رابعاً: تطور عمليات الجانبين
1. المرحلة الفرعية الأولى للحرب غير المعلنة (ديسمبر 1947 ـ مارس 1948)
أ. التطور العام لأعمال قتال الجانبين
بعد أقل من أسبوع من قرار التقسيم انطلقت قوات جيش الجهاد المقدس والإنقاذ تدير أعمال القتال في شكل كمائن الطرق وأعمال القناصة ونسف وحرق المنشآت التي تأوي المؤسسات الصهيونية والمنشآت التجارية اليهودية، إلا أن ذلك النشاط لم يكن يحكمه هدف واحد واضح أو خطة مدروسة أو قيادة موحدة.
وما أن حل عام 1948 حتى اشتد الصراع وارتفعت حدته بشن الغارات العربية على المستعمرات اليهودية المعزولة، ووضع الكمائن على الطرق إلى تلك المستعمرات وفرض الحصار على بعضها، كما قامت قوات المجاهدين بشن الهجمات على قوافل السيارات المتجهة إلى المناطق والمستوطنات المحاصرة.
وبعد أن أيقن الفلسطينيون أهمية التحكم في خطوط المواصلات، فإنهم جعلوا من قطع المواصلات اليهودية أهم أهداف هجماتهم فيما بين يناير ومارس 1948. وقد تركزت هذه الهجمات على المحاور الرئيسية التالية:
تل أبيب ـ القدس، حيفا ـ الجليل الغربي، العفولة ـ بيسان، بالإضافة إلى كل الطرق المؤدية إلى مستعمرات النقب.
أما على الجانب اليهودي، فكان أكثر ما أزعج القيادة الإسرائيلية في تلك المرحلة هو تدهور الموقف العسكري في المناطق التي يشكل اليهود أقلية فيها، وانقطاع المواصلات البرية مع المستعمرات النائية في النقب والتي بلغ عددها 27 مستعمرة. فبنهاية شهر مارس تم عزل مستعمرات "عتصيون" الأربعة في تلال الخليل كما أصبح النقب والقدس وأجزاء من الجليل الغربي معزولة عن التجمعات اليهودية الرئيسية، وكانت القوات المدافعة تقاتل قتالاً يائساً من أجل البقاء.
وعلى الرغم من أن المنطـق العسكري كان يقضي بتقصير خطوط المواصلات إلا أن بن جوريون – الذي تولى منذ بداية الحرب زمام إدارتها بصفته قائدها السياسي وموجهها الاستراتيجي – أصدر توجيهاته إلى قيادة الهجناه بضرورة التمسك بكافة الأراضي والمستعمرات اليهودية مهما كان الثمن، مما فرض عبئاً عسكرياً ثقيلاً على قيادة الهجناه، بإرغامها على الاحتفاظ بخطوط مواصلات وإمدادات طويلة معرضة للهجمات العربية المستمرة، وقد حاولت تلك القيادة استغلال وضع هذه المستعمرات لامتصاص جزء من الضغط العربي بعيداً عن التجمعات اليهودية في السهول، واتخاذها قواعد لشن حرب عصابات خلف الخطوط العربية، وعدتها أهدافاً نائية يلزم بلوغها عندما يحين الوقت للتحول للهجوم من أجل احتلال المنطقة العربية بأسرها.
وكانت الاستراتيجية اليهودية في هذه المرحلة تقضي باتخاذ وضع الدفاع والتمسك بالأراضي التي يسيطرون عليها وربطها ببعضها قدر المستطاع لإقامة وضع عسكري مقبول يسمح بمواجهة الجيوش العربية عند تدخلها.
إلا أن تلك الاستراتيجية لم تمنع الهجناه والمنظمات الإرهابية من القيام ببعض الهجمات الانتقامية على بعض القرى العربية، وشن حرب المتفجرات ضد بعض المراكز العربية في الأحياء السكنية مثلما حدث في يافا يوم 5 يناير 1948 وفي القدس في اليوم التالي، رداً على الهجمات العربية على قوافل الحماية.
|