الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

رابعاً: العملية الأخيرة واتفاقيات الهدنة

  1. العملية "عوفدا"

ما إن توقف القتال علي الجبهة المصرية حتى بدأت مفاوضات الهدنة المصرية/ الإسرائيلية في "رودس" ابتداءاً من الثالث عشر من يناير، وبعد مباحثات مضنية وقَّع الجانبان اتفاقية الهدنة بينهما في الرابع والعشرين من فبراير، إلا أنه قبل أن يجف مداد هذه الاتفاقية، وفي الوقت الذي كانت تتباحث فيه مع شرق الأردن لتوقيع اتفاقية مماثلة، قررَّت الحكومة الإسرائيلية الاستيلاء علي باقي النقب حتى خليج العقبة، حتى تضع العرب والعالم أمام أمر واقع جديد، وتقطع الطريق علي الملك عبدالله، الذي كان يطالب بضم هذه المنطقة إلي مملكته بحكم سيطرة قواته عليها، وأطلقت على هذه العملية اسم "عوفدا".

وعلي ضوء الاستطلاع الجوي لمثلث النقب حتى خليج العقبة وُضعت خطة العملية التي كانت تقضي بالتقدم إلي رأس الخليج بقوتين، الأولي مشكلة من لواء "النقب" والثانية من اللواء "جولاني"، وكان علي القوة الأولي التحرك وسط النقب خلال طرقاً وأودية وعرة محاذية للحدود المصرية يوم 5 مارس للقيام بالمهام التالية:

 

أ.

احتلال مطار إبراهيم (علي مسافة 50 كيلو متراً شمال رأس الخليج) وتجهيزه لاستقبال طائرات النقل الثقيلة، التي كانت ستقوم بنقل باقي قوات اللواء.

 

ب.

قفل محور التقدم إلي المطار من اتجاه "غرندل".

 

ج.

احتلال المرتفعات المشرفة علي "طابا" و"أم رشرش".

بينما كان علي القوة الثانية (اللواء جولاني)التحرك في توقيت لاحق علي الطريق المار بوادي "عرابة" للقيام بالمهام التالية:

 

أ.

احتلال "عين ويبة" و"عين راديان".

 

ب.

دفع الدوريات علي طول امتداد وادي "عرابة" حتى 20 كيلو مترأً من خليج العقبة.

وعلي التوازي مع تحرك القوتين السابقتين كان علي اللواء "اسكندروني" التقدم من "بئر السبع" لاحتلال عين "جدي" والسيطرة علي المرتفعات الواقعة بين البحر الميت و "بئر السبع"، بينما كان علي القوة الجوية الإسرائيلية القيام بمهام النقل الجوي إلي مطار "إبراهيم" وإجراء الاستطلاع الجوي لصالح قوات هذه العملية، مع وضع سرب مقاتلات في حالة الاستعداد الكامل لتقديم المعاونة الجوية للقوات السابقة فور طلبها.

ومع مطلع شمس الخامس من مارس تحركت طليعة لواء "النقب" براً نحو المكان المحدد لإعداد مدرج هبوط الطائرات فوصلته عصر اليوم التالي، وفي نفس اليوم انطلق اللواء "جولاني" من منطقة تجمعه في" كرنب" فوصلت مقدمة قواته إلي "عين حصب" في اليوم التالي (8مارس) في الوقت الذي هبطت فيه أولي طائرات النقل بمطار "إبراهيم". وابتداءً من فجر الثامن من مارس تحولت العملية "عوفدا" إلي سباق بين لوائي "النقب" و"جولاني" للوصول إلي رأس الخليج.

وحتى تتجنب رئاسة الأركان الإسرائيلية إثارة أية مشاكل سياسية كانت أوامرها لقوات العملية تقضي بتجنب الاحتكاك بأي قوات مصرية أو أردنية يمكن أن تصادفها علي الطريق.

ولما كانت بعض قوات الفيلق الأردني تحتل ثلاثة مواقع وسط مثلث النقب شمال "بئر مليحة"، فقد قامت القوات الإسرائيلية بالالتفاف علي أجنابها تجنباً للصدام معها.

وما أن علمت القيادة الأردنية بتحركات القوات الإسرائيلية حتى أرسلت احتجاجاً علي غزو القوات الإسرائيلية للنقب، إلا أن الحكومة الإسرائيلية أنكرت في البداية أن لقواتها نشاطاً في مثلث النقب، غير أنها عادت ـ بمجرد وصول قواتها إلي رأس الخليج بعد ظهر العاشر من مارس ـ تعلن علي الملأ أنها احتلت كل النقب وضمته إلي رقعة الدولة باعتباره جزءاً من القسم الإسرائيلي في قرار التقسيم.

وتوضح الوثائق الأمريكية ورواية رئيس وزراء الأردن ـ في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية ـ السياسة الأمريكية تجاه رغبة بريطانيا في بقاء النقب الجنوبي خارج حدود الدولة الإسرائيلية ليكون معبراً وممراً يربط قاعدتها في قناة السويس بقواعدها الأخرى في الأردن والعراق. ففي الرابع من يناير أخطرت وزارة الخارجية البريطانية السفير الأمريكي في لندن ـ رداً علي استفسار الأخير عن النصيحة التي وجهتها بريطانيا إلي الملك عبدالله بخصوص التسوية مع إسرائيل ـ أنها أوضحت له "ما تراه تسوية مقبولة من الحكومة الإسرائيلية المؤقتة بالنسبة للخطوط التي نوقشت مبكراً مع الإدارة (الأمريكية)، مثل طريق "غزة/ بئر السبع" كحدود جنوبية للنقب (الإسرائيلي)". كما أشارت عليه بإزالة خلافه مع مصر والعمل معها، وعرضت الخارجية البريطانية علي الإدارة الأمريكية، البدء فوراً في مباحثات بين الجانبين ـ البريطاني والأمريكي ـ للتوصل إلي تفهم مشترك بالنسبة للمسائل المتعلقة بالحدود.

وعندما اجتمع السفير البريطاني في واشنطن بوزير الخارجية الأمريكي بالنيابة في اليوم التالي (5 يناير) من أجل نفس الموضوع، فإنه أوضح للأخير، "أن مستر بيفن يأمل بشدة ـ علي ضوء المصالح الاستراتيجية الكبرى لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى في الشرق الأدنى، والحاجة إلي دفاعات كافية بعمق بالنسبة لقناة السويس ـ أن تجد الولايات المتحدة وسيلة للضغط علي الحكومة الإسرائيلية المؤقتة للانسحاب إلي الخطوط التي حددها الوسيط الدولي بالنيابة بعد صدور قرار مجلس الأمن في 4 نوفمبر 1948".

إلا أن الوزير الأمريكي رد عليه قائلاً " إنه لأسباب عديدة فإنني لا أستطيع الموافقة علي طلب مستر "بيفن". فإنه باستثناء حالات خاصة كانت الولايات المتحدة مستعدة فيها لتقديم مذكرة قوية ـ مثلما حدث عندما هدد الهجوم الإسرائيلي علي مصر بتوسيع الصراع خارج حدود فلسطين– فإنها حريصة علي العمل في إطار الأمم المتحدة".

وأجمل الوزير الأمريكي النقاط التي تعكس وجهة النظر الأمريكية بقوله:

"إذا رغبت الحكومة الإسرائيلية في الاستفادة من المناطق المخصصة لها تبعاً لقرار 29 نوفمبر 1947 (قرار التقسيم)، فإنه يجب قبول التخلي عن هذه المناطق، مثلما هو الأمر بالنسبة للمناطق المخصصة للعرب تبعاً لذلك القرار، والتي تحتلها الآن القوات الإسرائيلية مثل "يافا" و"الجليل الغربي".

وعندما أخطر سفير بريطانيا الوزير الأمريكي، " أنه عما قريب سترسل تعزيزات بريطانية إلي خليج العقبة تقدر بكتيبة"، كان رد الأخير "انه إذا وصلت تلك القوات إلي شرق الأردن من خارج منطقة الشرق الأدنى، فإن ذلك سيعتبر مخالفاً لقرار مجلس الأمن الذي يحرم تحرك الأفراد العسكريين إلي فلسطين أو الدول المجاورة لها".

وعندما بدأت الأنباء تتري إلي كل من لندن وواشنطن عن تحرك القوات الإسرائيلية إلي خليج "العقبة" واختراقها الأراضي الأردنية، أبلغ السفير البريطاني وزير الخارجية الأمريكية، أن الحكومة البريطانية ستقوم بتنفيذ التزاماتها تجاه شرق الأردن تبعاً للمعاهدة البريطانية/ الأردنية، إذا ثبتت تلك الأنباء، إلا أن الوزير الأمريكي أخطره بضرورة كبح جماح القوات البريطانية في العقبة وعدم السماح لأي حادث بسيط بتفجير الموقف.

وطبقا لرواية توفيق أبو الهدى ـ رئيس وزراء الأردن آنذاك ـ فإن الكتيبة البريطانية السابق الإشارة إليها وصلت فعلاً إلي ميناء العقبة علي أن تتحرك في الوقت المناسب لوقف التقدم الإسرائيلي، إلا أنها ظلت في ميناء العقبة دون أن تحرك ساكناً، بينما تقدمت القوات اليهودية حتى خليج العقبة، واحتلت "أم رشرش" (إيلات حالياً)، علي راس ذلك الخليج. وعندما استنكر رئيس الوزراء الأردني الموقف البريطاني، وصلته رسالة من أرنست بيفن يخطره فيها بتعرضه لضغط من الحكومة الأمريكية للسماح لإسرائيل باحتلال "أم رشرش".

وهكذا استولت إسرائيل علي النقب دون قتال، ووصلت إلي مياه الخليج بتواطؤ أمريكي وتخاذل بريطاني، وغرست بذلك بذرة مُرة أخري في حقل الصراع الدامي بينها وبين العرب، كانت سببا في حربين تاليين في أقل من عقدين من الزمن.

2. اتفاقات الهدنة

أ. اتفاقية الهدنة المصرية/ الإسرائيلية

بدأت مفاوضات الهدنة المصرية/ الإسرائيلية في "رودس" ابتداءاً من الثالث عشر من يناير بين العسكريين المصريين والإسرائيليين تحت إشراف "رالف بانش" القائم بأعمال الوسيط الدولي وممثل الأمم المتحدة، وقد حرصت مصر علي إعطاء هذه المحادثات صفة عسكرية محضة. وكانت توجيهات وزير الحربية للوفد المصري قبل سفره تقضي بضرورة التوصل إلي اتفاق مع إسرائيل، مع تزويد الوفد بصلاحيات كاملة في هذا الصدد، وكانت هذه التوجيهات نابعة من الواقع المرير الذي كانت تواجهه الحكومة المصرية، بعد أن أقحمت قواتها في حرب خاسرة، وكانت اتفاقيات الهدنة تعفيها من مواصلة الحرب، أو هكذا كان التصور في ذلك الوقت. ولم يكن ذلك موقف مصر وحدها، فقد كان هذا الموقف ينطبق علي بقية الدول العربية.

وبعد مفاوضات استمرت حوالي أربعين يوماً وقع الوفدان في 24 فبراير اتفاقية الهدنة الموضحة في الملحق رقم (71) . وفي هذه الاتفاقية قبلت مصر بأن يكون الحد الأمامي لقوات الجانبين عند وقف إطلاق النار في السابع من يناير كخط حدود للهدنة لا يجب أن تتجاوزه قوات الجانبين بأية حال، إلا أن المفاوض المصري من ناحية أخري حرص علي تأكيد أن الهدنة اتفاقية عسكرية محضة لا تمس القضية الفلسطينية، فنصت المادة الخامسة من هذه الاتفاقية علي "إن خط حدود الهدنة لا يفسر بأية حال علي أنه حدود سياسية أو إقليمية، وقد وُضع دون الإخلال بحقوق أو مطالب أو موقف أي الطرفين من الهدنة، وذلك فيما يتعلق بالتسوية النهائية للمسألة الفلسطينية".

غير أنه في سبيل تجريد منطقة "العوجة" من السلاح وعودة القوات المحاصرة في جيب "الفالوجا" بكامل أسلحتها قبلت مصر بتنازلات خطيرة أبرزها تجريد المنطقة الواقعة غرب "العوجة" ولمسافة 17 ميلا داخل الأراضي المصرية من السلاح، ومن ثم نصت المادة الثامنة من الاتفاقية علي ألا تقام مواقع مصرية قريبة من "العوجة" شرق "القسيمة" أو "أبو عجيلة". كما قبلت مصر بالأ تزيد قواتها في قطاع "غزة" عن ثلاث كتائب من المشاة وتجريد القطاع من الأسلحة الثقيلة كالمدرعات، كما حظر الملحق الثاني للاتفاقية علي مصر إنشاء أية مطارات عسكرية في ذلك القطاع أو أية تجهيزات أخري لازمة للطيران (كالرادار) وألا تصعد منه أو تهبط فيه أية طائرات حربية إلا في الحالات الطارئة. كما نص ذلك الملحق علي عدم جواز إنشاء قواعد بحرية في هذا القطاع وألا تدخل السفن الحربية إلي مياهه الإقليمية.

ب. اتفاقية الهدنة اللبنانية/ الإسرائيلية

جرت خلال مفاوضات الهدنة المصرية/ الإسرائيلية اتصالات جانبية أخري مع الحكومة اللبنانية وأبدي الطرفان تفاهما خاصا انتهي بتوقيع اتفاقية الهدنة بين البلدين في الثالث والعشرين من مارس. وتتضمن اتفاقية الهدنة الأخيرة نفس المبادئ التي تضمنتها الاتفاقية الأولى مع مصر، فتوضح أنها مقدمة لتسوية دائمة، إلا أنها تضيف أن الحدود السياسية السابقة بين لبنان وفلسطين هي التي تشكل خط الهدنة الجديدة. وتحظر الاتفاقية اللبنانية/الإسرائيلية الاحتفاظ بقوات غير القوات الدفاعية قرب خط الحدود، إلا أنها لا تحدد عمقاً معيناً لتطبيق هذا النظام.

كما كانت هذه الاتفاقية تقضي بانسحاب القوات الإسرائيلية من القرى اللبنانية التي كانت تحتلها منذ نهاية العملية "حيرام" في آخر أكتوبر عام 1948 مقابل انسحاب بقايا جيش الإنقاذ من منطقة الحدود اللبنانية الفلسطينية.

ج. اتفاقية الهدنة الأردنية/ الإسرائيلية

بالرغم من أن المملكة الأردنية كانت أول دولة عربية تعقد هدنة دائمة مع إسرائيل في منطقة القدس، والاتصالات المبكرة التي أجراها الملك عبدالله مع ممثلي الحكومة الإسرائيلية ورغبة الأول في التصالح مع إسرائيل فإن توقيعه للهدنة الدائمة لم يتم إلا في الرابع من أبريل، أي بعد مصر ولبنان، وهو ما كان يرجع إلي وجود مشكلات معقدة متداخلة تطلب تسويتها وقتا أطول، إزاء رغبة الملك عبدالله في ضم مثلث النقب والضفة الغربية إلي مملكته.

ولما كانت الحكومة العراقية قد قررت سحب قواتها من مثلث "جنين/نابلس/طولكرم" بناءاً علي طلب الملك عبدالله، فقد رفضت إسرائيل ـ خلال مباحثات الهدنة ـ إحلال القوات الأردنية محلها دون مقابل، وكان الثمن الذي طلبته هو انسحاب القوات الأردنية لمسافة خمسة عشر ميلا بطول القطاع الشمالي للضفة الغربية الذي كانت تحتله القوات العراقية، غير أنه بعد مساومات طويلة خُفضت المسافة إلي أثنين ونصف ميل بطول خمسة وخمسين ميلاً لتأمين المنطقة الساحلية الحيوية التي تقع تل أبيب وسطها.

وقد فكر الملك عبدالله في أن يتجاوز اتفاقية الهدنة إلي معاهدة عدم اعتداء لمدة خمس سنوات. وكان مشروع هذه المعاهدة ينص علي حرية الأردن في استخدام ميناء "حيفا" في مقابل حرية إسرائيل في استخدام ميناء العقبة، غير أن استيلاء الأخيرة علي مثلث النقب حتى خليج العقبة جعلها في غير حاجة إلي منح الأردن تنازلاً في حيفا، ولم يلبث أن أذاع بن جوريون خبر محادثات الصلح وأحرج الملك عبدالله إلي حد أن مصر دعت إلي اجتماع لمجلس الجامعة العربية طالبة إخراج المملكة الأردنية من عضويتها، إلا أن تراجع الملك جعل الأمر ينتهي باتفاقية للهدنة الدائمة علي النحو الذي جري في الاتفاقيتين المصرية واللبنانية، حيث تحتوي مقدمتها علي نفس المبادئ الواردة في الاتفاقيتين الأخيرتين.

غير أن اتفاقية الهدنة الأردنية/ الإسرائيلية تختلف عن الاتفاقيتين السابقتين في نص المادة السادسة منها علي إحلال القوات الأردنية محل القوات العراقية التي وعد العراق بسحبها، ونص المادة السابقة علي أن تكون قوات الطرفين دفاعية محضة لمسافة 10 كيلو متر من خطوط الهدنة إلا إذا تعذر ذلك لاعتبارات جغرافية مثل أقصي الطرف الجنوبي لمثلث النقب والشريحة الساحلية وسط إسرائيل، بالإضافة إلي المادة الثامنة التي تنظم مرور القوافل الإسرائيلية في منطقة القدس إلي مستشفي "هاداسا" والجامعة العبرية الواقعتين في المنطقة العربية، وتنظيم القوافل العربية إلي الأماكن المقدسة في بيت لحم التي أصبحت تسيطر عليها القوات الإسرائيلية بعد عودة القوات المصرية منها.

د. اتفاقية الهدنة السورية/الإسرائيلية

تأخر توقيع اتفاقية الهدنة بين سوريا وإسرائيل حتى 20 يوليه 1949، حتى ترتب الأخيرة أوضاعها مع الدول العربية الأخري التي تملك حيالها أوراقا عديدة للمساومة، فبالرغم صغر المساحة التي كانت تحتلها القوات السورية من فلسطين، فقد كانت في موقف تفاوضي قوي لأن القوات الإسرائيلية لا تحاصر بعض قواتها كما كان الحال مع مصر، أو تحتل بعض قراها كما كان الحال مع لبنان، وليس لها مطامع في فلسطين كما كان حال الملك عبدالله. ومن ثم كان علي إسرائيل إضعاف الموقف السوري أولاً قبل الدخول في مفاوضات الهدنة، وهو ما نجحت فيه بجعل القوات السورية وحيدة في الميدان بعد عقد اتفاقيات الهدنة السابقة مع حلفاء الأخيرة.

وبالرغم من أن إسرائيل تجاوزت حدود التقسيم في مناطق كثيرة علي حساب مصر والأردن، فإنها في مفاوضات الهدنة مع سوريا تمسكت بحدود قرار التقسيم، لوقوع المنطقة التي تحتلها القوات السورية في القسم الإسرائيلي من ذلك القرار. وإزاء الرفض السوري للمطالب الإسرائيلية، اقترح "رالف بانش" القائم بأعمال الوسيط الدولي في البداية نزع سلاح المنطقة التي تحتلها القوات السورية علي أن تبقي الإدارة المدنية سورية، غير أن إسرائيل رفضت ذلك الاقتراح، فلجأ "بانش" إلي صياغة غامضة لا تحدد الإدارة التي ستسود في المنطقة بعد انسحاب السوريين، ونجح في إقناع الطرفين بها.

وعلي ذلك جاءت الفقرة الثانية من المادة الخامسة لاتفاقية الهدنة بين الجانبين علي النحو التالي:

"وفقاً لروح قرار مجلس الأمن المؤرخ في 16 من نوفمبر فقد حُدد خط الهدنة والمنطقة العزلاء لفصل قوات الطرفين بصورة تقلل إمكانيات (إمكانات) الاحتكاك والاصطدام علي أن تؤمن في الوقت نفسه عودة الحياة المدنية العادية تدريجيا في المنطقة العزلاء دون أن يؤثر ذلك في الحل النهائي".

وفيما عدا ذلك واتخاذها الحدود الدولية السابقة بين سوريا وفلسطين أساساً لخطوط الهدنة فقد تشابهت اتفاقية الهدنة السورية/ الإسرائيلية ـ من حيث المبادئ ـ باتفاقيات الهدنة السابقة مع الدول العربية الأخرى.

وبهذه الاتفاقيات الأربع السابقة استطاعت إسرائيل أن تفرض التقسيم علي العرب وأن تضيف إليه مساحات أخري من الأراضي عن طريق الاعتداءات المتكررة حتى استولت علي 77% من مساحة فلسطين، بينما كان المخصص لها من قرار التقسيم لا يتجاوز 55% من تلك المساحة. وقد تناست الأمم المتحدة هذه الإضافة الإقليمية التي استولت عليها إسرائيل بقوة السلاح، وألف العالم خطوط الهدنة كحدود نهائية لإسرائيل.

وهكذا طُوي سجل الجولة العربية/ الإسرائيلية الأولي، بنجاح مؤزر لإسرائيل التي كانت قيادتها علي وعي كامل بأبعاد ذلك الصراع ومتطلباته. فأعدت عدتها علي أفضل ما يكون، وأدارته بكفاءة منطقة النظير. وانتهي كفاح العرب في أولي جولاتهم ضد هذه الغزوة الصهيونية بتلك النهاية المحزنة، نتيجة فُرقة حكامهم، وعدم الاستعداد المبكر لذلك الصراع. وساعد علي تلك النهاية الحزينة، انصياع حكامهم للضغوط الدولية التي كانت مقاومتها فوق طاقاتهم.

وفي الوقت الذي اعتبرت فيه إسرائيل أن هدنة "رودس" نهاية للحرب القائمة بينها وبين الدول العربية، وأنه لم يعد للعرب الحق في التمسك بحقوق الدول المتحاربة، فإن الدول العربية قد تمسكت بحرفية اتفاقيات الهدنة كتدبير مؤقت مرهون بإعادة نظر الجمعية العامة للأمم المتحدة في القضية الفلسطينية. ومن ثمَّ، اعتبرت الدول العربية أن اتفاقيات الهدنة أنهت العمليات الحربية، إلا أنها لم تضع حدا لحالة الحرب بينها وبين إسرائيل.

وكان هذا الخلاف في نظرة الطرفين إلي الهدنة، وعدم قبول إسرائيل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، من الأسباب الرئيسية لتفجر القتال عدة مرات بعد ذلك. وهكذا انتهت أولي الفصول الرئيسية في حلقات ذلك الصراع، الذي غرست بذوره بريطانيا وجنت ثماره الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بعد ذلك.

ـــــــــــــ



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة