الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة    

 
كنعان قبل قيام إسرائيل
فلسطين في عهد الملوك
سوريا في عهد الأشوريين
سوريا في العصر اليوناني
سوريا في العصر البيزنطي
سوريا في العصر الإسلامي
التقسيمات العثمانية في سوريا
الموستوطنات في فلسطين
اتفاقية سايكس / بيكو
الحدود في مؤتمر الصلح
حدود فلسطين تحت الانتداب
مشروع لجنة بيل
تقسيم فلسطين
تقسيم فلسطين الأمم المتحدة
مسرح عمليات فلسطين
تعبئة مسرح العمليات
أهداف القوات العربية
اتجاهات تقدم الجيوش العربية
محصلة الجولة الأولى
طريق تل أبيب - القدس
العملية تخشون
العملية يبوس
العملية مكابي
معركة مشمار هاعميك
العملية مسباريم
العملية شاميتز
العملية يفتاح
العملية يفتاح (2)
العملية بن عامي
العملية بن عامي (2)
الاستيلاء على عتصيون
أوضاع الألوية الإسرائيلية
معارك المالكية
معركة وادي الأردن
معركة مشمار هايردن
معركة جيشر
معركة جنين
دخول الفيلق الأردني القدس
معركة القدس
معركة اللطرون
معركة اللطرون (2)
القوات المصرية في فلسطين
معركة يدمردخاي
معركة أسدود
معركة نيتسانيم
القوات المصرية في الأولى
الموقف في الفترة الأولى
العملية "باروش"
العملية "ديكيل"
العملية "داني"
القتال المصري الإسرائيلي
معركة "نجبا"
معركة "جلؤون"
معركة "بئروت بتسحاق"
العملية "مافيت لابوليش"
الموقف في عراق سويدان
معركة "العسلوج"
أوضاع المحور العرضي
العملية "يؤاف"
العملية "يؤاف" (2)
العملية "هاهآر"
العملية "حيرام"
القتال في الفالوجا
العملية أساف
العملية حوريف
القتال في المحور الشرقي
العملية "عوفدا"

التمهيد
الخلفية التاريخية

أولاً: فلسطين في العصور السامية القديمة (حوالي 2500 ـ 538 ق.م)

1. استيطان الشعوب السامية القديمة لفلسطين (2500 ـ 1250 ق.م)

عُدت فلسطين منذ فجر التاريخ وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى أحد الأقاليم السورية، ويرجع اسمها إلى اليونانية وكان في الأصل "فلسطيا" نسبة إلى الفلسطينيين القدماء الذين استوطنوا منطقة الساحل جنوب جبل الكرمل وحتى غزة في أوائل القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وكانت هذه التسمية تُطلق في البداية على المنطقة الساحلية ثم أطلقت بعد ذلك على المنطقة بكاملها حتى البادية.

وقد تعرضت سورية في الأزمنة القديمة لعدة هجرات حملت إليها عدة شعوب سامية تعود في أصولها إلى شبة الجزيرة العربية، وقد وفد معظم هذه الشعوب إلى سورية من الشرق عن طريق حوض الفرات والبعض الآخر من اتجاه الجنوب بحذاء البحر الأحمر والجنوبي الغربي عن طريق سيناء.

وجاءت أولى موجات هذه الهجرات في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد تحمل الأموريين والكنعانيين الذين قدموا من بلاد الرافدين.

وقد استوطن الأموريون بالتدريج سورية الوسطى وشرق فلسطين، بينما استوطن الكنعانيون منطقة الساحل (لبنان وفلسطين). وفي الوقت الذي بدأت فيه مصر توسعها الإمبراطوري باستعادة سيطرتها على سورية حوالي عام 1447 ق.م، كان الأموريون قد زحفوا جنوباً في اتجاه شرقي الأردن.

وقد أُطلق اسم كنعان في أول الأمر على الساحل (لبنان) وغرب فلسطين ثم أصبح بعد ذلك الاسم المتعارف عليه لفلسطين وجزءا من سورية، ونتيجة لطبيعة أرض كنعان وموقعها الاستراتيجي بين مراكز الدول الكبرى القديمة التي قامت في مصر وآسيا الصغرى وبلاد الرافدين لم ينجح الكنعانيون قط في تأسيس دولة قوية موحدة واقتُصر تجمعهم على ممالك صغيرة حول المدن الرئيسية حيث كانت كل جماعة تتجمع حول مدينة محصنة بأسوار ذات شرفات وأبراج لأغراض الدفاع، وكان ذلك يسمح لسكان الريف المجاورين باللجوء إليها في وقت الخطر، وقد عُرفت هذه التجمعات تاريخياً باسم ممالك المدن.

وبعد الأموريين والكنعانيين كان الآراميون والعبرانيون هما الشعبان الساميان الآخران اللذان هاجرا من حوض الفرات إلى سورية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد في صورة قبائل رُحَّل، وفي الوقت الذي استقر فيه الآراميون وسط الأموريين في سورية الوسطى، فقد استقر العبرانيون في جنوب سورية (فلسطين)، ولما كان الكنعانيون يشكلون كثافة نسبية في الأراضي المنخفضة بينما يسكن الأموريون المرتفعات الأقل كثافة، فقد أعطى ذلك القادمين الجُدُد مجالا للاستيطان في مناطق المرتفعات.

ويحيط الغموض ببدء وجود العبرانيين في جنوب سورية إلا أن الروايات العبرانية في الكتاب المقدس وقصص القرآن تميط اللثام عن بعض الأحداث الرئيسية في تلك الفترة، حيث تشير الروايات العبرانية إلى أن النبي إبراهيم (عليه السلام) ـ الجد الأكبر للعبرانيين ـ قدم من "أور" في بلاد الرافدين بطريق "حران" وأقام بعض الوقت قرب حبرون (الخليل). ويروى لنا القرآن الكريم في سورة (إبراهيم) كيف وُلد للنبي إبراهيم ولدان إسماعيل وإسحاق (عليهما السلام)، وكيف تُرك إسماعيل في وادي مكة مع أمه هاجر، ليصبح بعد ذلك الجد الأكبر لكثير من العرب المستعربة الذين انتشروا في نجد والحجاز والبتراء وتدمر، بينما اصبح إسحاق الجد الأكبر للإسرائيليين الأوائل من نسل ابنه يعقوب الذي غُير اسمه (كما جاء في العهد القديم) ليصبح إسرائيل، كما غُير اسم "عيسو" أخو يعقوب ليصبح "آدوم"، وعرف أبناؤه فيما بعد باسم الأدوميين، وقد اسقط الإسرائيليون عيسو من تاريخهم كما اسقطوا إسماعيل من قبل.

ويروي لنا القرآن (في سورة يوسف) قصة أولاد يعقوب الإثنى عشر وكيف انتهى الأمر بيوسف (الابن الأكبر لراحيل)، إلى منصب كبير في مصر ودعوته لوالديه وأخوته للإقامة بها، وما انتهى إليه الأمر من إقامة أسرة يعقوب (إسرائيل) في مصر، ويسجل التاريخ أن أحد القبائل العبرانية ـ وهي قبيلة راحيل ـ عاشت وازدهرت في مصر في عهد الهكسوس في أرض "غوش" قرب "أفاريس" عاصمة الهكسوس.

ويوضح لنا كل من الكتاب المقدس (العهد القديم) والقرآن الكريم (في سورتي طه والأعراف) كيف خرج الإسرائيليون من مصر بقيادة النبي موسى (عليه السلام) في بداية الهجرة الثانية للعبرانيين إلى جنوب سورية (فلسطين)، كما سجل لنا التاريخ أن هذه الهجرة قد بدأت في أوائل القرن الثالث عشر (ق.م)، وأنه بعد سنين التيه في سيناء اتجه الإسـرائيليون إلى فلسطين، إلا أنهم اصطدموا بقبائل العمالقة العربية الذين كانوا يستوطنون منطقة النقب وشمال الحجاز، فاتجهوا شرقاً نحو بادية الأردن في منتصف القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

وتجنب الإسرائيليون في تحركهم ممالك أدوم ومؤاب وعمون الواقعة شرق وجنوب البحر الميت، إلا أنهم اصطدموا بمملكتي "سيحون" و"باشان" الأموريتين في طريقهم إلى الأراضي الخصبة غربي نهر الأردن. وبعد انتصارهم على المملكتين السابقتين، بدأ تغلغل الإسرائيليين في منطقة الجليل والسيطرة تدريجياً على ممالك المدن الكنعانية عن طريق الفتح والمعاهدات والامتصاص.

2. تغلغل القبائل الإسرائيلية والفلسطينية وسيطرتها على فلسطين (1250ـ 923 ق.م)

وفي الوقت الذي كان فيه الإسرائيليون يتوغلون في منطقة المرتفعات الوسطى في أواخر القرن الثالث عشر (ق.م) كانت منطقة الساحل (الفلسطيني) تتعرض لغزوة استيطانية أخرى. فقد أدى زحف القبائل الهندو ـ أوروبية على بلاد اليونان وجزر بحر إيجه إلى فرار عدد كبير من سكان البلاد الإيجيين إلى أقرب السواحل. ومن بين هؤلاء جاء الفلسطيون (أو الفلسطينيون) من جزيرة كريت واحتلوا مدينتي "أرواد" و"قادش". وعندما أرادوا التقدم إلى مصر هزمتهم القوات المصرية بقيادة رمسيس الثالث في معركة برية وبحرية قاسية حوالي عام 1191 ق .م، إلا أنه سُمح لهم بالبقاء في منطقة ساحل سورية الجنوبية التي بدأت تعرف باسم "فلسطيا" منذ ذلك الحين.

وامتدت المنطقة الساحلية التي استقر فيها الفلسطينيون بصورة دائمة من غزة جنوباً حتى جنوب جبل الكرمل شمالاً، وتوسعوا في الداخل حتى غربي اللد واستولوا على عدد من المدن الكنعانية. ولما كان الفلسطينيون قد أتوا معهم بنسائهم فإنهم لم يختلطوا بالسكان الأصليين من الكنعانيين وظلوا يشكلون طبقة عسكرية أجنبية تقيم في الحاميات. ونظمت مدنهم الخمسة (غزة، عسقلان، أسدود، عقرون، جت) في شكل ممالك مدن، حكمت كل منها إحدى قبائلهم بشكل مستقل، غير أنهم تميزوا بوحدة قوية فيما بينهم أشبه بالاتحاد الكونفدرالي)، كما كانوا يتوحدون عند الخطوب.

وقد سهل انحسار السيطرة المصرية عن الأقاليم السورية خلال القرن الثاني عشر (ق.م)، وضعف ممالك المدن الكنعانية والأرامية وتفككها على تهيئة الظروف الملائمة لسيطرة الغزاة الإسرائيليين والفلسطينيين على جنوب سورية، في الوقت الذي كان يسيطر فيه الحثيون على شمالها. وهكذا أصبحت الأقاليم السورية التي كانت تُحكم كمقاطعة مصرية منذ أوائل القرن السادس عشر (ق.م) خارج الإمبراطورية.

وبدأ الصراع بين العبرانيين والفلسطينيين الذي انتهى في البداية لصالح الآخرين الذين بلغوا أوج قوتهم في النصف الثاني من القرن الحادي عشر (ق.م)، واستمرت سيطرة الفلسطينيين حتى عهد داوود مؤسس الدولة الإسرائيلية، الذي بدأ حكمه تحت سيادة الفلسطينيين نحو عام 1004 (ق.م)، ولكنه نجح في النهاية ليس فقط في تحقيق الاستقلال عن الفلسطينيين ولكن أيضاً في توسيع مملكته بسلسلة من العمليات الحربية أدت إلى التخلص من نير الفلسطينيين والسيطرة على ممالك آدوم ومؤاب وعمون وتحقيق الوحدة المؤقتة للإسرائيليين الذين كانوا قد بلغوا في عهده نحو ستمائة ألف نسمة، وانتقى داوود حصن أورشليم اليوبسي ليكون مقراً لدولته الموحدة وأنشأ فيه معبداً للديانة اليهودية التي أصبحت الديانة الرسمية في الدولة الجديدة.

وورث داود ابنه سليمان حوالي عام 963 (ق.م) ووصلت المملكة في عهده درجة فائقة من المجد والأبهة إلا أنه عندما توفى حوالي عام 923 (ق.م) كانت المملكة التي ورثها أكبر كثيراً من تلك التي تركها لخلفائه.

3. انقسام وتدمير المملكة الإسرائيلية وسيطرة الآشوريين والبابليين على فلسطين (923 ـ 539ق.م)

انقسمت المملكة بعد سليمان إلى مملكتين: "إسرائيل" في الشمال وعاصمتها "شكيم" ثم "السامرا" و"يهوذا" في الجنوب وعاصمتها "أورشليم". وظلت المملكتان متنافستين أحياناً وعدوتين أحياناً أخرى، حتى اجتاح الآشوريون الأولى عام (728 ق.م) في عهد "سرجون الثانوني" الذي سبى أكثر من 27 ألف فرد من سكان مملكة إسرائيل التي تلاشت إلى الأبد.

وعندما قضى البابليون الجدد (الكلدانيون) على الدولة الآشورية عام 612 (ق.م)، حاول "نيخاو الثاني" ملك مصر في ذلك الوقت الاستفادة من الفراغ الذي خلفه الآشوريون في سورية وفلسطين، فتقدم بجيشه نحو الأخيرة عام 608 (ق.م)، وحاول "يوشيا" ملك يهوذا ـ الذي أصبح تابعاً للدولة البابلية الجديدة ـ اعتراض الجيش المصري بقواته عند بلدة مجدو، إلا أن القوات المصرية ألحقت به هزيمة ثقيلة وانتهت المعركة بموته وخضوع فلسطين لمصر مرة أخرى، وبدأت يهوذا ـ التي وضع المصريون على عرشها يهوا قيم (حفيد يوشيا) ـ تدفع الجزية للمملكة المصرية.

ومع تقدم القوات البابلية تحت قيادة "نبوخذ نصر" لبسط سيطرتها على سورية ـ التي كانت لا تزال ترابط في شمالها قوات "نخاو الثاني" ـ عام 605 (ق.م)، تردد "يهواقيم" ملك يهوذا بين التحالف مع المصريين الذين وضعوه على العرش والخضوع للغزاة الجدد، إلا أنه في النهاية قبل بالخيار الأول الذي جاء كارثة على مملكته. حيث نجح البابليون في إيقاع هزيمة ثقيلة بالمصريين في كركميش أعالي الفرات (شمال شرق حلب). وبدأوا في انتزاع الممالك التابعة لمصر شرق البحر المتوسط الواحدة تلو الأخرى.

ولم يكن "يهو أقيم" ممن يمكنهم مقاومة "بنوخذ نصر" الذي دخل جيشه إلى أورشليم عام 597 (ق.م). وبعد حصار قصير استسلمت المدينة وسبي الغزاة الملك وأسرته وموظفيه وسبعة آلاف من جنوده ونحو ألف من الصناع المهرة إلى بابل. وعين "نبوخذ نصر" "صدقيا" أحد أبناء "يوشيا" ملكاً جديداً على يهوذا.

وتظاهر "صدقيا" بالولاء لبابل في البداية، إلا أنه حاول بعد ذلك الاستقلال. فأرسل "نبوخذ نصر" جيشه للقضاء على يهوذا كلية عام 586 (ق.م)، فدمر أورشليم وكل مدينة هامة في المملكة، واُقتيد الملك ـ الذي قُتل أبناؤه أمامه ـ ونحو خمسين ألف من رعاياه سبايا إلى بابل.

وهكذا تمت تصفية الدولة الإسرائيلية في فلسطين التي استمرت بين الوحدة والانقسام بدرجات متفاوتة من القوة والضعف نحو أربعة قرون، ومن تبقى من الإسرائيليين الذين فرقهم السبي اندمج في باقي سكان البلاد الذين كانوا خليطاً من الشعوب السامية (الكنعانية والأرامية والعربية).

أما الفلسطينيون الذين خضعوا لحكم الإسرائيليين في عهد داود وسليمان، فإنهم حاربوا الآخرين بعد انقسام كل منهما من وقت إلى آخر حتى خضعوا نهائياً في القرن الثامن (ق.م). ومع قتال المصريين والآشوريين على أرضهم اُضطر الفلسطينيون إلى قتال كل منهما حتى انقرضت مملكة الفلسطينيين قبل السبي البابلي، ولم تعد لهم في القرن الرابع (ق.م) أية قوة تذكر، وانتهت سيرتهم في تاريخ فلسطين بالاندماج التام في سكان البلاد، ولم يبق منهم سوى الاسم الذي أصبح يُطلق على القسم الجنوبي من سورية.

ومنذ القضاء على مملكة يهوذا خضعت فلسطين للسيطرة البابلية حتى عام 539 (ق.م) عندما قضى الفرس ـ الغزاة الجدد ـ على المملكة البابلية الحديثة واعترفت أقاليم الإمبراطورية البابلية، بما فيها سورية وفلسطين، بالحكم الفارسي الجديد، وبانتهاء سيطرة البابليين على فلسطين انتهت سيادة الشعوب السامية القديمة على البلاد ولم تعد إلا بعد أكثر من ألف عام على يد عرب شبه الجزيرة العربية، أما الفرس ـ السادة الجُدُد ـ فكانوا ينتمون إلى الشعوب الهندو ـ أوروبية وقد خلفهم في سيادتهم على فلسطين المقدونيون فالرومان فالبيزنطيون وكلهم من الهنود الأوربيين.



الصفحة الأولى الصفحة السابقة الصفحة التالية الصفحة الأخيرة