الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

ثانياً: مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية (1945 ـ 1947)

1. التدخل الأمريكي في القضية الفلسطينية

في الوقت الذي اقتصر فيه التدخل الأمريكي في القضية الفلسطينية خلال الحرب على القرارات والبيانات والتصريحات المؤيدة للموقف الصهيوني والضغط على الحكومة البريطانية من أجل فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية، فقد تصاعد هذا التدخل بعد الحرب إلى مستوى المشاركة في بحث مستقبل هذا البلد والضغط من أجل فتح أبوابه للهجرة اليهودية وقيام الدولة العبرية فيه، وقد ساعد على ذلك الحالة الاقتصادية السيئة لبريطانيا وحاجتها الماسة للدعم الأمريكي من ناحية، واتجاه حكومة العمال الجديدة إلى تحميل الولايات المتحدة نصيبها من المسؤولية تجاه القضية الفلسطينية من ناحية أخرى.

فعندما تولى حزب العمال الحكم في بريطانيا في نهاية يوليه عام 1945، خلفاً لحكومة المحافظين، شكل مجلس الوزراء لجنة لبحث سياسة الحكومة في الشرق الأوسط بوجه عام وفي فلسطين بوجه خاص، وقامت اللجنة بعملها خلال شهر أغسطس، وقدَّمت تقريراً في شهر سبتمبر أكدت فيه على "أنه لتلبية متطلبات الإستراتيجية البريطانية في المنطقة فإنه من الضروري المحافظة على صداقة العرب وتوحيد المشرق العربي في ظل ميثاق أمن إقليمي يقوم على أساس المشاركة بين الأنداد".

أما بالنسبة إلى فلسطين فقد أوصت اللجنة المشار إليها بما يلي:

 

أ.

مواصلة تطبيق سياسة الكتاب الأبيض فيما يتعلق بالهجرة اليهودية مؤقتاً حتى يتم إقرار سياسة جديدة للمستقبل، مع بذل كل جهد ممكن لإقناع العرب بالموافقة على استمرار الهجرة بالمعدلات المعمول بها وقتئذ (1500 مهاجر شهرياً) حتى يتم إقرار السياسة الجديدة.

 

ب.

إبلاغ حكومة الولايات المتحدة ـ قبل الاتصال بالعرب ـ بأن الحكومة تدرس وضع سياسة جديدة بعيدة المدى بالنسبة إلى فلسطين تزمع عرضها على المنظمة العالمية (الأمم المتحدة) في الوقت المناسب.

وفي الوقت التي كانت فيه اللجنة البريطانية السابقة لازالت تبحث الموقف في فلسطين لتحديد السياسة البريطانية تجاهها بعد الحرب، كانت الحركة الصهيونية التي أصاب زعماءها القلق من عدم إعلان الحكومة البريطانية الجديدة نواياها تجاه فلسطين قد وصلت إلى الرئيس الأمريكي الجديد "هاري ترومان" بواسطة "إيلي جاكسون" صديقه الحميم وشريكه السابق في محل خردوات في "مينسوتا" قبل انتخاب ترومان عضواً في الكونجرس واختياره نائباً لروزفلت. وعلى ذلك تجاهل الرئيس ترومان آراء معاونيه بعدم اتخاذ قرارات تؤثر سلباً على المصالح الأمريكية النامية في الشرق الأوسط، وطلب من الحكومة البريطانية السماح بتهجير مائة ألف لاجئ يهودي أوروبي إلى فلسطين، ولما كان طلب الرئيس الأمريكي لا يتمشى مع التوجهات البريطانية الجديدة، فقد كان رد الحكومة البريطانية هو طلب تشكيل لجنة برلمانية مشتركة (إنجليزية / أمريكية) تكون مهامها كما يلي:

 

أ.

بحث الإجراءات الكفيلة بتحسين أوضاع اليهود في البلدان الأوروبية التي تعرضوا فيها للاضطهاد النازي والفاشي.

 

ب.

بحث الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في فلسطين من حيث علاقتها بالهجرة اليهودية، وبحث الإجراءات الكفيلة بالسماح بنسبة معقولة من الهجرة اليهودية إلى فلسطين في المستقبل القريب.

 

ج.

بحث احتمال حل مشكلة اللاجئين اليهود في أوروبا بفتح أبواب الهجرة إلى بلدان أخرى منها الولايات المتحدة ودول الكومنولث البريطاني.

وقد واجه اقتراح تشكيل اللجنة المشتركة الرئيس ترومان بمشكلة دقيقة في الوقت الذي كان فيه الرأي العام الأمريكي ـ الذي تأثر بالدعاية اليهودية ـ يساند المطالب الصهيونية، والبلاد مقبلة على انتخابات مجلس النواب والتجديد النصفي لمجلس الشيوخ، إلا أن الرئيس ترومان اختار الموافقة على تشكيل اللجنة المشتركة حتى لا ينفرد البريطانيون بتقرير السياسة التي يرونها تجاه فلسطين.

وفي 13 نوفمبر 1945 أوضح أرنست بيفن وزير الخارجية البريطانية في مجلس العموم أن الحكومة ستنفذ توصيات اللجنة المشتركة إذا ما جاءت بالإجماع، كما أعلن قرار الحكومة باستشارة العرب حول ضمان المحافظة على عدد المهاجرين المسموح شهرياً (1500مهاجر)، وكان ذلك العدد مرتبطاً باستكمال الأعداد التي قررت في الكتاب الأبيض (75 ألف مهاجراً أصلياً بالإضافة إلى 25 ألف آخرين للمساهمة في حل مشكلة اللاجئين اليهود في أوروبا إذا ما كانت الحالة الاقتصادية تسمح بالأعداد الأخيرة).

وتشكلت اللجنة البرلمانية المشتركة من اثنى عشر عضواً نصفهم من الإنجليز والنصف الآخر من الأمريكيين، وعلى ضوء مشاورات اللجنة مع كل من العرب واليهود في الولايات المتحدة وبريطانيا وفلسطين والمشرق العربي، فإنها وضعت في 20 إبريل 1946 تقريرها الجماعي الذي ضمنته عدة مبادئ هي:

 

أ.

عدم انفراد اليهود أو العرب بالسيطرة على فلسطين.

 

ب.

عدم تحول فلسطين إلى دولة عربية أو دولة يهودية.

 

ج.

أن يوفر شكل الحكومة التي ستقوم في فلسطين ـ وفقاً لضمانات دولية ـ الحماية التامة للديانات والمقدسات الإسلامية والمسيحية واليهودية في البلاد.

وانتهت اللجنة في تقريرها إلى رفض تقسيم فلسطين، وأكدت على أن "أي محاولة في ذلك الوقت أوفي المستقبل القريب لإقامة دولة فلسطينية مستقلة أو دولتين فلسطينيتين مستقلتين (إحداهما يهودية والأخرى عربية) لابد أن تؤدي إلى حرب أهلية قد تهدد السلام العالمي". وخلصت اللجنة إلى ضرورة بقاء فلسطين دولة موحدة ثنائية القومية تحت الانتداب البريطاني تمهيداً لوضعها تحت وصاية الأمم المتحدة، ومطالبة الولايات المتحدة والدول الأخرى بفتح أبوابها لاستقبال عدد من اللاجئين اليهود.

وتقدمت اللجنة بعدد من التوصيات الخاصة بتطوير فلسطين من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، كما أوصت بإصدار مائة ألف تصريح هجرة إلى فلسطين تمنح قدر الإمكان خلال عام 1946" والإسراع بخطى الهجرة بالشكل الذي تسمح به الظروف، وخضوعها في المستقبل إلى اتفاق وسط بين العرب واليهود، وطلبت اللجنة في تقريرها أن تبادر الوكالة اليهودية إلى التعاون الفعال مع دولة الانتداب في قمع الإرهاب والهجرة غير الشرعية".

وقد تفاوتت ردود الفعل البريطانية والأمريكية تجاه التوصيات السابقة التي أجمعت عليها اللجنة البرلمانية المشتركة، فبالنسبة إلى الولايات المتحدة تجاهل الرئيس ترومان رغبة الحكومة البريطانية في العمل المشترك تجاه القضية الفلسطينية وأصدر تصريحاً، أعده له مساعده اليهودي الصهيوني ديفيد نايلز، رحب فيه بتوصية اللجنة حول هجرة المائة ألف يهودي إلى فلسطين وتجاهل باقي التقرير ـ الذي حاولت اللجنة أن تجعله متوازناً حتى يحظى بموافقة إجماعية من أعضائها ـ مشيراً إلى أن باقي التوصيات تحتاج دراسة متأنية. أما بالنسبة إلى بريطانيا، فقد صرح "كلمنت أتلي" رئيس وزرائها في مجلس العموم في أول مايو1946 بأن التقرير يتضمن التزامات على المدى البعيد لا ترغب الحكومة البريطانية في الاضطلاع بها قبل أن تتأكد من مدى استعداد الولايات المتحدة للاشتراك في تحمل المسؤوليات العسكرية والمالية المترتبة عليها، كما أعلن أن الحكومة البريطانية لن تسمح بهجرة مائة ألف يهودي إلى فلسطين إلا إذا جرى نزع سلاح المقاتلين العرب واليهود وحل المنظمات الإرهابية الصهيونية وأبدت الوكالة اليهودية استعدادها للتعاون في هذا الشأن.

وقد هدد موقف الرئيس الأمريكي من تقرير اللجنة وعدم رغبة الولايات المتحدة في تحمل أية أعباء عسكرية في فلسطين توصيات اللجنة البرلمانية المشتركة بالتجميد، لولا أن اتفقت في النهاية الحكومتان الأمريكية والبريطانية على مجموعة من الإجراءات تساعدهما على تقريب وجهات النظر وتحديد مواقفهما النهائية من توصيات اللجنة البرلمانية، وقد تلخصت تلك الإجراءات فيما يلي:

 

أ.

قيام كل من الحكومتين باستطلاع رأي الحكومات العربية واليهودية حول ما جاء في تقرير اللجنة البرلمانية المشتركة.

 

ب.

التقاء وفدين من خبراء الحكومتين لبحث المطالب المترتبة على توصيات اللجنة البرلمانية وخاصة ما يتعلق منها بالالتزامات العسكرية والمالية.

 

ج.

تضع الحكومة الأمريكية نصب عينيها اقتراح الحكومة البريطانية بعقد مؤتمر تحضره كل الأطراف المعنية في المرحلة الثالثة من المشاورات.

وشكلت الحكومة الأمريكية وفدها برئاسة "هنري جريدي" نائب وزير خارجيتها كما شكلت الحكومة البريطانية الوفد المناظر برئاسة "هربرت موريسون" رئيس مجلس العموم وبدأت المباحثات بين الوفدين في لندن في يوليه 1946، في الوقت الذي تزايدت فيه القلاقل في فلسطين ووصل الإرهاب اليهودي مداه، وخلال أسبوعين توصل الجانبان إلى صيغة تقرير قدم إلى الحكومتين وعرف باسم "خطة جريدي ـ موريسون"، وكانت تلك الخطة تقضي بتحويل فلسطين إلى دولة إتحادية من ثلاث مناطق إحدها عربية وأخرى يهودية ومنطقة خاضعة للسيطرة البريطانية تشمل منطقتي القدس والنقب، مع تحول الانتداب إلى وصاية بريطانية ووجود حكومة مركزية تشرف على شؤون الدفاع والسياسة الخارجية والجمارك ورسوم الإنتاج، على أن تشرف الحكومتان العربية واليهودية على شؤون الإدارة المحلية والزراعة والصحة العامة والتجارة والصناعة. وأوصى الوفدان في تقريرهما أنه إذا تمت الموافقة على خطتهم وقبلت الولايات المتحدة المشاركة في التكاليف المالية المترتبة عليها فسوف يُسمح بدخول مائة ألف يهودي إلى فلسطين خلال العام الأول، وبعد ذلك يتحدد العدد الذي يُسمح به من المهاجرين على ضوء طاقة الاستيعاب الاقتصادية للبلاد، كما قدم الوفدان خطة لتطوير فلسطين والبلدان المجاورة اقتصادياً، واقترح الوفد الأمريكي أن يطلب الرئيس ترومان من الكونجرس 300 مليون دولار من أجل هذا التطوير.

وقد رأت الحكومة البريطانية في هذه الخطة حلاً متوازناً للقضية الفلسطينية في ضوء الاعتبارات التالية:

 

أ.

تحقق تلك الخطـة وضعاً شبيهاً بالاستقلال لخمسة وسبعين في المائة من السـكان العرب.

 

ب.

توفر الخطة ضمانات فعالة للأقلية العربية في المنطقة اليهودية.

 

ج.

تسمح هذه الخطة بمنح اليهود قدراً من الإشراف على الهجرة وتنمية الأراضي داخل المنطقة اليهودية بحيث يمكنهم تطوير مشروع الوطن القومي فيها دون قيود.

 

د.

يمكن تنفيذ هذه الخطة تحت إشراف الدولة المنتدبة دون اللجوء إلى الأمم المتحدة.

 

هـ.

تضمن الخطة نواة التطور الدستوري على أساس إمكان توسيع منطقتي الحكم الذاتي بالتدريج بنقل السيطرة فيها من الحكومة المركزية إلى الحكومتين في هاتين المنطقتين.

 

و.

إلغاء الانتداب على فلسطين على المدى البعيد إما بتقسيمها أو تكوين نظام فيدرالي يشمل كل المناطق تبعاً لما يسفر عنه تنفيذ تلك الخطة.

أما في الولايات المتحدة فقد رفض الرئيس ترومان الخطة برمتها، وقرر السير في طريق منفصل بعيداً عن بريطانيا بالنسبة إلى معالجة القضية الفلسطينية وعدم المشاركة في المرحلة التالية الخاصة بعقد مؤتمر في لندن يحضره كافة الأطراف المعنية، في الوقت الذي أصر فيه على إدخال المائة ألف يهودي إلى فلسطين أرضاءً ليهود الولايات المتحدة، وهكذا ترك ترومان بريطانيا تتخبط وحدها وتجني الثمار المرة لقطعها وعد بلفور ودعمها للمشروع الصهيوني في فلسطين.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة