الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

ثانياً: تطور المشروع الصهيوني في فلسطين (1920 ـ 1939)

1. المؤسسات الصهيونية ودورها في تهويد فلسطين

أ. الوكالة اليهودية

اقتضى المخطط الصهيوني لتهويد فلسطين بدء الجهود العملية لوضع تصريح بلفور موضع التنفيذ فور استيلاء البريطانيين على القدس في التاسع من ديسمبر 1917، وأسفرت الاتصالات الصهيونية بالحكومة البريطانية في أعقاب إعلان تصريح بلفور عن قبول تلك الحكومة بتشكيل لجنة صهيونية تجسد التشكيل المدني الصهيوني الذي يعمل جنباً إلى جنب مع الإدارة العسكرية البريطانية في حكم فلسطين، وقد حرص الدكتور حاييم وايزمان، الذي راس تلك اللجنة على توسيعها بحيث تضم أغلب المنظمات الصهيونية في دول الحلفاء، ولخص "السير رونالد ستورز" الحاكم العسكري لمدينة القدس مهمة هذه اللجنة في "إيجاد الجو المناسب لتنفيذ البرنامج الصهيوني والبدء في تنفيذ بعض المشروعات الصهيونية.

وبدأت اللجنة عملها في فلسطين اعتباراً من ربيع عام 1920 قبل تشكيل الإدارة المدنية البريطانية برئاسة هربرت صموئيل ببضعة أشهر، وقد تألفت تلك اللجنة من مائة عضو، يضمهم جهاز أشبه بوزارة تتكون من رئيس ونائب له وثلاثة أعضاء ومراقب وسكرتير وأمين صندوق ورئيس حسابات، ومع بدء عمل الإدارة المدنية البريطانية في أول يوليه من ذلك العام، أصبحت اللجنة الصهيونية تعمل كحكومة داخل الإدارة البريطانية الجديدة، وكان لتلك اللجنة مفوضون في يافا وحيفا والجليل وصفد وطبرية والقاهرة والإسكندرية وبور سعيد، ثم بادرت اللجنة بتشكيل جمعية تأسيسية وإنشاء عدة محاكم مدنية دائمة.

ومع إعلان عصبة الأمم في يوليه 1921 صك الانتداب وما به من صلاحيات أوكلت إلى وكالة يهودية معترف بها، أصبحت تلك الوكالة عنصراً رسمياً من عناصر الحكم في فلسطين. وقد استلزم ذلك الأمر تشكيل وكالة موسعة تتمتع بموافقة الأطراف اليهودية المختلفة وفي مقدمتها المنظمة الصهيونية العالمية، وعلى أثر ذلك قرر المؤتمر الصهيوني العالمي الثاني عشر في سبتمبر 1921 تشكيل لجنة تنفيذية منبثقة منه تحت اسم "اللجنة التنفيذية الصهيونية لفلسطين" لتحل محل اللجنة الصهيونية في تولي المسؤولية التي أوكلها إليها صك الانتداب في فلسطين.

وقد تشكلت اللجنة الأخيرة من رئيس ومحافظ وأمين صندوق وسكرتارية عامة وممثل سياسي ومجموعة من الإدارات. وظلت تلك اللجنة تمارس عملها بالتنسيق مع المندوب السامي ـ الذي كان يجتمع بممثل عن تلك اللجنة أسبوعيا لمناقشة السياسة العامة ـ حتى تم توسيع الوكالة اليهودية في صيف عام 1929، لتمثل اليهود الصهيونيين وغير الصهيونيين.

وقد استهدف توسيع الوكالة اليهودية إشراك اليهود البارزين الذين يشغلون مناصب حكومية حساسة في بلادهم وأغنياء اليهود في مجالات تهويد فلسطين، مما يضيف ثـقلا جديدا يساعد في تنفيذ المخططات الصهيونية وتوفير التمويل اللازم لها، فضلاً عن أن توسيع الوكالة سوف يخفف من حدة معارضة اليهود المعادين للحركة الصهيونية، كما أن اعتراف عصبة الأمم بالوكالة اليهودية التي تمثل يهود العالم سوف يعزز مركز الصهيونيين في مجال الاتصال بالدول والشخصيات الرسمية الأجنبية.

وقد لاقت دعوة وايزمان لتوسيع الوكالة اليهودية في البداية معارضة شديدة وخاصة من جانب الصهيونيين الأوربيين وبعض الصهيونيين الأمريكيين الذين رفضوا إشراك اليهود الإندماجيين في عمل الوكالة اليهودية التي وقع على كاهلها مسؤولية العمل الصهيوني في فلسطين، حتى لا يكون لهؤلاء الغرباء عن الحركة الصهيونية حق التصرف في شؤون الوطن القومي اليهودي، إلا أنه نظراً للأعباء المالية الضخمة اللازمة لتهويد فلسطين والتي عجزت عن توفيرها مصادر المنظمة الصهيونية العالمية، نجح فريق وايزمان في التغلب على تلك المعارضة والمضي قدما نحو توسيع الوكالة اليهودية علاجا للعجز المالي الذي كانت تعاني منه المؤسسات الصهيونية وضمانا لاستمرار المشروع الصهيوني في فلسطين.

وفي 11 أغسطس عام 1929 عُقد المؤتمر الدستوري للوكالة اليهودية الموسعة ووقعت الاتفاقية بين الصهيونيين وغير الصهيونيين بعد ذلك بأربعة أيام، وقد تضمنت تلك الاتفاقية دستور الوكالة اليهودية لفلسطين التي أنشئت "لتقوم بمهام الوكالة اليهودية كما نص عليها صك الانتداب تحقيقا لأهداف خمس تتمثل في، تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والتكفل بالحاجات الدينية اليهودية، ورعاية اللغة العبرية والثقافة اليهودية، وحيازة الأرض في فلسطين، على أن تصبح فيما بعد ملكية شرعية للشعب اليهودي، والعمل على إنجاح الاستيطان الزراعي القائم على العمل اليهودي".

وقد ضمنت مواد ذلك الدستور تحقيق الأغلبية الصهيونية في كافة أجهزة الوكالة اليهودية الموسعة، الأمر الذي يحقق سيطرة الصهيونيين على كافة أنشطة الوكالة، ويحول دون انحرافها عن التوجهات الصهيونية، وهو ما ظهر في أول قرارات لمجلس الوكالة اليهودية التي نصت على:

"أولاً: إعلان الابتهاج إذ يتحد كل إسرائيلي لإعادة بناء الوطن القومي اليهودي في فلسطين، ودعوة كل يهودي للالتفاف حول هذا الغرض المقدس.

"ثانياً: إذ يعبر المجلس عن تقديره لبريطانيا العظمى لإصدارها تصريح بلفور، فإنه يأمل واثقا في تعاون الدولة المنتدبة مع الوكالة اليهودية الموسعة في التحقيق الكامل للهدف العظيم الذي يتضمنه تصريح بلفور وصك الانتداب، وبوضع هذا الهدف موضع الاعتبار يطلب مجلس الوكالة اليهودية أن يتحقق الاعتراف بوضع الوكالة اليهودية، وأن تتبنى الدولة المنتدبة إنماء الوطن القومي، مع حماية حقوق كل سكان فلسطين ورفاهيتهم".

وفي الاجتماع الأول لمجلس الوكالة اليهودية وجه المجلس نداءا إلى كل يهود العالم لدعم مصادر "الكيرين هايسود" الجهاز المالي الرئيسي للوكالة، واعتبار ذلك الدعم واجبا مقدسا يعتمد عليه مستقبل الوطن القومي اليهودي وتنميته".

وفي جلسته الختامية يوم 14 أغسطس وافق المجلس على تشكيل الأجهزة التنظيمية للوكالة، وأصبح حاييم وايزمان ـ كرئيس للمنظمة الصهيونية العالمية ـ رئيسا للوكالة اليهودية، بينما كان "لويس مارشال" (رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية) رئيسا لمجلسها، وفي نفس الاجتماع وافق المجلس على استمرار اللجنة التنفيذية التي انتخبها المؤتمر الصهيوني عام 1929 في عملها حتى تتخذ اللجنة الإدارية للوكالة الإجراءات اللازمة لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة.

وبالرغم من نجاح الوكالة الموسعة في تحقيق وحدة الصف اليهودي فإنها لم تتمكن من تحقيق الآمال التي علقها وايزمان عليها نتيجة لاختلاف الرؤى بين الصهيونيين وغير الصهيونيين التي عوقت عمل الوكالة، فقد اعتقد الأولون أن مسؤولية العمل في فلسطين تقع على عاتق المؤتمر الصهيوني العالمي ولجنة العمل الصهيونية فحسب، بينما كان الآخيرون يرون أن توسيع الوكالة يعني أن يوضع في الاعتبار رأي مختلف القوى التي تعمل في إطار الوكالة عند تقرير الأمور السياسية والمالية. وقد أنحى الصهيونيهن باللائمة على غير الصهيونيين بدعوى أنهم لم يحفظوا عهدهم، فلم تزد تبرعاتهم منذ توسيع الوكالة إن لم تكن قد تناقصت، وكان من شأن هذا الخلاف أن جرت عدة محاولات لإعادة النظر في أسس مشاركة غير الصهيونيين في أجهزة الوكالة، إلا أنها لم تتم حتى أجبرت الثورة الفلسطينية (1936 ـ 1939) الصهيونيين على إعادة تنظيم صفوفهم والاعتماد على أنفسهم في مواجهة الحركة الوطنية الفلسطينية.

وبالرغم من كل المعوقات السابقة، قامت الوكالة اليهودية بجهود كبيرة لوضع أساس الدولة اليهودية في فلسطين، فقد غطت أنشطتها مجالات الهجرة وحيازة الأراضي والتوطين والزراعة والصناعة والتجارة، فضلا عن النشاط السياسي والعسكري.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة