إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / اللحية




مارك فورن مولن
بارثولوميو
بيتا هيكي
د. جون بلوسمان
ريتشارد برينسون
شيف بول برود هوم
كوفي أنان





مقدمة

المبحث الأول

اللحية في الفقه

أولاً: التعريفات والألفاظ المتعلقة باللحية

1. التعريفات

واللحى: بكسر اللام، وحُكِيَ ضمها، جمع لحية ـ بكسر اللام فقط ـ وهي اسم لما ينبت من الشعر على الذقن والعارضين.

واللحيان: حائطا الفم، وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم من كل ذي لحى ويقال التحى الرجل، صار ذا لحية ويقال رجل لِحْيان: إذا كان طويل اللحية، وقيل اللحية: الشعر النابت على الخدّين من عِذار، وعارض، والذقن.

2. الألفاظ المتعلقة باللحية

أ. العِذَار: هو الشعر النابت على العظم الناتىء المحاذي لصماخ الأذن (أي خرقها) يتصل من الأعلى بالصدغ، ومن الأسفل بالعارض، وقيل: هو القدر المحاذي للأذن. والعِذَار: جزء من اللحية، وعليه تنطبق أحكامها. وقيل: لا يدخل منتهى العذار في اللحية.

ب. العَارِض: العارض في اللغة: الخد، وعارضتا الإنسان: صفحتا خديه، وقيل العارض: الشعر النابت على الخد، ويمتد من أسفل العذار حتى يلاقى الشعر النابت على الذقن. فالعارضان من اللحية، وقيل له العارض لأنه ينبت على عرض اللحى فوق الذقن.

ج. الذَقن: مجتمع اللحيين من أسفلهما.

د. العُنْفُقة: ما بين الشفة السفلى والذقن. سميت بذلك لخِفـة شعرها، والعنفق: قلة الشيء وخفته.

وقيل: العنفقة ما نبت على الشفة السفلى من الشعر.

ويجاور العنفقة يميناً وشمالاً الفنيكان، وهما: الموضعان خفيفا الشعر، بين العنفقة والعارضين، وقيل هما جانبا العنفقة.

هـ. السِبَال: السبال لغة: جمع السّبَلة، وسبلة الرجل: الدائرة التي في وسط شفته العليا، وقيل: السبلة ما على الشارب من الشعر وقيل: هي مقدم اللحية، وقيل: هي اللحية، وعلى كونه بمعنى ما على الشارب من الشعر ورد الحديث: ]قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا‏ أَهْلَ الْكِتَابِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 21252).

وعلى كونه بمعنى اللحية، ورد قول جابر بن عبدالله t ]كُنَّا نُعْفِي‏‏ السِّبَالَ‏ ‏إِلاَّ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3669).

أما الفقهاء فالسبال عندهم: طرف الشارب.

و. الشارب: هو الشعر النابت على الشفة العليا. سمي بذلك: لملاقاته للماء عند الشرب.

ز. الهدب: وهو الشعر النابت على أجفان العين.

ح. الحاجب: وهو الشعر النابت على أعلى العين. سمي بذلك: لأنه يحجب عن العين شعاع  الشمس.

ثانياً: الأحكام المتعلقة باللحية

1. إعفاء اللحية

وقد جاء الأمر بإعفاء اللحية في أحاديث كثيرة صحيحة، منها حديث ابن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ عن النبي r أنه قال: ]‏خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5442) ومثله حديث أبي هريرة t بلفظ، ]جُزُّوا‏ الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا‏ الْمَجُوسَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 383) ومنها حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي r ]‏عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 384) فعد منها إعفاء اللحية. وصيغة الأمر من الله عز وجل، أو من رسوله  تقتضي الوجوب والإلزام لغة وشرعاً وعقلاً ونقلاً، إذا ورد الأمر متجرداً عن قرينة تصرفه إلى غير الوجوب كالاستحباب، أو الإباحة. والمراد بقوله  "خالفوا المشركين" مخالفة المجوس فإنهم كانوا يقصون لحاهم ومنهم من كان يحلقها، وذهب الأكثرون إلى أن  "أعفوا" بمعنى كثروا، أو وفروا، وإعفاء اللحية تركها حتى تكث وتكثر.

أ. ما يتحقق به إعفاء اللحية

قال بعض العلماء: لا تتحقق سنية الإعفاء إلا إذا تُرِكت اللحية وشأنها، بحيث لا يؤخذ منها شيء أصلا إلا في حج أو عمرة.

وقد استند هذا الفريق إلى ما يلي:

(1) الأحاديث الصحيحة التي جاءت في طلبها بلفظ الإعفاء وما في معناه، وبصيغة الأمر.

(2) عن ابن عمر عن النبي r قال ]خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَكَانَ‏ ابْنُ عُمَرَ‏ ‏إِذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5442).

وبما أن ابن عمر هو راوي الحديث: فتصرفه يعتبر بيانا للمعنى المراد من الحديث، وعلى هذا؛ فلا يجوز الأخذ من اللحية أبدا بل تُترك على حالها، إلا في حج أو عمرة.

(3) ما روى عن جابر بن عبدالله قال: كنا نعفي السبال[1] إلا في حج أو عمرة.

(4) وذهب فريق آخر إلى جواز الأخذ منها بشرط ألا ينقص طولها عن قبضة اليد، بمعنى أنه يجوز له أخذ ما زاد على قبضة اليد أما إذا كانت أقل من قبضة فلا يجوز الأخذ منها.

وقد استدل هذا الفريق بما يلي

(1) أثر ابن عمر السابق وفيه "كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه "، والذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التقصير بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه.

(2) ولذا قال بعضهم حد ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولا وأن ينشر عرضا فيقبح.

(3) وكان أبو هريرة يقبض على لحيته، فيأخذ ما فضل، وعن ابن عمر مثله. وفي الجملة فإن هذا الفريق يرى جواز الأخذ منها، طولا وعرضا، بغير حد مقدر، ما لم يفحش الأخذ وينتهي إلى تقصيصها كما كانت تفعله الأعاجم.

ومن هذا الفريق:

(أ). عطاء فقد نقل عنه قوله: لا بأس بأن يأخذ من لحيته، من طولها، وعرضها، إذا كبرت وعلت: كراهة الشهرة، وفيه تعريض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحديث "أن النبي r أن يأخذ من لحيته من عرضها وطولها"، وهو حديث ضعيف (اُنظر ملحق تحقيق حديث "كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها").

(ب) ونقل عن القاضي عياض قوله: يكره حلقها وتحذيفها.قال: وأما الأخذ من طولها فحسن، وقال تكره الشهرة في تعظيمها، كما يكره قصها وجزها وقال : وكره مالك طولها جدا.

(ج) وسئل الإمام مالك عن اللحية إذا طالت جدا قال: أرى أن يؤخذ منها ويُقص.

(د) وفي المذهب المالكي قولان في مقدار الأخذ: المعروف منهما: أن لا حد للأخذ فيقتصر على ما تحسن به الهيئة. ومقابله يأخذ ما يزيد على القبضة.

ب. تعليق عام على الآراء السابقة وأدلتها

ما يحتاج إلى تأمل هو: هل المعاني التي تدل عليها ألفاظ الإعفاء، والتوفير ـ والإبقاء ـ ونحوها، من الألفاظ التي جاءت في أحاديث طلب اللحية: مرادة على إطلاقها. وبتعبير آخر: هل المطلوب من كل مسلم، ترك الأخذ من لحيته مدى حياته إلا إذا ذهب مرة أو مرات إلى الحج؟ ومن يذهب إلى الحج قليل إلى مجموع المسلمين.

فمعنى ذلك، أن غالبية المسلمين يجب عليهم ترك لحاهم تطول إلى ما شاء الله!

إن التوفير، أو الإعفاء المأمور به، مقيد بما إذا لم تطل اللحية طولاً فاحشاً، بشكل تشوه سمت صاحبها، ويجعله هدفا لأعين الناس، وأضحوكة في أفواه السفهاء، أو بحيث تصبح اللحية علامة مميزة له، من دون الناس، لا يعرف إلا بها.

كما أن توفيرها المناسب تتحقق فيه العلة الأساسية التي أمر الرسول r بإعفاء اللحية لأجلها: وهي مخالفة أهل الكتاب والمشركين الذين يحلقون لحاهم. ومن جهة أخرى فقد روي عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما كانا يأخذان من لحيتهما مع أنهما قد رويا بعض أحاديث الأمر بالإعفاء مما يدل على أن الأمر ليس على إطلاقه. إن التحديد بالقبضة أو ما يقاربها زيادة أو نقصاً: هو المقدار الذي ينبغي أن يصار إليه. والمسلم ينبغي أن يكون جميل الصورة والمظهر لأن ]إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 131).

2. الخصال المكروهة في اللحية

ذكر العلماء عدداً من الخصال المكروهة في اللحية، وفيما يلي بيان لهذه الخصال مع بيان سبب كراهتها.

أ. الخصلة الأولى

خضاب اللحية بالسواد. والأصل في كراهة الخضاب بالسواد ما جاء في حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال رسول الله r ]‏يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ ‏فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لا ‏يَرِيحُونَ ‏‏رَائِحَةَ الْجَنَّةِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3679).

وفي قصة إسلام أبي قحافة .. فأسلم ولحيته ورأسه كالثُغامة[2] بياضاً:" فقال رسول الله r ]‏غَيِّرُوهُ وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 13933). لذلك قال أكثر العلماء بكراهة الخضاب بالسواد، لا فرق في المنع بين الرجال والنساء

وقيل يباح للمرأة، أن تتزين به لزوجها.

وقد رخص في الخضاب بالسواد طائفة من السلف[3].

وأجابو عن حديث ابن عباس السابق: بأنه لا دلالة فيه على كراهة الخضاب بالسواد بل فيه الإخبار عن قوم هذه صفتهم

وعن حديث جابر السابق في قصة إسلام أبي قحافة: بأن ذلك في حق من صار شيب رأسه مستبشعًا ولا يطرد ذلك في حق كل أحد.

وقد رخص فيه بعض العلماء إذا كان المرء مجاهداً؛ لما فيه من إدخال الرهبة في نفوس الأعداء بإظهار الشباب وما ينطوي عليه ذلك من مظهر القوة.

ب. الخصلة الثانية

تبييض اللحية بالكبريت أو غيره استعجالاً للشيخوخة، وإظهارًا للعلو في السن، لطلب الرياسة والتعظيم والمهابة والتكريم، أو لقبول حديثه وإيهام اللقاء بالمشايخ.

ج. الخصلة الثالثة

خضابها بحمرة أو صفرة تشبهًا بالصالحين ومتبعي السنة، وعلة الكراهة هنا، هي النية السيئة أما الأصل في الخضاب بالتحمير أو التصفر فهو محمود، وقد حث عليه، حين خرج على مشيخة من الأنصار بيض لحاهم فقال r ]يَا مَعْشَرَ ‏الأَنْصَارِ‏ حَمِّرُوا وَصَفِّرُوا وَخَالِفُوا ‏أَهْلَ الْكِتَابِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 21252).

د. الخصلة الرابعة

نتفها، من أول طلوعها، وتخفيفها بالموسى؛ إيثارًا للمرودة واستصحابا للصبا وحسن الوجه. وتعد هذه الخصلة أقبح الخصال المكروهة في اللحية.

هـ. الخصلة الخامسة

نتف الشيب: لقوله r ]لا تَنْتِفُوا الشَّيْبَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشِيبُ شَيْبَةً فِي الإِسْلامِ،‏ ‏إِلاَّ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3670).

وجاء في الحديث: ]نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r‏ ‏عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ وَقَالَ إِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2746).

وقيل: إنما نُهي عن النتف دون الخضب؛ لأن النتف فيه تغير الخلقة من أصلها، بخلاف الخضب؛ فإنه لا يغير الخلقة على الناظر إليه.

و. الخصلة السادسة

الزيادة فيها، والنقص منها: قال الإمام الغزالي: تكره الزيادة في اللحية، والنقص منها: وهو أن يزيد في شعر العذارين، من شعر الصدغين، إذا حلق رأسه، أو ينزل، فيحلق بعض العذارين.

ز. الخصلة السابعة

تسريحها تصنعاً ورياءً لأجل الناس. اعتبار التسريح من الخصال المكروهة محل نظر، ولعل مقصود الفقهاء، إذا كانت تصحبه نية الرياء، وحب الثناء، والتظاهر بمظهر العجب والخيلاء؛ فتكره هذه النية، أما التسريح لأجل النظافة، وتحسين الهيئة فهو أمر محمود؛ فقد جاء في الأثر" أنه أتى رجل النبي r ثائر[4] الرأس واللحية، فأشار إليه النبي r بيده، أن أخرج كأنه يأمره بإصلاح شعره ولحيته، ففعل، ثم رجع. فقال رسول الله r ]أَلَيْسَ هَذَا خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدُكُمْ ثَائِرَ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ شَيْطَانٌ[ (موطأ مالك، الحديث الرقم 1494).

وكذلك حديث أبي قتادة الأنصاري الذي" أتى النبي r وقال له: ]‏إِنَّ لِي ‏ ‏جُمَّةً ‏ ‏أَفَأُرَجِّلُهَا ‏فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏r ‏نَعَمْ وَأَكْرِمْهَا[ (موطأ مالك، الحديث الرقم 1493)، فكان قتادة ربما دهنها في اليوم مرتين لما قاله له رسول الله r نعم وأكرمها. وكذلك حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: ]مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3632).

وفي الحديث دلالة على استحباب إكرام الشعر بالدهن والتسريح.

ح. الخصلة الثامنة

ترك اللحية منتفشة، إظهارا للزهادة، وقلة المبالاة بنفسه.

ط. الخصلة التاسعة

النظر إلى اللحية إعجاباً وخيلاء، غِرة بالشباب، أو فخراً بالمشيب، وتطاولا على الشباب.

3. حكم حلق اللحية

أ. أدلة القائلين بوجوب الإعفاء

أجمع العلماء من المذاهب الأربعة، وغيرهم، على حُرمة حلق اللحية، واعتبار الحلق من أكبر الذنوب، (باستثناء عطاء من الشافعية، الذي يرى كراهة الحلق)، وخلاصة أدلتهم في ذلك كالتالي:

(1) إعفاء اللحية من سمت الأنبياء عليهم السلام، وهديهم، فقد قال تعالي: ]قَالَ يَبنؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي[ (سورة طه: الآية 94) ففي هذه الآية الكريمة دليل قرآني على أن هارون، u كان موفراً للحية، وقد قال الله U عن إبراهيم u ]وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 84)، وقوله تعالى في نفس السورة ]أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ[ (سورة الأنعام: الآية 90).

وكان النبي r دائم إتباع هدى من سبقه من الأنبياء، تنفيذًا لأمر الله له بالاقتداء بهم[5]،  فكانت له r لحية طويلة عريضة كثة تُرى من خلفه، فعن علي t قال: ]كَانَ رسول الله‏ r‏ عَظِيمَ اللِّحْيَةِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 900)، وعن جابر بن أبي سمرة t قال: ]كان رسول الله r كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4336)، وعن عمر أن النبي r "كان كث اللحية"، وفي رواية أخرى "كثيف اللحية"، وفي رواية عظيم اللحية. وعن عائشة رضي الله عنها: ]كان رسول الله r كث اللحية تملأ صدره[ (رواه الترمذي). وقال أبو معمر:  قلنا لخباب بن الأرت: ]أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r‏ ‏يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ قَالَ بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 704)

(2) إعفاء اللحية أمر من النبي r، والأمر يقتضي الوجوب والإلزام، كما هو مقرر في أصول الفقه، فلا يجوز مخالفته، لقول الله عز وجل: ]وَمَا ءاَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا[ (سورة الحشر: الآية 7)، ولقوله: ]مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ[ (سورة النساء: الآية 80) وقوله عن نبيه r ]فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (سورة النور: الآية 63)، وقوله: ] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً[ (سورة الأحزاب: الآية 36).

وقد ثبت أمر النبي r بإعفاء اللحية في أحاديث صحيحة: ]خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ ‏أَحْفُوا ‏الشَّوَارِبَ ‏وَأَوْفُوا اللِّحَى[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 382).

وقال r: ] جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى خَالِفُوا الْمَجُوسَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 383).

وقال r: ]إن أهل الكتاب يعفون شواربهم، ويحفون لحاهم فخالفوهم، فأعفوا اللحى، وأحفوا الشوارب[ (رواه البزار).

وقال r: ]عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 384) إلى آخر الحديث.

وأمر النبي r صريح فيها، ولا توجد قرينة تصرف أمر النبي r بالإعفاء عن الوجوب إلى الاستحباب أو غيره، فثبت الوجوب.

(3) حلق اللحية مُثلة، أي تشويه وتغيير لخلق الله، فقد روى ابن عساكر عن عمر بن عبدالعزيز، t أنه قال: إن حلق اللحية مُثلة، وإن رسول الله "نهى عن المثلة" يشير إلى حديث عمران بن حصين، وسمرة بن جندب، t: ]مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ r‏ خُطْبَةً إِلاَّ أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ ‏وَنَهَانَا عَنْ ‏الْمُثْلَةِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 19012)، وقال شيخ الإسلام، ابن تيمية، عن حلق اللحية: "فأما حلقها فمثل حلق المرأة رأسها وأشد لأنه من المُثلة المنهى عنها، وهي محرمة".

(4) حلق اللحية تشبه بالكفار. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فأمر بمخالفة المشركين مطلقاً، ثم قال:"احفوا الشوارب، وأوفوا اللحى"، وهذه الجملة الثانية بدل من الأولى، فإن الإبدال يقع في الجمل كما يقع في المفردات، ولفظ مخالفة المشركين دليل على أن جنس المخالفة أمر مقصود للشارع. وفي حديث أبي أمامة  أن بعض مشيخة الأنصار ـ رضي الله عنهم ـ قالوا: يا رسول الله إِنَّ ‏أَهْلَ الْكِتَابِ يَقُصُّونَ عَثَانِينَهُمْ وَيُوَفِّرُونَ سِبَالَهُمْ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ r:‏ ]‏قُصُّوا سِبَالَكُمْ وَوَفِّرُوا ‏عَثَانِينَكُمْ وَخَالِفُوا ‏أَهْلَ الْكِتَابِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 21252)، وذلك دليل على أن مخالفة المجوس وأهل الكتاب أمر مقصود للشارع". والحاصل أن حلق اللحية مرتبط بهذا الأصل، الذي زهد عنه بعض المسلمين، فقد حذر الإسلام من موافقة الكفار في زيهم، وأعمالهم، وهديهم، ولكن المسلمين اليوم يلهثون وراء أعدائهم، بعد أن أولعوا بمحاكاتهم. ويقول الشيخ علي محفوظ: "ومن أقبح العادات ما اعتاده الناس اليوم من حلق اللحية وتوفير الشارب، وهذه بدعة سرت إلى المصريين من مخالطة الأجانب، واستحسان عوائدهم، حتى استقبحوا محاسن دينهم، وهجروا سنة نبيهم r".وقال الشيخ ناصر الدين الألباني: "والتشبه بالكفار له ارتباط وثيق جداً بقاعدة ارتباط الظاهر بالباطن فمن تشبه بالكفار معناه أنه استحسن ما هم عليه، واستقبح ما كان عليه نبيه من الهدى والنور، فقد كان r له لحية جليلة عظيمة، وكذلك الصحابة، وكذلك السلف، وكذلك الأئمة لم يوجد فيهم من حلق لحيته في حياته مرة واحدة، وهذا مستحيل، بل بعض الأمراء ممن لم يكونوا متفقهين في الدين كانوا إذا رأوا أن يؤدبوا فرداً من أفراد الرعية لخطأ ارتكبه يحلقون لحيته، ويركِّبونه على دابة ويجولونه بين الناس تعييراً له، كان هذا تعييراً في الزمن الأول، وهو تعيير أي تعيير، وبخلاف الفطرة خلاف الرجولة". وقد ذكر الإمام السندي في حاشيته على شرح السيوطي لسنن النسائي أن كثيراً من السلف فهم أن حلقها شعار كثير من الكفار، وهذا هو حال أكثرهم في هذا الزمان، بل ما نقل المسلمون حلق اللحى إلا من طريق الكفار. وينبغي علينا مخالفة المشركين لوجهين، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

الوجه الأول: نخالفهم لمجرد المخالفة، كما خالف الرسول أهل الكتاب في فرق الشعر بعد أن وافقهم أولاً، إذ كان يسدل تأليفا لهم، فلما أصروا على الكفر خالفهم، ومثل ذلك صوم عاشوراء أمر r بالمخالفة بصوم يوم قبله أو بعده مخالفة لهم لا غير.

الوجه الثاني: أن يكون الأمر الذي أمرنا بمخالفتهم فيه مضراً في ذاته منقصاً، ومخالفتهم فيه كمال ومصلحة، وهذا هو الشأن في حرمة حلق اللحية ووجوب إعفائها، إذ هدى المجوس فيه نقص وإضرار، ومخالفتهم فيه كمال وصلاح؛ لأن إعفاء اللحية من سنن الأنبياء التي اتفقت عليها الشرائع. ومما ينطبق عليه الوجه الثاني نهى الرسول عن الشرب والأكل في آنية الذهب والفضة الثابت في البخاري ومسلم، فمع كونه من هدى الكفار إلا أن هديهم في ذلك منقصة، وتركه كمال ومصلحة".

(5) حلق اللحية تشبه بالنساء. قال الشيخ أبو حامد الغزالي: "وبها ـ أي اللحية ـ يتميز الرجال من النساء"، وقال ابن قيم الجوزية: "وأما شعر اللحية ففيه منافع: منها: الزينة والوقار والهيبة، ولهذا لا يُرى على الصبيان والنساء من الهيبة".

وقال الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، في قصة مصرع أبي جهل، أن رسول الله قال:" من ينظر إلى ما صنع أبو جهل، فانطلق ابن مسعود، t فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد، قال: أأنت أبو جهل؟ قال: فأخذ بلحيته"والحديث متفق عليه، والشاهد فيه قوله: "فأخذ بلحيته" لأن العرب ما كانت تترك زينة اللحى لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وقد أقرهم الإسلام عليها أيضاً، بل أخرج الحاكم حديثاً يدل على أنها زينة وهو قوله "سبحان من زين الرجال باللحى، والنساء بالذوائب" فهذا صريح في أن الله تعالى زين كل صنف من الرجال والنساء بما خلقه فيه، وجعله صفة له، يتميز بها عن الصنف الآخر، فمن تكلف دائماً في حلق لحيته من الرجال، فقد عاند حكمة الله في خلقه اللحى للرجال، وشق على نفسه بحلقها في سائر الأحوال". وقال الشيخ الألباني: "ولا يخفى أن في حلق الرجل لحيته، التي ميزَّه الله بها على المرأة، أكبر تشبه بها".

وقال الشيخ أحمد بن الصديق: "ومن عجيب ما ظهر في الوقت تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال، الشاب يتخنث ويحلق وجهه كل صباح، ويدلكه ويلمعه بالأدهان والسوائل المعدة لذلك كما يفعل النساء". وقد نهى رسول الله عن تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال، يقول ابن عباس، رضي الله عنهما: ]لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏r الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5435) وقد يقول قائل إن حلق اللحية لا تشبه فيه بالنساء، لأن المشابهة تقتضي وجود وجه يتفق في المتشابهان، والمرأة لا لحية لها تحلقها حتى يقال إن الرجل إذا حلقها كان متشبهاً بها، ولا يطلق على وجه المرأة أنه محلوق بخلاف وجه الرجل.

والرد على ذلك: من الواضح الظاهر أن عارضيَّ حالق لحيته كعارضي المرأة في كونهما لا شعر عليهما، والعبرة بالغاية الواقعة المشاهدة لا بالوسيلة الموصلة إليها، وهذه الغاية أن يصبح وجه الرجل أشبه بوجه المرأة. وإلا فما القول في المرأة لو اتخذت لحية مصنوعة من شعر وجعلتها في وجهها، إنها في هذه الحال متشبهة بالرجال رغم أن لحيتها مصنوعة، والمقصود أن الشبه مبني على وجود اللحية، وعدم وجودها، لا على الوسيلة الموصلة إلى ذلك.

(6) اللحية من نعم الله على الرجال وحلقها كفر بهذه النعمة. قال الإمام البغوي في تفسير قوله تعالى : ]وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ[ (سورة الإسراء: الآية 70). قيل الرجال باللحى، والنساء بالذوائب. وقال القرطبي في تفسيره: "وقيل أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب".

وكان الأحنف بن قيس، وهو من كبار التابعين، يُضرب به المثل في الحلم، وكان لا تنبت له لحية، وذكر عن شريح القاضي أنه قال: "وددت أن لي لحية بعشرة آلاف درهم".

(7) إعفاء اللحية من خصال الفطرة، كما ثبت في حديث النبي r وقد أمرنا الله بإتباع الفطرة، فقال: ]فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها[ (سورة الروم: الآية 30) والفطرة هي سنة الأنبياء عليهم السلام، التي أمرنا أن نقتدي بهم. وقال الإمام أبو بكر ابن العربي رحمه الله: "عندي أن الخصال المذكورة في حديث رسول الله  كلها واجبة، فإن المرء لو تركها لم تبق صورته إلى صورة الآدميين فكيف من جملة المسلمين؟"، والحديث الذي يقصده، هو قول رسول الله r ]الْفِطْرَةُ خَمْسٌ الْخِتَانُ ‏وَالاسْتِحْدَادُ وَقَصُّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَنَتْفُ الْآبَاطِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5441).

وقال السيوطي: "وأحسن ما قيل في تفسير الفطرة أنها السنة القديمة التي أختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه".

وقال ابن قيم الجوزيه: "الفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب، وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه، وفطرة عملية: وهي الخصال المذكورة، الأولى تزكي الروح وتطهر القلب، والثانية: تطهر البدن، وكل منهما تمد الأخرى وتقويها".والمعنى نفسه ذكره الحافظ بن حجر العسقلاني بتفصيل أكبر.

(8) حلق اللحية تغيير لخلق الله. قال تعالى: ]وَصَوَّرَكُمْ فَأحسَنَ صُوَرَكُم[ (سورة التغابن: الآية 3)، وقال: ]يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكَرِيمِ الذي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ في أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ[ (سورة الانفطار: الآيات 6-8). وقال: ]إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا، وإِنْ يَدْعُونَ إلاَّ شَيْطَاناً مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ، وَقَالَ لأَتَخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُم وَلأُمَنِّيَنَّهُم وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ، وَلآمُرَّنَّهُم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّه فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِينًا[ (سورة النساء: الآيات 117-119)، فالذي يحلق لحيته قد غيَّر خلق الله، وهو أشبه بالنساء حين يفعلن النمص أو الوشم أو التفلج، وقد قال r ]‏لَعَنَ اللَّهُ‏ ‏الْوَاشِمَاتِ‏ ‏وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ‏ ‏وَالْمُتَنَمِّصَاتِ‏ ‏وَالْمُتَفَلِّجَاتِ‏ ‏لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5476).

الواشمة هي من تفعل الوشم، والمستوشمة: التي تطلبه، والنامصة هي التي تزيل شعر الوجه. المتفلجة التي تطلب الفلج، أي تفرج بين المتلاصقين من أسنانها بالمبرد ونحوه رغبة في الحسن.

وحلق الرجل للحيته يدخل في تغيير خلق الله، ولَعْن رسول الله  للمرأة المغيرة لخلق الله، مع كونه شُرع لها التزين أكثر من الرجل يدل بالأولوية على تحريم هذا الفعل على الرجل، وأنه داخل في تغيير الخلق واستحقاق اللعن. وقد عد بعض العلماء المبالغة في قص اللحية مثلة، فإن استئصالها بالحلق مثلة أشد.

كان هذا خلاصة أقوال العلماء القائلين بوجوب الإعفاء، وحرمة الحلق، وهو جمهور الفقهاء، وجملة ما قاله أصحاب المذاهب الأربعة كما يلي:

ب. أقوال المذاهب المختلفة

(1) المذهب الحنفي

قال في "الدر المختار": ويحرم على الرجل قطع لحيته إلا ما زاد عن القبضة، وأما الأخذ منها وهي دون ذلك، كما يفعله بعض المغاربة، فلم يبحه أحد، وهو من فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم. وهذا الرأي الشائع في أكثر كتب الأحناف كفتح القدير، وشرح الزيلعي.

(2) المذهب المالكي

قال في التمهيد: "ويحرم حلق اللحية"وقال العلامة الدسوقي في حاشيته: "يحرم على الرجل حلق لحيته أو شاربه، ويؤدب فاعل ذلك".

وقال الإمام القرطبي: "لا يجوز حلق اللحية ولا نتفها ولا قصها".

وقال الشيخ محمد حبيب الله المالكي: "تطويل اللحية زيادة عن القبضة من المغالاة، واقبح منه حلقها، إذ لا يجوز للرجل إلا لعذر كالتداوي، ويجب على المرأة إذا نبتت لها لحية.

(3) المذهب الشافعي

نص الإمام الشافعي في "الأم" على تحريم حلق اللحية، وكذلك نص الزركشي والحليمي في "شعب الإيمان"، وقال الأذرعي: "الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها"

وقال العلامة أبو شامة: "وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصونها".

(4) المذهب الحنبلي

قال السفاريني في "غذاء الألباب": "المعتمد في المذهب حرمة حلق اللحية" وكذلك قال ابن تيمية، وابن القيم وغيرهم.

(5) المذهب الظاهري

قال الإمام ابن حزم: "واتفقوا أن حلق جميع اللحية مُثلة لا تجوز".

ج. فتاوى بعض العلماء المعاصرين

(1) الشيخ بن باز

قال في الفتوى الصادرة عن رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية: حلق اللحية حرام، والإصرار على حلقها من الكبائر، فيجب نصح حالقها، والإنكار عليه، ويتأكد ذلك إذا كان في مركز قيادي ديني، وعلى هذا إذا كان إماماً لمسجد ولم ينتصح وجب عزله.وصدر عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية، برئاسة الشيخ بن باز، رحمه الله، فتوى مضمونها تحريم مهنة حلق اللحى واعتبارها من التعاون على الإثم والعدوان (أُنظر ملحق نماذج من فتاوى بعض العلماء المعاصرين).

(2) فتوى الشيخ سيد سابق

قال: يجب إعفاء اللحية وتركها حتى تكثر، بحيث تكون مظهراً من مظاهر الوقار، فلا تقتصر تقصيراً يكون قريباً يكون قريباً من الحلق ولا تترك حتى تفحش، ثم إنها من تمام الرجولة، وكمال الفحولة.

(3) فتوى الشيخ محمود شلتوت

قال: "ونحن لا نشك في أن إبقاءها، وعدم حلقها، كان شأن النبي r وأنه كان يأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها، ويجعلها متناسبة مع تقاسيم وجهه الشريف، وأنه كان يعنى بتنظيفها، وتخليلها بالماء، عملاً على كمال النظافة، وكان الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ يتابعونه في كل ما يختاره، ويسير عليه، في مظهره، وهيئته، حتى مشيته .r. ونحن لو تمشينا مع التحريم، لمجرد المشابهة في كل ما عرف عنهم من العادات، والمظاهر الزمنية لوجب علينا الآن تحريم إعفاء اللحى؛ لأنه شأن الرهبان في سائر الأمم التي تخالف في الدين.

وختم الفتوى بقوله: "والحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية، ومنها حلق اللحية، من العادات التي ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة، فمن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يساير بيئته، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذاً عن البيئة".

(4) فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق

صدر عن الشيخ جاد الحق علي جاد الحق فتواه، أثناء توليه منصب الإفتاء، رداً على سؤال لأحد محرري مجلة روز اليوسف في رمضان عام 1400هـ، قال فيها: "أما عن اللحية، فإن إطلاقها من خصال الفطرة التي تتفق وخلق الله الإنسان في أحسن صورة، وهي سنة مما يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه، وأمر الأزياء والهيئات الشخصية التي منها حلق اللحية أو إطلاقها هو من العادات والأعراف التي ينبغي أن تكون تبعاً لاستحسان البيئة".

وقد رجع الشيخ جاد الحق عن هذا القول، بعد توليه منصب الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وأفتى بوجوب إعفاء اللحية، وعدم جواز تأثيم أو معاقبة الجنود الذين يطلقونها. وجدير بالذكر أن من المقرر في الشرع أن العالم إذا أفتى بشيء ثم عاد في فتواه، وأفتى بغيرها، فالعبرة بما قال أخيراً.

(5) فتوى الشيخ محمد الصالح بن عثيمين

ظاهر السنة تحريم الأخذ من اللحية مطلقاً، وحلق اللحية حرام لأنه إزالة للفطرة التي فطر الله الخلق عليها، ولأنه مخالف لهدى عباد الله الصالحين من النبيين والرسل وأتباعهم. وأما كون حلق اللحية صار الآن عادة عند كثير من الناس فهذا من ابتلاء الله للعبد ليعلم سبحانه الصابر على دينه، وإن خالفه الناس، ممن لا يصبر. وكثرة حلقها لا يخرج عن حكمها الأصلي كما لو كثر شرب الخمر أو بغاة الزنا فإن ذلك لا يخرج شرب الخمر والزنى عن حكمهما الأصليين من التحريم إلى الإباحة.

(6) واتفق في الفتوى مع الفتاوى المذكورة كل من:

الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ حافظ أحمد حكمي، والشيخ عبدالعزيز محمد السلمان. والشيخ أبو بكر الجزائري.

واختلف الفقهاء في حلق شعر الحلق.

فقال الحنفية : ولا يحلق شعر حَلْقِه.

ونص الحنابلة على أنه لا يكره أخذ الرجل ما تحت حلقه من الشعر، وذلك لأنه ليس من اللحية.

4. الحكم فيما إذا نبت للمرأة لحية

اختلف العلماء فيما إذا نبتت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة؛ فحُكي عن الإمام الطبري أنه قال: "لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها، بزيادة، أو نقص، التماس الحسن، لا للزوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينها توهم البلج أو عكسه، ومن تكون لها سنن زائدة فتقلها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية، أو شارب، أو عنفقة، فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيراً أو حقيراً فتطوبه أو تغزره بشعر غيرها فكل ذلك داخل في النهى وهو من تغيير خلق الله تعالى".

ثم قال "ويستثنى من ذلك، ما يحصل به الضرر، والأذية؛ كمن يكون لها سن زائدة، أو طويلة، تعيقها في الأكل، أو إصبع زائدة تؤذيها، أو تؤلهما فيجوز ذلك والرجل في هذا الأخير كالمرأة".

وقال القرطبي: في تفسيره عن قوله تعالى: ]وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ[ (سورة النساء: الآية 119)

"لا يجوز لها" (أي المرأة) حلق لحية، أو شارب، أو عنفقة، إن نبتت لها؛ لأن كل ذلك تغيير خلق الله.

وما ذهب إليه الإمام الطبري مخالف لما عليه جمهور الفقهاء فعند الشافعية:

"يستثنى من النماص[6] ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب وعنفقة فلا يحرم إزالتها بل يستحب".

وعند المالكية: "ويجب على المرأة إزالة ما في إزالته جمال، ولو شعر اللحية، إن نبت لها لحية".

5. العناية باللحية

ويسن ترجيلها[7]. وهو من النظافة، وقد ندب الشرع إليه، وقال الله تعالى: ]يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ[ (سورة الأعراف: الآية 31). وفي حديث عائشة ـ رضى الله عنها ـ كان لا يفارق النبي r سواكه ومشطه، وكان ينظر في المرآة إذا سرح لحيته ويسن تطييبها؛ لقول عائشة ـ رضى الله عنها: ]كُنْتُ‏ أُطَيِّبُ النَّبِيَّ‏ ‏r‏ بِأَطْيَبِ مَا يَجِدُ حَتَّى أَجِدَ ‏وَبِيص‏‏ الطِّيبِ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5468) وكان رسول الله r عظيم اللحية، وكان يسرحها بالماء، وكان له مشط من عاج، وقيل شيء يتخذ من ظهر السلحفاة البحرية، وهي الترسة وكان له مقص يقص به أطراف شاربه.

صبغ اللحية يسن صبغ اللحية بغير السواد، إذا ظهر فيها الشيب، أما بالسواد، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يكره صبغها بالسواد في غير الحرب، وقال الشافعية: تحرم لغير المجاهدين.

أ. غسل اللحية في الوضوء

يجب في الوضوء غسل بشرة الوجه من شعر اللحية، إن كان ضعيفا، تظهر البشرة من تحته، فيغسل البشرة ويغسل اللحية ظاهرا وباطنا، والمراد بظهور البشر ظهورها في مجلس المخاطبة، ووجه الوجوب أن الله تعالى فرض في الوضوء غسل الوجه، والوجه من المواجهة، والمواجهة تحصل في اللحية ذات الشعر الخفيف ببشرة الوجه، وبالشعر الذي عليها.

وهذا الوجوب في الشعر الذي في حيز دائرة الوجه، دون المسترسل من اللحية تحت الذقن طولا، ودون الخارج عن حد الوجه عرضا، فإن في هذا خلافا يأتي بيانه.

أما اللحية الكثيفة، فلا يجب في الوضوء غسل باطنها، ولا إيصال الماء إلى البشرة، ومنابت الشعر؛ لعدم حصول المواجهة به؛ لأنه لا يرى في مجلس المخاطبة، فلا يكون من الوجه المأمور بغسله. كما لا يسن غسل باطن اللحية الكثيفة لما فيه من العسر.

ما استرسل من اللحية أو خرج عن حد الوجه، اختلف الفقهاء في غسل ما خرج عن حد الفرض من اللحية في الوضوء، فقيل: لا يجب غسله، ولا مسحه، ولا تخليله، لأنه ليس من الوجه، بل هو شعر خارج عن محل الفرض، فأشبه ما نزل من شعر الرأس عن الرأس، لا يجب مسحه مع مسح الرأس، وعلى ذلك فإن غسل هذا الشعر المسترسل من اللحية مسنون فقط.

حلق شعر اللحية بعد غسله في الوضوء، إذا توضأ فغسل لحيته ثم أزالها، بحلق، أو غيره، لم يلزمه إعادة الوضوء.

تخليل اللحية الكثيفة في الوضوء: يسن لغير المحرم تخليل اللحية الكثيفة في الوضوء وذلك للحديث الوارد أن النبي   كان إذا توضأ خلل لحيته وصفته أن يأخذ كفا من ماء، يضعه من تحت لحيته، فيخللها بأصابعها مشتبكه، أو بضعه من جانبيها ويفركها به.

غسل العنفقة في الوضوء: يجب في الوضوء غسل العنفقة والبشرة تحتها إن كانت خفيفة، فإن كانت كثيفة فإنه يجب غسل ظاهرها فقط كاللحية.

ب. غسل اللحية في الغسل من الجنابة

يجب غسل اللحية في الغسل من الجنابة، عند غسل البشرة، تحت اللحية، سواء كان الشعر كثيفا أو خفيفا، وذلك لما روي عن علي t عن النبي قال: ]‏مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهَا كَذَا وَكَذَا مِنْ النَّارِ [ (أخرجه أبو داود، الحديث الرقم 217).

قال علي: فمن ثم عاديت شعري، وكان يجز شعره، ولحديث أبى هريرة أن النبي r قال: ]‏إِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعَرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعَرَ ‏وَأَنْقُوا ‏الْبَشَرَةَ[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 589). والشعر نفسه يجب غسله، وإيصال الماء إلى أثنائه حتى ما استرسل منه.

ج. مسح اللحية في التيمم

يجب في التيمم مسح اللحية، مع مسح الوجه؛ فيمسح على ظاهر الشعر، سواء كان الشعر خفيفاً، أوكثيفاً، فلا يجب، ولا يندب، إيصال التراب إلى الشعر الباطن، ولا إلى البشرة؛ لعسره؛ ولأن المسح مبنىّ على التخفيف.

6. أحكام اللحية في مناسك الحج والعمرة

لا يجوز للمحرم حلق لحيته في الإحرام، ولا الأخذ منها، كثيراً أو قليلاً إلا لعذر، وقياساً على تحريم حلق الرأس، المنصوص عليه في قوله تعالى: ]ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلُغَ الهدْى مَحِلَه[ (سورة البقرة: الآية 196) فإن حلق لحيته وهو محرم لعذر، أو لغير عذر فعليه دم، وإن أخذ أقل من ذلك ففيه تفصيل وخلاف، كما يحرم على المحرم دهن لحيته ولو بدهن غير مطيَّب.

الأخذ من اللحية عند التحلل من الإحرام: يندب للمحرم عند تحلله من الإحرام، إذا لم يكن برأسه شعر، أن يأخذ من شاربه، أو من شعر لحيته. وقيل أنه يستحب للمحرم عند تحلله، قص أظافره، وشاربه، وذلك بعد حلق رأسه، ولا يأخذ من لحيته شيئاً، ولكن إن أخذ منها لم يجب عليه شيء.

7. الجناية على اللحية بالنتف أو الحلق

من أزال لحية رجل عمدا، أو خطأ، بحلق، أو نتف، أو معالجة بدواء، أو غير ذلك؛ فإنه إن عاد الشعر فنبت كما كان، فلا شيء من دية، أو غيرها إلا التأديب إن كان عامداً. أما إن لم ينبت الشعر، لفساد منبته، كما لو صب عليه ماء حارا، فقد اختلف الفقهاء فيه، فقيل فيها دية كاملة إن أذهبها كلها، سواء كانت خفيفة، أو كثيفة؛ لأنه أزال الجمال على الكمال، وفي نصفها نصف الدية. وما كان أقل من ذلك، ففيه حكومة عدل، وقيل: تجب كل الدية؛ لأنه في الشين فوق من لا لحية له أصلاً، وقيل: يعتبر قدر الذاهب منها بالمساحة، فيعطي من الدية بنسبة ذلك، قالوا: ولا شيء في إذهاب لحية كَوْسَج[8]؛ لأنها تشينه ولا تزينه. واستدلوا على إيجاب الدية في شعر اللحية بقول علي وزيد بن ثابت رضى الله عنهما: "في الشعر الدية". ويؤجل سنة؛ ليتحقق من عدم نباتها، فإن عاد الشعر فنبت بعد أن أخذ المجني عليه، ما فيه من دية، أو بعضها، أو حكومة العدل رده، وإن لم يعد ورجى عوده انتظر ما يقوله أهل الخبرة. وذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا تجب الدية في إذهاب شعر اللحية، بل فيه حكومة عدل.

8. التعزير بحلق اللحية

لا يجوز التعزير بحلق اللحية؛ لكونه أمراً محرماً في ذاته، والذين قالوا بأن الحلق في ذاته مكروه، وهو الأصح عند الشافعية، قالوا: لا يجوز التعزير بحلقها.

9. لحية الميت

يكره تسريح لحية الميت، أو قص شعره، أو حلقه، لعدم الحاجة إليه وقيل: إن تسريح لحية الميت غير المُحْرم حسن؛ لإزالة ما في أصول الشعر من الوسخ، أو بقايا السدر، ويكون ذلك بمشط واسع الأسنان، برفق؛ ليقل الإنتتاف. ثم إن زيل بعض الشعر بحلق، أو قص، أو تسريح، يُجعل الزائد مع الميت في كفنه.

 



[1] السبال : جمع سَبَلة ـ بفتحتين ـ وهي هنا بمعنى ما طال من شعر اللحية.

[2] الثّغامة : نبت أبيض الزهر والثمر يُشبه به الشيب، وقيل : هي شجرة تبيض كأنها الثلج.

[3] منهم سعد بن أبي وقاص، عقبة بن عامر، الحسن والحسين، جرير وغيرهم.

[4] الثائر : الأشعث بعيد العهد بالدهن والترجيل.

[5] ثبت في البخاري أن مجاهداً سأل ابن عباس رضي الله عنهما: من أين أخذت السجدة في سورة (ص)، قال ما تقرأ: ]وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ[ (سورة الأنعام: الآية الرقم 84)، ]أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ[ (سورة الأنعام: الآية 90). فسجدها داود u فسجدها رسول الله r.

[6] نمص الشعر: نتفه. وتنمّصت المرأة: نتفت شعر جبينها. وانمصُ الحاجبين: دقيق مؤخرهما مما يلى العذار.

[7] الترجيل: هو تسريح شعر الرأس واللحية ودهنه.

[8] الكَوْسِج: الذي لحيته على ذقنه فقط لا على عارضيه. وقيل خفيف اللحية.