الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

الفصل السابع
حسم الحرب وتثبيت الدولة اليهودية
من فترة القتال الثالثة حتى اتفاقيات الهدنة
15 أكتوبر 1948 ـ 20 يوليه 1949

الأحداث الرئيسية

15 أكتوبر 1948

:

بدء الهجوم الإسرائيلي الاستراتيجي الأول على الجبهة المصرية (العملية يوآف).

16 أكتوبر 1948

:

فشل الهجوم الإسرائيلي على "عراق المنشية".

18 ـ 22 أكتوبر 1948

:

الهجوم الإسرائيلي لتوسيع ممر القدس (العملية هاهار).

19 أكتوبر 1948

:

صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وانسحاب القوات المتحاربة إلى مواقعها في 14 أكتوبر.

20 أكتوبر 1948

:

سقوط "الحليقات" في يد القوات الإسرائيلية وفتح الطريق إلى مستعمرات النقب.

20 ـ 21 أكتوبر 1948

:

فشل الهجوم الإسرائيلي السابع على قلعة "عراق سويدان".

21 أكتوبر 1948

:

سقوط "بئر السبع" في يد القوات الإسرائيلية.

22 أكتوبر 1948

:

قبول المصريين والإسرائيليين وقف إطلاق النار.

29 ـ 31 أكتوبر 1948

:

الهجوم الإسرائيلي لتصفية وجود جيش الإنقاذ في الجليل الأعلى.

4، 16 نوفمبر 1948

:

صدور قراري مجلس الأمن بدعوة كافة الأطراف إلى العمل من أجل التوصل إلى اتفاقيات هدنة دائمة.

9 نوفمبر 1948

:

سقوط "عراق سويدان" في يد القوات الإسرائيلية.

10 ـ 12 نوفمبر 1948

:

انعقاد مؤتمر رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في القاهرة.

1 ديسمبر 1948

:

انعقاد مؤتمر أريحا وتقريره تكوين مملكة موحدة من المملكة الأردنية الهاشمية وفلسطين.

5 ـ 7 ديسمبر 1948

:

مد القوات الإسرائيلية سيطرتها حتى تخوم المواقع المصرية في "خان يونس".

22 ديسمبر 1948

:

بدء الهجوم الاستراتيجي الثاني على الجبهة المصرية (العملية حوريف).

22 ـ 23 ديسمبر 1948

:

فشل القوات الإسرائيلية في احتلال "التبة 86".

26 ديسمبر 1948

:

سقوط "العسلوج" وتفكك القطاع الشرقي للجبهة المصرية.

27 ديسمبر 1948

:

سقوط "العوجة" في يد القوات الإسرائيلية.

29 ديسمبر 1948

:

المحاولة الإسرائيلية الفاشلة للهجوم على العريش.

29 ديسمبر 1948

:

صدور قرار مجلس الأمن بإيقاف إطلاق النار وتنفيذ قرار المجلس في 4 نوفمبر.

1 يناير 1949

:

الإنذار البريطاني لإسرائيل للانسحاب من الأراضي المصرية.

3 ـ 7 يناير 1949

:

المحاولة الإسرائيلية الفاشلة للهجوم على رفح.

24 فبراير 1949

:

توقيع اتفاقية الهدنة المصرية/ الإسرائيلية.

23 مارس 1949

:

توقيع اتفاقية الهدنة اللبنانية/ الإسرائيلية.

3 أبريل 1949

:

توقيع اتفاقية الهدنة الأردنية/ الإسرائيلية.

20 يوليه 1949

:

توقيع اتفاقية الهدنة السورية/ الإسرائيلية.

الفصل السابع

حسم الحرب وتثبيت الدولة اليهودية

من فترة القتال الثالثة حتى اتفاقيات الهدنة

15 أكتوبر 1948 ـ 20 يوليه 1949

أولاً: تطور الموقف السياسى والعسكرى خلال فترة القتال الثالثة (15 ـ 31 أكتوبر)

1. عام

عندما تفجر القتال مرة أخرى على الجبهة المصرية بعد تدبير إسرائيلي مفتعل، استمر ذلك القتال سبعة عشر يوماً اشتملت على ثلاث عمليات منها عمليتان على الجبهة المصرية هما العملية الرئيسة يوآف (يوآب)، والعلمية "هاهار" المكملة لها، أما العملية الثالثة التي أطلق الإسرائيليون عليها اسم "حيرام" فقد وجهت ضد جيش الإنقاذ في الجليل الأعلى، وهكذا بدأت أولى الحروب العربية الإسرائيلية تتحول تدريجياً إلى حرب مصرية ـ إسرائيلية بعد أن تجمدت الجبهات العربية الأخرى، والتي لم تحرك ساكناً بعد فترة القتال الثانية.

2. العملية "يوآف" (يوآب) (15 ـ 22 أكتوبر)

تُعَدّ العملية "يوآف" أبرز عمليات فترة القتال الثالثة وأخطرها، ولذا حشدت لها رئاسة الأركان الإسرائيلية معظم قواتها الضاربة بعد أن سحبت بعض تلك القوات من أمام الجبهات العربية الأخرى لتحقيق التفوق المطلوب لحسم الموقف على الجبهة المصرية وإجهاض مشروع "برنادوت" حتى يبقى النقب من نصيب إسرائيل.

وقد استهدفت العملية "يوآف" رفع الحصار عن مستعمرات النقب، وتصفية الوجود العسكري المصري في الجبهة الجنوبية، وقدرت القيادة الإسرائيلية ما بين خمسة وسبعة أيام لتحقيق أهداف هذه العملية التي أسندت قيادتها إلى الجنرال "إيجال آلون" قائد الجبهة الجنوبية.

وتلخصت خطة العملية في تفتيت الجبهة المصرية إلى أجزاء منفصلة بدق اسفينين في تلك الجبهة خلال الليلة الأولى للعملية، الأول بواسطة الكتيبة الثالثة "جعفاتي" في منطقة "خربة الراعي" بين "عراق سويدان" و"بيت جبرين" والثاني بواسطة الكتيبتين الأولى والثالثة من لواء النقب في منطقة "بيت حانون" بين غزة والمجدل، في الوقت الذي تقوم فيه الكتيبة التاسعة من اللواء الأخير (كتيبة الكوماندوز) بالإغارة على عقد المواصلات المصرية بين غزة ورفح. ومع طلوع الفجر يقوم اللواء الثامن المدرع بقيادة "إسحاق صادية" تدعمه الكتيبة السابعة من لواء النقب وكتيبة هاون بالهجوم مباشرة على الدفاعات المصرية في "عراق المنشية" بهدف اختراقها والاتصال بمستعمرات النقب وطي الدفاعات المصرية شمال غزة في اتجاه الغرب والجنوب الغربي بالتعاون مع لواء "النقب" ولواء "يفتاح" جنوب المحور العرضي لتلك الدفاعات واللواء "جعفاتي" شمال ذلك المحور.
وكان على السلاح الجوي الإسرائيلي قصف مطار "العريش" لتحييد القوة الجوية المصرية فيه، بالإضافة إلى قصف المواقع المصرية في "غزة والمجدل وبيت حانون" في الوقت الذي تقوم فيه البحرية الإسرائيلية بفرض الحصار البحري على الجبهة المصرية لمنع وصول أية إمدادات إليها عن طريق البحر. وعندما بدأ تنفيذ العملية يوم 15 أكتوبر قامت القاذفات الإسرائيلية بقصف "العريش وغزة والمجدل وبيت حانون" في الساعة 1600 مساء ذلك اليوم. ومع حلول الظلام انطلقت الكتيبة التاسعة من لواء النقب لتنفيذ غاراتها على خطوط المواصلات المصرية، كما نجحت الكتائب الثالثة "جعفاتي" والأولى والثالثة من لواء "النقب" في دق الإسفينين المكلفين بهما ليلة 15/16 أكتوبر، فاحتلت الأولى خربة الراعي واحتلت الأخيرتان المرتفعات المشرفة على طريق "غزة/المجدل" عند "بيت حانون".

وعندما بدأ الهجوم الإسرائيلي الرئيسي على "عراق المنشية" فجر 16 أكتوبر بعد تمهيد جوي ومدفعي كثيف تعرض جزء كبير من قوات اللواء الثامن المدرع للتدمير، كما تكبدت الكتيبة السابعة من لواء النقب خسائر فادحة عندما دخلت القوة الإسرائيلية المهاجمة منطقة القتل المعدة مسبقاً بواسطة المدافعين عن "عراق المنشية"، فضلاً عن نيران المدفعية التي انصبت عليها من المواقع المصرية في "الفالوجا". وأدى عدم التنسيق بين المشاة والمدرعات والخسائر التي لحقت بهما إلى فشل الهجوم وانسحاب القوة المهاجمة بشكل غير منظم. ولم يفلح في العودة إلى المواقع الإسرائيلية سوى خمسين فرداً من إجمالي القوة المهاجمة.

وإزاء هذا الفشل والخسائر الفادحة التي لحقت بقوة المجهود الرئيسي وجدت قيادة العملية أنها لن تستطيع تحقيق الاختراق المطلوب للجبهة المصرية عند "عراق المنشية" إلا بثمن باهظ من الخسائر، وأصبح البديل الوحيد المتاح أمامها للاتصال بمستعمرات النقب هو نقل المجهود الرئيسي للهجوم إلى جهة الغرب ومحاولة اختراق الجبهة المصرية في منطقة تقاطع الطرق غرب "عراق سويدان"، وهو الخيار الذي حاولت أن تتجنبه منذ البداية لقوة النظام الدفاعي المصري في هذا الاتجاه.

وبمقارنة مزايا وعيوب الخيار الأول والبديل المتاح وجد الجنرال "آلون" أنه إذا كان على قواته في كلا الخيارين أن تدفع ثمناً باهظاً لاختراق الجبهة المصرية وفتح الطريق إلى مستعمرات النقب، فليكن ذلك في مقابل فتح الطريق الرئيسي المرصوف غرب "عراق سويدان" وليس الطريق الفرعي الترابي في الشرق.

وعلى ذلك قرر "آلون" يوم 16 أكتوبر نقل مركز الثقل من القطاع الشرقي للمحور الأوسط إلى القطاع الغربي في ذلك المحور، وطبقاً لذلك التعديل كان على الكتيبة الأولى "جعفاتي" التحرك من "جولس" في اتجاه الجنوب للاستيلاء على مواقع الكتيبة المصرية التاسعة في منطقة تقاطع الطرق ليلة 16/17 أكتوبر.

وبعد الاستيلاء على المواقع المصرية شمال وجنوب ذلك التقاطع كان على الكتيبة الرابعة "جعفاتي" التقدم جنوباً للاستيلاء على "كوكبة" و"بيت طيما" ليلة 18/19 أكتوبر في الوقت الذي تتقدم فيه الكتيبة الأولى من لواء "يفتاح" من الجنوب وتهاجم المواقع المصرية في "الحليقات".

إلا أن القتال لم يمض وفقاً لتخطيط القياد الإسرائيلية، ففي ليلة 16/17 أكتوبر، شنَّت قوات اللواء "جعفاتي" هجومها على التلَّيْن رقمي 113 و100 شمال تقاطع الطرق ونجحت في احتلالهما في نفس الليلة بعد قتال عنيف متلاحم، أمَّا الهجوم على المواقع المصرية في منطقة تقاطع الطرق فقد جُوبه بمقاومة عنيفة وهجمات مضادة متكررة يوم 17 أكتوبر، إلا أنه بحلول فجر اليوم التالي سقط آخر مواقع الكتيبة التاسعة في منطقة تقاطع الطرق بعد قتال ضار استُشهد فيه قائدها الثاني الذي كان يقود القتال لحين عودة قائدها من إجازته الميدانية.

وبسقوط مواقع تقاطع الطرق في أيدي القوات الإسرائيلية واصلت قوات اللواء "جعفاتي" تقدمها جنوباً ونجحت في الاستيلاء على المواقع المصرية شمال "كوكبة"، إلا أن الكتيبة الأولى من لواء "يفتاح" التي كانت تهاجم مواقع "الحليقات" من الجنوب فشلت في احتلال البلدة أو المواقع المصرية حولها بالرغم من التمهيد الجوي والمدفعّي الذي سبق هجومها، وعلى ذلك ظل الممر المستهدف مغلقاً.

وفي منطقة الإسفين الإسرائيلي شرق "بيت حانون" و "يد مردخاي" أخذت المدافع المصرية يوم 16 أكتوبر في دك المواقع الإسرائيلية التي تعرضت لهجومين مضادين في نفس اليوم، إلا أن كتيبة "يفتاح" الثالثة نجحت في التمسك بمواقعها بالرغم من الخسائر الجسيمة التي تعرضت لها نتيجة القصف الجوي ونيران المدفعية والهجمات المضادة المصرية.

وفي يوم 18 أكتوبر كانت رئاسة الأركان الإسرائيلية في سباق مع الزمن ومع مجلس الأمن الذي كان يناقش مشروع قرار لوقف إطلاق النار، فقرَّرت زجَّ اللواء "عوديد" في المعركة ليلة 18/19 أكتوبر لإعطاء العملية قوة دفع جديدة بعد أن ظلت مواقع "الحليقات" تسد الطريق إلى مستعمرات النقب، وكانت رئاسة الأركان الإسرائيلية قد سحبت ذلك اللواء من المنطقة الشمالية لدعم قوات العملية "يوآف" على أثر الفشل والخسائر الذي تعرض لها اللواء الثامن المدرع، بعد أن اطمأنت إلى سكون الجبهات العربية الأخرى.

وعلى ذلك كُلف اللواء "عوديد" بشنِّ هجوم جديد على المواقع المصرية جنوب "كراتيا" لشق طريق إلى المستعمرات المعزولة بين "عراق سويدان" و"الفالوجا". إلا أنه نتيجة للسرعة التي زُج بها ذلك اللواء وقلة خبرته بالمنطقة الجنوبية فقد فشل هجومه وفتكت مدفعية "الفالوجا" بقواته فور انطلاقها من قاعدتها في "كراتيا".

وفي اليوم التالي (19 أكتوبر) واجه الجنرال "آلون" وهيئة قيادته موقفاً صعباً، فقد أصدر مجلس الأمن في جلسته رقم 367 في ذلك اليوم قراراً بوقف نافذ لإطلاق النار وانسحاب الطرفين إلى المواقع التي كانت عليها قواتها عند تجدد القتال يوم 15 أكتوبر، في الوقت الذي فشلت فيه كافة جهود قواته لفتح الطريق إلى مستعمرات النقب، ولم يبق لديه صالحاً للقتال سوى الكتيبة الثانية "جعفاتي".

وكأنما كان قرار مجلس الأمن دافعاً للقيادة الإسرائيلية لبذل أقصى طاقاتها في القتال بدلاً من إيقافه، فعندما عرض "آلون" تقريره في ذلك اليوم عن الموقف في جبهته على "إيجال يادين" – رئيس شعبة العمليات في رئاسة الأركان الإسرائيلية كان من رأي الأخير مواصلة الضغط على المواقع المصرية في منطقة "الحليقات" بواسطة قوات اللواء "جعفاتي" من الشمال واللواء "يفتاح" من الجنوب، وعلى ذلك تقرر دفع الكتيبة الثانية من لواء "جعفاتي" ليلة 19/20 للاستيلاء على الحليقات بعد تدعيمها بسرية من الكتيبة الرابعة من نفس اللواء وبعض الوحدات الفرعية من المدفعية والهاون الثقيل، ومعاونتها من الجنوب بوحدة من مستعمرة "كفار عام".

وبعد قتال شرس استمرَّ طوال الليل واستخدم فيه كل أنواع الأسلحة نجحت القوات الإسرائيلية السابقة في عزل مواقع "الحليقات" عن بعضها والاستيلاء عليها الواحدة تلو الأخرى. ومع فجر20 أكتوبر سقطت منطقة "الحليقات" – التي كان يدافع عنها سرية مشاة من الكتيبة التاسعة وسرية سعودية يعاونهما سرية أسلحة معاونة – وبذلك أصبح الطريق مفتوحاً إلى مستعمرات "النقب".

وفي الوقت الذي كان يجري فيه القتال للاستيلاء على "الحليقات" شنت الكتيبة الأولى من لواء "جعفاتي" الهجوم الخامس على قلعة شرطة "عراق سويدان"، إلا أنه بالرغم من تمهيد المدفعية المركز– الذي تجاوزت كثافته كل تمهيد سابق – فقد فشلت كتيبة "جعفاتى" في احتلال القلعة.

وشجَّع سقوط "الحليقات" صباح 20 أكتوبر قائد اللواء جعفاتي على تكرار الهجوم على قلعة "عراق سويدان" للمرة السادسة مساء ذلك اليوم، فبعد أن قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف الدفاعات المصرية خارج وداخل القلعة قبل آخر ضوء اندفعت قوات جعفاتي في الساعة 1600 تحاول اقتحام المواقع المصرية إلا أن المدافعين عن تلك المواقع أصلوا القوات المهاجمة بنيران كاسحة أجبرتها على الارتداد بعد أن تزايدت خسائرها وارتبكت صفوفها.

وفي منتصف ليلة 20/21 أكتوبر هدرت المدفعية الإسرائيلية مرة أخرى لتمهد لهجوم أخير على تلك القلعة التي استبسل المدافعون عنها، وكانت خطة الهجوم هذه المرَّة تقضي باستخدام سيارة مملوءة بالمواد المتفجرة لفتح ثغرة في حائط القلعة واستخدام قاذفات اللهب ضد القوة المصرية المدافعة خارج وداخل القلعة بعد قيام المشاة تحت ستر نيران المدفعية بفتح الثغرات في الأسلاك الشائكة، إلاَّ أن الهجوم فشل منذ بدايته، فقد تعذَّر على مشاة جعفاتي فتح ثغرات كافية نتيجة لكثافة نيران المدافعين التي انصبَّت عليها، والتي منعت قاذفات اللهب من الاقتراب من أهدافها، كما أصابت قذيفة "بيات" العربة المحملة بالمتفجرات فنسفتها محدثة دوياً هائلاً أصاب المهاجمين بالذعر.

وعندما بزغ فجر 21 أكتوبر كانت قلعة "عراق سويدان" لا زالت صامدة، في الوقت الذي انسحبت فيه قوات "جعفاتي" في حالة يُرثى لها من الإرهاق والإحباط بعد أن فشل هجومها السابع على تلك القلعة التي أطلق الإسرائيليون عليها اسم "الوحش"، إلا أنه يمكن القول أن صمود المدافعين عن القلعة العتيدة لم يمنع تفسخ الجبهة المصرية في نهاية العملية "يوآف".

فعلى أثر نجاح القوات الإسرائيلية في اختراق المحور العرضي للجبهة المصرية، وعجز اللواء المواوي عن القيام بهجوم مضاد فعال لإعادة غلق الثغرة، بدأت القوات الإسرائيلية في توسيع الثغرة وأصبح الباب مفتوحاً أمامها على مصراعيه للاتصال بمستعمرات النقب، في الوقت الذي انقطعت فيه المواصلات المصرية بين "المجدل" و"غزة" نتيجة لإسفين "بيت حانون" وأصبحت "المجدل" و"أسدود" مهددتين تهديداً خطيراً، وفي أقصى الشرق لم يكن موقف الجبهة المصرية بأفضل حالٍ، فقد أصبح قطاع بيت جبرين مهدداً بالعزلة والسقوط، كما تحرَّج الموقف كثيراً في منطقة "بيت لحم".

ومع بداية تدهور الموقف في الجبهة المصرية أرسل اللواء المواوي عدة تقارير إلى رئاسة الأركان المصرية في القاهرة يوضح لها الموقف المتدهور في الجبهة، ويطلب التصديق له بسحب قوات "عراق سويدان" و "بيت جبرين" لدعم الدفاع عن "بئر السبع"، على أن ينسحب المتطوعون من "بيت لحم" إلى "الخليل"، مع سحب قوات "اسدود" و "المجدل" إلى "غزة" وتنظيم الدفاع على الخط العام "الخليل/بئر السبع/غزة" كخط لا يسمح بالانسحاب منه.

وفي ردها المتأخر على اللواء المواوي مساء يوم 20 أكتوبر وافقت رئاسة الأركان المصرية على مطلبه الأخير، إلا أنها أصرَّت على أن يحتفظ "ببيت لحم" وكل المنطقة الساحلية من "المجدل" حتى "غزة". وعندما تلقى اللواء المواوي ذلك الرد كانت الأحداث قد تجاوزته.

فقد أدَّت ضغوط قرار مجلس الأمن وتأخر القوات الإسرائيلية في تحقيق مهامها والإجهاد والخسائر التي لحقت بها نتيجة صلابة المقاومة المصرية التي واجهتها – إلى عجز القيادة الإسرائيلية عن تنفيذ المرحلة الثانية من خطتها الأصلية، والتي كانت تقضي بتطويق القوات المصرية في المحور الساحلي والضغط عليها في اتجاه البحر والجنوب، وهو ما كان سيحتاج وقتاً أطولَ وجهداً أكبرَ، ومن ثم اتجهت القيادة الإسرائيلية بعد تحقيق الاتصال بمستعمرات النقب إلى المناورة البديلة شرقاً في اتجاه "بئر السبع" – حيث كانت الدفاعات المصرية أضعف – لاستغلال النجاح والاستيلاء على عاصمة النقب وعزل الجناح الشرقي للجبهة المصرية بعد أن نجحت في عزل المحور الأوسط الذي كان يربط جناحي هذه الجبهة.

وفي مواجهة القوة التي كانت تدافع عن "بئر السبع" و"الظاهرية" والتي لم تزد عن 239 جندياً احتياطياً و 216 متطوعاً خصَّص "آلون" مجموعة قتال مشكلة مما تبقى من اللواء الثامن المدرع وثلاث كتائب من لواء "النقب"، وكانت خطة الهجوم تقضي بتجميع المشاة والمدرعات في "مشمار هانجف" (مشمار النقب) بينما تتجمع المدفعية والهاون في مستعمرة "كلتا" (حاتسريم). وحُددت ساعة الصفر بمنتصف ليلة 20/21 أكتوبر، إلا أن هذا التوقيت عُدِّل فيما بعد ليكون الساعة 400. يوم 21 أكتوبر نتيجة تأخر وصول المشاة والمدرعات إلى محلاتها.

وفي الوقت الذي كان يجري فيه تجميع القوات المخصَّصة للاستيلاء على بئر السبع كانت الطائرات الإسرائيلية تقوم بقصف المدينة والمواقع المصرية في المنطقة لتليين دفاعاتها. وفي الساعة 400 بدأ القصف المدفعي تمهيداً للهجوم بينما راحت القوة المخصَّصة للهجوم التضليلي تقترب من المدينة من جهة الجنوب والجنوب الغربي للفت نظر المدافعين بعيداً عن اتجاه الهجوم الذي كانت القوة الرئيسية تستعد لشنه على المواقع المصرية شمال المدينة.

وعندما بدأت الأنساق الأولى للقوة الرئيسية هجومها نجحت في اختراق المواقع المصرية بعد قتال شرس وواصلت اندفاعها داخل المدينة حتى وصلت إلى محطة السكة الحديد ومركز الشرطة عند طلوع الفجر، حيث شنت عليها القوات المصرية هجوماً مضاداً يائساً لاستعادة المباني التي نجحت القوات الإسرائيلية في احتلالها، إلا أن وصول تعزيزات مدعمة بالمدرعات إلى القوة الإسرائيلية التي نجحت في الاختراق أدى إلى فشل الهجوم المضاد وعجل بسقوط المدينة التي لم يبق منها في أيدي القوات المصرية سوى مركز الشرطة التي كان يدافع عنها ستون من الجنود المصريين والمقاتلين الفلسطينيين.

فاستمرت القوات الإسرائيلية في ضغطها على هذا المركز الذي واصل المدافعون فيه إمطار المهاجمين بنيران أسلحتهم الخفيفة، وإزاء توقف الهجوم أمام هذا المركز وصل "ساريج" قائد لواء "النقب" ومعه مدفع مضاد للدبابات عيار 6 رطل محمل على عربة نصف جنزير وأمر بإطلاقه على مركز الشرطة الذي اضطر المدافعون عنه إلى التسليم بعد أن نفدت ذخيرتهم. وبسقوط بئر السبع انفتح الطريق أمام القوات الإسرائيلية لتتوغل في النقب كيف تشاء، في الوقت الذي تم فيه عزل الجناح الشرقي للجبهة المصرية.

وعندما استجاب الطرفان لوقف إطلاق النار في الساعة 1500 يوم 22 أكتوبر، كانت الجبهة المصرية قد تفسَّخت إلى ثلاث مناطق منفصلة عن بعضها البعض هي المنطقة الساحلية التي تمثل الجناح الغربي للجبهة المصرية والمحور الأوسط الذي تقلَّص إلى جيب "الفالوجا" وبقايا الجناح الشرقي لتلك الجبهة.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة