الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

ثالثاً: تطور الموقف العسكري خلال الهدنة الأولى

1. عام

عندما شعرت الحكومات العربية أنها مضطرة للإذعان لقرار الأمم المتحدة بوقف القتال لمدة أربعة أسابيع، فإنها كانت قد خسرت الحرب نهائياً، فبالرغم من تقدم القوات العربية على كافة الجبهات، وإلحاقها العديد من الهزائم بالقوات الإسرائيلية المرهقة فإن البنية الأساسية للأخيرة ظلت سليمة بالرغم من الخسائر الفادحة التي لحقت بها.

وحاول الطرفان استغلال فترة الهدنة لالتقاط أنفاسهما وإعادة تنظيم قواتهما وتعزيزها بعتاد أفضل وقوات أكثر تدريباً. وبالرغم من الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة ووجود مراقبين دوليين كانت مهمتهم مراقبة الأطراف المتصارعة ومنعها من تغيير حجم قواتها أو الحصول على مزيد من السلاح والعتاد، فقد استفاد الإسرائيليون – الذين لم يلتزموا بشروط الهدنة – من توقف القتال أكثر مما استفاد العرب، فمن ناحية، كان اليهود أكثر خبرة وحنكة من أعدائهم في مجال تهريب الرجال والأسلحة منذ أيام الكتاب الأبيض، كما كانوا يجدون تعاطفاُ في أوروبا والولايات المتحدة وحتى بين مراقبي الأمم المتحدة نفسها لقضيتهم التي نجحوا في الترويج لها بعد الحرب العالمية الثانية، ومن ناحية أخرى فقد كانوا أسبق من العرب في مشتريات السلاح وتعبئة القوى البشرية، وكان لهم أسلحة مكدسة في أوروبا ورجال ينتظرون أول فرصة لنقلهم إلى فلسطين، الأمر الذي لم يتوفر للعرب كما استفاد الإسرائيليون من فترة الهدنة في تعبئة الاحتياطي وتدريبه على نحو أفضل من العرب، الذين استنفدت مشاكل الأمن الداخلي جزءاً كبيراً من قواتهم.

وبينما تمكن الإسرائيليون من تحقيق مزيد من الوحدة العسكرية خلال الهدنة، فقد انعكست الشكوك والصراعات السياسية بين الحكومات العربية على قواتهم المسلحة فتزايدت فُرقتها وانعدم تنسيقها خلال المرحلة الأخيرة والحاسمة من الحرب.

2. تطور الموقف العسكري على الجانب العربي

عندما انتهت فترة القتال الأولى كانت القوات العربية تحتل معظم الأجزاء التي خصصها قرار التقسيم لعرب فلسطين وتحاصر الإسرائيليين في "القدس الجديدة" كما وصلت قواتهم إلى ما يقرب من خمسة عشر كيلومتر شرق ناتانيا وتل أبيب ونحو ثلاثين كيلومتر جنوب الأخيرة في الوقت الذي تم فيه عزل المستعمرات الإسرائيلية في النقب بما يُهدد بشطر الدولة العبرية وتفتيتها.

وبالرغم من أن الموقف العسكري العام كان يبعث على تفاؤل الشعوب العربية إلا أن قادتها العسكريين لم يكونوا على نفس القدر من التفاؤل، فقد وصلت قواتهم إلى أقصى مدى تسمح به إمكاناتها، في الوقت الذي لم يتم فيه تدمير القوات الإسرائيلية بعد، بل إن الأخيرة كانت تتلقى في كل يوم جديد مزيداً من الدعم لقواتها وأسلحتها، نتيجة التخطيط المبكر لقادتها وتأييد القوى العظمى لقضيتها.

وتوضح الوثائق الخاصة باجتماعات رؤساء أركان الجيوش العربية في القاهرة يومي 15، 16 يونيه أوجه القصور الذي كانت تعاني منها القوات العربية في نهاية فترة القتال الأولى، فبالنسبة لمصر أوضح تقدير الموقف الذي أجرته رئاسة أركان حرب الجيش المصري عشية اجتماعات رؤساء أركان حرب الجيوش العربية المشار إليها أوجه القصور التالية:

 

أ.

فيما يتعلق بالأسلحة كان هناك نقص كبير في كافة أنواعها الخفيفة والمتوسطة (البنادق والرشاشات والهاونات)، كما كان هناك عجز في المدافع المضادة للدبابات، أما مدفعية الميدان فلم يكن هناك أية مواسير احتياطية.

 

ب.

وبالنسبة للذخائر فقد كان هناك نقص في مخزون ذخائر البنادق والرشاشات الخفيفة والمتوسطة، حيث كان المتوفر منها يكفي فقط فترة قتال تتراوح مدتها بين عشرين وثلاثين يوماً، بمعدلات استهلاك فترة القتال الأولى.

 

ج.

أما دانات الهاون عيار 3 بوصة فكان المتوفر منها لا يكفي إلا لمدة ستة عشر يوماً، بينما لا يكفي المتوفر من القنابل اليدوية أكثر من أسبوعين. كما كان المتوفر من ذخائر المدفعية لا يكفي إلا لمدة 12 يوماً بالنسبة للهاوتزر عيار 3.7 بوصة، و21 يوماً بالنسبة للمدافع عيار 25 رطلاً، و29 يوماً بالنسبة للمدافع المضادة للدبابات عيار 2 رطل.

ولم يكن حال الجيوش العربية الأخرى بأفضل من حالة الجيش المصري، فطبقاً لما دار في اجتماعات رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في القاهرة يومي 15، 16يونيه ظهر أن معظم الدول المشتركة في القتال في حاجة إلى عدد كبير من البنادق والرشاشات والمدافع المضادة للدبابات والطائرات بالإضافة إلى عدد محدود من المدافع عيار 25 رطلاً. كما كانت جميع الجيوش العربية المحاربة في حاجة إلى دبابات وسيارات مدرعة لاستكمال مرتبات الوحدات وتعويض الخسائر.

وبالنسبة للذخائر كانت كل من القوات السورية واللبنانية تعاني نقصاً في ذخائر الأسلحة الصغيرة، كما كانت كل القوات العربية في أمس الحاجة إلى ذخائر مدافع الميدان عيار 25 رطلاً والمدافع المضادة للطائرات عيار 2، 6 رطل، فضلاً عن ذخائر الهاون.

وعندما بحث رؤساء أركان الجيوش العربية في اجتماعاتهم المشار إليها موقف الأسلحة الجوية العربية، ظهر أن السلاح الجوي المصري يفتقر إلى القاذفات وما لديه من القنابل يكفي العمليات لمدة شهر واحد فقط، وبالنسبة للسلاح الجوي العراقي، فبالرغم من إحلال سرب مقاتل من طراز "فيوري" محل "الجلاديتور" الذي ينتمي إلى عقد الثلاثينيات، فإنه لم يتوفر للسرب الجديد أية أسلحة أو ذخائر، كما كان الموجود من القنابل لقاذفات "الأنسن" لا يكفي إلا لمدة عشرة أيام فقط، ولم يكن سرب التدريب السوري الذي جُهز للهجوم الأرضي أفضل حال، فقط كان ذلك السرب في أمس الحاجة إلى القنابل والذخيرة.

ولم يكن موقف الاحتياطيات العربية بأفضل حال، فقد أوضح رؤساء أركان حرب الجيوش العربية أنه لا يوجد لديهم آنذاك قوات احتياطية كافية لغيار وحداتهم المجهدة، أو لاستخدامها كقوة هجومية بعد أن اتخذت القوات العربية أوضاعاً دفاعية على كافة الجبهات.

وعندما اجتمع رؤساء أركان حرب الجيوش العربية بالأمين العام لجامعة الدول العربية يوم 16 يونيه في نهاية اجتماعاتهم السابقة، أوضحوا له أوجه القصور التي تعاني منها الجيوش العربية في ذلك الوقت واحتياجاتهم اللازمة لتلافي هذا القصور، مؤكدين على أن كل ما عملته القوات العربية حتى الآن لا يعدو حشد القوات وعمليات الاقتراب إلا أنه لم يتم الاصطدام بالقوات الإسرائيلية الرئيسية بعد، وأن المناطق التي اجتازتها الجيوش العربية تُركت بها مستعمرات قوية تهدد مواصلات هذه الجيوش.

كما أوضح اللواء نور الدين محمود، نائب القائد العام للقوات العربية، للأمين العام "أن المرحلة القادمة ليست سهلة وإنما هي من أشق المراحل وتحتاج إلى جهود عظيمة"، وأن القوات الموجودة في الميدان تفتقر إلى الاحتياطيات اللازمة للعمليات الهجومية، وأن تلك القوات اتخذت أوضاعاً دفاعية في نهاية فترة القتال السابقة لهذا السبب، كما أن العدو وإن كانت أسلحته الثقيلة وأساليب قتاله في المرحلة السابقة أضعف من القوات العربية، فلا يمكن التكهن به مستقبلاً، "ويحتمل أن يتقوى العدو في السلاح والطيران مما يجعله متفوقاً علينا، وهذا أيضاً يدعونا إلى حساب لهذا".

وبالرغم من أوجه القصور السابقة، فقد كان هناك إصرار من الأمين العام لجامعة الدول العربية على استئناف العمليات الهجومية عل الفور فيما لو نقض الإسرائيليون الهدنة الأمر الذي وافق عليه رؤساء أركان حرب الجيوش العربية.

وحتى لا تُزج القوات المصرية في القتال على غير استعداد – كما حدث في فترة القتال – الأولى قدم مدير العمليات الحربية إلى وزير الدفاع المصري تقديراً جديداً للموقف بتاريخ 17 يونيه، على ضوء ما استقر عليه الأمر في اجتماع رؤساء الأركان العرب مع الأمين العام لجامعة الدول العربية يوضح له فيه حالة القوات المصرية ومدى قدرتها على القيام بالعمليات الحربية مستقبلاً.

وفي هذا التقدير أوضح مدير العمليات الحربية أن القوات المصرية زج بها في فلسطين قبل أن تستكمل استعداداتها للحرب، وأنه على ضوء الاعتبارات السياسية توغلت تلك القوات بسرعة في الأراضي الفلسطينية مسافة 80 كيلومتر مُخلفة وراءها عدداً من المستعمرات المعادية تهدد خطوط مواصلاتها التي امتدت مسافة 115 كيلومتر بعيداً عن قاعدتها في العريش، مما ألزم القيادة المصرية بترك قوات على طول تلك الخطوط لتأمينها، الأمر الذي لم يبق لدى القيادة المصرية في الجبهة أية احتياطيات يمكن استخدامها كقوة ضاربة للقيام بعمليات جديدة أو لغيار بعض الوحدات التي تحتاج إلى إعادة التنظيم أو قليل من الراحة.

كما أوضح مدير العمليات الحربية في تقدير الموقف المشار إليه الحالة المتدنية لمخزون الذخائر والعجز في بعض أنواع الأسلحة والعتاد على نحو ما سبق توضيحه، ثم خلص إلى أن الحاجة ماسة إلى تشكيل مجموعة لواء مشاة جديدة وتزويدها بكل احتياجاتها من الأسلحة والذخائر والعتاد الذي يسمح لها بالعمل كقوة ضاربة، كما حدد أصناف وأعداد الأسلحة والمعدات والذخائر اللازمة للقوات المصرية لمواجهة أعبائها في المرحلة القادمة.

وقد بذلت مصر والدول العربية الأخرى جهوداً مضنية لتدبير احتياجاتها من الأسلحة والعتاد والذخائر من السوق الأوروبية إلا أن جهودها في هذا الشأن جاءت متأخرة عن نظيرتها الإسرائيلية التي بدأت قبلها بشهور عديدة، ومن ثم جاء الحظر الذي فرضه مجلس الأمن على تزويد الدول المتحاربة في فلسطين بالأسلحة والمواد الحربية ليحبط معظم هذه الجهود. وحتى الأسلحة التي استطاعت مصر والعراق والأردن تدبيرها قبل أو بعد سريان هذا الحظر لم تستطع تلك الدول الحصول على ذخائرها وقطع الغيار اللازمة لها سواء أثناء الهدنة أو خلال المرحلة الأخيرة من الحرب، مثلما حدث بالنسبة لطائرات "الفيوري" العراقية وطائرات سبيتفير المصرية، والمدفعية الأردنية.

وقد ذهب النقراشي باشا (رئيس وزراء مصر في ذلك الوقت) في إلحاحه على طلب احتياجات القوات المصرية من بريطانيا إلى حد القبول بمخاطرة رفع الولايات المتحدة حظر توريد السلاح إلى إسرائيل فيما لو قامت بريطانيا بتلبية المطالب المصرية، فقد كان يرى أن أي تدفق جديد للأسلحة من أمريكا إلى إسرائيل بعد رفع الحظر من شأنه أن يستغرق بعض الوقت يمكن خلاله للدول العربية حسم الموقف في فلسطين.

وعلى ذلك اضطرت القوات العربية إلى خوض المرحلة الأخيرة والحاسمة من الحرب بكل ما كانت تعانيه من قصور، وبالرغم من أن كلاً من مصر والعراق استطاعتا زيادة أعداد قواتها خلال فترة القتال الأولى وحتى بداية المرحلة الثانية من الحرب المعلنة لتصل أعداد الجيوش العربية في فلسطين إلى نحو 35 ألف فرد – بعد أن كانت أقل من 15 ألف فرد في بداية فترة القتال الأولى – فإن قوات هاتين الدولتين ظلتا تعانيان من أوجه القصور التي سبق بيانها، وإن كانت مصر قد نجحت جزئياً في معالجة بعض أوجه القصور السابقة بفضل المخلفات البريطانية في منطقة قناة السويس والصحراء الغربية، والمخلفات الأمريكية في مطار "باينفيلد" التي اصبح فيما بعد مطار القاهرة الدولي، ودعم الجهود الحكومة المصرية في هذا الشأن استغلالها لقواعد القانون الدولي في مصادرة العتاد الحربي الذي يمر في الأجواء والمياه المصرية إلى إسرائيل، وشراء الاحتياجات الصالحة للمجهود الحربي من المصادر المدنية في مصر.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة