب الشعوب هي مقصد الحكم، ويكون فيه الحوار السلمي هو أسلوب العمل، والتدرج في تحقيق الأهداف هو النهج المتّبع. وتكتسي هذه الدورة في جمهورية جيبوتي أهمية خاصة لأنها تعقد في ظل ما يشهده العالم الإسلامي من أزمات عسيرة تنتاب بعض دوله.

ففي فلسطين المحتلة لا تزال إسرائيل، السلطة المحتلة، متعنتة في مواقفها الرافضة للسلام العادل، وتصعّد اعتداءاتها على المسجد الأقصى المبارك في القدس، كما تقتحم باحاته وتهّدد كيانه بالانهيار نتيجة للحفريات تحته وحوله، إضافة إلى تزايد عمليات الاستيطان. وأود أن أذكِّر الجميع من هذا المنبر الوفاء بمسؤولياتهم لتنفيذ الخطة الاستراتيجية التي أعدتها المنظمة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية والمؤسسات المقدسية لتطوير القطاعات الحية في مدينة القدس ودعم صمودها أمام التحديات التي تجابهها، إضافة إلى تأييد الجهود المبذولة للاعتراف بفلسطين بصفة دولة مراقبة في نظام منظمة الأمم المتحدة.

أما في قطاع غزة، فإن الحصار الإسرائيلي لعمليات الإعمار الاقتصادي والاجتماعي للقطاع، يعتبر حصاراً غير شرعي، وعقوبة جماعية ضد مليون ونصف مليون فلسطيني في غزة، كما تعتبر عواقب هذا الحصار وتبعاته جريمة متواصلة ضد الإنسانية، ينبغي أن يوضع لها حد على الفور.

أما في سورية، فإننا ندين ما يجري فيها من إزهاق للأرواح ونزيف الدماء، والقتل المتعمّد للمدنيين، والتدمير للبيوت والمنشآت. وقد كنّا من أول من قام بالتدخّل لحل أزمة سورية منذ بدء انطلاقها. وعقدنا لذلك اجتماعا خاصا للجنة التنفيذية للمنظمة بحضور سورية. كما أصدرت القمة الإسلامية الاستثنائية الرابعة التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية في 26 و27 رمضان 1433هـ الموافق 14 و15 أغسطس 2012 م قراراً يدين استمرار أعمال العنف وإراقة الدماء، والانتهاكات الممنهجة الواسعة لحقوق الإنسان، ويدعو إلى الوقف الفوري لها، وتعليق عضوية سورية في المنظمة. وقد أفشل القادة السوريون كل المساعي لوقف العنف، وأصروا على اللجوء إلى الحسم العسكري لإسكات الأصوات المطالبة بالحرية والكرامة.

وندعو الأطراف المعنية إلى التجاوب مع مهمة المبعوث المشترك الأخضر الإبراهيمي لحقن دماء المسلمين وإيجاد الحل السلمي للتطلعات المشروعة للشعب السوري في إطار وحدة سورية وأمنها واستقرارها. ونرحب في هذا السياق باتفاق المعارضة السورية في اجتماعها الأخير بالدوحة على توحيد صفوفها.

أما الوضع في مالي ومنطقة الساحل الإفريقي، فإنه مثار قلقنا العميق، لما يمثله من زعزعة السلام والاستقرار في المنطقة بأكملها. ونود في هذا المقام أن نجدد تضامننا مع الحكومة الوطنية الانتقالية في جمهورية مالي في مواجهة التحديات المحدقة بسيادتها ووحدة أراضيها، كما ندعم مساعي الوساطة التي تقوم بها منظمة الايكواس بقيادة جمهورية بوركينا فاسو. وقد أوفدنا مؤخرا بعثة مشتركة مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابعة للأمم المتحدة لتقييم الاحتياجات الإنسانية في مالي، وسنرسل وفدا رفيع المستوى من الأمانة العامة إلى كل من مالي وبوركينا فاسو لبحث إمكانات بدء تفاوض سلمي يجنّب البلاد ويلات الحرب.

ويطيب لي أن أعرب عن الارتياح والسعادة للتطورات الأخيرة في الصومال، والتي تبين أنه قد بدأ يسير نحو التعافي واستتباب السلام والاستقرار، بعد استكمال العملية الانتقالية، وتشكيل حكومة منتخبة. وقد قمت بزيارة مقديشو والتقيت مع فخامة الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء وكبار المسؤولين الصوماليين، بينما نواصل دعم العمل الإنساني في الصومال من خلال مكتبنا في مقديشيو.

أما في أفغانستان، فإنها تقترب من دخول مرحلة حاسمة من تاريخها، حين ستأخذ بيدها زمام إدارة شؤون الأمن والجيش في البلاد، ونجدد في هذا الإطار تأييدنا لشعب أفغانستان وحكومته في جهودهم هذه لتمهيد الطريق لمستقبلٍ أكثر أمنا وسلاما. وإنني لعلى يقين من أن حزمة تدابير "بناء الثقة" التي اعتمدت في " مسار استانبول" والتي أيدتها الأطراف الإقليمية والدولية المعنية، تؤسس لأرضية ملائمة لتعزيز التعاون والثقة في المنطقة. كما إننا نؤيد الجهود الرامية إلى تعزيز التعاون بين أفغانستان ودول الجوار.

أما في السودان، فإننا نجدد تضامننا ودعمنا له إزاء التحديات الكبيرة التي يواجهها، وندين في هذا الإطار الاعتداء الإسرائيلي على سيادته. كما نناشد المجتمع الدولي الوفاء بالتزاماته بإعفاء ديونه ودعم اقتصاده لمواجهة تحديات ما بعد الانفصال.

ومن جهة أخرى، فإننا ندعو دولتي السودان وجنوب السودان إلى استمرار التفاوض لتسوية القضايا العالقة بينهما في إطار علاقات الأخوة وحسن الجوار. كما ندعو إلى حل سلمي للتوتر في جنوب كردفان والنيل الأزرق وتنفيذ اتفاق الدوحة للسلام في دارفور.

كما واصلنا الإعراب عن دعمنا وتضامننا مع أبناء شعب جامو وكشمير من أجل إحقاق حقوقهم وتطلعاتهم المشروعة. كما نعرف عن تضامننا المتواصل مع كل من جمهورية أذربيجان وجمهورية جيبوتي بخصوص أراضيهما المحتلة. وعلاوة على ذلك، نعرب عن دعمنا المتواصل لكل من البوسنة وكوسوفو ودولة قبرص التركية.

 

أصحاب المعالي الوزراء الموقرون،

حضرات السيدات والسادة،

لقد أوليت قضايا المجتمعات المسلمة حول العالم جل الاهتمام والرعاية، وشرعت منذ أن توليت مهامي كأمين عام في الوصول إلى تسوية سياسية بين حكومة الفيليبين، والجبهة الوطنية لتحرير مورو عبر المفاوضات، لتحقيق الأمن والاستقرار. وأثمرت جهودنا في إخراج رئيس الجبهة الوطنية لتحرير مورو من السجن، وعقدنا في عام 2007 اجتماعاً ثلاثيا، ضمّ حكومة الفيليبين والجبهة الوطنية لتحرير مورو، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، في محاولة لتجاوز العقبات التي تحول دون الوصول إلى التسوية المطلوبة، وتحديد مساحة منطقة الحكم الذاتي، والاتفاق على حكومة انتقالية وتقاسم الثروات الطبيعية. ولكن الحكومة الفيليبينية قامت من جانب واحد بمنح حكم ذاتي لمساحةٍ أقل من 9% من منطقة الحكم الذاتي التي أقرتها الاتفاقيات المتبادلة بين الحكومة والجبهة، خصوصا اتفاقية طرابلس لعام 1976، مما أدى إلى فشل محاولات التسوية.

وفي 15 أكتوبر 2012 تمّ التوقيع في قصر الدولة في مانيلا على اتفاقية إطار بين حكومة الفيليبين والجبهة الإسلامية لتحرير مورو بحضور رئيس وزراء ماليزيا، باعتبار ماليزيا الدولة التي اضطلعت بتسهيل عملية المفاوضات منذ بدايتها، وبحضوري الشخصي باعتباري الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي التي كان لها دور هام في محاولات تسوية هذا النزاع منذ بدايته.

وتنص هذه الاتفاقية الإطار، على إنشاء كيان لحكم ذاتي، في المنطقة التي ستعرف لاحقا بـ "بانغسامورو"، لتحل محل الكيان الحالي والذي يحمل اسم "منطقة الحكم الذاتي لمنداناو المسلمة". ونحن إذ نرحب بإبرام هذا الاتفاق الإطاري يحدونا الأمل في أن يتم تنفيذه بنية حسنة، وأن لا يلقى نفس مصير الاتفاقات السابقة التي إما تم التراجع عنها، مثل مذكرة الاتفاق التي أبرمت بين حكومة الفيليبين والجبهة الإسلامية عام 2010 ثم تراجعت عنها الحكومة بذريعة اعتراض المحكمة الدستورية عليها، ومثل اتفاقيتي السلام في عامي 1976 و1996 السابقة الإشارة إليهما، وبالتالي لم ينفذا بشكل كامل حتى الآن.

أما عن الوضع في ميانمار، فقد قامت المنظمة بنشر الوعي على المستوى الدولي إزاء ما يقع في ميانمار من تجاوزات خطيرة ضد مسلمي الروهينغيا الذين يبلغ عددهم 2 مليون نسمة، كما واكبَتْ المنظمة معاناتهم ومراحل تشردهم. ومتابعةً لتوصيات قمة مكة الاستثنائية الرابعة، أوفدت بعثة لتقصي الحقائق بشأن أوضاع المسلمين هناك.

وفي الوقت الذي كنا نواصل فيه هذه الاتصالات مع حكومة ميانمار، إذ بموجة جديدة من العنف والطرد والقتل والإحراق المتعمد للمنازل تندلع ضد الآلاف من المسلمين خلال عيد الأضحى المبارك في الأسبوع الأخير من أكتوبر 2012 م. وفي ضوء هذا التدهور السريع للأوضاع والإجراءات الممنهجة التي أخذت شكل التطهير العرقي، فقد بعثت مؤخرا برسالة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما بمناسبة زيارته المرتقبة إلى ماينمار، كما قمت بتوجيه رسالة إلى السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة في 31 أكتوبر 2012م، اشرت فيها إلى مسؤولية المجتمع الدولي في حماية الأقليات التي تتعرض للإبادة ومسؤولية مجلس الأمن على وجه الخصوص في التصدي لأي موقف من شأن استمراره أن يتطور إلى تهديد للأمن الإقليمي الذي لا يتجزأ من الأمن الدولي. كما أشرت إلى مسؤولية مجلس الأمن في مطالبة حكومة ميانمار باتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية الأقليات المسلمة على أراضيها، كما وجهت رسائل مماثلة للدول الإٍسلامية الأعضاء في مجلس الأمن وإلى الدول الأعضاء في مجموعة الاتصال التي شكلتها القمة الإسلامية، كما أجريت اتصالات مماثلة مع المجموعات الإسلامية في نيويورك وجنيف بغرض تكثيف الضغوط على حكومة ميانمار من خلال التحرك الجماعي للدول الإسلامية في الأمم المتحدة لإبقاء القضية حية لضمان استعادة الحقوق الشرعية لمسلمي الروهينغيا وعلى رأسها حق المواطنة. وأهيب بالدول الإسلامية الممثلة لدى الأمم المتحدة بالتقدم بمشاريع قرارات في كل من الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان تتضمن وجهة نظر المنظمة وفقا لقرارات القمة الإسلامية بحيث لا يكون مشروع الاتحاد الأوروبي هو المشروع الوحيد على الساحة.

وبات من واجب الدول الأعضاء في ضوء استمرار هذا التصعيد أن ترفع هذه القضية أيضا إلى مجلس الأمن باعتبار أن الممارسات التي يتعرض لها أبناء طائفة الروهينغيا تتخذ شكل التطهير العرقي.

وما زلنا، من ناحية أخرى، نواصل جهودنا لتحسين أحوال المسممين في كل من اليونان وبلغاريا وغيرها. وبالنسبة لبلغاريا، فإنني قد أثرت هذا الموضوع أثناء لقائي مع رئيس جمهورية بلغاريا في نيويورك مؤخرا، وتم الاتفاق على إيفاد بعثة من المنظمة إلى صوفيا، بغرض بحث القضايا التي تهم مسلمي ذلك البلد. ونحن إذ نرحب بهذا التطور الإيجابي، وفتح باب الحوار مع السلطات البلغارية، فإننا نأمل بأن تسفر هذه الاتصالات عن حل المشاكل التي تواجه المسلمين في بلغاريا. كما أعتزم مواصلة جهودي في هذا الشأن مع السلطات اليونانية والبلغارية.

 

أصحاب المعالي الوزراء الموقرون،

حضرات السيدات والسادة،

على الصعيد الاقتصادي تضمنت قائمة أنشطتنا نتائج إيجابية تحققت منذ أن قدمت تقريري الأخير لكم في السنة الماضية. فالنمو الاقتصادي لمنظمة التعاون الإسلامي تحسن على المستويين العالمي والبيني في إطار المنظمة. حيث ظلت المنظمة تمثل جهة اقتصادية دولية قوية جداً، إذ بلغ إجمالي الناتج المحلي لدولها الأعضاء 5.7 تريليون دولار أمريكي أي 8.3 % من إجمالي إنتاج الاقتصاد العالمي. وفي السياق نفسه، وبفضل مختلف الجهود التي تهدف إلى استشعار دولنا الأعضاء بالقضايا المتعمقة بتنفيذ اتفاقاتنا التجارية المشتركة، زادت التجارة البينية في إطار المنظمة كذلك من حيث القيمة النقدية من مبلغ 205.07 مليار دولار أمريكي في عام 2004 إلى 687 مليار دولار أمريكي في عام 2011. أما من حيث النسبة المئوية، فقد ارتفعت نسبة التجارة البينية للدول الأعضاء من 14.44% في عام 2004 إلى نسبة 17.71 % في عام 2011 م.

وأغتنم هذه الفرصة لأعرب عن تقديري لوزرائنا لاستجابتهم لسلسلة النداءات التي وجهتها لتوقيع وتصديق مختلف صكوك المنظمة ومنها صكوك بالغة الأهمية تتعلق بنظام التجارة التفضيلية. ويطيب لي في هذا الصدد أن أخبركم بأن "نظام التجارة التفضيلية" قد دخل الآن حيز التنفيذ. كما تم تأمين نحو 101 توقيع و65 تصديق للاتفاقات الاقتصادية منذ عام 2005 وحتى الآن، مما يشكل دليلاً على تلبية الدول الأعضاء لمقتضيات برنامج العمل العشري.

كما سُجِّل تقدم ملحوظ في تنفيذ مختلف برامجنا في مجال القضاء على الفقر والتعاون في القطاع المالي والتنمية الزراعية والتجارة والسياحة. ويذكر أن البرنامج الخاص بالتنمية في أفريقيا، الذي دشن في 2008، قد قام بجميع السحوبات بما مقداره 4.5 مليار دولار أمريكي لفائدة تمويل مشاريع إنمائية بلغ مجملها 428 مشروعاً. بينما زاد صندوق التضامن الإسلامي للتنمية مداخلاته في هذه القطاعات في شكل تمويلٍ أصغر وتدريبٍ مهنيٍّ وخدمات اجتماعية بمبلغ قدره 1.6 مليار دولار أمريكي، كما مَوّل صندوق التضامن الإسلامي 2253 مشروعاً بمبلغ قدره 195 مليون دولار أمريكي. إضافة إلى المداخلات المحكمة التي قامت بها كيانات مختلفة من كيانات مجموعة البنك الإسلامي للتنمية ومؤسسات التنمية الوطنية.

وإذ نشيد بمؤسساتنا الاقتصادية المختلفة لما تقدمه من دعم لمختلف البرامج المحددة في قرارات المنظمة ذات الصلة، أود أن أذكر أن هدفنا في السنة القادمة سوف يشمل عقد منتديات استثمار لتفعيل برامجنا الإنمائية المتخصصة من قبيل خطة عمل "منظمة التعاون الإسلامي للقطن وصناعة الأغذية الزراعية" و"شبكة المتنزهات والمناطق المحمية عبر الحدود" في غرب إفريقيا وخطة العمل لمتعاون مع آسيا الوسطى ومؤتمر الأطراف المعنية بالتعمير في فترة ما بعد الصراع في الصومال.

 

أصحاب المعالي الوزراء الموقرون،

حضرات السيدات والسادة،

في المجال الإنساني واصلت إدارة الشؤون الإنسانية عملها في التخفيف من حدة الأزمات والكوارث في عدد من الدول الأعضاء ولمصلحة الأقليات المسلمة. وقد توسع نشاط الإدارة هذا العام ليشمل ثلاثة عشرة دولة. كما أصدرت الإدارة العدد التجريبي من تقرير الكوارث في العالم الإسلامي، وهو وثيقة إحصائية ومرجعية أساسية في مجالها. كما تعززت علاقات الإدارة مع المجتمع الإنساني الدولي بشكل ملحوظ وتعددت مصادر تمويلها.

وأود في هذا الصدد أن أشكر جميع الذين ساهموا في دعم العمل الإنساني في المنظمة، لاسيما المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، وبروناي دار السلام، وكازاخستان، والكاميرون. كما أشكر وكالة التنمية الدولية في أستراليا على تكفلها بتمويل برنامج رفع قدرات الإدارة الإنسانية الفنية والمهنية بما يمكنها من القيام بدورها بفاعلية أكبر على غرار مثيلاتها في المنظمات الدولية الأخرى، وهو برنامج بلغت تكلفته اثنين مليون دولار.

إن التوسع الملحوظ في نشاطات إدارة الشؤون الإنسانية وتعدد علاقاتها مع المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني وتصاعد وتيرة الكوارث والأزمات تملى علينا التفكير سوياً في بلورة رؤية مستقبلية أكثر طموحاً للعمل الإنساني داخل المنظمة بما يتلاءم مع حجم التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي في هذا المجال. وإننا ندعو جميع الدول الأعضاء لمدنا بأفكارها في هذا الإطار.

حضرات السيدات والسادة،

ما تزال تفشي ظاهرة الإسلاموفوبيا، مصدر قلق عميق لنا، وقد قمنا في المنظمة بجهود كبيرة ومتواصلة للتصدي لهذه الظاهرة التي تصاعدت وتيرتها مؤخرا، كما أبانته تقارير مرصد الإسلاموفوبيا التابع للمنظمة، وآخرها التقرير الخامس الذي هو بين أيديكم. وقد أثرنا هذا الموضوع مع النخب السياسية والدينية التي التقينا معها في مختلف أنحاء العالم. مبرزين نتائجه الخطيرة على استتباب الأمن والسلم الدوليين.

وبفضل هذه الجهود تمكنا من إقناع مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وفقا للنقاط الثمان التي اقترحتها بإصدار قرار توافقي رقم (16/18) تضمّن إدانةً واستنكارا حقيقيين لازدراء الأديان، وللتمييز ضد الأشخاص لاعتبارات تقوم على العقائد والدين حيث نصت الفقرة السادسة من القرار على اعتماد تدابير لتجريم التحريض على العنف على أساس الدين والمعتقد. وتم تبنّي هذا القرار كذلك بتوافق الآراء من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت رقم (66/167). ورغبة في تعزيز فرص تنفيذ هذين القرارين على أرض الواقع تقدمتُ بمبادرة "مسار استانبول" تؤكد القرارين المذكوريْن في شهر تموز/ يوليه 2011م، ثم اتبعنا ذلك بمبادرة مماثلة في واشنطن في شهر ديسمبر من العام نفسه،

وستتبعها مبادرة ثالثة في انكلترا باسم الاتحاد الأوروبي في ديسمبر من هذا العام، ولا زلنا نعمل على التغلب على العراقيل التي تحول دون تنفيذ حقيقي لهذه المبادرات. ويعتبر صدور هذين القرارين التوافقيين من قبل مجلس حقوق الإنسان، والجمعية العامة للأمم المتحدة تطوراً إيجابيا، لأنه قدم لنا فرصة للتركيز على القضايا الهامة، بعيداً عن التسييس والاستقطاب، وأتاح لنا فرصة كي لا نتوقف عند الموافقة على مجرد قرار. وهذا ما ساعدني على القيام بمبادرة "مسار استانبول". وإنني واثق من أن جهود بناء الثقة التي تمت في اجتماع "مسار استانبول" المذكور، ووافق عليها المعنيون من الأطراف الدولية والجهوية، سيمهد الطريق لزيادة الثقة والتعاون بين كل الأطراف.

وفي أعقاب صدور الفيلم "براءة مسلمين" الذي يسيء إلى الإسلام، وإلى الرسول محمد صل الله عليه وسلم، وما تبع ذلك من اضطرابات أدت إلى وفاة العديد من الأشخاص، تزامنت مع مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، قمت بإدانة شديدة لصدور هذا الفيلم، وقتل المسؤولين الأمريكيين والهجوم على السفارة الأمريكية في القاهرة. مؤكدا أن التعبير عن الغضب والإدانة لا ينبغي أن يكون عن طريق القتل أو تدمير الممتلكات. ولم نكتف بهذه الإدانة، بل أصدرنا تصريحا مشتركا مع الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، والاتحاد الإفريقي، يدين بشدة مقترفي هذه الجرائم.

أما في مجال حقوق الإنسان، فقد تم إنشاء الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان التابعة للمنظمة في نصف الوقت الذي قدّره برنامج العمل العشري لإنشائها، وقد تمت الموافقة عليها ودخلت حيز التنفيذ خلال اجتماع المجلس الوزاري للمنظمة في أستانة، كما قامت الدول الأعضاء بانتخاب 18 عضوا للهيئة في الوقت ذاته، وعُقدت الجلسة الأولى لعمل الهيئة في مدينة جاكارتا حيث انتخبت سيدة كأول رئيس للهيئة.

وتقوم هذه الهيئة بتنفيذ الرؤية التي رسمها لها برنامج العمل العشري. وقد فرغت الآن من إعداد قواعد الإجراءات التي تؤطرها، وهي معروضة عليكم اليوم لاعتمادها بعد أن خضعت لدراسة اجتماع كبار الموظفين.

 

حضرات السيدات والسادة،

وفي صدد التقدم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتعليم العالي ومراكز الأبحاث، يطيب لي أن أذكر أن مؤشر الابتكار العالمي لعام 2012 الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية يضم في قائمته عدداً من دول منظمة التعاون الإسلامي من بينها ماليزيا والأردن والسنغال وغيرها في فئة الأداء الجيد. وفي هذا الصدد، تشارك الأمانة العامة في عدد من المشروعات النوعية والتي هي الآن في مراحل تنفيذها المختلفة.

أما في مجال التعليم العالي، فيسعدني أيضا أن أشير إلى وجود 9 جامعات من الدول الأعضاء ضمن قائمة أفضل 400 جامعة في العالم حسب تصنيف مؤسسة (QS) لعام 2012. ويحظى البرنامج التعليمي لمنظمة التعاون الإسلامي "التضامن من خلال المؤسسات الأكاديمية في العالم الإسلامي"، باهتمام متنام على المستوى الدولي حيث قيّمه خبراء برنامج الاتحاد الأوروبي التعليمي بأنه حسن جدّاً. وتدل هذه التطورات الإيجابية على نجاح جهودنا المتواصلة لنشر الوعي بقيمة تعزيز جهود العلوم والتكنولوجيا والابتكار والبحث العلمي في الدول الأعضاء.

وفي مجال الصحة، نواصل تعزيز تعاوننا لمنع انتشار الأمراض والأوبئة مع المنظمات الدولية ذات الصلة مثل "المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال، والصندوق العالمي لمكافحة السل والإيدز والملاريا".

 

حضرات السيدات والسادة،

ويتبين لكم مما سبق حجم الأنشطة المتعددة المنوطة بالمنظمة، وهو حجم مآله الاتساع أمام تزايد علاقاتنا على المستوى الداخلي والدولي لضمان رعاية أفضل لقضايا العالم الإسلامي. وسنعرض على معاليكم، مشروع قرار نسعى من ورائه فتح مكاتب إقليمية جديدة للمنظمة بهدف تعزيز حضورنا على الساحتين الإقليمية والدولية وتطوير التعاون مع العديد من الدول والمنظمات الدولية. وقد اتسع كذلك نطاق مسئوليات الإدارات المختلفة ومهامها.

ونتيجة لكل ما سبق، فإنه من المتوقع أن لا تكفي النفقات التقديرية للعام الحالي بالكاد لمتطلبات الأعمال المتنامية بشكل مطرد، بسبب ضغوط الحاجات المتنامية التي تفرضها الظروف التي نعمل فيها. وحينما ننظر إلى الأنشطة المستقبلية، فإننا نحتاج في ميزانية العام القادم إلى زيادة بنسبة 9.7%، ولكن الدورة الواحدة والأربعين للجنة المالية الدائمة قد أوصت بزيادة قدرها 3%، ولا يخفى على معاليكم أن هذه النسبة غير كافية لمتطلبات الميزانية لعام 2013م. وأود في هذا المجال أن أعرب عن عميق شكري وامتناني لحكومتي المملكة العربية السعودية وجمهورية أذربيجان اللتين قدم كل منهما مساهمة طوعية بقيمة 3 ملايين دولار لصالح الأمانة العامة التي كانت في أمس الحاجة لها. كما يطيب لي أن أشكر الدول الأعضاء التي تؤدي مساهماتها المالية بشكل منتظم، وأرجو من الدول غير المنتظمة التفضل بأداء مساهماتها بكيفية منتظمة. وفي هذا الشأن تفكر المنظمة في تفعيل القرار رقم 6/32 -أف الصادر عن الدورة الثانية والثلاثين للمؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية التي عقدت في صنعاء بالجمهورية اليمنية خلال الفترة من 21 إلى 23 جمادى الأولى 1426ه (28 – 30 يونيه 2005م)، والخاص بتدابير التعامل مع الدول غير المنتظمة الأداء، طبقا لما يتم في المنظمات الدولية.

وختاماً، فإننا نتطلع إلى انعقاد القمة الإسلامية القادمة في أرض الكنانة وهي قمة نعول عليها في تعميق رؤية منظمتنا وأنشطتها نحو آفاق جديدة تمكن العالم الإسلامي من تجاوز أزماته وتأمين مستقبل أكثر ازدهارا وإشراقا لشعوبه.

راجيا لمداولاتكم التوفيق والسداد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.