مقترحات البحث الأشكال والخرائط الصور المحتويات

مقاتل من الصحراء

الفصل العشرون

معركة الخفجي

          إن الانتصار في أية معركة لا يتحقق بالسلاح والمعدات والإمدادات وعدد الرجال فحسب، بل إن ثمة عاملاً حاسماً، وإن لم يكن ماديا كالعوامل السابقة، إلاّ أن دوره يفوقها جميعاً، ذلك هو الروح المعنوية التي تختلج في صدر كل جندي، فهي تمنحه الإحساس بالثقة من النصر، أو تبثُّ فيه الإحساس بالإحباط والهزيمة، وهذا ما يدركه كل قائد عسكري. وقد وردت في رواية ليو تولستوي leo tolstoy "الحرب والسلام"، عبارة مشهورة يقول فيها: " تكمن قوة كل جيش في روحه المعنوية".

          ويحكي تولستوي ، في روايته الشهيرة، كيف نجح نابليون napoleon في الاستيلاء على موسكو ، عام 1812 ، بجيشه الإمبراطوري الضخم الذي كان قوامه 600 ألف جندي. ولكن بعد انقلاب الموازين، فرَّت فلول ذلك الجيش العظيم، عبر قِفَار روسيا التي تغطيها الثلوج، منسحبة إلى بلادها. كتب تولستوي يقول: "إن نجاح أي عمل عسكري لا يعتمد على القائد الذي يدير دفة المعركة، بل على الجنود الذين تخرج صيحة النصر أو الهزيمة من حناجرهم، فإذا صادفت صيحات الاستبشار بالنصر قائداً شجاعاً مِقْداماً، أصبح الفَرق في عدد الجنود غير ذي بال، فيبلي خمسة الآلاف رجل بلاء الثلاثين ألفاً".

          كان التحالف ضد صدّام حسين واثقا من النصر، فالتفوُّق في العدد والعدة والإمكانات والتكنولوجيا كفيلٌ بتحقيق الانتصار، إلاّ أن الأمر لم يخل من بعض المخاوف والشكوك: ما أثر الحملة الجوية في قدرة العراق على مواصلة القتال؟ هل سيستخدم صدّام الأسلحة الكيماوية؟ هل سيكون في مقدرته جرُّ التحالف إلى حرب برية في الوقت الذي يختاره؟ هل سيكون في قدرته تكبيد التحالف خسائر جسيمة تُحَوّل هزيمة العراق العسكرية إلى نصر سياسي، كما فعل الرئيس عبدالناصر في حرب السويس عام 1956؟ لم يكن في وسع أحد أن يعطي إجابات شافية عن تلك التساؤلات. (وقد انعكس خوف التحالف من تكبُّد خسائر عالية، بل وتوقُّعه إياها، في تجهيز 18 ألف سرير علاجي).

          أزالت معركة الخفجي بعض الغموض، وقدَّمتْ الإجابات عن بعض التساؤلات السابقة. وإن نجحت المعركة في إلقاء الضوء على الوضع الحقيقي للجيش العراقي، إلاّ أن دورها الأهم، من وجهة نظري، يتلخص في أثرها في الروح المعنوية لقواتنا وللقوات العراقية على حٍّد سواء. كانت قواتنا تطِلق صيحات النصر، بينما قوات صدّام تطلق صيحات الهَلَع والذعر والهزيمة. أضحى كل واحد من رجالنا، بعد معركة الخفجي، واثقا أن النصر حليفه. وعلى العكس من ذلك، كان كل رجل على الجانب الآخر مُوِقناً بالهزيمة لا محالة.

          وفي كل صراع، يأتي منعطف يبدو للمرء فيه أن الموازين انقلبت، ومعركة الخفجي كانت ذلك المنعطف.

سابق بداية الصفحة تالي