الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

ثالثا: مرحلة التآمر الدولي على فلسطين (1914 ـ 1920)

1. المعاهدة العربية/البريطانية

أ. التذمر العربي من الحكم التركي

عندما خلص الحكم في الأستانة إلى "جمعية الاتحاد الترقي" بعد تنحية السلطان عبدالحميد وتعيين أخاه خلفاً له عام 1909 كان العرب يأملون أن ينجلى الحكم الجديد في الدولة العثمانية عن اتجاهات تحررية تسمح بقدر معقول من الحكم الذاتي في الولايات العربية، إلا أن الأمر جاء على غير ما يأملون، فقد بدأ الحكام الجدد ينفذون سياسة جديدة عُرفت "بالحركة الطورانية" استهدفت تخليص الثقافة التركية من المؤثرات العربية والفارسية التي دخلت عليها وسيادة الجنس التركي، بالإضافة إلى فرض التركية كلغة رسمية في المدارس والمحاكم في كافة ولايات الدولة، وبدأ تنفيذ هذه السياسة منذ عام 1911 بطريقة صارمة استفزازية مما جعل العرب يطالبون بإقامة نظام لا مركزي يحقق قدراً من الحكم الذاتي في الولايات العربية في نطاق الدولة العثمانية.

وفي إطار هذه الحركة العربية بدأت تتكون الجمعيات والتجمعات السياسية العلنية والسرية في الأستانة وباريس وبيروت ودمشق، وأنشأت هذه الجمعيات والتجمعات فروعاً لها في المدن السورية والفلسطينية والعراقية. وكان أبرز هذه الجمعيات والتجمعات هي المنتدى الأدبي الذي أنشئ عام 1908 وجمعية العربية الفتاة التي أُنشأت عام 1911 وجمعية العهد التي أنشأت عام 1913، وفي عام 1912 تأسس في القاهرة حزب اللامركزية، حيث انضم تحت لوائه الكثير من الجمعيات العربية، ومارس ذلك الحزب نشاطه بمنأى عن البطش العثماني لوقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت، ورحب الإنجليز والفرنسيون بهذا النشاط السياسي الذي يمهد لتفكيك ولايات المشرق العربي من الإمبراطورية العثمانية، وهو ما كانوا يسعون إليه في ذلك الوقت.

وكان أبرز مظاهر هذه الحركة العربية هو عقد المؤتمر العربي الأول في باريس صيف عام 1913 برعاية حزب اللامركزية (في القاهرة) ولجنة الإصلاح (في بيروت)، حيث طالب المؤتمرون باعتراف حكومة الأستانة بحقوق العرب باعتبارهم شركاء في الدولة، وتطبيق نظام لا مركزي في حكم الولايات العربية يسمح بالمشاركة الفعلية في إدارة شؤونها.

وقد حاولت حكومة الاتحاد والترقي في البداية منع عقد المؤتمر في باريس. وإزاء فشل المساعي التركية لدى الحكومة الفرنسية في هذا الشأن، أرسلت الأولى ممثلاً عنها لمفاوضة رؤساء المؤتمر بشأن مطالبهم، وانتهى الأمر إلى الاتفاق على مبادئ عامة كان بينها استخدام اللغة العربية كلغة رسمية في الولايات العربية، وأن يتولى العرب بعض المناصب القيادية، فيكون في الحكومة العثمانية ثلاثة وزراء عرب وفي مناصب الولاية خمسة ولاة عرب، مع تنفيذ واستخدام الخدمة العسكرية للشباب العربي في الولايات العربية، إلا أنه سرعان ما صدر في الآستانة مرسوم في 18 أغسطس 1913 أطاح بكثير من الأسس التي تم الاتفاق عليها، وفي ظل عمليات القمع التي قام بها جمال باشا في سورية، أصبح الطريق ممهداً للثورة العربية بعد أن ساد اليأس من موقف الحكومة التركية كافة ولايات المشرق العربي.

ب. الاتصالات العربية الاستطلاعية

عندما نفض العرب أيديهم تماماً من احتمال التحرك التركي نحو الإصلاح، بدأوا في أواخر عام 1913 وبداية عام 1914 اتصالاتهم الاستطلاعية مع كل من فرنسا وبريطانيا اللتين أبديتا اهتماماً بتقدم الحركة الوطنية في المشرق العربي، فقابل شفيق بك المؤيد (إحدى الشخصيات العربية البارزة في ذلك الوقت والعضو في مجلس المبعوثان) السفير الفرنسي في الأستانة في ديسمبر 1913 واستفسر منه عن موقف فرنسا في حالة اندلاع الثورة العربية في سورية ضد الحكم التركي، وعما إذا كانت الحكومة الفرنسية سترسل قوات عسكرية إلى حلب للتدخل إذا أرسلت تركيا قواتها إلى سورية لتبقيها تحت الحكم التركي، وبالرغم من تداخل الفرنسيين مع العرب في سورية آنذاك فقد جاء رد السفير الفرنسي سلبياً في ذلك الوقت ونصح بتعاون العرب مع الأتراك حتى يحصلوا على مطالبهم.

وبعد أقل من شهرين (في فبراير 1914) كان الشريف حسين (شريف مكة الذي يحظى بتأييد الأحزاب والجمعيات العربية) يرسل ابنه الأمير عبدالله إلى مصر لتدعيم علاقاته مع البريطانيين هناك واستطلاع موقفهم في حالة اندلاع الثورة العربية، إلا أن موقف اللورد كتشنر المندوب السامي في مصر كان متحفظا. وعندما طلب الأمير عبدالله فيما بعد مقابلة "رونالد ستورز" سكرتير الشؤون الشرقية، أصدر كتشنر تعليماته إلى ستورز أن يتجنب تشجيع الأمير عبدالله على خططه وأن يوضح له "أنه ليس لعرب الحجاز أن يتوقعوا تشجيعاً منا (بشأن الثورة على تركيا).

وهكذا فشلت الاتصالات العربية المبكرة بكل من فرنسا وبريطانيا في الحصول على وعد بحماية الثورة العربية ضد تركيا عند اندلاعها. إلا أن ذلك الموقف لم يستمر طويلاً، فمع اندلاع الحرب العالمية الأولى في أغسطس 1914 واحتمال دخول تركيا فيها إلى جانب ألمانيا قدَّم رونالد ستورز ـ الذي تذكر عرض الأمير عبدالله وما يمكن أن تقدمه الثورة العربية من خدمة إلى قضية الحلفاء خلال الحرب ـ مذكرة إلى المندوب السامي يوضح فيها أنه يمكن عن طريق محادثات يقوم بها البريطانيون في حينها أن يضمنوا ليس حياد البلدان العربية فحسب، بل وتحالفها أيضا.

وسرعان ما أصدر اللورد كتشنر تعليماته إلى ستورز ليرسل رسولاً سرياً يحسن اختياره إلى الأمير عبدالله ليتحرى ما إذا كانت تركيا ستدخل الحرب إلى جوار ألمانيا "وما إذا كان هو وأبوه وعرب الحجاز معنا أم علينا". إلا أن رد الشريف حسين تركز على ما يخصه وعرب الحجاز، حيث أوضح لرسول البريطانيين "إن للإمبراطورية العثمانية حقوقاً علينا، ولنا نحن حقوق عليها. ولقد أعلنت الحرب على حقوقنا، ولست مسؤولاً أمام الله إن أعلنت الحرب أنا على حقوقها". ومن ثم فإنه إذا مد البريطانيون يد المساعدة للعرب فلن يقوم هؤلاء بمساعدة الأتراك، بل على العكس سيساعدون البريطانيين.

وجاء رد اللورد كتشنر في 21 أكتوبر 1914 غامضاً. فهو وإن اعترف بالشريف حسين ممثلاً للأمة العربية ووعد بمساعدة تلك الأمة ـ إن هي ساعدت بريطانيا عند دخول تركيا الحرب ـ والمح إلى تولي الخلافة واحد "من سلالة أصيلة من مكة"، إلا أنه لم يوضح مستقبل الولايات العربية في حالة انتصار بريطانيا وحليفاتها. وإزاء هذا الوعد الغامض اكتفى الشريف حسين في هذه المرحلة بالوقوف على الحياد وعدم تقديم أية مساعدة إلى تركيا التي كانت قد دخلت الحرب إلى جانب ألمانيا اعتباراً من 29 أكتوبر 1914.

وفي الأسابيع الأولى من عام 1915 تلقى الشريف حسين نداءات من الجمعيات السرية في سورية تلح عليه بالقيام بالعمل وفقاً لبرنامج دمشق، طلبت اللجنة العربية من الشريف حسين أن يقوم الحجاز بالثورة حين ينفجر العصيان المسلح في سورية، لكنه لم يقتنع بما سمع من استعدادات، و ظل يراقب الأوضاع لما يقرب من شهرين، وطالب بنوع من التغطية يقوم بها الحلفاء، ومع ذلك استمرت الجمعيات السورية التي كان يمثلها آنذاك مجموعة من المستشارين في مكة بالمطالبة ببدء العمل، مما جعل الشريف حسين يتخلى عن حرصه تحت ضغط الجمعيات السورية، بالرغم من نصيحة ابنه الأمير فيصل بضرورة التأني في ظل فشل حملة الحلفاء ضد القوات التركية في منطقة الدردنيل، وفي ذلك الوقت كان قد جاء إلى مصر مندوب سامي جديد هو السير "هنري مكماهون"، الذي يحمل تعليمات من حكومته بتوطيد علاقاته مع الشريف حسين.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة