مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

الفصل الثاني عشر

أهدافُ التحَالف العربي من الحَرب

          شكّل المحور السعودي - المصري - السوري عقب غزو الكويت قلب المعارضة العربية لصدام حسين، وأصبح العمود الفقري للتحالف المضاد للعراق طوال الأشهر الستة التالية. ففي غياب ذلك المحور، لم يكن شنّ حرب لتحرير دولة الكويت الشقيقة ممكناً. ادّعى بعض المعلقين، عرباً وأجانب، أن أطراف المحور الثلاثة لم تجتمع إلا إذعاناً لرغبة الولايات المتحدة، أو طمعاً في الحصول على مكافأة من واشنطن سواء أكانت تلك المكافأة سلاحاً أم مالاً أم تأييداً سياسياً. فمن جملة الادعاءات، مثلاً، أن المملكة دعت القوات الصديقة بناءً على إصرار من الولايات المتحدة. وأن مصر انضمت إلى التحالف طمعاً في إعفائها من ديونها. وأن سوريا شاركت فيه حتى تُطلَق يدها في لبنان أو لتضمن التأييد الأمريكي في عملية السلام. وفي رأيي، أن كل هذه الأقاويل كانت بعيدة كل البعد عن الحقيقة.

          تَشكّل المحور العربي من الدول الثلاث؛ لأن كلاًّ منها رأت في حركة صدّام تهديداً خطيراً لمصالحها الحيوية. صمَّمت المملكة ومصروسوريا على إفشال محاولة صدّام فرْض هيمنته على المنطقة. إذ لو نجح صدّام في محاولته تلك لاستطاع: تهديد أمن المملكة وجعلها عرضة للابتزاز وتهميش دور مصر على الساحة العربية وتعريض نظام الحكم في سوريا لخطر داهم. فلو لم يشكِّل صدّام خطراً جسيماً على مصالح هذه الدول العربية، لما تشكّل التحالف، ولما شُنّت الحرب. ولعلها لو شُنّت في غياب المشاركة العربية، لَغَدَتْ حرباً على نحوٍ مختلفٍ تماماً.

          لم يستطع الرأي العام الغربي فهْم هذه المبررات العربية؛ أنه لم يكن يرى إلى صدّام سوى زعيم منشقّ يملك ترسانة هائلة من الأسلحة غير التقليدية يهدد بها مصالح الغرب، وأمن إسرائيل

          يُعَدّ غزو صدّام الكويت في شهر أغسطس عام 1990، أشد التهديدات خطراً لأمن المملكة، خلال فترة خدمتي العسكرية. كما يُعَدّ أعظم تحدٍّ لقواتنا المسلحة، ولي شخصياً، عندما عُيِّنْتُ قائداً القوات المشتركة. فمنطقتنا الشرقية الحيوية المنتجة للبترول، والمصدر الرئيسي لثرواتنا الوطنية، كانت عرضة لهجوم المعتدي بفِرقِه المدرعة والآلية.

          لا شك أننا واجهنا من قبل أزمات متعددة في هذه المنطقة المضطربة من العالم، منها مثلاً الحرب الأهلية في اليمن في الستينات، وحرب يونيه عام 1967، والإطاحة بشاه إيران عام 1979، وغزو إسرائيل لبنان وقصفها الوحشي لمدينة بيروت عام 1982. ولكنَّ أياً من تلك الأزمات لا تقارن فداحتها بفداحة هذه الأزمة، التي أدت إلى ابتلاع دولة الكويت وإلى تشكيل خطر مباشر على المملكة.

          وعلى سبيل المثال، عندما تدخَّل الرئيس عبدالناصر في اليمن عام 1962، لم يكن يمتلك ترسانة هائلة من الأسلحة، كالتي كان يمتلكها صدّام فضلاً عن أن القوات المصرية كانت ستواجه مقاومة عنيفة من القبائل المحاربة التي تسكن المناطق الجبلية في اليمن قبل أن تفكر في المغامرة باقتحام المملكة نفسها. وعلى كل حال، كان الجيش المصري في اليمن على مسافة جدّ بعيدة عن حقولنا النفطية، تفصله عنها صحراء مكشوفة ومنطقتا عسير ونجران.

          لكنّ الخطر هذه المرة كان على الأبواب. فجيوش صدّام موجودة في الخليج نفسه، ولا تبعد عن الظهران إلاّ مسيرة بضعة أيام. لذلك، كان الوضع أكثر تهديداً وأشدّ خطراً.

          أمّا اعتداءات إسرائيل على العرب، وعلى الأخص عامي 1967، 1982، فهي محاولات من جانب الدولة اليهودية لفرض إرادتها على الدول العربية بقوة السلاح. وقد أثارت هذه الاعتداءات، لا غرو، قلقنا إلى حدٍّ كبير. فالهجمات الإسرائيلية المتكررة نشرت الدمار والخراب في المنطقة وشَتَّتَتْ السكان، ونجم عنها الاحتلال غير المشروع للأراضي العربية، كما أدّت إلى اضطرابات سياسية عميقة في المشرق العربي. ولا تزال آثار الاعتداءات الإسرائيلية ماثلة أمامنا حتى اليوم، ولا تزال مصدر قلق عميق لنا حتى الآن. ولكن في كل تلك الاعتداءات التي شنتها إسرائيل على الدول العربية، كانت مصر أو سوريا أو الأردن هي التي تقف على خط المواجهة، وليس المملكة.

          ويصدُق ما ذكرته، في شأن اليمن وإسرائيل، على إيران أيضاً. فعندما أطاح الثوار الإيرانيون بالشاه عام 1979 وأقاموا جمهوريتهم الإسلامية، واجهْنا تهديداً أمنياً آخر، تهديداً يتمثل في أعمال التخريب والإرهاب وإثارة النعرات الطائفية واحتمال هجوم مسلح من طريق البحر أيضاً. ولم تكن جمهورية إيران الإسلامية، الواقعة على الطرف الآخر من الخليج، جارةً يسهُل التعايش معها بسلام. وأثناء حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران، من 1980 إلى 1988، كان التهديد الذي تعرّضنا له تهديداً غير مباشر أكثر منه تهديداً مباشراً. ومع أننا قدّمنا إلى العراق مساعدات هائلة خلال ذلك النزاع، لكن الذي كان يخوض المعارك بشكل مباشر هو العراق وليس المملكة.

          تغير ذلك كلّه في أغسطس 1990، عندما أقدم العراق على غزو الكويت وأصبحت المملكة، هذه المرّة، على خط المواجهة دون وجود منطقة عازلة تفصلها عن المعتدي. ولهذا السبب، كانت الأزمة أشد تهديداً لنا، مقارنة بكل ما سبقها من أزمات.

          وحماية لبلدنا وشعبنا، لم يكن لدينا خيار آخر سوى دعوة القوات الصديقة لمساندتنا، لا سيما الولايات المتحدة، القوة الوحيدة التي تملك الإرادة والوسائل لردع العدوان العراقي. ودفاعاً عن استقلالنا وسيادتنا، أصبحت سياستنا الخارجية أكثر حزماً، وتحالُفُنا مع الغرب أكثر علانيةً. لم يكن الاعتماد على الغرب لحماية أمننا الوطني في المدى البعيد هدفاً نسعى إليه، بل خلافاً لذلك، كان الأفضل لنا أن نعتمد على تحالفٍ عربي، شريطة أن يكون قادراً على التصدي للمعتدي. ولَمّا كنّا غير قادرين، نحن ودول الخليج العربية المجاورة، على الدفاع عن أنفسنا في وجه طغاة معتدين من أمثال صدّام حسين، فإن التحالف مع الغرب، الذي تربطنا به مصالح اقتصادية مشتركة، يُعَد في رأيي، عملاً ضرورياً ومُلِحاً في مثل تلك الظروف.

سابق بداية الصفحة تالي