ثانياً: تطورات الموقف السياسي والعسكري خلال فترة الهدنة الثانية (18 يوليه ـ 15 أكتوبر)
1. انتهاكات الهدنة
عندما بدأت الهدنة الثانية، حاول كل من العرب والإسرائيليين تدعيم قواتهما وتحسين أوضاعهما العسكرية، الأمر الذي كان يؤدي بطبيعة الحال إلى انتهاك تلك الهدنة نتيجة أفعال الجانبين وردود فعلهما. إلا أنه يمكن القول، أن انتهاكات الجانب الإسرائيلي ـ مثلما كان الحال في الهدنة الأولى ـ كانت هي الأصل، بينما كانت انتهاكات الجانب العربي في جوهرها ردود فعل لانتهاكات الجانب الإسرائيلي وعدم احترامه للهدنتين.
وكان العرب على استعداد للالتزام بشروط الهدنة، لو أنهم أحسوا أن الجانب الآخر يعطي أي وزن أو احترام لها. وكانت تجربتهم مع الإسرائيليين خلال الهدنة الأولى خير دليل على صحة تقديرهم.
ونتيجة لاستمرار انتهاك الهدنة، وافق مجلس الأمن – على ضوء تقارير الوسيط الدولي – على مشروع قرار أمريكي/بريطاني مشترك في التاسع عشر من أغسطس، يلزم كل طرف بمنع أعمال انتهاك الهدنة ومعاقبة المنتهكين، كما حظر على أي طرف خرق الهدنة على أساس الانتقام أو كسب امتياز عسكري أو سياسي من خلال انتهاكات الهدنة.
إلا أن الانتهاكات الإسرائيلية وتدعيم قواتها وتحسين أوضاعها لم تتوقف، استناداً إلى قناعة بن جوريون بعدم رغبة كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في توقيع عقوبات على إسرائيل. ومن ثم استمرت ردود الفعل العربية لمقاومة الانتهاكات الإسرائيلية. مما دعا الوسيط الدولي إلى أن يسجل في تقريره في منتصف سبتمبر تلك الانتهاكات قائلاً:
"وقعت عدة حوادث يومية ذات طابع محلي. كما حدثت عدة انتهاكات لشروط الهدنة من الجانبين، ولم يقتصر الأمر على اندفاع العرب واليهود في سبيل القنص والسلب، بل إنهم دعموا مواقعهم العسكرية بما يتناقض مع شروط الهدنات …". وأكد الوسيط الدولي أن اليهود بصفة عامة – وإن لم يكن في كل وقت ـ كانوا الطرف الأكثر عدواناً منذ الهدنة.
وطبقاً لوثائق وزارة الدفاع المصرية، بلغت الانتهاكات الإسرائيلية، خلال الهدنة الثانية وحتى الثاني والعشرين من أكتوبر 318 مخالفة على الأرض، 445 في الجو، على الجبهة المصرية وحدها، منها انتهاكات جسيمة شملت اعتداءات مباشرة على القرى العربية واحتلال مواقع تكتيكية في مواجهة القوات المصرية، بل والهجوم على المواقع نفسها، بالإضافة إلى عمليات النقل البري والجوي غير المشروعة لإمداد مستعمرات النقب بالرجال والأسلحة والذخائر.
|