الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

ثانياً: تطور الموقف السياسي والعسكري خلال فترة الهدنة الثالثة (31 أكتوبر ـ 21 ديسمبر 1948)

1. تطور الموقف الدولي

إزاء إصرار إسرائيل علي رفض الانسحاب من الأراضي التي استولت عليها خلال فترة القتال الثالثة اقترح "رالف بانش" القائم بأعمال الوسيط الدولي علي مجلس الأمن تشجيع الدول العربية وإسرائيل علي الدخول في مفاوضات لتحويل الهدنة المؤقتة إلي هدنة دائمة ـ منعاً لتجدد القتال ـ وتهيئة الظروف اللازمة للتوصل إلي تسوية سلمية نهائية.

واستجابة لتوصيات "بانش" أصدر مجلس الأمن في الرابع والسادس عشر من نوفمبر قرارين يدعو فيهما الأطراف جميعاً إلي العمل من أجل التوصل إلي اتفاقيات هدنة دائمة ـ عن طريق المفاوضات التي تجري مباشرة أو عن طريق القائم بأعمال الوسيط الدولي ـ تتضمن رسم خطوط دائمة لهدنة لا يجوز لقوات الأطراف المتنازعة أن تتخطاها، وسحب وتخفيض القوات المسلحة بما يضمن الحفاظ علي الهدنة خلال فترة الانتقال إلي الصلح الدائم، وذلك دون الإخلال بأمر القائم بأعمال الوسيط الدولي المتعلق بسحب القوات الإسرائيلية في النقب إلي خطوط 14 أكتوبر.

ورغم أن معظم الدول العربية ظلَّت ترفض ذلك القرار، فإن مصر أخذت موقفاً أكثر اعتدالاً بترحيبها بالتفاوض من أجل الوصول إلي تسوية، إلا أنها اشترطت أن يكون ذلك التفاوض مع الأمم المتحدة وليس مع الإسرائيليين، ولم يلبث هؤلاء الرافضون ان أصبحوا أكثر واقعية، وطلبوا في ديسمبر من مجلس الأمن اتخاذ الوسائل اللازمة لتطبيق قرارات الأمم المتحدة السابقة، بما في ذلك قرار السادس عشر من نوفمبر الذي سبق لهم أن رفضوه.

أما إسرائيل فقد سعت إلي تجنب إشراك الأمم المتحدة في أي إجراءات للتسوية حتى تتجاهل قرارات المنظمة الدولية، التي قد تعرقل أطماعها التوسعية من ناحية، وحتى تستطيع استخدام موقفها المتميز وتفوقها العسكري في المساومة من خلال المفاوضات المباشرة مع العرب من ناحية أخري.

وفي الوقت الذي كان مجلس الأمن يبحث الاعتداءات الإسرائيلية في النقب والجليل، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنتها السياسية تبحث عدة مشروعات قرارات لتسوية المشكلة، وفي الحادي عشر من ديسمبر وافقت الجمعية العامة علي مشروع قرار بريطاني بعد إجراء عدة تعديلات عليه، وقد نص ذلك القرار (194 ـ فقرة 3) علي إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة تضم مندوبين من فرنسا وتركيا والولايات المتحدة تقوم بكافة مهام الوسيط الدولي، واتخاذ الخطوات الكفيلة بمساعدة الأطراف علي تحقيق تسوية سلمية، سواء تحت إشراف اللجنة أو بالمفاوضات المباشرة، علي أن تقدم اللجنة إلي الجمعية العامة في دورة انعقادها التالية مقترحات تفصيلية لنظام دولي لمدينة القدس، كما كُلفت لجنة التوفيق ببحث الترتيبات اللازمة للمساعدة في تطوير المنطقة اقتصادياً، وتسهيل توطين واستقرار وتأهيل اللاجئين اجتماعياً واقتصادياً.

2. تطور الموقف العربي

أ. عام

استكمالاً لجهوده السابقة من أجل ضم الأراضي التي يسيطر عليها الفيلق الأردني في فلسطين إلي مملكته، أوعز الملك عبدالله إلي الهيئة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني الأول ـ الذي سبق عقده في عمان ـ بالدعوة إلي عقد مؤتمر جديد في " أريحا" في أول ديسمبر 1948، وكان اختيار " أريحا" مكاناً لعقد المؤتمر الثاني يهدف إلي تصوير الموقف وكأن الفلسطينيين يتصرفون بوحي من إرادتهم الحرة، وحين عُقد المؤتمر الذي حضره نحو ثلاثة آلاف مندوب من كل أنحاء فلسطين، قَرَّروا أن "تتألف من فلسطين والمملكة الأردنية الهاشمية مملكة واحدة، وأن يُبايع جلالة الملك عبدالله بن الحسين ملكاً دستورياً علي فلسطين".

وقد أثارت مقررات "أريحا" ثائرة الدول العربية التي تقف في وجه أطماع الملك عبدالله وعلى رأسها مصر التي شنت إذاعتها حملة شديدة علي المؤتمر ومقرراته. وفي محاولة لتهدئة مصر، بعث الملك عبدالله برسالة شفهية إلي النقراشي باشا رئيس الوزراء حملها إليه الوزير الأردني المفوض في القاهرة، يوضح له فيها أن مقررات "أريحا" هي تعبير عن رأي أهل فلسطين الذين يوجد منهم آنذاك سبعمائة ألف لاجئ يستغيثون به أن يتولى شؤونهم، وإنه وإن لم يتعجل الرد علي تلك المقررات فإنه يري أن عليه أن يُغيث من لاذوا به وأن يتحمل مسؤوليته تجاههم.

وفي ردِّه على رسالة الملك عبدالله أشار النقراشي باشا إلي أن الدول العربية دخلت فلسطين مجتمعة لإنقاذ أهلها، ومن ثمَّ فإنه من غير الملائم أن تنفرد دولة واحدة بحل سياسي يتعلق بذلك البلد، وأن تعبير الفلسطينيين عن آرائهم يجب أن يتم في ظروف طبيعية وفي مناسبات لا تثير شكاً لدي أيٍّ من الدول العربية، مؤكداً علي أن مصر التزمت دائماً بمبدإ أن فلسطين لأهلها وأنها ستظل وفيه لهذا المبدإ وأنه يرجو ألا يتخذ الملك قراراً يؤدي إلي تنابذ الدول العربية، مما يشوه قضيتها وصورتها أمام العالم.

ومن جانبه قام الملك فاروق بالاتصال بالملوك والرؤساء العرب الآخرين علي أمل أن يؤدي التعاون فيما بينهم إلي تنبيه الملك عبدالله إلي خطورة الموقف الذي يُعِّرض الوحدة العربية للانهيار. وبالرغم من تلك الاتصالات علي مستوي القمة العربية فقد مضي الملك عبدالله في مخططه، حيث عرضت قرارات "أريحا" علي كل من مجلس الوزراء والبرلمان الأردني فصادقاً عليها.

وإزاء تزايد الصَدَّع بين مصر والمملكة العربية الأردنية رأت الحكومة البريطانية ضرورة إجراء المصالحة بين البلدين حفاظاً علي مصالحها في المنطقة، ومن جانبه قبل الملك عبدالله تبادل وجهات النظر مع المصريين دون التخلي عن مقررات "أريحا" إلا أن ذلك كان غير مقبول من مصر، ومن ثمَّ طرحت بريطانيا فكرة تقسيم ما تبقي من فلسطين بين مصر والمملكة الأردنية. ولم يكن "أرنست بيفن" وزير الخارجية البريطانية يمانع في حصول الملك عبدالله علي كل "النقب" وعلى كل ـ أو جزء من ـ القسم العربي في فلسطين.

ولما كان ذلك العرض سيتأثر بموقف الإسرائيليين، فقد حثت الحكومة البريطانية الملك عبدالله علي مواصلة محادثاته التي كانت قد بدأت مع ممثلين عن الجانب الإسرائيلي لمعرفة نواياهم وتهيئة السبل للتسوية النهائية إذا كان ذلك ممكنا. وقد انتهت المباحثات الأولية بين الجانب الأردني والإسرائيلي إلي توقيع هدنة نهائية بين الجانبين في منطقة القدس اعتباراً من الساعة 800 يوم 29 نوفمبر.

ب. مؤتمر رؤساء أركان حرب الجيوش العربية

نجح شبح الهزيمة في دفع رؤساء أركان حرب الجيوش العربية إلي الاجتماع في القاهرة خلال الفترة من 10 إلي 12 نوفمبر لبحث الموقف والتقدم بتوصياتهم إلي اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية.

إلا أنَّ القرارات التي أَسْفرت عنها اجتماعات رؤساء الأركان كانت تعني تجميد الموقف العسكري لحين تنفيذ توصيات المؤتمرين من أجل تدارك الموقف العربي المتدهور.

فبعد أن قارن المؤتمرون موقف القوات العربية والإسرائيلية وأوضاعها، خرجوا بأن القوات الإسرائيلية قد أصبحت متفوقة علي القوات العربية من حيث العدد والتسليح بكافة أنواعه، فضلاً عما تقدمه لها شبكة المستعمرات الإسرائيلية الحصينة وطرق المواصلات الجيدة من دعم لأعمال الحشد والمناورة بالقوات في ظل قيادة إسرائيلية موحدة علي كل الجهات وهو ما لم يتوفر للعرب.

أما بالنسبة لمقدرة القوات العربية آنذاك، فقد وجد المؤتمرون أنَّ العجز في هذه القوات وافتقارها إلي الأسلحة المعاونة وحاجتها المُلَّحة إلي الذخائر المختلفة والعتاد، وما طرأ علي قواتها الجوية والبحرية من خسائر ونقص، يُجبرها علي اتخاذ أوضاع دفاعية لحين استكمال احتياجات تلك القوات.

ولخص رؤساء أركان حرب الجيوش العربية الأسباب التي أَدَّت إلي تدهور الموقف العربي العسكري في خمس نقاط هي:

 

(1)

عدم استعداد الجيوش العربية لخوض حرب طويلة.

 

(2)

عجز الدول العربية عن حشد القوات الكافية للتغلب علي القوات الإسرائيلية.

 

(3)

عدم حشد الدول العربية جميع مواردها لأغراض الحرب.

 

(4)

عدم تشكيل قياده عربية موحدة للجيوش العربية لإدارة الحرب وتوجيه القوات تبعاً لمقتضيات الموقف.

 

(5)

عجز الحكومات العربية عن الانتفاع من الهدنتين السابقتين لدعم قواتها بمثل ما فعلت الحكومة الإسرائيلية.

    وفي النهاية جاءت توصيات رؤساء أركان الجيوش العربية كما يلي:

 

(1)

تدارك ما تحتاجه القوات من الأسلحة والذخائر و العتاد والطائرات والقوة البحرية، والتغلب علي جميع الصعوبات والعراقيل التي تحول دون ذلك مهما كلف ذلك من تضحيات.

 

(2)

تسخير كل ما في البلاد العربية من موارد واستخدام جميع الإمكانات لأغراض الحرب ولو أدي ذلك إلي إعلان التعبئة العامة.

 

(3)

ترك حرية العمل للعسكريين وحصر جهود الحكومات العربية ومساعيها في تأمين احتياجات جيوشها وتعبئة جميع القوى للمجهود الحربي.

 

(4)

ضرورة تشاور السياسيين مع القيادات العسكرية قبل اتخاذ أية قرارات سياسية تتعلق بتدخل القوات المسلحة.

إلا أنه يمكن القول أن التوصيات السابقة لم تكن تَعْني شيئاً لدي الحكومة الأردنية التي عقدت العزم علي التوصل إلي تسوية ملائمة مع الإسرائيليين بالنسبة للجبهة الأردنية. فبعد أقل من أسبوع من فض اجتماعات رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في القاهرة كان "موشي ديان" قائد منطقة "القدس" يجتمع مع عبدالله التل قائد القوات الأردنية في نفس المدينة يوم 18 نوفمبر للتمهيد لبحث وقف إطلاق النار بشكل نهائي في منطقتهما، وهو ما انتهى بتوقيع الجانبين يوم 29 نوفمبر علي هدنة في منطقة "القدس".

ولم يأت الرابع من ديسمبر حتى كانت الجبهة الأردنية كلها قد أصبحت خارج الحرب، ثم تعددت اللقاءات بين القائدين التي حضرها بعض الساسة من الجانبين أيام 13،14،20 ديسمبر، ثم 5 يناير 1949 قبل أن يجتمع الملك عبدالله نفسه بالساسة والعسكريين الإسرائيلين في قصره بالشونة ليلة 16/17 يناير لبحث التسوية النهائية معهم.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة