الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

الفصل الثالث
فلسطين في ظل الانتداب البريطاني
خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها
1939 ـ 1947

الأحداث الرئيسية

16  أغسطس 1939

:

انعقاد المؤتمر الصهيوني الحادي والعشرين في "بال" بسويسرا.

39  أغسطس 1939

:

إبلاغ الحكومة البريطانية باستعداد اليهود للقتال إلى جانب المملكة المتحدة خلال الحرب.

أوائل ديسمبر 1939

:

بدء تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين تطبيقاً للكتاب الأبيض.

23  أغسطس 1940

:

إبلاغ المنظمة الصهيونية العالمية قرار الحكومة البريطانية بقبول مساهمة اليهود العسكرية في كل مسرح الحرب على ألا تزيد القوة اليهودية في فلسطين عن قوة كتيبة (500 فرد).

9 مايــو 1942

:

عقد المنظمات الصهيونية الأمريكية مؤتمرها في فندق "بلتيمور" في نيويورك.

أوائل يناير 1945

:

الملك عبدالعزيز آل سعود يطالب بضرورة إنشاء تحالف عسكري عربي.

17 فبراير 1945

:

لقاء الملك عبدالعزيز آل سعود مع الرئيس روزفلت على ظهر الطراد "كوينسي" في البحيرات المرة، وتعهد الأخير بعدم اتخاذ أي قرار يمس الأوضاع الأساسية في فلسطين دون التشاور مع العرب واليهود.

28 فبراير 1946

:

عقد مؤتمر القمة العربية الأول للملوك والرؤساء العرب في أنشاص.

20 أبريل 1946

:

اللجنة البرلمانية الإنجليزية / الأمريكية تضع تقريرها المشترك الذي توصي فيه بقيام دولة اتحادية في فلسطين.

8 يونيه 1946

:

عقد مجلس الجامعة العربية لدورته الطارئة في فندق "بلودان" قرب دمشق.

13 سبتمبر 1946

:

عقد مؤتمر لندن في "لانكستر هاوس".

14 أكتوبر 1946

:

إصدار الرئيس ترومان بيانه المؤيد للمطالب اليهودية بفتح الهجرة إلى فلسطين وقيام الدولة اليهودية فيها.

15 ديسمبر 1946

:

انعقاد المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرين في "بال" بسويسرا.

16 يناير 1947

:

استئناف مؤتمر لانكستر هاوس.

12 أبريل 1947

:

تحويل الحكومة البريطانية القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة.

28 أبريل 1947

:

عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعها الطارئ وتشكيلها اللجنة الخاصة بفلسطين.

1 سبتمبر 1947

:

بدء اجتماعات الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة وبحث مقترحات اللجنة الخاصة بفلسطين.

29 نوفمبر 1947

:

اصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين.

الفصل الثالث
فلسطين في ظل الانتداب البريطاني
خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها
1939 ـ 1947

أولاً: مرحلة الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)

1. السياسة البريطانية وتطبيق الكتاب الأبيض

أ. عام

عندما ظهرت بوادر الحرب العالمية الثانية، كانت فلسطين تمثل في الإستراتيجية البريطانية العمق اللازم لدفاعاتها في مصر والقاعدة البديلة عن منطقة قناة السويس لحماية خطوط مواصلاتها الإمبراطورية وخطوط النفط عبر المنطقة، ومن هذا المنطلق جاء حرص الحكومة البريطانية عام 1939 على تسكين الأوضاع في فلسطين وتهدئة الرأي العام العربي بإصدارها كتابها الأبيض، الذي أعلنت إصرارها على تنفيذه بالرغم من الرفض الذي واجههه ذلك الكتاب على الساحتين العربية واليهودية. إلا أن قيام الحرب وتطوراتها لم تسمح للحكومة البريطانية إلا بتنفيذ جزئي لسياسة الكتاب الأبيض بشأن انتقال الأراضي العربية إلى أيدي اليهود والهجرة اليهودية إلى فلسطين.

وعلى أثر انسحاب قوات المحور من مصر تحت ضغط قوات الحلفاء في خريف عام 1942، عُهد إلى لجنة التخطيط المشتركة في وزارة الحرب القيام بدراسة متطلبات بريطانيا في الشرق الأوسط بعد انتهاء الحرب، وعندما استعرضت اللجنة دول المنطقة، وجدت أن نظام الانتداب البريطاني القائم في دول شرق البحر المتوسط يفسح المجال لقيام أنظمة عربية مستقلة ترتبط بمعاهدات مع بريطانيا، وبالنسبة إلى فلسطين رأت اللجنة "أن احتياجات بريطانيا الإستراتيجية ـ في حالة إجراء أي تعديل للانتداب ـ ترتكز على ميناء حيفا مما يستلزم الحصول على تسهيلات لحماية طريق حيفا / بغداد وأنابيب النفط الممتدة من كركوك إلى حيفا، بالإضافة إلى المنشآت البترولية في حيفا ذاتها. كما أشارت اللجنة إلى حاجة بريطانيا إلى تطوير قاعدة بحرية في حيفا وضرورة الإشراف على خط حديد حيفا / القنطرة وعلى قواعد برية وجوية في المنطقة".

وفي يوليه عام 1944 شكَّلت الحكومة البريطانية لجنة لدراسة أوضاع فلسطين بعد انتهاء الحرب والتوصل إلى حل لمشكلاتها على المدى البعيد وإبلاغه إلى رئاسة الأركان الإمبراطورية، وقد رأت تلك اللجنة ضرورة المحافظة على المصالح البريطانية الإستراتيجية في فلسطين، فيما لو جرى تقسيمها، بتوقيع معاهدتين مع دولتي التقسيم تعطي الحكومة البريطانية حق إنشاء المطارات والمنشآت اللازمة لقواتها وتحريك تلك القوات دون معوقات داخل حدود الدولتين، كما اقترحت اللجنة أن تتمتع القدس باستقلال ذاتي تحت سيطرة المندوب السامي وضم القسم العربي من فلسطين إلى شرق الأردن، إلا أن اعتراض مخططي الإستراتيجية البريطانية على تقسيم فلسطين ظل حجر الزاوية بالنسبة إلى الخطط المتعلقة بمستقبل فلسطين.

وعندما اتخذ الكونجرس الأمريكي قرارين في أواخر يناير 1944 يطالب فيهما الحكومة الأمريكية بالعمل على فتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة دولة يهودية فيها، لفتت الحكومة البريطانية نظر حليفتها إلى "أن الموضوع الذي تعرضت له قرارات الكونجرس يتضمن التزامات كبيرة منها التزامات عسكرية، وإن القرار البريطاني في هذا الشأن سوف يكون متماشياً بالطبع مع الرغبات الأمريكية، لكن ذلك يقتضي أن تكون حكومة الولايات المتحدة على علم بالأعباء المترتبة على ذلك".

ومع تزايد الضغط الأمريكي على بريطانيا عام 1945، من أجل فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية وانتقاد سياستها بهذا الشأن، سأل "ونستون تشرشل" رؤساء الأركان عشية تركه الحكم لحزب العمال عن السبب الذي يدعو بريطانيا إلى التمسك بهذا المكان شديد الصعوبة في الوقت الذي لا تقتصر فيه الولايات المتحدة على موقفها السلبي، بل توجه الانتقاد تلو الانتقاد، ملمِّحاً إلى رغبته في ترك مسؤولية فلسطين إلى الولايات المتحدة، إلا أن تلميحه لاقى معارضة شديدة، كما كانت وزارة الخارجية البريطانية ترى أن ذلك سيفسر في الشرق الأوسط على أنه دليل على تخلي بريطانيا عن دورها كدولة عظمى، وقد يستتبع ذلك انهيار نفوذها في شتى أنحاء المنطقة، وهو ما دعا رئيس الوزراء البريطاني إلى تنحية الرغبة التي راودته جانبا، إلى أن جاء حزب العمال إلى الحكم برؤيته الجديدة بعد الحرب.

ب. تقييد انتقال الأراضي العربية إلى اليهود

كان تقييد انتقال الأراضي العربية إلى اليهود جزءاً أساسياً من سياسة الكتاب الأبيض بعد أن أجمعت تقارير الخبراء البريطانيين على أنه في ضوء النمو الطبيعي في أعداد الفلسطينيين، في الوقت الذي استمرت فيه عمليات انتقال الأراضي إلى أيدي اليهود دون قيود خلال السنوات السابقة، فإنه لم يعد هناك أراض في بعض المناطق يمكن أن تنتقل إلى أيدي اليهود، وأنه لابد من فرض قيود على بيع الأراضي العربية إليهم إذا كانت هناك نية للحفاظ على مستوى معيشة العرب آنذاك، وعدم تزايد أعداد المعدمين بينهم.

وإزاء اندلاع الحرب العالمية الثانية في سبتمبر من نفس العام وتخوف الحكومة البريطانية من تهديد مصالحها في الدول العربية والإسلامية فيما لو استمرت في سياستها السابقة تجاه تهويد فلسطين، أصدرت حكومة الانتداب في 28 فبراير 1940 تعليمات جديدة للحد من انتقال الأراضي العربية إلى أيدي اليهود، وقد برر رئيس الوزراء البريطاني أمام مجلس العموم إصدار هذه التعليمات بما يلي:

 

(1)

ضمان عدم انحياز حكومة الانتداب لأيٍّ من الجانبين العربي واليهودي.

 

(2)

تهيئة الظروف الملائمة للقوات البريطانية من أجل تحقيق النصر ضد النازيين.

ودعم رئيس الوزراء البريطاني وجهة نظره بتقارير الخبراء البريطانيين عن الأوضاع في فلسطين، ومساندة العرب للفلسطينيين والرسائل التي تلقاها من بعض زعماء المسلمين التي تدعوه إلى إيجاد حل عادل للأوضاع في فلسطين.

وقد أوضح البيان التفسيري لتعليمات انتقال الأراضي، أنها صدرت وفقاً للسلطات المخولة للمندوب السامي بمقتضى الكتاب الأبيض، وحدد ذلك البيان منطقتين في فلسطين تخضع فيهما عمليات انتقال الأراضي لرقابة الحكومة مع مراعاة أحكام المادة السادسة من صك الانتداب هما المنطقة (أ) والمنطقة (ب)، أما في غير هاتين المنطقتين فلم يكن هناك أية قيود على انتقال الأراضي.

وتشمل المنطقة الأولى الأراضي الجبلية بوجه عام مع بعض المناطق في قضاءي غزة وبئر السبع، حيث أصبحت الأراضي المتوفرة غير كافية لإعالة سكان تلك المنطقة وقتئذ، وعلى ذلك تقرر منع انتقال الأراضي فيها لغير عرب فلسطين، إلا في الأحوال الاستثنائية التي وضع لها أحكام خاصة في تلك التعليمات.

كما تضم المنطقة الثانية "مرج ابن عامر" وشرقي الجليل والسهول الساحلية الواقعة بين حيفا والطنطورة وبين الحد الجنوبي لقضاء الرملة وبير طوفيا والقسم الجنوبي من قضاء بئر السبع، وقد نصت المادة الرابعة من التعليمات الجديدة على حظر انتقال الأراضي العربية الواقعة في تلك المنطقة إلى غير عرب فلسطين، إلا في حالة الحصول على موافقة من المندوب السامي الذي له حق القبول أو الرفض.

إلا أن الثغرات في هذه التعليمات ـ المترتبة على سلطة الاستثناء المعطاة للمندوب السامي البريطاني ـ سمحت للصندوق القومي لليهود بشراء ما يقرب من اثنين وثمانين ألفاً وخمسمائة دونم من الأراضي في المنطقتين (أ)، (ب) خلال السنوات السبع التالية لصدور ذلك النظام، وكان أغلب هذه الأراضي في مناطق الحدود التي رُسمت في مشروع التقسيم الذي سبقت الإشارة إليه، كما سمح المندوب السامي بانتقال 2514 دونم في المنطقة (أ) و10837 دونم في المنطقة (ب) إلى أيدي اليهود ما بين عامي 1940 و1946.

وتوضح إحصائيات حكومة الانتداب عام 1945 أن مساحة فلسطين (بعد استبعاد البحر الميت وبحيرتي طبرية والحولة) هي 26323023 دونم، وأن تلك المساحة كانت موزعة عند إجراء ذلك الإحصاء كما يلي:

(1)

الحيازات العربية 12766524 دونم تمثل 5ر48% من الأراضي الفلسطينية.

 

(2)

الحيازات اليهودية 1491699 دونم تمثل 67ر5% من الأراضي الفلسطينية.

 

(3)

الأراضي العامة 1491690 دونم تمثل 67ر5% من الأراضي الفلسطينية.

 

(4)

منطقة بئر السبع والنقب غير المزروعة 10573110 دونم تمثل 16ر40% من الأراضي الفلسطينية.

وبالرغم من أن الحيازات اليهودية السابقة كانت تمثل أقل من 6% من إجمالي الأراضي الفلسطينية في ذلك الوقت، إلا أن نسبة حيازات اليهود في الأراضي الزراعية كانت تقرب من 13% من جملة تلك الأراضي التي كانت مساحتها 9205538 دونم عند إجراء ذلك الإحصاء.

ج. الحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين

أوضحت الحكومة البريطانية عند إصدارها كتابها الأبيض عام 1939، أنه ليس في وسعها وقتئذ فتح أبواب فلسطين على مصاريعها أمام الهجرة اليهودية ـ حسبما تطالب المنظمات الصهيونية والوكالة اليهودية ـ لأن ذلك يخالف روح المادة الثانية والعشرين من ميثاق عصبة الأمم والتزاماتها قبل العرب بموجب صك الانتداب، كما أنه ليس من سياستها إيقاف تلك الهجرة نهائياً إذا تبين أن ذلك من شأنه إلحاق الضرر بالأوضاع الاقتصادية في فلسطين.

وقد وجدت الحكومة البريطانية أن تلك الأوضاع تسمح بتهجير نحو 75000 مهاجر يهودي خلال السنوات الخمس التالية اعتباراً من أول أبريل عام 1939، على أن ينظم دخولهم فلسطين بواقع عشرة آلاف كل سنة تبعاً لقدرة البلاد على الاستيعاب، مع إضافة 25 ألف مهاجر آخرين، من قبيل المساهمة في حل مشكلة اليهود في أوروبا عندما يرى المندوب السامي أن وسائل إعاشتهم واستيعابهم أصبحت مكفولة.

وفي تنفيذها للسياسة السابقة قررت حكومة الانتداب وقف إصدار شهادات الهجرة خلال الستة أشهر التي تبدأ في أكتوبر عام 1939 نتيجة لارتفاع معدلات الهجرة اليهودية غير الشرعية إلى فلسطين خلال الفترة السابقة، إلا أنه عندما قامت الحرب سمحت تلك الحكومة بقبول 9600 مهاجر يهودي من الذين تمكنوا من الفرار من ألمانيا والبلاد الأوروبية التي وقعت تحت الاحتلال، وعندما طالبت الوكالة اليهودية بتهجير كل اليهود الذين تمكنوا من الهرب إلى البلاد المحايدة، رفضت حكومة الانتداب هذا الطلب لدواعي الأمن التي فرضت عدم السماح لأي يهودي من "بلاد الأعداء" بالهجرة إلى فلسطين خوفاً من تسلل العملاء بينهم.

وبدأت الحكومة البريطانية منذ ديسمبر 1939 في تنفيذ نظام جديد للهجرة اليهودية يخضع لضوابط معينة فرضتها ظروف الحرب، كان منها رفض تهجير اللاجئين اليهود الألمان أو الذين ينتمون للأراضي التي احتلتها ألمانيا عدا الذين يحملون منهم شهادات الهجرة إلى فلسطين، وعندما فاضت أوروبا بأعداد كبيرة من اليهود الألمان الذين كانوا يحملون تلك الشهادات، اضطرت الحكومة البريطانية إلى رفض تهجيرهم إلى فلسطين، ومع تقدم الحرب شهد الالتزام بمبدأ رفض هجرة الذين ينتمون إلى "بلاد العدو" نوعاً من التراخي، حاولت الوكالة اليهودية استغلاله لتهجير أكبر عدد ممكن من اليهود إلى فلسطين، وكانت تلك الوكالة تطالب منذ مايو 1940 بإعفاء ثلاث فئات من اليهود في البلاد الواقعة تحت سيطرة قوات المحور من قرار حظر قبول المهاجرين، إلا على حاملي شهادات الهجرة: هم الأطفال والزعماء اليهود البارزون، والقائمون على أمر مكاتب فلسطين الذين بقوا في مواقعهم حتى فقدوا فرصة الرحيل إلى فلسطين، إلا أن الحكومة البريطانية لم توافق إلا في ربيع عام 1942 على تهجير الأطفال دون سواهم، ثم وافقت بعد ذلك على تخصيص خمسة في المائة من شهادات الهجرة لرجال الدين والأطباء ورجال الأعمال الذين يقع عليهم اختيار الوكالة اليهودية.

ومع نهاية عام 1943 أوضحت سجلات إدارة الهجرة لحكومة الانتداب "أن عدد المهاجرين اليهود الشرعيين المفروض قبولهم خلال السنوات الخمس التي تنتهي في 31 مارس 1944 ـ طبقاً لما جاء في الكتاب الأبيض ـ لم يصل إلى خمسة وسبعين ألفاً، وقد عزا وزير المستعمرات هذا النقص في بيان ألقاه أمام مجلس العموم البريطاني في 10 نوفمبر 1943 ـ إلى ظروف الحرب التي وقفت حائلاً دون تحقيق البرنامج الذي رسمه الكتاب الأبيض، وقدر عدد اليهود الذين دخلوا البلاد سواء بالطرق الشرعية أو غير الشرعية – حتى آخر سبتمبر عام 1943 بنحو 43922 مهاجر"، وهو ما يعني أن على الحكومة البريطانية الموافقة على هجرة 31078 يهودياً حتى آخر مارس 1944.

ودارت في ربيع عام 1944 مفاوضات بين الوكالة اليهودية والحكومة البريطانية حول الهجرة اليهودية إلى فلسطين بعد نهاية السنوات الخمس المشار إليها، انتهت بموافقة الأخيرة على هجرة 10300 من اللاجئين اليهود في دول البلقان وإيطاليا وفرنسا وسويسرا وهولندا وعدن وتركيا، على ألا يسمح بتهجير أكثر من 1500 مهاجر شهرياً اعتباراً من أول أكتوبر 1944. وبنهاية عام 1944 كان عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين ابتداءً من عام 1939 وحتى ذلك التاريخ قد بلغ 75031 مهاجراً.

ولما لم تكن تلك الأعداد كافية في نظر الوكالة اليهودية فإنها قامت بإعداد الخطط لاستقبال مائة ألف مهاجر يهودي فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومع بدء إحداق قوات الحلفاء بألمانيا في شتاء عام 1945، قامت الوكالة اليهودية بتقديم خطط الهجرة التفصيلية للأعداد السابقة إلى حكومة الانتداب، إلا أن الأخيرة رفضت طلبات الوكالة اليهودية وخططها، وكل ما سمحت به في مايو 1945 هو قبول هجرة ثلاثة آلاف يهودي إلى فلسطين، كما سمحت في سبتمبر من نفس العام بعودة المهاجرين غير الشرعيين الذين سبق أن أبعدتهم سلطات الانتداب إلى جزيرة "موريشوس" وظلو محجوزين هناك.

وبنهاية عام 1945 كانت أعداد المهاجرين اليهود الذين وصلوا إلى فلسطين خلال الحرب وحتى ذلك التاريخ قد بلغت 92 ألف مهاجر، الأمر الذي يعود بدرجة كبيرة إلى نشاط الهجرة غير الشرعية في ذلك الوقت التي أصبحت تشرف عليها الوكالة اليهودية على نحو ما سيأتي فيما بعد.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة