الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

الخاتمة

          عندما طالب مؤسسو الحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وجد هذا الطلب أذاناً صاغيةً لدي الدول الغربية وخاصة بريطانيا، لأنها وجدت فيه حلاً للمشكلة اليهودية في أوروبا من ناحية وفرصة لدق إسفين في الوطن العربي يفصل مشرقة عن مغربه ويمتص طاقاته ويضعف قوته، بما يحقق أطماعها في المنطقة التي كانت تسعي إلي وراثتها من الإمبراطورية العثمانية.

          ومن ثم أصدر "بلفور" وعده الشهير لليهود بوطن قومي في فلسطين. وعمل الحلفاء المنتصرون في الحرب العالمية الأولي علي وضع هذا البلد تحت الانتداب البريطاني، وضمنوا صك الانتداب وعد "بلفور" لتقنين عملية التهويد، التي دأبت حكومة الانتداب علي تنفيذها بكل همة ونشاط حتى آخر أيامها في فلسطين. إلا أنَّ ذلك الوطن اليهودي سرعان ما تحول إلي دولة داخل الدولة تحت سمع حكومة الانتداب وبصرها، وبمساعدتها في كثير من الأحيان، حتى خرج الأمر عن سيطرتها في سنواتها الأخيرة في فلسطين.

          ومن ناحية أخري، أدت السياسة والأساليب الصهيونية قصيرة النظر في فلسطين خلال سنوات الانتداب، وعدم تقدير اليهود للمصالح والمشاعر العربية إلي إثارة مخاوف الفلسطينيين ومعارضتهم ثم ثورتهم في النهاية علي سلطات الانتداب، غير أن الأخيرة نجحت في إخماد تلك الثورة بمساعدة بعض الحكام العرب الذين أحسنوا الظن بالحكومة البريطانية.

          وقد أدت الوعود البريطانية المتضاربة ولهفة الصهاينة علي تحقيق دولتهم، دون اعتبار لمشاعر الفلسطينيين ومصالحهم، إلي دفع سلسلة الأحداث نحو الصراع المسلح بين الجانبين، الذي سرعان ما جذب إليه الدول العربية المحيطة بفلسطين. وتحولت المشكلة التي كانت نزاعاً محلياً بين العرب واليهـود والبريطانيين إلي مشكلـة عربية ـ إسرائيلية ذات أبعاد أشد خطراً وأكثر تعقيداً سرعان ما تحولت إلي حرب شاملة، علي أثر فشل الأمم المتحدة في التوصل إلي حل عادل للمشكلة، والأسلوب المتسرع الذي تخلت به بريطانيا عن فلسطين بعد أن مهدت الأرض لليهود فيها ومكنتهم من مقدراتها.

          وإزاء تراخي العرب في الإعداد الشامل لهذه الحرب، وحشد الجهود اللازمة لتحقيق النصر والخلاف المتأصل بين حكامهم، انتهت أولي جولات الصراع نهايتها المحتومة بانتصار اليهود، الذين جنوا ثمرة جهودهم المبكرة وحشد جل طاقاتهم وإمكاناتهم خارج فلسطين وداخلها من أجل النصر وإقامة الدولة التي كانوا يحلمون بها في فلسطين، غير أنه يمكن القول إن ذلك النصر لم يكن أمراً هيناً، فقد دفع الإسرائيليون فيه ثمناً باهظاً من دمائهم بلغ ستة آلاف قتيل وخمسة عشر ألف جريح تمثل 15.5% من جملة قواتهم في المرحلة النهائية للحرب.

          وقد أدت الجولة العربية ـ الإسرائيلية الأولي وما انتهت إليه من هزيمة عربية إلي تداعيات عديدة علي المستوى الإسرائيلي والعربي والدولي. فعلي المستوي الإسرائيلي، أصبح اليهود أكثر تصلباً وعناداً بالنسبة لأي حل عادل للمشكلة الفلسطينية بعد أن ثبتت الحرب الدولة اليهودية ووسعت حدودها بما تجاوز حدود التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة. وأفسحت هذه المساحات المتزايدة المجال أمام مزيد من المهاجرين اليهود وإمكانات أكبر لأمن الدولة الجديدة.

          كما عمَّق الانتصار العسكري إحساس الإسرائيليين بالقومية اليهودية وزاد من شعورهم بالتفوق علي العرب، وأدي إلي نمو خطير للدور العسكري في شؤون الدولة اليهودية الداخلية والخارجية، وشجع الإسرائيليين علي اللجوء إلي القوة باستمرار من أجل بلوغ أهدافهم دون اعتبار للمجتمع الدولي الذي وضع أساس دولتهم واعترف بها كدولة محبة للسلام!!

          وأدي الدور الناجح الذي لعبته المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة من أجل قيام الدولة اليهوديـة والاعتراف بها ومساندتها إلي تزايد الدور الذي تلعبه تلك المنظمات لدعم إسرائيل، وهو ما أدى في النهاية إلي نشوء اللوبي الصهيوني في السياسية الأمريكية، الذي قام بدور كبير في السنوات التالية لدعم الدولة اليهودية وتنمية قدراتها الاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن تبني مواقفها السياسية.

          وعلي المستوي العربي، أدت الهزيمة وقيام الدولة اليهودية ووصولها إلي خليج العقبة إلي تجزئة الوطن العربي وفصل مشرقة عن مغربه. كما أدي اغتصاب إسرائيل لجزء من الرقعة العربية في قرار التقسيم وضم الملك عبدالله الضفة الغربية إلي مملكته إلي صعوبة قيام الدولة الفلسطينية في القسم المتبقي ـ وهو قطاع غزة ـ ومن ثم وضعته مصر تحت إدارتها دون أن تضمه إليها.

          وكان ثمن الهزيمة العسكرية خمسة عشر ألفاً من الشهداء، منهم ثلاثة عشر ألفاً من الفلسطينيين والباقي من قوات الدول العربية الأخرى المشاركة في الحرب، بالإضافة إلي نحو أربعين ألفاً من الجرحى كان معظمهم من الفلسطينيين وما يزيد علي ثمانمائة ألف لاجئ (ذهب 60% منهم إلي الأردن، و20% إلي قطاع غزة، و20% آخرون إلي سورية ولبنان) شكل نزوحهم من فلسطين وتفاقم حالتهم ما عرف بمشكلة اللاجئين التي لم تحل حتى وقتنا هذا.

          وقد أصابت الهزيمة العرب في كبريائهم وثقتهم بأنفسهم، وأشاعت الاضطراب في مجتمعاتهم، كما أدت إلي قيام المثقفين والعسكريين في البلاد العربية بمراجعة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في هذه البلاد، بحثاً عن أوجه القصور ومواطن الضعف التي أدت إلي تلك الهزيمة.

          وأدت عمليات المراجعة إلي ظهور الحركات الثورية التي طالبت بالإصلاح وتوثيق عرى الوحدة العربية وتحسين أوضاع شعوب هذه الأمة. وإزاء عجز الأنظمة السياسية العربية عن تطوير نفسها لمواجهة متطلبات الأمن القومي في المرحلة التالية لقيام الدولة اليهودية، انطلقت جماعات من الجيش للاستيلاء علي السلطة في سورية في نهاية مارس 1949. وفي الأردن اهتزت الأرض تحت عرش الملك عبدالله بفعل القلاقل الخطيرة بين الفلسطينيين الذين أصبحوا يمثلون ثلثي سكان مملكته، وأتهم الملك بخيانة القضية العربية نتيجة اتصالاته السرية بالإسرائيليين، وانتهي الأمر باغتياله في العشرين من يوليه 1951 بيد أحد اللاجئين الفلسطينيين في القدس. ولم يأت صيف عام 1952 حتى أطاح الجيش بالنظام الملكي في مصر، وبعد بضع سنوات أشعل النظام الجديد جذوة القومية العربية الخامدة.

          وإزاء فشل الجهود السياسية الدولية نتيجة لتصلب الموقف الإسرائيلي تجاه عودة اللاجئين والانسحاب من الأراضي المغتصبة الزائدة عما خصصه قرار التقسيم، قرر العرب رفض أي نوع من المصالحة مع الدولة اليهودية، ولجأوا إلي سلاح المقاطعة الذي كان موجهاً في البداية ضد التجارة الإسرائيلية مع الدول العربية. وامتدت المقاطعة بعد ذلك لتشمل جميع أوجه النشاط الإسرائيلي، ثم أتسع نطاقها لتشمل جميع المؤسسات والشركات التي تتعامل مع الدولة اليهودية، كما كان يحظر علي السفن والطائرات التي تذهب إلي إسرائيل الاستفادة من التسهيلات والخدمات في الموانئ والمطارات العربية.

          ومن جانبها فرضت مصر حظراً جزئياً علي استخدام إسرائيل لخليج العقبة وقناة السويس بمنعها للسفن الإسرائيلية من المرور في أي منهما، استناداً إلي أن الهدنة لم تنهي حالة الحرب مع إسرائيل وأن مدخل الخليج يُعد مياه عربية (مصرية ـ سعودية) وأن قناة السويس مياه مصرية، وهو ما كان من أسباب مشاركة إسرائيل في العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 وشن الحرب عليها عام 1967.

          أما علي الصعيد الدولي فيمكن القول أن الأمم المتحدة ودولها الكبرى تناست اغتصاب الأراضي العربية التي خصصها قرار التقسيم للدولة الفلسطينية، ولم تقم بدور حازم بَنَّاء ـ فيما كان يجب أن تقوم به ـ لحل المشكلة الفلسطينية حلاً عادلاً، خاصة وأن العرب في ذلك الوقت كانوا أكثر ميلاً لقبول قرار التقسيم الذي سبق أن رفضوه.

          ومن ثم أدي فشل الأمم المتحدة والدول العظمي في حل المشكلة الفلسطينية وتصاعد الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي إلي استمرار حالة الحرب بين العرب وإسرائيل واستقطاب كل من الطرفين نحو أحد قطبي الحرب الباردة، فاتجهت إسرائيل نحو الولايات المتحدة واتجه العرب نحو الاتحاد السوفيتي (السابق) بعد انقلابه علي إسرائيل، ومن ثم أصبح الصراع العربي ـ الإسرائيلي جزءاً من الحرب الباردة وأحد أدواتها، وهو ما أدي إلي استمرار ذلك الصراع وزيادة تعقد القضية الفلسطينية طوال ما يقرب من نصف قرن، كما أدي إلي اندلاع جولات عدة من الصراع المسلح والاحتياجات ( خلال أعوام 1956، 1967، 1969، 1973، 1978، 1982 و1996) لم تُخف من حدة العداء بين العرب وإسرائيل، حتى وجدت قضية السلام من يعمل من أجلها.

          وعندما بدأت بشائر السلام في أخريات هذا القرن ظلت أطماع الإسرائيليين فيما تبقي من الأراضي الفلسطينية ـ بما في ذلك القدس العربية – ورغبتهم في اعتصار الفلسطينيين حتى آخر قطرة من دمائهم هي الصخرة التي كانت تتحطم عليها دائماً جهود السلام.

ـــــــــــ



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة